أحمد بن كاطع أول الدجالين
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
يدعي أحمد بن كاطع الذي أنكر أصله واتّهم أمّه بأنه هو أول المهديين، وهو أول أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويستدل على كلامه هذا برواية يرويها عن كتاب (بشارة الإسلام) ومضمون الرواية التي ينقلها ناظم العقيلي في كتيب الرد الحاسم تحت عنوان الإضاءة الثالثة (ابن الإمام المهدي) ينقل عن ص١٤٨ من بشارة الإسلام ما هذا لفظه: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طويل ألا أن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال... . ثم ينقل في البين رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول ما هذا لفظه عن الإمام الصادق (عليه السلام) في خبر طويل سمى به أصحاب القائم (عجّل الله فرجه): ...ومن البصرة عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد وأحمد ومريح وحماد. ونحن نقف مع هاتين الروايتين ثلاث وقفات، وقفة سندية ووقفة دلالية ووقفة أصولية عقائدية.
الوقفة الأولى: البحث السندي
١- إنّ هذه الرواية وردت بألسنة متعددة، فقد روى السيد ابن طاووس صاحب (الملاحم والفتن) في ص٢٨٩ ما هذا لفظه: فذكر المهدي وخروجه وخروج من يخرج معه وأسمائهم إلى أنْ قال أولهم من البصرة وآخرهم من اليمامة. وابن طاووس يروي هذه الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وينقلها عن كتاب الفتن لأحمد بن عيسى بن الشيخ الحساني المعروف بأبي صالح السليلي، وهذا الكتاب ليس له نسخة مطبوعة ولا يوجد لهذا الخبر مصدر سوى الملاحم والفتن، ومن حيث السند فإن رواة هذا الحديث فضلاً عن كونهم من أبناء العامة فإن أغلبهم لم يترجم له، وبالتالي فهذه الرواية بهذا النص ساقطة عن الاستدلال لأنها ليست بحجة في فروع الدين فضلاً عن أن تكون حجة في اصول الدين.
اللسان الآخر الذي وردت به هذه الرواية هو ما ينقله جماعة أحمد بن الحسن وينقلونه عن كتاب (بشارة الإسلام) للسيد مصطفى آل سيد حيدر الكاظمي، أما المصادر الأخرى التي وجدناها تنقل الرواية بهذا اللسان فهو كتاب (إلزام الناصب) للشيخ علي اليزدي الحائري وينقلها تحت عنوان خطبة البيان، وإذا رجعنا إلى كتاب (بشارة الإسلام) وجدناه ينقلها في ص٢١١ من طبعة المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية وأيضاً ينقلها بعنوان خطبة البيان ومما نسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونحن لسنا بحاجة أن نقف كثيراً مع خطبة البيان بعد أن تحدث نفس الشيخ اليزدي الحائري عن هذه الخطبة، إذ قال في ص٧٥ من بشارة الإسلام: إنا لم نعثر على مستند صحيح لهذه الخطبة المسماة بالبيان ولم يثبتها أحد من المحدثين كالشيخ الطوسي والكليني ونظائرهم، وعدم ذكر المجلسي لها توهين لها لاحاطته بالأخبار، ويبعد عدم اطلاعه عليها مع أنها غير بليغة كثيرة التكرار غير بينة الألفاظ.
فهذا النص من السيد حيدر الكاظمي كافٍ في إسقاط خطبة البيان عن الحجية والاعتماد، فهي فضلاً عن أنها لا ترقى للاستدلال الفقهي فكيف بها في الاستدلال العقدي الأصولي.
٢- ملاحظة في غاية الأهمية: إنّ هؤلاء يزعمون أن أحمد بن كاطع بن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأن هذه البنوة حجة في التلقي حيث يقول أحمد بن كاطع في رسالة له (أمرني الإمام المهدي) ويقول في محلٍ آخر من هذا البيان (يا أهل العراق أن أبي قد أرسلني لأهل الأرض وبدأ بكم) ويقول في موضع آخر (فلن يطول الأمر حتى أعود مع أبي محمد بن الحسن المهدي) ويقول في موضع ومحل آخر (وسيأتيكم أبي غضبان آسفاً بما فعلتم بي)، ثم يختم رسالته بأنه الركن الشديد وبقية آل محمّد (عليهم السلام) وأنه المؤيد بجبرائيل المسدد بميكائيل المنصور بإسرافيل، تاريخ الرسالة ٢٨/ شوال/١٤٢٤ هـ.
فمع هذا الزعم الخطير الذي يصل إلى حد العصمة كما صرحوا بها في مواضع ومواطن عديدة من كتبهم نجدهم يكذبون علينا وهذه هي الطامة الكبرى والرزية العظمى كيف يكون المعصوم كاذباً، وهذا التناقض الخطير والانحراف الكبير، فاحمد بن كاطع المؤيد بجبرائيل والمسدد بميكائيل والمنصور بإسرافيل يكذب على الناس إذ يستدل عليهم بالأخبار الضعيفة التي ليست لها حجية في فروع الدين فضلاً عن أن تكون لها حجية في أصول الدين ولا يكتفي بذلك بل يبتر النصوص وينقلها كذباً فهذا هو نص ما نسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ورواه السيد الكاظمي في بشارة الإسلام في ص٢١١ استمع إليه أخي القارئ الكريم ودقق فيه وتأمله جيداً فستجد أن هؤلاء الضالين المضلين مهنتهم الكذب والتزوير والتدليس (فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا سألناك بالله يا بن عم رسول الله سمهم لنا وعلمنا بأسمائهم وأمصارهم فقد ذابت قلوبنا من كلامك هذا، فقال (عليه السلام): ألا إن أولهم من البصرة وآخرهم من الأبدال فأما الذين من البصرة فعلي ومحارب...) ولكي يتضح النص أكثر انقل لكم مقاطع من الكلام المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي سبقت كلامه الآنف الذكر حيث قال: (وإن المهدي أحسن الناس خلقاً وخلقاً ألا وأنه إذا خرج فاجتمع إليه أصحابه على عدد أهل بدر وأصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً...).
فأنْتَ تجد أيها القارئ الكريم أن النص المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يصرح في هذا المقطع من أن هؤلاء الرجال وهم أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأصحابه الخاصين يخرجون إذا خرج ويجتمعون إليه بعد خروجه ولا يكونون قبل خروجه وليس لهم حجيةٌ بمعزل عنه، بل وليس لكل فرد منهم حجية قبل خروجه حتى وإن ادعى ذلك.
الوقفة الثانية: البحث الدلالي
١- بعد أن تبين ضعف هذا الخبر بل ذهب البعض من العلماء إلى أنه موضوع على أمير المؤمنين (عليه السلام) نقول أنه لا ملازمة بين كون أنصار الإمام ثلاثمائة وثلاثة عشر وبين الذين يحكمون بعد الإمام وهم اثنا عشر وبين ما يدعي هؤلاء من أن هناك حجية وحاكمية لأنصار الإمام أو ذرية الإمام قبل قيام الإمام وظهوره، ثم إننا نؤكد على أن حجية المهديين الاثني عشر وحاكميتهم وأن لهم شيئاً من السلطات هو في طول حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو حكومة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين يكونون بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فلا حجية لهؤلاء الذين هم من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) وقوم من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) والذين سوف نقف مع الأحاديث التي ذكرتهم مفصلاً ونبين للجميع سقم وبطلان ما يدعيه هؤلاء المنمّسون من أن للمهديين الاثني عشر (عليهم السلام) حجية استقلالية وبمعزل عن حجية أهل البيت (عليهم السلام) من الأئمة الاثني عشر وأنهم يكونون قطب الرحى دون أهل البيت (عليهم السلام).
٢- إن هذه الرواية وأمثالها تخالف الضرورات التي قامت في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من قبيل انقطاع السفارة والنيابة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بمعنى تلقي الأحكام منه وإيصالها إلى الناس مباشرة إلى حين خروجه وظهوره، ومنها أنه لا حجية وإمامة إلا للأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، فإذا ما جاءت رواية وتحدثت عن أن هناك إمكان للاتصال والارتباط بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بمعنى السفارة الخاصة فإن هذه الأخبار لأنها تصطدم مع تلك الضرورة وتلك السنة القطعية لابد من رفضها أو تأويلها، وهذا له نظائر كثيرة عند المسلمين عامة وعند مسلمي الشيعة خاصة، فمن هذا القبيل روايات تحريف القرآن فإنّها حتى وإنْ صح سند بعضها إلا إنّنا نرفضها لأنها تخالف القرآن وتخالف السنة، فكذلك إذا قلنا بصحة روايات أن للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ذرية في عصر الغيبة وأن لذريته حجية وهذا أشبه بالمستحيلات البحثية.
ومعنى المستحيل البحثي أننا أثناء بحثنا وتنقيبنا في روايات أهل البيت (عليهم السلام) لم نجد رواية واحدة معتبرة تثبت أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) متزوج في عصر الغيبة وأن له ذرية بل أن الروايات تنفي أن يكون له ذرية وعقب كرواية الإمام الرضا (عليه السلام) التي جاء فيها: لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليه السلام) فإنه لا عقب له. أو أنّ لذريته بعد خروجه (عجّل الله فرجه) حجية بمعزل عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
الوقفة الثالثة: أصولية عقائدية
حيث أن هؤلاء يعتقدون بأن أحمد اسماعيل كاطع رجل معصوم وأنّ له حجية في الدين ويجب على الناس الاقتداء به ولا يجوز اخذ الدين إلا منه، وهذه الدعاوى تنسجم بل هي صريحة في أن ما يدعونه من أصول الدين فلابد أنْ يثبتوا مضامين دعاواهم من سنخ ما تثبت به أصول الدين بمعنى أن تكون الأدلة قطعية من حيث الصدور ومن حيث الدلالة وحيث أنهم يصرحون في أكثر من كتاب وفي أكثر من مورد أن كل خبر لن يصل حد التواتر لا يوجب العلم وأنه من أخبار الآحاد وأن أخبار الآحاد ليست حجة في أصول الدين، فهذا الكلام من هؤلاء ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في محاسباتنا لهم إذ أنهم يسقطون رواية السمري عن الاعتبار بحجة أنها خبر واحد مع أنه وفي نفس الوقت يستعينون بأخبار ضعيفة لا تكاد تصل إلى مستوى ما تثبت به مضامين أخبار الآحاد، ومع ذلك يحتجون بها ويتشبثون بمضامينها موهمين الآخرين بأن هذه الأخبار حجة في أصول العقيدة خصوصاً الامامة والنيابة، مع أنها كما قلنا على أحسن أحوالها لا تثبت أحكاماً فقهية إذ هي تتأرجح ما بين الموضوع والضعيف والمضطرب والمعارض، وسوف نلاحظ فيما يأتي من أبحاث إن شاء الله تعالى أن هؤلاء ليس لهم رواية واحدة صحيحة السند قطعية الدلالة على حجية أحمد بن كاطع أو حجية أن هناك ذرية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في غيبته الكبرى وأنّ أبناءه وذريته لهم حجية في الأمور الدينية.
إذن يتبين لنا أنّ هذه الرواية التي وقفنا معها ثلاث وقفات أنها رواية لا تصلح للاستدلال الفقهي فضلاً عن أنها لا تصلح للاستدلال العقائدي، أما رواية الإمام الصادق (عليه السلام) التي يروونها أيضاً عن بشارة الإسلام والتي أخذها السيد حيدر الكاظمي صاحب بشارة الإسلام من كتاب غاية المرام، فبعد أنْ بحثنا عن هذه الرواية وجدنا فيها الآتي:
١- إنّ هذه الرواية مصدرها الأول هو كتاب دلائل الإمامة للمحدث الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير من أعلام القرن الخامس الهجري.
٢- جاء رقم الرواية في ص٥٦٤ هكذا: (٥٢٨/١٣٢ وبالإسناد الأول والذي هو: ٥٢٧/١٣١ قال الطبري قال أبو حسان سعيد بن جناح حدثنا محمد بن مروان الكرخي قال حدثنا عبد الله بن داوود الكوفي عن سماعة بن مهران قال سأل أبو بصير الإمام الصادق (عليه السلام) عن عدة أصحاب القائم (عليه السلام) فأخبره بعدتهم ومواضعهم... الخ الرواية.
وجاء في الرواية (٥٢٨/١٣٢) ما هذا نصه (ومن البصرة عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح وحماد بن جابر).
فهذه الرواية فضلاً عن أنها ضعيفة السند بمحمد بن مروان وعبد الله بن داوود فهي أيضاً لا تدل على ما يدعيه هؤلاء إذ أن الرواية تصرح أنه أحمد بن مليح وليس أحمد بن الحسن أو أحمد بن إسماعيل كاطع فضلاً عن أن الرواية تتحدث عن أصحاب الإمام الـ ٣١٣ الذين يخرجون مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وليس قبله وإذا صح من أحمد السلمي أن يدعي من هذه الرواية حجيته فلابد أن يدعي ٣١٣ شخص من مختلف البلدان حجيتهم أيضاً تبعاً لهذه الرواية الضعيفة السند المجملة الدلالة، ثم أن نفس السيد حيدر الكاظمي صاحب بشارة الإسلام يعلق على هذه الرواية بقوله هذه النسخة كثيرة الغلط وقد سقط منها بعض الحروف وبدل بعضٌ...) فكيف يريد منا أحمد البصري أن نطمئن إلى رواية مجملة قد سقط منها وأضيف وحذف بعض حروف كلماتها، ولعل أحمد بن كاطع أيضاً زاد أو نقص في حروفها كما فعل في روايات أخرى، عجباً من هذا المعصوم.
تتميم: قد وردت عندنا جملة من الروايات تقول إنّ أول الدجالين من البصرة حيث جاء في كتاب (الملاحم والفتن) للسيد بن طاووس في ص٢٤٩ في باب ٣٧ الحديث رقم ٣٦٢ من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة قال فيها: ...وكل من خرج من ولدي قبل المهدي فإنما هو جزور، وإياكم والدجالين من ولد فاطمة فان من ولد فاطمة دجالين ويخرج دجال من دجلة البصرة، وليس مني وهو مقدمة الدجالين كلهم.
فهذا الحديث يصرح بأن هذا الدجال الذي يدعي أنّه من ولد فاطمة هو ليس من أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما هو يدعي ذلك.
ثم ما هو المانع يا أحمد السلمي أنْ تكون انت عوف السلمي، فهل تعرف من هو عوف السلمي؟
هذه وقفة سريعة مع دعوى من دعاوى هذا الضال التي ادعى بموجبها أنه صاحب الركن الشديد المؤيد بجبرائيل المسدد بميكائيل المنصور بإسرافيل قد تبين بطلانها بل تبين كذبه وتزويره ووضعه للأحاديث وتلفيقها فهل هو إلى الآن ركن شديد أم أنّ هذا الركن انقض وانهار في نار جهنم.