العدد: ٥/ ربيع الأول / ١٤٢٧ه

المقالات دراسات/ تأملات في المنتظر

القسم القسم: العدد: ٥/ ربيع الأول / ١٤٢٧هـ الشخص الكاتب: السيد محمد القبانجي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٧/٢٥ المشاهدات المشاهدات: ٨١٨٧ التعليقات التعليقات: ٠

تأملات في المنتظر

السيد محمد القبانجي/ مدير مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام

في رحاب هذه المفردة لنا وقفة تأملية مع المعنى السليم للمنتظِر، وطبيعة الحال فالمنظور هنا هو المعنى المصطلح أي انتظار مهديّ هذه الأمّة الثاني عشر من عترة النبيّ صلـى الله عليه وآله وسلم، ولكـن ما نحتاجه هنا والذي ينبغي أن نضع النقاط عليه، ومـا يفيدنا في هذا المضمار هو الاجابة على عدة أسئلة تتمحور في النظرة المتطلّعة الى هذا المفهوم العقيدي: ماذا ينتظر الانسان؟
ما هي المقدمات التي ينبغي الالتفات اليها حتى يكون الانسان منتظِراً؟
وإذا كان المنتظِر هو ذلك الانسان المترقب والمتوقع لحدوث شيءٍ، فما هو الحدث الذي يترقبه المرء؟
هل هو وجود مهديِّ هذه الأمّة؟ وهل يُدخله هذا النوع من الترقّب في عداد المنتظرين؟
أو أنه يترقب تحقق أمنياته الذاتية وتوفر مطالبه الشخصيّة يصاحب ذلك انغلاق خاص على الذات واحتياجاتها والنفس وأحلامها؟
وبعبارة ثانية: ما هي معالم المنتظِر؟
فهل كلّ من يؤمن بعقيدة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين؟
بل لنحدّد المصطلح بشكل أدقّ ونقول: هل كلّ من يؤمن بالعقيدة الاثني عشرية وبولادة الامام الحجّة بن الحسن عليه السلام يعدّ من المنتظرين؟
وبمقولة ثالثة: هل العقيدة المهدوية من الأمور العبادية القلبية؟ أو هي من الأمور العبادية الجوارحيّة؟ ولنا أن نتساءل باصطلاح المناطقة والحكماء ـ إن صحّ الاطلاق ـ فنقول: هل هي من مقولة العقل النظري فقط أو أنها تابعة للعقل العملي، أو لنقل ان لها بعداً عملياً؟
وفي هذا الصدد يمكننا القول وبصراحة انّه ليس كلّ من اعتقد بالمصلح العالمي يعدّ منتظِراً، وكذلك ليس كلّ من كان معتقداً بالعقيدة الاثني عشرية يعدّ منتظِراً. وهكذا يعمّم هذا النفي ليشمل من اعتنق المهدوية قلباً وآمن بها جناناً ووجداناً ولكن لم يجسّدها حركةً على صعيد الواقع، ولم يتعاط معها كقضية واقعية محسوسة لها بعدها وأثرها على مستوى الفرد والمجتمع.
ويبقى هذا الوصف ـ على حقيقته وصدقه على بعض الأفراد ـ قضية مشكّكة تتأرجح بين القوة والمتانة والضعف والاضطراب بحسب اختلاف انطباقها بين الأفراد المنتظرين كسائر القضايا الايمانية والعقائدية الأخرى.
معالم المنتظِر:
صحيح أنّ هذا الوصف ـ كما سبق ـ من الأمور والقضايا المشككة والتي تختلف من شخص لآخر في جوانب قوتها وضعفها وضيقها وسعتها، ولكن هذا لا يمنع من رؤية بعض المواصفات وتسجيلها في ضمن قائمة معالم المنتظِر والتي تمثّل المقوّمات الأساسية له سواء على صعيد الجانب العقيدي والايماني أو يتخطى الى جوانب تفعيل العقيدة فيحصّلها واقعاً حركياً ملموساً، وهكذا فقد تُمثّل بعض المقوّمات في الحقيقة مقدمات كبرويّة لا يمكن أن يتحقق عنوان المنتظِر من دون تمركزها مسبقاً في الذهنية الايمانية وفي إطار وحيّز الانسان الذي يراد منه أن يكون منتظِراً حقيقياً.
وهكذا قد تشترك بعض المقدمات هنا مع مقدمات الانتظار لوجود العنصر المشترك الذي تتحرك حوله هذه المفاهيم الثلاثة (الانتظار ـ المنتظِر ـ المنتظَر).
والمواصفات المقوّمة لعنوان المنتظِر هي:
١ ـ الاعتقاد بوجود الاله العالم الحكيم الرؤوف بعباده والذي لا يفعل أمراً إلاّ وفيه مصلحة وحكمة.
٢ ـ الاعتقاد بوجود الرسل والمبعوثين من قبل الله سبحانه وتعالى لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات الى النور.
٣ ـ الاعتقاد بخاتم الرسل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأنّ شريعته خاتمة الشرائع لا دين بعده ( إن الدين عند الله الاسلام)،(ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه) وعلى هذا الاساس فلابدّ أن يكون أكمل الأديان كافة، ومنسجماً تمام الانسجام مع متطلبات كلّ عصر وملبياً لحاجات كلّ زمن. وله القدرة على التعاطي والتجاذب مع الاحداث المختلفة سعة وضيقاً، وبكلمةٍ موجزة وعبارةٍ واضحة يجب الاعتقاد بأن الاسلام هو ذلك الدين الالهي الذي باستطاعته إعطاء الحلول والاجابات بشكلٍ متين وإسلوب واضح لكلّ مشاكل الحياة من جهة وما يعتلج في الصدور ويستراب في القلوب عند البشرية منذ عصر الرسالة والى أن تقوم الساعة من جهة أخرى.
٤ ـ الاعتقاد بوجود أوصياء وخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتخبين ومعينين من قبل الله تعالى لا دخل للعنصر البشري في اختيارهم وتعيينهم وهم أئمة إثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ذرية الحسين آخرهم (م ح م د) بن الحسن العسكري، يتصفون بمواصفات وهبها الله لهم خاصة من أبرزها العصمة ليس فقط عن الذنب وليس فقط في مجال التبليغ، بل تتسع لتشمل السهو والنسيان بل كل نقيصة أو ما يخالف المروءة. إذ (العصمة هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان ... بل يجب أن يكون منزّها حتّى عمّا ينافي المروّة، كالتبذل بين الناس من أكلٍ في الطريق أوضحكٍ عال، وكلّ عملٍ يستهجن فعله عند العرف العام).
٥ ـ الاعتقاد بأنّ الامام المهدي مولود من سنة ٢٥٥ هـ وتقلّد الامامة الالهيّة عام ٢٦٠ هـ في يوم شهادة والده وهو حجّة الله في الأرض، وهو حيّ موجود بيننا يرانا ونراه ولكن لا نعرفه ولا نشخّصه بمصداقه وإن كنّا نعرفه بمشخصاته وهويته وأوصافه.
٦ ـ الاعتقاد بأنّ الامام الثاني عشر الحجّة بن الحسن غيّبه الله عن العباد لمصلحة وحكمة خفيت علينا وإن كنّا نعلم بعض أطرافها وأسبابها، وسوف يظهره الله تعالى فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
٧ ـ الاعتقاد بأنّ المنتظَر هو ذلك الامام المطّلع على حقائق أمورنا وخفايا أعمالنا.
ذلك الامام الذي يسمع كلامنا ويردّ سلامنا.
ذلك الامام الذي يجيبنا إذا دعوناه ويشفع لنا إذا رجوناه.
ذلك الامام الذي يحسّ آلامنا ويفرح لفرحنا ويحزن لحزننا ويتألم لما يجري علينا.
هذا كلّه بلحاظ عالم الاعتقادات وفي مجال الفكر والنظر، أما مقومات الجانب العملي في الانتظار ومعرفة المواصفات الخاصة العملية التي ينبغي توافرها عند المنتظرين حتى يتصف الانسان بهذه الصفة على نحو الحقيقة بحيث ينطبق عنوان (المنتظِر) عليه انطباقاً واقعياً حقيقياً لا مجاز فيه فسوف تطالعك تحت عنوان: (كيف تكون منتظِراً حقيقياً).
وهنالك مقوّمات ونقاط أخرى أعرضنا عنها طلباً للاختصار وحذراً من التطويل.
وقد يقول البعض إنّ انتظار المصلح العالمي لا يتوقف على كثير من هذه المقومات المدّعاة، بل أكثر من هذا لا يتوقف على الاعتقاد بوجود الله تعالى، لأننا نجد أنّ الانسان الديالكتيكي المادي يعتقد بضرورة صلاح العالم في يوم ما على يد رجال أكفاء يعمّ في عصرهم الرخاء والمساواة والحرية!!!. يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر في بيان عالمية الانتظار وعدم اختصاصه بفئة دون أخرى (لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ الى غيرهم أيضاً وانعكس حتّى على أشدّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود تصفّى فيه كلّ تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام).
وهكذا فالاعتقاد بمجيء المصلح العالمي قضية فطرية غرسها الله في فطرة كلّ إنسان، ولا يمكن أن تتفق البشرية على خطأ (وذلك لأنّ أي مطلب يريده الناس كافّة دليل على فطريته، ... إذ كل حبّ أصيل وفطري يحكي عن وجود محبوب خارجي وجذاب، كيف يمكن أن يخلق الله التعطش في داخل الانسان دون أن يخلق في خارجه الينبوع الذي يصبو نحوه ليرتوي منه؟ لهذا نقول إنّ فطرة الانسان وطبيعته التي تبحث عن العدالة تصرخ بأعلى صوتها أنّ الاسلام والعدالة سوف يسودان العالم كلّه في نهاية المطاف، وأنّ مظاهر الظلم والجور والأنانية سوف تزول، وأنّ البشرية ستتوحد في دولة واحدة وتعيش تحت راية واحدة في جوٍّ من التفاهم والطهارة) إذن فليست قضية الانتظار (تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها وصياغة لالهام فطري أدرك الناس من خلاله أن للانسانية يوماً موعوداً على الارض).
وهذا كلام صحيح ومنطقي في حدّ ذاته وأمر مقبول جداً، ولكن الذي نقصده من المنتظِر والانتظار شيء وراء المصلح العالمي، وهذا سبق وأن أوضحناه حينما قلنا أنه ليس كل من يعتقد بضرورة المصلح العالمي يعدّ من المنتظرين، بل أكثر من هذا فنحن قد نفينا أن يكون المؤمن المعتقد بالامام المهدي عليه السلام من مصاديق المنتظرين إذا كان خالياً عن تجسيد هذا المفهوم في الواقع المعاش، على نطاق ذاته وخصوصياته ومن ثمَّ انطلاقاً وامتداداً إلى مجتمعه وأطرافه.
فالاعتقاد بأمثال هذه المفاهيم وإن كان حقاً وصدقاً ومطابقاً للواقع المستقبلي، ولكن هذا شيء وكونه من المنتظرين لمثل هذه الشخصية العالمية التي تطبّق عدالة السماء في الأرض شيء آخر، فبينهما بون شاسع كما هو الحال بين العلم بالشيء والاعتقاد والايمان به فإبليس على سبيل المثال كان يعلم بوجود الله وقدرته ويعلم بوجود الجنة والنار علم اليقين، ربّما كان يفوق علم الكثير منّا لأنه رأى هذه الأمور رؤية عين ونحن سمعناها ولم نرها.
ولكن مع ذلك يعدّ الله الذين اعتقدوا بما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنين ويعدّ إبليس من الكافرين. إذن فالقضية لا تعتمد ولا تصدق على مجرد الاعتقاد والعلم بالشيء بقدر ما هي متوقفة في انطباقها على آثارها وتداعياتها خارج حدود الذات كما جاء في الحديث (الايمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالاركان).
كيف تكون منتظراً حقيقياً؟
ربّما يجد المرء من نفسه اعتقاداً راسخاً ويقيناً عميقاً بالمقومات والنقاط المذكورة آنفاً ولكن لا يحسّ من نفسه بلوعة الانتظار ولا تدمع له عين لألم الفراق، ولا يسهر له جفن شوقاً الى اللقاء وطمعاً في لحظة الوصال. ولا تقضّ مضجعه ذكرى الغريب المضطّر.
فهو مؤمنٌ بالمنتظَر عليه السلام على مستوى النظرية من دون تجسيد ذلك على مستوى التطبيق والواقع العملي، فمن هنا كان لزاماً على المرء المنتظِر ولكي يجمع بين المفهوم والمصداق أو النظرية والتطبيق، ولكي يجعل من نفسه مفردة إيمانية محصّلة لكامل مفردات الايمان في الحديث الشريف السابق، لابدّ إذن من رسم خطوات عملية ممنهجة، ووضع آليّة حركية خاصة لكسب هذه المقومات وتحصيل صفة المنتظِر والانتظار إن كانت مفقودة وتركيزها وتقويتها إن كانت ضعيفة. وأفضل منهجيّة يتّبعها الانسان وأسلم برنامج عملي مضمون النتائج لكسب هذا المقام الشامخ هو ما رسمه أهل البيت عليهم السلام لنا وما نهجوه من منهاج.
لذا من الأفضل تتبّع آثارهم الشريفة وسلوك أقوالهم الكريمة والانتهال من نميرهم العذب.
وأوّل هذه الخطوات هي:
١ ـ أن لا يكون الانتظار لأجل تحقيق مطامع شخصية وتحصيل وجاهات ذاتية فانّ هذا الانسان ليس منتظراً للامام عليه السلام في الحقيقة وإنّما هو منتظرٌ للحصول على الشهوات النفسانية واللذّات الجسمانية. كما قال أمير المؤمنين (إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم)، ولهذا نجد الامام الصادق عليه السلام يحذّر أبا بصير رحمه الله من مثل هذا الانتظار القائم بالحقيقة على الأطماع الذاتية، كما جاء في أصول الكافي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، متى الفرج؟ فقال: يا أبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره.
وهكذا جاء في تحف العقول، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: افترق الناس فينا على ثلاث فرق:
فرقة أحبّونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا فقالوا، وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا فسيحشرهم الله الى النار، وفرقة أحبّونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا، ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً يسلط عليهم الجوع والعطش، وفرقة أحبّونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا فاولئك منّا ونحن منهم.
وهذا يذكّرنا بحال طلحة والزبير حينما بايعا علياً طمعاً في أن ينالا منه سلطاناً أو جاهاً فلما خابا وخسئا نكثا بيعتهما وأخلفا وعدهما وباءا بالخسران المبين في الدنيا والاخرة.
٢ ـ جهاد النفس:
السعي الحثيث والجاد لتهذيب النفس وتحليتها بالاخلاق الفاضلة وتقوى الله والورع عن محارمه، فقد جاء في الحديث الشريف عن أ بي عبد الله عليه السلام: من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظِر، وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق وهو منتظر، فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة.
٣ ـ التهيؤ العسكري:
الأمر الثالث المحقق لكمال الانتظار وتمامية الشخصية المنتظرة هو التهيؤ في البعد العسكري والاستعداد الكامل في بناء الذات من ناحية قتالية من خلال التربية البدنية والجسدية حتى تكون مؤهلة لذلك اليوم المنشود، وقادرة على الحركة بقوة وصلابة في ميادين القتال تحت راية الامام عليه السلام، أو من خلال تهيئة السلاح الكامل المناسب لذلك العصر، وقد أمر أهل البيت عليهم السلام بذلك صريحاً في أحاديثهم المباركة فعن أبي بصير كما جاء في غيبة النعماني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ليُعدَّن أحدُكم لخروج القائم ولو سهماً، فانّ الله إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن ينسيء في عمره حتى يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره.
وهذا ما نجده واضحاً جليّاً في دعاء العهد الذي تستحب قراءته في كلِّ يوم (اللّهم إن حال بيني وبينه الموتُ الذي جعلته على عبادك حتماً مقضيّاً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرّداً قناتي مُلبيّاً دعوة الداعي في الحاضر والبادي ...).
لذا يمكننا أن نسجِّل هذا الأمر في ضمن مفردات الانتظار العملي لما يتمتع به هذا الاستعداد من بعث روح النشاط والحماس والجدّ والرغبة الملحّة والفاعلة لظهوره سلام الله عليه.
٤ ـ التهيؤ العبادي:
لا شك ولا ريب أنّ العبادة بجميع مفرداتها هي خير وسيلة لتركيز صفة الانتظار في النفس الانسانية، وهذا ما نبّه إليه أهل البيت كما قرأت في ضمن الأحاديث السابقة، ولكنّ المهمّ هنا هو دوام ذكره سلام الله عليه والدعاء له، فمضافاً الى أنه من أهم العبادات نراه يُشكل عاملاً آخر من عوامل بناء الشخصية المنتظِرة. وقد ذكر لنا أهل البيت عليهم السلام برنامجاً يومياً وأسبوعياً لهذا الأمر ركّزوا من خلاله على هذا الجانب تركيزاً كبيراً، لذا ينبغي على المؤمن الالتفات اليه وعدم الغفلة عنه، ونحن نذكر هذا البرنامج بشكل مختصر لعموم الفائدة:
البرنامج اليومي: ـ
١ ـ قراءة دعاء العهد بعد صلاة الصبح.
٢ ـ التصدّق بمبلغ معيّن لسلامة صاحب العصر.
٣ ـ الصلاة على محمد وآل محمد ١٠٠ مرة بنيّة تعجيل الفرج.
٤ ـ قراءة دعاء: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن ... بعد الصلوات الواجبة.
٥ ـ أداء صلاة الغفيلة بين العشائين بنيّة تعجيل الفرج.
البرنامج الاسبوعي: ـ
١ ـ أداء صلاة الإمام المهدي عليه السلام مساء الثلاثاء ليلة الأربعاء.
٢ ـ قراءة زيارة آل يس مساء الخميس ليلة الجمعة.
٣ ـ قراءة دعاء الندبة صباح الجمعة.
فضل المنتظِرين
في هذا الفصل نذكر نبذة من أنوار كلماتهم ونماذج من محاسن أقوالهم ـ وكلها نورانية وجميعها حسنة ـ في بيان ما للمنتظِر من الفضل والأجر عند الله تعالى:
١ ـ عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيما أفضل: العبادة في السّر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار: الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممّن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق، واعلموا أنّ من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتر بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله عز وجل بها له خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة،إن الله عز وجل كريم.
قلت: جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين واحد؟ فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل خير وفقه وإلى عبادة الله عز ذكره سراً من عدوكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له صابرين معه، منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال، فهنيئا لكم.
قلت: جعلت فداك فما ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق والعدل؟
فقال: سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله عز وجل في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار! لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثيرٍ من شهداء بدر وأحد فأبشروا.
فذكر عليه السلام في هذه الرواية الشريفة من أسباب الأفضلية. ثمانية أمور:
الأول: سبقكم إلى الإيمان بالله وبرسوله والدخول في دين الله تعالى والإقرار به.
الثاني: سبقكم إلى العمل بالأحكام مثل الصلاة والصوم والحج وغيرها من الخيرات.
الثالث: عبادتكم سراً مع الإمام المستتر وطاعته كذلك خوفاً من الأعداء.
الرابع: صبركم مع الإمام المستتر في الشدائد.
الخامس: انتظاركم لظهور دولة الحق وهو عبادة.
السادس: خوفكم على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة وتغلبهم.
السابع: نظركم نظر تأسفٍ وتحسّر إلى حقّ إمامكم وهو الإمامة والفئ وحقوقكم التي هي الأموال في أيدي الظلمة الغاصبين الذين منعوكم عن التصرف فيها واضطروكم إلى حرث الدنيا وكسبها وطلب المعاش من وجوه شاقة.
الثامن: صبركم مع تلك البلايا والمصائب على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم قتلاً وأسراً ونهباً وعِرضاً، وليس لأصحاب المهدي عليه السلام بعد ظهوره شيء من هذه الأمور فلذلك ضاعف الله تعالى لكم الأعمال.
٢ ـ عن أمية بن علي عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيهما أفضل نحن أو أصحاب القائم عليه السلام؟ قال: فقال لي: أنتم أفضل من أصحاب القائم، وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور، إن صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم، وعدّد أشياء من نحو هذا مثل هذه، فقلت: فما نتمنى القائم عليه السلام إذا كان على هذا؟ قال: فقال لي: سبحان الله أما تحب أن يظهر العدل ويأمن السبل وينصف المظلوم.
٣ ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
المنتظِر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله.
٤ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام:
(من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام).
٥ ـ وعنه أيضاً (من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لابل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف).
٦ ـ عن السندي عن جده، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في من مات على هذا الأمر منتظراً له؟
قال عليه السلام: بمنزلة من كان مع القائم عليه السلام في فسطاطه. ثمّ سكت هنيئة ثُمَّ قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
٧ ـ في حديث عن الامام الصادق عليه السلام قال: طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
٨ ـ عن الامام زين العابدين عليه السلام:
(إنّ أهل زمان غيبته والقائلين بامامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عنهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاء إلى دين الله سرّاً وجهراً).

التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *
 مقال مختار:
 أكثر المقالات زيارةً:
المقالات دراسات/ حقيقة الإمام المهدي عليه السلام في روايات ومصادر العامة من وسائل التقريب ونبذ الطائفية (المشاهدات: ٩٠٢,٢٨٣) المقالات دراسات/ دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر (المشاهدات: ٥٩,٦١١) المقالات دراسات/ منزلة الإمام المهدي عليه السلام عند آبائه المعصومين عليهم السلام (المشاهدات: ٤٠,٩٢٣) المقالات دراسات/ الإمام المهدي في الشعر العربي (المشاهدات: ٣٩,٢٩٤) المقالات دراسات/ البصرة في ظهور الامام عليه السلام (المشاهدات: ٣٨,١٦٩) المقالات دراسات/ التوظيف السياسي لفكرة المهدي في العهود الاسلامية الاولى (المشاهدات: ٣٧,٤٢٠) المقالات دراسات/ أبعاد من الحكمة الإلهية لغيبة الإمام المهدي عليه السلام (المشاهدات: ٣٥,٢٩٧) المقالات دراسات/ الصيحة والنداء السماوي (المشاهدات: ٣٢,٨٩٩) المقالات دراسات/ أفكار في سلاح الإمام المهدي عليه السلام عند الظهور (المشاهدات: ٣١,٠١٨) المقالات دراسات/ دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام (المشاهدات: ٢٨,٠٤٤)
 أكثر المقالات تقييماً:
المقالات دراسات/ دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر (التقييمات: ٥.٠ / ٦) المقالات دراسات/ دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ مدّعو المهدوية مهدي السلفية التكفيرية وحركة جهيمان العتيبي (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ الرايات الصفر في الميزان (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ كارثة المسيح الدجال صحابي مسلم مجاهد (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ دراسة القضايا المهدوية (١) (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات شبهات/ شبهات اهل اليمن (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات دراسات/ أصحاب الإمام المهدي عليه السلام الخصوصيات الذاتية والفكرية (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات دراسات/ المهدي والمسيح عليهما السلام علاقة الاقتداء والاستيعاب من منظور قرآني (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات صفحة الطفل المنتظر/ قصة قصيرة (التقييمات: ٥.٠ / ١)
 لتحميل أعداد المجلة (pdf):

 البحث:

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016