(٢٣ صفر الخير) سنة (٢٦٠هـ):
إرسال أبي الأديان من قبل الإمام العسكري عليه السلام في مهمّة وإخباره بوفاته عليه السلام وبثلاث علامات لمعرفة خليفته الإمام المهدي عليه السلام بعد رجوع أبي الأديان من السفر:
روى الصدوق رحمه الله عن أبي الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علَّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: (امض بها إلى المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل إلى سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل)، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك فمن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي)، فقلت: زدني، فقال: (من يُصلّي عليَّ فهو القائم بعدي)، فقلت: زدني، فقال: (من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي)، ثمّ منعتني هيبته أن أسأله عمَّا في الهميان. وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنَّيت فلم يسألني عن شيء. ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كُفّن أخوك فقم وصلّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسَلَمة، فلمَّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً، فتقدَّم جعفر بن علي ليُصلّي على أخيه، فلمَّا همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: (تأخَّر يا عمّ، فأنا أحقُّ بالصلاة على أبي)، فتأخَّر جعفر، وقد أربد وجهه واصفرَّ، فتقدَّم الصبي وصلّى عليه، ودُفن إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام. ثمّ قال: (يا بصري هات جوابات الكتب التي معك)، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان، بقي الهميان. ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشّاء: يا سيّدي من الصبي؟ لنقيم الحجّة عليه، فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليهما السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزّي)؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلَّموا عليه وعزّوه وهنّوه وقالوا: إنَّ معنا كتباً ومالاً، فتقول ممَّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان (وفلان)، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجَّه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجَّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادَّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبي، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي(١)، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة(٢)، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين(٣).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج ١٣/ ص ٤١٢ و٤١٣/ الرقم ٢٠٠): علي بن محمّد بن عبد الملك ابن أبي الشوارب الحافظ، الإمام، قاضي القضاة، أبو الحسن الأموي البصري...، مات في شوّال سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
(٢) قال الزركلي في الأعلام (ج ٤/ ص ٣٢٤): علي بن محمّد الورزنيني العلوي، الملقَّب بصاحب الزنج: من كبار أصحاب الفتن في العهد العبّاسي. وفتنته معروفة بفتنة الزنج لأنَّ أكثر أنصاره منهم. ولد ونشأ في (ورزنين) إحدى قرى الري. وظهر في أيّام المهتدي بالله العبّاسي سنة (٢٥٥هـ)...، والتف حوله سودان أهل البصرة ورعاعها، فامتلكها واستولى على الأبلة، وتتابعت لقتاله الجيوش، فكان يظهر عليها ويشتّتها، ونزل البطائح، وامتلك الأهواز، وأغار على واسط، وجعل مقامه في قصر اتَّخذه بالمختار. وعجز عن قتاله الخلفاء، حتَّى ظفر به (الموفَّق بالله) في أيّام المعتمد، فقتله وبعث برأسه إلى بغداد سنة (٢٧٠هـ).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ٨/ ص ١٢٦ و١٢٧): فأمَّا صاحب الزنج هذا فإنَّه ظهر في فرات البصرة في سنة خمس وخمسين ومائتين، رجل زعم أنَّه علي بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة. وأكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصاً الطالبيين. وجمهور النسّابين اتَّفقوا على أنَّه من عبد القيس، وأنَّه علي بن محمّد بن عبد الرحيم، واُمّه سدية من أسد بن خزيمة، جدّها محمّد بن حكيم الأسدي، من أهل الكوفة، أحد الخارجين مع زيد بن علي بن الحسين عليه السلام على هشام بن عبد الملك، فلمَّا قُتل زيد، هرب فلحق بالريّ وجاء إلى القرية التي يقال لها: ورزنين، فأقام بها مدَّة، وبهذه القرية وُلد علي بن محمّد صاحب الزنج، وبها منشؤه، وكان أبو أبيه المسمّى عبد الرحيم رجلاً من عبد القيس، كان مولده بالطالقان، فقدم العراق، واشترى جارية سندية، فأولدها محمّداً أباه.
وقال المسعودي في مروج الذهب (ج ٤/ ص ١٠٨): كان خروج صاحب الزنج بالبصرة في خلافة المهتدي، وذلك في سنة خمس وخمسين ومائتين، وكان يزعم أنَّه علي بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأكثر الناس يقول: إنَّه دعيُّ آل أبي طالب ينكرونه، وكان من أهل قرية من أعمال الريّ يقال لها: ورزنين، وظهر من فعله ما دلَّ على تصديق ما رُمي به من أنَّه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج، لأنَّ أفعاله في قتل النساء والأطفال وغيرهم من الشيخ الفاني وغيره ممَّن لا يستحقّ القتل يشهد بذلك عليه.
(٣) كمال الدين: ٤٧٥ و٤٧٦/ باب ٤٣/ ذيل الحديث ٢٥؛ الثاقب في المناقب: ٦٠٧ و٦٠٨/ ح (٥٥٤/٢)؛ الخرائج والجرائح ٣: ١١٠١ - ١١٠٤/ ح ٢٣.