الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
لا تعني عقيدة الانتظار بأي حال من الأحوال الركود أو الحياد تجاه الأحداث التي يعاصرها الإنسان، فالذي غاب عن الناس هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وليس الشريعة الإسلامية، فهي حاضرة بجميع ما تتضمنه من التكاليف والواجبات الشرعية، ونحن مأمورون في زمن الغيبة بالاقتداء والائتمام بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، كما ورد في الخبر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه، يعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أُمَّتي عليَّ يوم القيامة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٢٨٦]
والحديث الشريف واضح فيما يعطيه من الائتمام بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من أبعاد عملية وسلوكية تتجاوز الأبعاد النفسية فقط أو العاطفية، ولا يخفى أن مقاومة الباطل ومساندة الحق هو عبارة أخرى عن تولي أولياء الله تعالى ومعاداة أعدائه، كما أننا إذا علمنا أن واحدة من أهم مقاصد الغيبة وأهداف حكمتها هو الغربلة والتمحيص للمؤمنين كما ذكرت ذلك الروايات الشريفة سنعلم أيضاً أن النجاح وعبور ذلك الامتحان لا يتم إلّا بتطبيق الشريعة في كل ما أراده الله تعالى وشرَّعه لنا في دينه، وواحدة من أهم معالم الدين وتشريعاته التي يجب الالتزام بها هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الضوابط والشروط التي يذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية، فقد ورد عن الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) أنهما قالا: ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [الكافي للشيخ الكليني: ج٥، ص٥٧]
بل إن التخلي عن هذا المبدأ والتنازل عنه له عواقب وخيمة في الدين والدنيا، وأثره السيئ لا يخص فرداً واحداً في الُأمة بل يعمهم جميعاً كحال راكب السفية إذا أراد كسرها، فإذا سكت الناس عنه أغرقهم وأغرق نفسه معهم وتحمّل الجميع تبعات عمله، ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء. [وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي: ج١٦، ص١٢٣]
ولا شك أن مقاومة الباطل من أوضح مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جاء في الحديث المعتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة. [ثواب الأعمال الصدوق: ص١٤٨]
نعم وردت رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قد يفهم منها البعض خطأ ترك نصرة المؤمنين وأهل الحق واستبقاء النفس لأجل نصرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كما جاء في كتاب الغيبة للشيخ النعماني: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحق فلا يعطونه ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٨٢]
ولكن من الواضح أن الأمر بالحفاظ على النفس وترك مناصرة هؤلاء المحقين (الذين قتلاهم شهداء) إنما جرى فيه فقه الأولويات وتقديم الأهم على المهم، باعتبار أن الفترة الزمنية التي يتكلم عنها مضمون الخبر متاخمة وقريبة الزمن من ظهور الإمام القائم (عجّل الله فرجه)، ولا ريب أن نصرة الإمام (عجّل الله فرجه) أولى وأهم وأعظم أجراً من نصرة غيره، وهي على غرار ما ورد في الأخبار من عدم مواجهة جيش السفياني عند احتلاله الكوفة والتوجه إلى مكة للانضمام والالتحاق بمعسكر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)