حياة الإمام المنتظر (عليه السلام) المصلح الأعظم
تأليف: الشيخ باقر شريف القرشي
المحتويات
آيات من الذكر الحكيم
الإهداء
بين يديك أيها المصلح العظيم
تقديم
مشرق النور
الأب
الأم
اسمها الشريف
الثناء عليها
الوليد المبارك
مراسيم الولادة
إطعام عام
تباشر الشيعة بولادته
التهاني بولادته
تسميته
ألقابه
١ - المهدي
٢ - القائم
٣ - المنتظر
٤ - الحجّة
٥ - الخلف الصالح
كنيته
سنة ولادته
استحباب الدعاء في ليلة ولادته
عرضه على الشيعة
ملامحه وصفاته
شبهه (عليه السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله)
رواية موضوعة
عناصره النفسية وسيرته
١ - سعة علومه
٢ - زهده
٣ - صبره
٤ - عبادته
دعاؤه في قنوت صلاته
دعاء آخر له في القنوت
٥ - شجاعته
٦ - صلابته في الحق
٧ - سخاؤه
من تراثه الرائع
أدعيته
١ - دعاؤه للمسلمين
٢ - دعاؤه للمؤمنين
٣ - دعاؤه لقضاء الحوائج
٤ - دعاؤه للشفاء من الأسقام
٥ - زيارة ودعاء
٦ - دعاؤه للفرج
٧ - دعاؤه لشيعته
٨ - دعاؤه للنبي ولأئمة الهدى
٩ - دعاؤه للخلاص من السجن
زيارته للإمام الحسين
رسائله
١ - رسالته إلى احمد بن إسحاق
٢ - رسالته إلى العمري وابنه
٣ - رسالته إلى بعض شيعته
٤ - رسالته إلى محمد الأسدي
٥ - جوابه عن أسئلة إسحاق
٦ - رسائله إلى الشيخ المفيد
الرسالة الأولى
الرسالة الثانية
نماذج من فقهه
١ - مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر
٢ - مسائل أخرى لمحمد
٣ - مسائل لمحمد
٤ - مسائل محمد
الغيبة الصغرى والكبرى
في ظلال أبيه
الإمام العسكري في ذمة الخلود
نصه على الإمام المنتظر
اغتيال الإمام العسكري (عليه السلام)
اضطراب السلطة
إلى جنة المأوى
تجهيزه
مواكب التشييع
في مقره الأخير
كبس دار الإمام
وفد القميين
جعفر والخليفة
الغيبة الصغرى
الزمان
المكان
مخاريق وأباطيل
١ - سرداب في بابل
٢ - السرداب في سامراء
الذي قالوا بغيبة الإمام في سرداب داره من مؤرخي السنّة:
١ - السويدي
٢ - ابن تيمية
٣ - ابن حجر
٤ - القصيمي
التحقيق في الموضوع
رأي علماء الشيعة:
١ - الحجة النوري
٢ - العلامة صدر الدين
٣ - المحقق الإربلي
٤ - المحقق الأميني
سفراؤه الممجدون
١ - عثمان بن سعيد العمري
خدمته للأئمة
وثاقته
نيابته عن الإمام المنتظر
وفاته
تأبين الإمام له
٢ - محمد بن عثمان
وثاقته وعدالته
التقاؤه بالإمام في الكعبة
مؤلفاته
نيابته عن الإمام
وفاته
٣ - الحسين بن روح
مناظراته مع معاند
صلابته
إيثاره للتقية
مع علي القمي
وفاته
٤ - علي بن محمد السمري
وفاته
ولاية الفقيه
مسؤوليات الفقيه
الغيبة الكبرى
دجالون
١ - أحمد بن هلال الكرخي
براءة الإمام المنتظر (عليه السلام) منه
٢ - الحسن الشريعي
٣ - الحسين بن منصور الحلاج
٤ - محمد بن علي الشلمغاني
مدعون للمهدوية
١ - مهدي السودان
ابتداء دعوته
من منشوراته
استيلاؤه على السودان
وفاته
٢ - مهدي تهامة
٣ - مهدي السنغال
٤ - مهدي سوسة
٥ - مهدي الصومال
أضواء على غيبة الإمام (عليه السلام)
أسباب الغيبة
١ - الخوف عليه من العباسيين
رسالة الخوارزمي إلى أهالي نيسابور
مناقشة الخنيزي
٢ - الامتحان والاختبار
٣ - الغيبة من أسرار الله
٤ - عدم بيعته لظالم
تساؤلات
١ - ما الفائدة في غياب الإمام
٢ - امتداد عمره
٣ - لماذا هذا العمر المديد؟
٤ - لماذا لم يظهر؟
٥ - كيف يمكن قيام الإمام بالإصلاح العالمي؟
المبشرون بظهوره
١ - النبي (صلى الله عليه وآله)
٢ - الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
٣ - الإمام الحسن (عليه السلام)
٤ - الإمام الحسين (عليه السلام)
٥ - الإمام زين العابدين (عليه السلام)
٦ - الإمام الباقر (عليه السلام)
٧ - الإمام الصادق (عليه السلام)
٨ - الإمام الكاظم (عليه السلام)
٩ - الإمام الرضا (عليه السلام)
١٠ - الإمام الجواد (عليه السلام)
١١ - الإمام الهادي (عليه السلام)
١٢ - الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
ظهور المصلح العظيم فكرة مقدّسة وقديمة
المنقذ والمصلح عند النصارى
عودة المسيح لإصلاح العباد
١ - إنجيل يوحنّا
٢ - إنجيل لوقا
٣ - إنجيل متّي
علامات ظهور المسيح
المصلح المنتظر عند اليهود
كيفية ظهوره ومنهج حكمه
أمارات ظهوره
النعيم الشامل بعد ظهور المنتظر
مؤمنون ومنكرون
المؤمنون بوجود الإمام المنتظر (عليه السلام)
١ - محمد بن طلحة الشافعي
٢ - ابن العربي
٣ - ابن الصباغ المالكي
٤ - ابن الأثير
٥ - شمس الدين المعروف بسبط ابن الجوزي
٦ - أبو الفداء
٧ - القرماني
٨ - ابن خلكان
٩ - الذهبي
١٠ - سراج الدين الرفاعي
١١ - الشبلنجي
١٢ - سليمان بن خواجة
١٣ - عبد الوهاب الشعراني
١٤ - خير الدين الزركلي
١٥ - البيهقي
١٦ - حسين الكاشفي
١٧ - الشعراني
١٨ - صلاح الدين الصفدي
١٩ - محمد البخاري
٢٠ - السيد أحمد دحلان
الكتب المؤلفة في المهدي
مع الشعراء المؤمنين بالإمام المنتظر (عليه السلام)
١ - الكميت
٢ - دعبل الخزاعي
٣ - السيد الحميري
٤ - الورد بن زيد
٥ - مصعب بن وهب
٦ - محمد بن إسماعيل الصيمري
٧ - على الخوافي
٨ - القاسم بن يوسف
٩ - ابن الرومي
١٠ - يحيى بن أعقب
١١ - فضل بن روزبهان
١٢ - عبد الرحمن البسطامي
١٣ - ابن أبي الحديد
١٤ - عامر البصري
١٥ - أبو المعالي
١٦ - بهاء الدين العاملي
١٧ - السيد حيدر الحلي
رائعة أخرى للسيد حيدر
١٩ - الخليعي:
٢٠ - عبد الغني العاملي
٢١ - إبراهيم حسن قفطان
٢٢ - السيد عباس:
٢٣ - الشيخ محمد السماوي
المنكرون للإمام
١ - ابن خلدون
٢ - محمد أمين البغدادي
٣ - أحمد كسروي المجوسي
٤ - أحمد أمين
٥ - شكري أفندي
علامات ظهوره
العلامات الحتمية
انتشار الظلم
أشراط الساعة
خروج الدجال
تضافر الأخبار بظهوره
ألقابه
كنيته
أوصافه
رواية موضوعة
بلاء المؤمنين به
جنوده وأتباعه
إيمان اليهود بالدجال
أمارات ظهوره
تسخير الكنوز له
نهايته
خروج السفياني
نسبه
ملامحه
صفاته النفسية
حديث للإمام أمير المؤمنين عن السفياني
مدة حكمه
الرايات السود
النداء من السماء بخروج الإمام
صلاة المسيح خلف الإمام المهدي (عليه السلام)
زمان ظهوره ومكانه
الزمان
وقت نداء الملك من السماء
سعة سلطانه
منهج حكمه
أصحابه
سمتهم
عددهم
مكان البيعة
شروط الإمام (عليه السلام) على المبايعين له
حامل لواء الإمام
مدّة حكمه
انتشار الخير في أيامه
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). الأنبياء / ١٠٥
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا). النور / ٥٥
إلى... صانع الحضارة الإنسانية القائمة على توحيد الله.
إلى... محرر إرادة الإنسان وفكره.
إلى... خاتم الأنبياء وسيد الكائنات الرسول محمد (صلى الله عليه وآله).
أرفع هذه الدراسة عن خاتم أوصيائه، ومحيي دينه، ومجدد رسالته، الإمام المهدي (عليه السلام) الذي ملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا راجيا التفضل علي بالقبول لأعده ذخرا يوم ألقى الله تعالى.
المؤلف
سيدي!
تتطلع الدنيا لمقدمك السعيد، لترفع راية العدل عالية خفاقة وتنشر الأمن والرخاء على جميع شعوب العالم وأمم الأرض وتنقذ الإنسان من ويلات الظالمين وكوارث الإرهابيين وتطوي أجهزة السياسة الرعناء التي استحلت ما حرم الله وكفرت بحقوق الإنسان وأحالت الأرض إلى جحيم وصرفت أموال الشعوب على صنع الأسلحة المبيدة التي تهلك الحرث والنسل في حين أن ملايين البشر يموتون جوعا.
سيدي!.
يا أمل المحرومين والمعذبين في الأرض إليك ترنو أبصارهم وبك تعلقت آمالهم لتنقذهم من واقعهم المرير وتقيم في ربوعهم العدالة الاجتماعية وتوزع عليهم خيرات الله فلا يبقى في ظلال حكمك العادل أحد ينهش جسمه الجوع والحرمان وإنما يعيش الجميع كما يريد الله - برفاهية ونعيم ورخاء، لا ترهقهم ذلة، ولا يخافون دركا ولا يخشون ظالما.
سيدي!.
لقد انهارت الأخلاق وأقبرت الفضائل وهبط الإنسان إلى مستوى سحيق ما له من قرار فقد انعدم الصدق وساد الكذب وعم النفاق وتلاشت الروابط الاجتماعية ولم يعد الإنسان كما يريده الله تعالى خليفة في الأرض يسير بالحق ويحكم بالعدل... وها هي البشرية تترقب طلوعك، وتتلهف إلى حكمك لتنقذها من هذا الانهيار المخيف الذي ينذر بإعادة شريعة الغاب!.
سيدي!.
لقد جمدت أحكام الإسلام وعطلت حدوده ولم يبق إلا اسمه وها هو يعج إليك آثاره وتقيم معالمه وتعيد آياته حتى تزدهر الدنيا بعدله ويأمن الخائفون ويسعد المستضعفون بحكمه...
١ - نحن أمام أمل الإنسانية المعذبة التي فتكت بها الحروب ودمرتها أطماع المستعمرين فهي تتطلع إلى منقذها العظيم ليقيم فيها حكم الله تعالى الذي لا غنى فيه لأحد ولا استغلال ولا تميز لقوم آخرين.
نحن أمام العدل الصارم الذي يمحو الظلم والجور ويسحق الاستعباد ويشيع الفضيلة والرحمة والمواساة ويبسط الإيثار والمودة بين الناس فلا ظل في حكمه لأي قوى تعبث بالحياة أو تعيث فسادا في الأرض.
نحن أمام العدل المنتظر الذي هو هبة الله ونعمته الكبرى على الناس والذي يملأ قلوب البؤساء والمحرومين رجاء ورحمة ويوزع عليهم خيرات الله.
نحن أمام قائم آل محمد (عليه السلام) الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذي أعده الله تعالى لإصلاح العالم وتغيير مناهج الأنظمة الفاسدة السائدة فيه والتي هبطت بالإنسان إلى مستوى سحيق ما له من قرار.
لقد أعد الله تعالى الإمام المهدي (عليه السلام) للقيام بأداء أعظم رسالة إصلاحية، فهو الذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.
لقد اختاره الله لهذه المهمة من بين أوليائه لأنه من أصفى الناس طبعا ومن أرقهم قلبا ومن أنفذهم بصيرة ومن أكثرهم نكرانا للذات فهو من أهل بيت زكاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
٢ - (أما الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو من أبرز القضايا الإسلامية وضوحا) ومن أكثرها جلاء فقد بشر به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) - الذي لا ينطق عن الهوى - وكذلك بشر به أئمة الهدى (عليهم السلام) الذين هم خزنة علم الرسول وسدنة حكمته وليست أخبارهم به أخبار آحاد قابلة للطعن والتشكيك والتجريح في سند رواتها وإنما هي أخبار متواترة قد حازت الدرجة القطعية وصدقها أئمة الحديث وآمن بها الحفاظ مجمعين على تدوينها في السنن والصحاح حتى صار التشكيك فيها تشكيكا في ضروري من ضروريات الدين وقد نقل الرواة عن النبي أنه قال: "من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن العقل السليم يؤمن بصورة مطلقة بوجود الإمام المنتظر (عليه السلام) وبحتمية ظهوره فإنه أمر ممكن عقلا لم يقم أي دليل علمي على امتناعه واستحالته فإن جميع ما أثير حوله من شبه وأوهام لا تلبث أن تتلاشى أمام الفيض العارم من الأخبار الصحيحة التي أثرت عن نبي الإسلام وأوصيائه العظام وهي تعلن بوضوح وصراحة عن حتمية ظهوره على مسرح الحياة ليبدد الظلم والجور ويعيد للإسلام بهجته ونظارته وبالإضافة إلى تلك الأخبار فإن هناك إجماعا عالميا من الأديان السماوية والمذاهب الاجتماعية على ظهور مصلح اجتماعي يقيم الحق ويحكم بالعدل ولا يدع ظلا للغبن والظلم بين الناس وإن حكمه هو أسمى ما تحلم به البشرية من التطور والتقدم والازدهار في جميع أدوارها.
وإذا عرضنا قصة الإمام المهدي (عليه السلام) بجميع مفرداتها وشؤونها على ضوء البحوث الفلسفية لوجدناها ضرورية لا غنى عن الالتزام والإيمان بها لأن لله تعالى فيضا متصلا ومستمرا على عباده لا ينقطع ولا يتخلف فقد أفاض عليهم الوجود بعد العدم وخلقهم بأحسن تقويم وفضلهم على كثير من خلق تفضيلا وأمر ملائكته بالسجود لأبيهم آدم وسخر لهم الشمس والقمر وأمدهم بجميع ما يحتاجون إليه.
وإن من عظيم عنايته وألطافه تعالى على عباده انتشالهم من الضلالة والضياع فقد بعث إليهم أنبياءه العظام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم في وقت كانت البشرية غارقة في الآثام والموبقات يقول الله تعالى (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)(١) ووصف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الظروف العصيبة التي رافقت بعثة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) بقوله: أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم.
وانتقاض من المبرم، وانتشار من الأمور وتلظ من الحروب والدنيا كاسفة (النور ظاهرة الغرور على حين اصفرار من ورقها واياس من ثمرها)(٢) وكذلك يكون خروج الإمام قائم آل محمد (عليه السلام) في الظروف العصيبة التي تجتازها الإنسانية وهي مروعة بالويلات والكوارث فينقذها الله بالمصلح العظيم الذي يشيع في أرجائها الأمن والرخاء وينشر العدل والمساواة وغيرها من القيم الكريمة التي تتطلع إليها الإنسانية.
وموضوع الإمام المنتظر (عليه السلام) بجميع شؤونه ولادة واختفاء وظهورا يشبه أنبياء الله العظام دعاة الإصلاح الاجتماعي في الأرض فهو يشبه نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) في خفاء حمله وولادته فقد وضع الطاغية فرعون الرقباء من النساء على كل مولود يولد في مملكته فإن كان ذكرا أمر بقتله وإن كان أنثى عفا عنها لأن الكهنة قد أخبروه بزوال ملكه على يد فتى يولد في ذلك العصر وكذلك الإمام المنتظر (عليه السلام) فقد أخفى الله حمله وولادته خوفا عليه من طغاة بني العباس فقد أحاطوا دار أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) بقوى مكثفة من الأمن نساء ورجالا للتعرف على ولادة وليده الإمام المنتظر الذي بشر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه آخر خلفائه فقد أيقن العباسيون بزوال ملكهم على يده فحالوا جاهدين إلقاء القبض عليه وقتله كما قتلوا آباءه من قبل.
وكذلك شابه الإمام المنتظر (عليه السلام) السيد المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) في نطقه بعد ولادته فقد أشارت إليه السيدة أمه أن يكلم القوم الذين أحاطوا بها بعد ولادته، فأنطقه الله قائلا (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)(٣).
وكذلك الإمام المنتظر بعد ولادته تلا الآية الكريمة (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(٤).
وكما شابههم في هذه الظواهر الكريمة فقد شابههم فيما هو أهم منها وهي قيامه بتغيير الأوضاع الاجتماعية وبلورة الفكر الإنساني وتدميره للظلم والطغيان إنه يقوم بالدور نفسه الذي قام به أنبياء الله (عليهم السلام) ويحطم الجور ويقضي على الظلم ويبسط العدل والحق والإخاء بين الناس.
لا أعتقد أن بحثا من البحوث الإسلامية قد نال اهتمام العلماء كموضوع الإمام المنتظر (عليه السلام) فقد بحث من جميع جوانبه ووجهاته على ضوء الكتاب والسنة وقد انبرى جمع حاشد من العلماء إلى التأليف في شؤونه وعلامات ظهوره ومن الجدير بالذكر أن الذين ألفوا فيه من علماء السنة أكثر من علماء الشيعة وسنذكر في مضان هذا الكتاب قائمة بأسماء بعض تلك الكتب التي تزيد على خمسين كتابا حتى صار التشكيك في أمره شكا في البديهيات التي لا يقر التشكيك فيها العقل ولا العرف.
وعلى أية حال فإن من سخف القول وضحالة الفكر إنكار الإمام المهدي (عليه السلام) وأما جحود (ابن خلدون) و(المجوسي الكسروي)، و(أحمد أمين المصري)، فإنما هو لعدائهم الآثم وحقدهم البالغ لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد تحاملوا عليهم في جميع ما كتبوه عنهم وقد استخف بهم القراء ولم يعد لما كتبوه عنهم أي وزن علمي بها.
واتهمت الشيعة في غير إنصاف وألصقت بها أكاذيب سخيفة في شأن عقيدتها بالإمام المنتظر (عليه السلام) فقد قالوا: "إنها تعتقد أن الإمام غاب في السرداب الكائن في بيته في (سامراء) وأنهم يتوقعون خروجه منه". وقالوا: أيضا: "إنهم يأتون إلى سرداب خاص في بابل يترقبون خروجه منه إلى غير ذلك في سخف القول وأباطيله.
إن عقيدة الشيعة في الإمام المنتظر (عليه السلام) بل وفي غيره من مجالاتها العقائدية نقية مشرقة كالشمس مشتقة من صميم الإسلام ومأخوذة من أئمة الهدى الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ولم تؤخذ والحمد لله - من كذاب ووضاع ومنحرف عن دينه وليس في جميع بنودها شذوذ ولا انحراف ولا خروج من سنن الكون ونواميس الطبيعة وهي تواكب المنطق والفطرة وتساير المجتمعات الإنسانية في جميع عصورها.
إن الشيعة تعتقد بأن الإمام سلام الله عليه قد غاب عن أبصار السلطة التي كانت تراقبه كأشد ما تكون المراقبة لتصفيته جسديا، فغيابه عن الظالمين كغياب جده رسول الله صلى الله على وآله عن أبصار قريش حينما أحاطت بداره لقتله، فخرج من بين أيديهم إلى يثرب، وأناب مكانه في فراشه وصيه وباب مدينة علمه، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، والقوم لا يشعرون.
وتعتقد الشيعة اعتقادا صريحا بأن الإمام المنتظر (عليه السلام) لا يظهر من السرداب، الذي في (سامراء) ولا غاب فيه، وإنما يظهر في وضح النهار في (مكة المكرمة) وفي الكعبة المشرفة، كما ظهر من تلك البقعة المقدسة جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وسنتحدث عن هذه الجهة في غضون هذا الكتاب.
وتسأل الناس عن الحكمة من غياب الإمام المنتظر (عليه السلام) الغيبة الكبرى وحجبه عن الالتقاء بشيعته وغيرهم، وعدم اشتراكه بأي عمل إيجابي في مجريات الأحداث العالمية وغيرها، وفيما أحسب أن العلة الحقيقية في ذلك قد أخفاها الله على عباده كما أخفى ليلة القدر، ويوم القيامة، والساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة، وماهية الروح وحقيقتها، وحمل نبيه موسى بن عمران وولادته، وغيابه (عليه السلام) من هذا القبيل، وكذلك ظهوره... ومن المؤكد أن الإنسان أقصر ذهنيا من أن يحيط بحكم الخالق العظيم في تصرفاته وشؤونه، فهو الذي أبدع تكوين الأشياء، ووضع لها ما يدبرها من الأنظمة والقوانين التي نجهلها، ولله تعالى في خلقه حكم بالغة، يفهمها الناس حينا، ويقصرون عن فهمها في كثير من الأحيان.
لا أكاد أعرف أمرا اهتم به الكثيرون من الناس كاهتمامهم بمعرفة علامات ظهور الإسلام المنتظر (عليه السلام)، وترقب خروجه، وفيما أحسب أن اهتمامهم البالغ بذلك يعود إلى سأمهم وتذمرهم من الأنظمة الوضعية التي يعيشونها فقد جرت عليهم المآسي والويلات، وأغرقت العالم بالفتن والخطوب، فهم يتشوقون إلى حكم الله الذي يحقق لهم العدل السياسي، والعدل الاجتماعي وينقذهم من جور الظالمين، وبطش المستبدين.
لقد ألقت الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن أئمة الهدى (عليهم السلام)، الأضواء على كثير من علامات ظهوره (عليه السلام)، والتي منها: انهيار الأخلاق، وانعدام الروابط الاجتماعية، وفقدان التماسك بين أفراد الأسرة الواحدة، وتخلى الناس عن تعاليم أديانهم، بحيث يصير المجتمع في سلوكه قريبا من المجتمع الجاهلي، فلا أمر بمعروف، ولا نهى عن منكر، ولا تواصل ولا توادد، ويصير المسلمون بأقصى مكان من الذل والهوان، تتكالب عليهم الأمم تغصب ثرواتهم، وتتحكم في قضاياهم ومصيرهم، ويكونون كأعصاب خالية من الروح والإحساس، ويعرض هذا الكتاب إلى إعطاء صورة متميزة عن علامات ظهوره (عليه السلام) حسب ما نطقت به الأخبار.
ومن بحوث هذا الكتاب إعطاء لمحة من صفات الإمام المهدي (عليه السلام)، وبعض عناصره النفسية، التي هي - من دون شك - امتداد لذاتيات آبائه وأجداده العظام الذين هم مصدر خير ورحمة وفيض على الناس على اختلاف قومياتهم وأجناسهم، ومن أبرز صفاتهم أنهم كانوا قوة ضاربة وقاهرة للطغاة والظالمين، يقول سيد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "القوي عندي ضعيف، حتى آخذ منه الحق، والضعيف عندي قوى حتى آخذ له الحق..."وهذه النزعة الكريمة ماثلة بأسمى صورها عند حفيده الإمام المنتظر (عليه السلام)، فإنه - حسبما تواترت به الأخبار إذا أشرقت الدنيا بظهوره يقوم ببسط العدل، وتدمير الظلم، ويبنى مراكز للمساواة والإنصاف بين الناس، ويطيح بعروش الطغاة الذين أقاموا عروشهم على الظلم والطغيان.
ويعرض هذا الكتاب إلى ما لاقاه السادة العلويون وشيعتهم من صنوف التنكيل والاضطهاد من حكام عصورهم، فقد قابلوهم بمنتهى القسوة والبطش، فقد وضع العباسيون العلويين وهم أحياء في جدران البيوت، وأقاموا عليهم البناء، كما ألقوا أطفالهم في حوضي (دجلة) و(الفرات) وكان وزراؤهم يتقربون إليهم في أيام الأعياد بتقديم رؤوس العلويين هدايا لهم أما ما لاقته شيعتهم ومحبوهم من العناء والقهر والظلم فلا يوصف لمرارته وقسوته.
وفيما أحسب أن ما عاناه العلويون من الجور أيام الحكم العباسي هو من أهم الأسباب في اختفاء الإمام المنتظر (عليه السلام) في أيام حياة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) وبعد وفاته فقد بذلت السلطة العباسية قصارى جهودها للبحث عنه لاعتقاله وتصفيته جسديا معتقدين أن زوال ملكهم على يده وسنعرض صورة في ذلك.
ومن بحوث هذا الكتاب تحديد الزمان الذي يظهر فيه الإمام المنتظر (عليه السلام) حسبما دلت عليه الروايات وكذلك تحديد المكان الذي ينطلق منه صوت الحق وهو (مكة المكرمة) وفي البيت الحرام الذي فرض الله تعالى حجه على العباد.
كما أن من محتويات هذا الكتاب بيان سياسة الإمام (عليه السلام) ومنهج حكمه إذا ظهر فإنه يشيع الأمن والرخاء والاستقرار بين الناس ويريهم من صنوف العدل ما لم يشاهدوه في جميع فترات التاريخ.
ومن بنود هذا الكتاب البحث عن أصحابه، وما يتمتعون به من القابليات الفذة التي تجعلهم في طليعة المجاهدين والعظماء الذين يستعين بهم الإمام (عليه السلام) على ما يتبناه من نشر المبادئ الكريمة التي تسمو بالحياة الإنسانية هذه بعض مواد بحث الكتاب وقد ألمحنا لها بإيجاز.
(١٣) وقبل أن أقفل هذا التقديم أرى من الحق أن أعلن أن هذا الكتاب لا يحكي إلا صورة موجزة عن حياة هذا الإمام الملهم، العظيم الذي أعده الله لإصلاح الدنيا، وإقامة ما أعوج من نظام الدين، لا أقول ذلك تصنعا أو تواضعا أو غلوا وإنما الواقع الذي يمليه علي فإن سيرة هذا الإمام وسيرة آبائه وحياته وحياتهم إنما هي صورة كاملة لحياة جدهم الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله)، وامتداد لذاتياته وهو (صلى الله عليه وآله) قد ملأ فم الدنيا بفضائله وعلومه ولا يحيط بكنهه والكشف عن واقعه أي كتاب فكذلك أوصياؤه وسدنة علمه وحكمته.
وفي الكلمات الأخيرة من هذا التقديم أتقدم بجزيل الشكر إلى سماحة حجة الإسلام الأخ الشيخ هادي القرشي حفظه الله(٥) على ما أبداه من التوجيه في بحوث هذا الكتاب سائلا الله أن يمن في حياته ويجزيه عني أفضل ما يجزي أخا عن أخيه.
النجف الأشرف
المؤلف: باقر شريف القرشي
وقبل الحديث عن ولادة المصلح العظيم الإمام المنتظر (عليه السلام) أمل الإنسانية وزعيمها نعرض - بإيجاز - إلى الأصول الكريمة التي تفرع منها هذا النور الذي سيضيء جميع آفاق الكون ويبدد ظلمات الجهل ويقضي على عناصر البغي والشر والفساد في الأرض وفيما يلي ذلك:
الأب:
أما أبو الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو الإمام الحادي عشر من أئمة الهدى (عليهم السلام) الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي هو من مصادر الفكر والوعي في دنيا الإسلام ومن سادات المتقين والمنيبين إلى الله تعالى وهو- بإجماع المؤرخين - أعظم شخصية إسلامية فذة في عصره ولقد كان الزعيم المطلق للجبهة المعارضة والمعادية للحكم العباسي الذي بني على الظلم والجور وتنكر لحقوق الناس وقد تعرض الإمام للسجن والاضطهاد وفرضت عليه السلطة الإقامة الجبرية في (سامراء) ومنعت شيعته منعا باتا من الاتصال به... وقد بحثنا عن سيرته وشؤونه في كتابنا (حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)) وسنشير إلى بعض شؤونه في البحوث الآتية.
الأم:
أما أم الإمام المنتظر (عليه السلام) فيرجع نسبها إلى أعظم شخصية في الروم - حسبما صرح به بعض الرواة - فهي بنت (يشوع) الذي ينتهي نسبه إلى قيصر ملك الروم كما أن أمها ينتهي نسبها إلى شمعون الذي هو أحد أوصياء السيد المسيح ومن حواريه)(٦). وكانت هذه السيدة الزكية من سيدات نساء المسلمين في عفتها وإيمانها وطهارتها ويكفيها سموا وفخرا أنها كانت وعاءا لأعظم مصلح اجتماعي في التاريخ بعد أجداده العظام.
وكانت تقابل في بيت زوجها الإمام الحسن (عليه السلام) بمنتهى الحفاوة والتكريم وذلك لما تتمتع به من سمو الذات ومحاسن الصفات كما كانت السيدة الجليلة عمة الإمام تجلها وتعظمها فقد أحاطها الإمام علما بأن الإمام (المنتظر سيكون منها)(٧).
اسمها الشريف:
ونقل الرواة أسماء كريمة لهذه السيدة الزكية المعظمة كانت تسمى بها وهي:
١ - سوسن(٨).
٢ - ريحانة.
٣ - نرجس(٩).
٤- صقيل(١٠).
٥ - خمط(١١)
وإنما سميت بهذا الاسم لأنها قد اعتراها النور والجلاء بسبب حملها بالإمام (عليه السلام)(١٢).
الثناء عليها:
وأثرت عن أئمة الهدى (عليهم السلام) كوكبة من الأحاديث في الثناء على هذه السيدة الزكية والإشادة بها ومن بينها هذه الأخبار:
١ - خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد انتهائه من حرب الخوارج في (النهروان) وقد أدلى في خطابه ببعض الملاحم وعرض (عليه السلام) موضوع خروج الإمام المهدي (عليه السلام) وقد أثنى على السيدة الكريمة أمه قال:
(يا بن خيرة الإماء، متى تنتظر؟ أبشر بنصر قريب من رب رحيم)(١٣).
٢ - روى أبو بصير قال: قلت لأبي عبد الله: يا بن رسول الله، من القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيه المبطلون ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها)(١٤).
٣ - روى محمد بن عصام بسنده عن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر أو الإمام أبي عبد الله (عليهما السلام) أنه قال: بالقائم علامتان: شامة في رأسه وشامة بين كتفيه مثل ورقة الآس ابن سبية وابن خيرة الإماء(١٥).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث قد أثرت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي تشيد بمكانة هذه السيدة الكريمة ولا يضر بسمو منزلتها أنها أمة فقد هدم الإسلام الحواجز بين البشر واعتبر التمايز بالتقوى وطاعة الله تعالى لا بغيرها.
الوليد المبارك:
وأشرقت سماء الدنيا بالوليد العظيم والمصلح الأكبر الذي يعيد للإسلام بهجته ونعمته على الناس وينقذ الإنسان من ظلمات الجور والطغيان وكان من عظيم ألطاف الله عليه وعنايته به أن أخفى حمله وولادته كما أخفى ولادة نبيه موسى بن عمران فقد روى المؤرخون أن الإمام الزكي الحسن العسكري (عليه السلام) دعا عمته السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام محمد الجواد (عليه السلام) وهي من العلويات العابدات التي تضارع جدتها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في عفتها وطهارتها فلما مثلت عنده قابلها الإمام بمزيد من الحفاوة والتكريم وقال لها:
"يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي، فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه، خليفتي من بعدي..."
وغمرت السيدة حكيمة موجات من الفرح والسرور والتفتت إلى الإمام قائلة: "جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن؟..."
فقال لها الإمام: من سوسن(١٦).
ونظرت السيدة حكيمة إلى سوسن فلم تر عليها أثرا للحمل فقالت للإمام "إنها غير حامل"، فتبسم (عليه السلام) وقال لها:
"إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل فإن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى(١٧) وقامت السيدة حكيمة من عند الإمام فلما حان وقت صلاة المغرب والعشاء أدت الصلاتين ثم تناولت الإفطار مع السيدة سوسن، وبعد ذلك عمدت إلى فراشها فنامت، ثم استيقظت ونظرت إلى سوسن فلم تر عليها أثر الولادة ولما حل الهزيع الأخير من الليل، نهضت فأدت صلاة الليل، وحينما بلغت الركعة الأخيرة وهي صلاة الوتر، وثبت السيدة سوسن وهي فزعة فأدت صلاة الليل، وبعد الفراغ منها أحست بالطلق، وبادرت نحوها السيدة حكيمة قائلة:
"هل تحسين شيئا".
فأجابتها بفزع واضطراب:
"إني لأجد أمرا شديدا..".
وقابلتها السيدة حكيمة بعطف وحنان قائلة:
"لا خوف عليك إن شاء الله..".
ولم يمض قليل من الوقت حتى ولدت سوسن وليدها العظيم، الذي سيطهر الأرض من رجس الطغاة وجور المستبدين، ويقيم حكم الله في الأرض.
وفرح الإمام الحسن الزكي كأشد ما يكون الفرح بوليده المبارك، وجعل يرد مقالة الظالمين من حكام بني العباس الذين زعموا أنهم سيقتلونه ويحرمونه من النسل، قائلا: "زعم الظلمة أنهم يقتلوني ليقطعوا هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله...)(١٨).
مراسيم الولادة:
وحملت السيدة حكيمة الوليد العظيم إلى أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فاستقبله بمزيد من الابتهاج والسرور، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى فكان أول صوت يخترق سمعه.
"الله أكبر".
"لا إله إلا الله".
لقد غذاه بهذه الكلمات التي هي سر الوجود وأنشودة الأنبياء، وقد ملأت قلبه، وسرت في عواطفه ومشاعره، ونطق الوليد كما نطق قبله عيسى بن مريم نطق (عليه السلام) بالآية الكريمة:
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
لقد ولد ولي الله وحجته على عباده بهذه الصورة من الخفاء والكتمان خوفا عليه من السلطة العاتية، التي كانت تراقبه كأشد ما تكون المراقبة لتقضي عليه.
وتناولت السيدة حكيمة الوليد المبارك فقبلته وقالت: "شممت منه رائحة طيبة ما شممت قط أطيب منها"، وأخذه الإمام من يدها ثانية وقال:
"أستودعك الذي استودع أم موسى، كن في دعة الله وستره وكنفه، وجواره..".
وخاطب الإمام عمته قائلا:
رديه إلى أمه، واكتمي خبر هذا المولود، ولا تخبري به أحدا حتى يبلغ الكتاب أجله(١٩).
إطعام عام:
وأمر الإمام الحسن الزكي (عليه السلام) بعد ولادة وليده المبارك بشراء كميات كثيرة من اللحم والخبز فوزعت على فقراء (سامراء)(٢٠) كما عق عنه بسبعين كبشا، وبعث بأربعة منها إلى صاحبه إبراهيم، وكتب إليه بعد البسملة:
هذه عن ابني محمد المهدي، كل منها وأطعم من وجدت من شيعتنا(٢١).
تباشر الشيعة بولادته:
وتباشرت الشيعة بولادة إمامها حجة الله على خلقه الإمام المنتظر (عليه السلام) وغمرتهم موجات من الفرح والسرور بولادته وكان من الذين بشروا به حمزة بن أبي الفتح فقد قيل له: البشرى ولد البارحة مولود لأبي محمد وأمر. بكتمانه فقال: وما اسمه فقيل له سمي بمحمد وكني بجعفر(٢٢).
التهاني بولادته:
وعمت الفرحة الكبرى بولادة الإمام (عليه السلام) جميع الأوساط الشيعة وقد انبرى جمع من الأعلام والأخبار إلى الإمام الزكي الحسن (عليه السلام) فهنأوه بولادة وليده وكان ممن هنأه الحسن بن الحسين العلوي قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي فهنأته بولادة ابنه القائم(٢٣) بـ (سر من رأى) ولا زالت الشيعة في جميع عصورها يهنئ بعضهم بعضا بعيد ولادته الأغر وقد انبرى شعراؤهم إلى إظهار فرحهم بعيد ميلاده يقول الشيخ محمد السماوي:
يا ليلة قد أسفرت عن مولد * طرب الزمان به وطاب الحين
وتبلجت طرق العلى وتبينت * آي الهدى وأضاء منه الدين
وتوطد الإسلام والإيمان * والتبيان والإمكان والتمكين
وتباشر (البيت الحرام) و(طيبة) * ومعاقل من بعدها وحصون
وضح الهدى وبدا ضمير النشأة * الأولى وأظهر سرها المخزون
وتفايض الجود الذي من أجله * قام الوجود وكون التكوين
يهنئ النبوة والإمامة قائم * بالحق مرفوع المنار مكين
ويبلغ الآمال بدر طالع * للناظرين ومطلع ميمون
ملك عليه من المهابة حاجب * لكنه لسماحة مقرون(٢٤)
وممن نظم بهذه المناسبة الشاعر الملهم الشيخ كاظم آل نوح قال في قصيدة له:
بليلة نصف شعبان علينا * أطل البشر وهو لها قرين
وللشرك التليد هوت صروح * وللكفر الطريف وهت حصون
بمولده استحال الكون نورا * قبيل الفجر وانجلت الدجون
أذل الله فيه كل دين * كما قد عز للإسلام دين(٢٥)
تسميته:
أما اسمه الشريف فهو كاسم جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، منقذ البشرية من الضلال وكذلك ينقذها حفيده وآخر أوصيائه الاثني عشر (عليهم السلام) وقد اتفق المؤرخون والرواة أن الذي سماه بهذا الاسم هو جده الرسول (صلى الله عليه وآله)(٢٦).
ألقابه:
وقد لقب الإمام (عليه السلام) بألقاب كريمة كان منها ما يلي:
١ - المهدي:
وهو من أكثر ألقابه ذيوعا وانتشارا لقب بذلك لأنه يهدي إلى الحق أو إلى كل أمر خفي(٢٧) وقد أضفي هذا اللقب الكريم على النبي (صلى الله عليه وآله) يقول حسان بن ثابت في رثائه له:
ما بال عيني لا تنام كأنما * كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا * يا خير من وطأ الحصى لا تبعد(٢٨)
وكان من دعاء النبي (صلى الله عليه وآله): "اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين(٢٩) وأطلق هذا اللقب على الإمام الحسين (عليه السلام)، قال سليمان بن صرد وهو من أعلام التوابين: "اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي.(٣٠)
وقد اختص هذا اللقب الكريم بالإمام المنتظر (عليه السلام)، فإذا أطلق لا ينصرف إلى غيره كما ذكر ذلك ابن منظور(٣١) والزبيدي(٣٢).
٢ - القائم:
ومن ألقابه الشريفة القائم لأنه يقوم بالحق(٣٣) وأضيف إليه (قائم آل محمد) (عليه السلام).
٣ - المنتظر: (٣٤)
لقب بذلك لأن المؤمنين ينتظرونه بفارغ الصبر.
٤ - الحجة: (٣٥)
لقب بذلك لأنه حجة الله تعالى على خلقه وعباده.
٥ - الخلف الصالح:
لقب بذلك لأنه أعظم خلف لأسمى أسرة في دنيا الإسلام... هذه بعض ألقابه الشريفة.
كنيته:
والشيء المؤكد أن النبي (صلى الله عليه وآله) كنى آخر خلفائه الإمام المنتظر (عليه السلام) بأبي عبد الله(٣٦) وقيل: إنه يكنى بأبي جعفر، وبأبي القاسم(٣٧).
سنة ولادته:
ولد الإمام المصلح العظيم، سنة (٢٥٥ هـ)(٣٨)، (الموافق سنة/ ٨٦٩ م) وقيل ولد سنة (٢٣٢ هـ)(٣٩).
الليلة المباركة: لقد ولد قائم آل محمد (عليه السلام) في ليلة مباركة ميمونة وهي ليلة النصف من شعبان، وهي من أقدس الليالي، وفي بعض الأحاديث أنها من ليالي القدر، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، ويستحب في تلك الليلة المباركة زيارة أبي الأحرار وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين (عليه السلام).
استحباب الدعاء في ليلة ولادته:
ويستحب الدعاء وسائر الأذكار المأثورة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) في الليلة التي ولد فيها حجة الله على خلقه، الإمام المنتظر (عليه السلام)، ويستحب أن يدعى بهذا الدعاء:
"اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها، وحجتك وموعودها التي قرنت إلى فضلها فضلا فتمت كلمتك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماتك، ولا معقب لآياتك، نورك المتألق، وضياؤك المشرق، والعلم النور في طخياء الديجور، الغائب المستور، جل مولده، وكرم محتده، والملائكة شهده، والله ناصره، ومؤيده إذا آن ميعاده، والملائكة أمداده، سيف الله الذي لا ينبو، ونوره الذي لا يخبو، وذو الحلم الذي لا يصبو، مدار الدهر، ونواميس العصر، وولاة الأمر، والمنزل عليهم ما يتنزل في ليلة القدر، وأصحاب الحشر والنشر تراجمة وحيه، وولاة أمره ونهيه. اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم، المستور عن عوالمهم، اللهم وأدرك
بنا أيامه وظهوره وقيامه، واجعلنا من أنصاره، واقرن ثأرنا بثأره، واكتبنا في أعوانه، وخلصائه، وأحينا في دولته ناعمين، وبصحبته غانمين، وبحقه قائمين، ومن السوء سالمين، يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين وصلوات الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى أهل بيته الصادقين وعترته الناطقين، والعن جميع الظالمين، واحكم بيننا وبينهم، يا أحكم الحاكمين.
وبعد هذا الدعاء يصلي على النبي والأئمة الطاهرين، ثم يدعو بما يلي:
"اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى من الضلالة، المطهر من كل آفة البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض إليه دين الله.. اللهم شرف بنيانه، وعظم برهانه، وأفلج حجته، وارفع درجته، وأضئ نوره، وبيض وجهه، واعطه الفضل والفضيلة، والوسيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون وصل على أمير المؤمنين، ووارث المرسلين، وقائد الغر المحجلين، وسيد الوصيين، وحجة رب العالمين، وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين"..
ثم يصلي على الأئمة الطاهرين واحدا بعد واحد ثم يدعو: "اللهم صل على الخلف الهادي المهدي، إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين، اللهم صل على محمد وأهل بيته الأئمة الهادين، العلماء الصادقين، الأبرار المتقين، دعائم دينك، وأركان توحيدك، وحججك على خلقك، وخلفائك في أرضك، الذين اخترتهم لنفسك، واصطفيتهم على عبادك، وارتضيتهم لدينك، وخصصتهم بمعرفتك، وحللتهم بكرامتك، وغشيتهم برحمتك، وربيتهم بنعمتك، وغذيتهم بحكمتك، وألبستهم نورك، ودفعتهم في ملكوتك، وحففتهم بملائكتك، وشرفتهم بنبيك، صلواتك عليه وآله.
اللهم صل عليه وعليهم صلاة كثيرة، دائمة، طيبة، لا يحيط بها إلا أنت، ولا يسعها إلا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك، اللهم صل على وليك المحيي سننك، القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، حجتك على خلقك، وخليفتك في أرضك، وشاهدك على عبادك، اللهم أعز نصره، ومد في عمره، وزين الأرض بطول بقائه، اللهم اكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شر الكائدين، وازجر عنه إرادة الظالمين، وخلصه من أيدي الجبارين.
اللهم أعطه في نفسه وذريته، وشيعته ورعيته، وخاصته، وعامته ما تقر به عينه، وتسر به نفسه، وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، اللهم جدد به ما محي من دينك، وأحي به ما بدل من كتابك، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضا جديدا خالصا مخلصا، لا شك فيه، ولا شبهة معه، ولا باطل عنده، ولا بدعة لديه.
اللهم نور بنوره كل ظلمة، وهد بركنه كل بدعة، واهدم بعزته كل ضلالة، واقصم به كل جبار، واخمد بسيفه كل نار، وأهلك بعدله كل جور، وأجر حكمه على كل حكم، وأذل بسلطانه كل سلطان.
اللهم أذل كل من ناواه، وأهلك كل من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل كل من جحد حقه، واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره.. اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في (آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير)(٤٠).
إن الليلة التي ولد فيها قائم آل محمد (عليه السلام) من أقدس الليالي وأعظمها في الإسلام، فقد ولد فيها من يقيم الحق والعدل، ويسحق الجور، ويدمر كل إفك ووثن يعبد من دون الله.
عرضه على الشيعة:
وعرض الإمام الزكي الحسن (عليه السلام) وليده العظيم على خلص شيعته وخيارهم، ليتعرفوا عليه، وحتى لا يجحده جاحد، ولا يشك في وجوده مرتاب، فقد روى كل من: معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب، ومحمد بن عثمان، فقالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ولده، ونحن في منزله وكنا أربعين رجلا، فقال:
"هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم لتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا"(٤١)... لقد أقام عليهم الحجة، وعرفهم بإمام زمانهم من بعده، وليكونوا شهداء صدق، يؤدون ما رأوه إلى غيرهم.
ملامحه وصفاته:
أما ملامح الإمام المنتظر (عليه السلام) وصفاته فكانت كملامح الأنبياء والأوصياء وصفاتهم، فكان نور الإمامة، وهيبة الأنبياء تعلوان على وجهه الشريف، وقد جاء وصفه في الروايات ما يلي:
١ - روى أبو سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا، أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا، ويفيض المال فيضا(٤٢).
وكثير من أمثال هذا الحديث رواه الحفاظ من أهل السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ملامح حفيده الإمام المنتظر (عليه السلام) وصفاته.
٢ - روى الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) بسنده عن آبائه، عن سيد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال وهو على المنبر:
"يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مندح البطن(٤٣) عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين(٤٤) شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحديث(٤٥).
٣ - ووصفه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مرة أخرى، فقال: إنه أجلى الجبين(٤٦) أقنى الأنف(٤٧) ضخم البطن، أذيل الفخذين أبلج الثنايا(٤٨) بفخذه اليمنى شامة(٤٩).
والشيء المؤكد الذي نطقت به الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أئمة الهدى (عليهم السلام) أن الإمام المنتظر (عليه السلام) من أجمل الناس وجها وأحسنهم سمتا، قد أشرق وجهه بنور الإمامة، التي تحنو لها الجباه والوجوه، ووصفه الشاعر الملهم، السيد حسن بقوله:
طلع الجمال بوجهه الوضاح * وسرى النسيم بوجهه الفياح
رثأ كأن جبينه صبح بدا * أو أنه نور لكل صباح
ناشدته أنت الهلال أجابني * طوق الهلال يكون نقش وشاحي
لم أدر من لطف تكون جسمه * أو أنه من عالم الأرواح
كتب الجمال على صحيفة خده * طوفوا فهذي كعبة المرتاح
ماء الشباب بخده مترقرق * كزجاجة ضمت على مصباح
قد قلت: لما أن تجلى وجهه * سبحان ربي خالق الإصباح(٥٠)
شبهه بالنبي:
أما الإمام المنتظر فهو أشبه الناس بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو يشبهه في سيرته وجهاده، وثورته على الظلم والطغيان، وتغييره لمناهج الحياة القائمة في عصره، من النهب والسلب والفوضى والقلق والاضطراب، وإبدالها بمناهجه الرفيعة، من: صيانة الحقوق، وإشاعة الأمن والاستقرار، إلى غير ذلك من مبادئه الرفيعة التي يسعد بها الناس، وكذلك إذا ظهر قائم آل محمد (عليه السلام) فإنه يقوم بالدور الذي قام به جده، فإنه يحطم عروش الطغاة والمتجبرين ويدمر معالم السياسة القائمة المبنية على الكذب والدجل والنفاق ويقيم العدل بجميع رحابه ومفاهيمه.
وقد أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن أئمة الهدى (عليهم السلام) كوكبة من الأحاديث وهي تعلن شبه الإمام المنتظر بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان منها:
١ - روى عبد الله بن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال:
(يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، وخلقه خلقي يملأ الأرض قسطا وعدلا..)(٥١).
٢ - روى حذيفة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: "لو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين، ويفتح له فتوحا، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله".
فقام إليه سلمان، فقال: يا رسول الله من أي ولدك هو قال (صلى الله عليه وآله وسلم): هو من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين"(٥٢).
٣ - روت عائشة، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (المهدي رجل من عترتي، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي)(٥٣).
٤ - روى جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما)(٥٤).
٥ - روى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، بسنده عن جده، رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة، حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا)(٥٥).
٦ - روى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بسنده عن جده رسول الله، (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: "القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته، كنيتي وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني، إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره، الجاحدين بقولي في شأنه، والمضلين لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(٥٦) وهذا الحديث الشريف من أوضح الأحاديث النبوية ومن أكثرها شمولا لمشابهة الإمام المنتظر (عليه السلام) لجده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لما يحمل من طاقات ندية خلاقة في ميادين الإصلاح الاجتماعي.
٧ - روى أبو صالح السليلي في كتاب (الفتن) عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: إلا أنه - أي المهدي - أشبه الناس خلفا وخلقا وحسنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)(٥٧).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث الشريفة قد أثرت عن نبي الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أئمة العترة الطاهرة، وهي تعلن - وبوضوح - عن مشابهة الإمام المنتظر (عليه السلام) لجده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا في خلقه وأخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين، وإنما مشابهته له في نزعاته الإصلاحية التي منها كفاحه ونضاله في تدمير الظلم والجور، وإقامة العدل والحق في الأرض.
رواية موضوعة:
وابتلي الفكر الإسلامي بجمهرة كبيرة من الروايات الموضوعة التي افتعلت بعضها لتدعيم الأفكار السياسية القائمة في تلك العصور والتي منها تشويه خصوم السلطة وأعدائها، كما افتعلت بعضها للكيد من الإسلام والحط من قيمه ومبادئه، قد صاغها وابتدعها الحاقدون على الإسلام، والناقمون علي قيمه وعلى رأس المبتدعين لبعض الأخبار هم (الإسرائيليون) فقد دسوا في الأخبار جملة من الأحاديث لتشويه صورة الإسلام ودعم أفكارهم، ومن هذه الروايات الرواية التالية: روى الكنجي وغيره بسنده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا، يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء، والطير في الجو يملك عشرين سنة(٥٨) أما السبب في وضع هذه الرواية وزيفها فهو ما احتوت عليه من أن جسم الإمام (عليه السلام) كجسم الإسرائيليين في روائه ونضارته وهو كذب مفضوح فإن جسم الإمام (عليه السلام) جزء من جسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن جسم باب مدينة علمه، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكيف يشبه هذا الجسم الطاهر المليء بالهداية والنور بأجسام الإسرائيليين، الذين جسومهم من أخبث جسوم البشر بما يحملونه من أفكار خبيثة وقذرة، ومعادية للإنسان فهم ذئاب البشر، وجراثيم الرذائل، وأكبر الظن أن هذه الرواية قد وضعها الإسرائيليون لرفع قذارة أجسامهم التي يحتقرها المسلمون وغيرهم.
عناصره النفسية وسيرته:
أما عناصر الإمام المنتظر (عليه السلام) وصفاته النفسية فهي مشابهة تماما لصفات آبائه الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم وعليه، الذين هم من عناصر الرحمة والإشراق في الأرض، فقد خلقهم الله أنوارا، هداية لعباده وإرشادا لخلقه، وأدلاء على مرضاته، وطاعته، ومن بين مثله العليا، وصفاته الرفيعة:
١ - سعة علومه:
والشيء المحقق أن الإمام المهدي (عليه السلام) من أوسع الناس علما، ومن أكثرهم دراية وإحاطة بجميع أنواع العلوم والمعارف فهو من ورثة علوم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خزنة حكمته ومن بين علومه إحاطته الكاملة بأحكام الدين وشؤون شريعة جده سيد المرسلين وقد أدلى الأئمة الطاهرون بسمو مكانته العلمية قبل أن يخلق استمعوا إلى أقوالهم.
١ - قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفته"هو أوسعكم كهفا وأكثركم علما وأوصلكم رحما"(٥٩).
٢ - روى الحرث بن المغيرة النضري قال قلت لأبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) بأي شيء يعرف المهدي قال: "بمعرفة الحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد"(٦٠).
٣ - قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): "فيكون هذا الأمر أي الحكم - في أصغرنا سنا وأجملنا ذكرا، ويورثه الله علما ولا يكله إلى نفسه"(٦١).
٤ - قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام)"إن العلم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه ينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته فمن بقي منكم حتى يراه، فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة(٦٢).
وقد ورد عن سعة علومه ومعارفه أنه: "إذا ظهر (عليه السلام) يحاجج اليهود بأسفار التوراة فيسلم أكثرهم)(٦٣).
وكان (عليه السلام) المرجع الأعلى للعالم الإسلامي في أيام الغيبة الصغرى فقد كان نوابه الأربعة يرفعون إليه المسائل التي يسأل المسلمون عن أحكامها فيجيبهم عنها وقد حفلت موسوعات الفقه والحديث بالكثير من أجوبته وإليها يستند فقهاء الإمامية فيما يفتون به من الأحكام ومن الجدير بالذكر أن الشيخ الصدوق نضر الله مثواه قد احتفظ بالقسم الكثير من تلك الفتاوى المكتوبة أجوبتها بخطه الشريف.
٢ - زهده:
أما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد تشابهت سيرتهم في جميع مجالاتها الفكرية والعملية والتي منها (الزهد في الدنيا) والرفض الكامل لجميع لذائذها ومباهجها فلا تكاد تقرأ سيرة أحد منهم إلا وتجد البارز فيها الإعراض عن الدنيا فقد طلق سيد العترة وباب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الدنيا ثلاث مرات لا رجعة له فيها وعلى هذا المنهج المشرق سار أبناؤه وأحفاده الأئمة الطيبون الطاهرون وقد أثرت جمهرة من أحاديث الأئمة الطاهرين في زهد الإمام المنتظر (عليه السلام) قبل أن يولد وهذه بعضها:
١ - روى معمر بن خلد عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال: "وما لباس القائم (عليه السلام) إلا الغليظ وما طعامه إلا الجشب)(٦٤).
٢ - روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير الجشب)(٦٥).
٣ - روى كل من علي بن أبي حمزة ووهب عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال بحق الإمام المنتظر (عليه السلام): (ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الجشب)(٦٦).
ومن المحقق أن هذه سيرته في جميع مجالات حياته ولو لم يكن سلوكه بهذا النحو المشرق لما اختاره الله تعالى للقيام بأعظم دور إصلاحي في جميع فترات التاريخ، فهو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا وينقذ الإنسانية من غطرسة الحاكمين، ويوزع خيرات الله على جميع البؤساء والمحرومين.
٣ - صبره:
وظاهرة أخرى من نزعات الإمام المنتظر (عليه السلام) وصفاته النفسية الصبر وهو من أعظم الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) محنة وأشدهم بلاء فهو يرى في هذه الفترات الطويلة من الزمن الأحداث الجسام التي داهمت العالم الإسلامي ومزقت أشلاءه ووقعت الأمة بجميع شرائحها صريعة بأيدي المستعمرين والكافرين فأشاعوا فيها الباطل والجور وعطلوا أحكام الله وحدوده ونهبوا ثروات الأمة وتحكموا في قضاياها ومصيرها وكل هذه الأحداث بمرأى من الإمام ومسمع وقد نخر الحزن قلبه فإنه بحكم قيادته الروحية والزمنية وأبوته العامة لهذه الأمة يتحرق ألما على جميع ما يحل بها من الخطوب والنكبات وقد خلد (عليه السلام) إلى الصبر وفوض جميع أموره وشؤونه إلى الله تعالى فبيده مقاليد الأمور وهو الحاكم المطلق في عباده، وليس لغيره أي حكم أو رأي.
٤ - عبادته:
والشيء المحقق أن عبادة الإمام المنتظر (عليه السلام) كعبادة آبائه الأئمة الطاهرين الذين وهبوا حياتهم لله تعالى وسرى حبه في أعماق قلوبهم ودخائل نفوسهم وقد قطعوا معظم حياتهم صائمين في نهارهم قائمين في لياليهم قد أحيوها بالصلاة والدعاء والابتهال إلى الله تعالى وقد نقل الرواة جمهرة من أدعيته الشريفة التي كان يدعو في بعضها في قنوته بصلاته، وبعضها في غيرها وهي تنم عن مدى تعلقه بالله تعالى وانقطاعه إليه وفيما يلي:
بعض تلك الأدعية:
دعاؤه في قنوت صلاته:
كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوت صلاته وهذا نصه:
"اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير يا ماجد يا جواد يا ذا الجلال والإكرام يا ذا البطش الشديد يا فعال لما يريد يا ذا القوة المتين يا رؤوف يا رحيم يا حي حين لا حي أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم الذي استأثرت به في علم الغيب عندك ولم يطلع عليه أحد من خلقك وأسألك باسمك الذي تصور به خلقك في الأرحام كيف تشاء وبه تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظلمات من بين العروق والعظام وأسألك باسمك الذي ألفت به بين قلوب أوليائك وألفت بين الثلج والنار لا هذا يذيب هذا ولا هذا يطفئ هذا.
وأسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه وأسألك باسمك الذي أجريت به الماء في عروق النبات بين أطباق الثرى وسقت الماء إلى عروق الأشجار بين الصخرة الصماء وأسألك باسمك الذي كونت به طعم الثمار وألوانها وأسألك باسمك الذي به تبدي وتعيد وأسألك باسمك الفرد الواحد والمتفرد بالوحدانية المتوحد بالصمدانية وأسألك باسمك الذي فجرت به الماء في الصخرة الصماء وسقته من حيث شئت باسمك الذي خلقت به خلقك ورزقتهم كيف شئت وكيف تشاء.
يا من لا تغيره الأيام والليالي أدعوك بما دعاك به نوح حين ناداك فأنجيته ومن معه وأهلكت قومه وأدعوك بما دعاك به إبراهيم خليلك حين ناداك فأنجيته وجعلت النار عليه بردا وسلاما وأدعو بما دعاك به موسى كليمك حين ناداك ففلقت له البحر فأنجيته وبني إسرائيل، وأغرقت فرعون وقومه في اليم، وأدعوك بما دعاك به عيسى روحك حين ناداك فنجيته من أعدائك وإليك رفعته وأدعوك بما دعاك به حبيبك وصفيك ونبيك محمد (صلى الله عليه وآله) فاستجبت له ومن الأحزاب نجيته وعلى أعدائك نصرته وأسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت.
يا من له الخلق والأمر يا من أحاط بكل شيء علما يا من أحصى كل شيء عددا يا من لا تغيره الأيام والليالي ولا تتشابه عليه الأصوات ولا تخفى عليه اللغات ولا يبرمه إلحاح الملحين أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد خيرتك من خلقك فصل عليهم بأفضل صلواتك وصلى على جميع النبيين والمرسلين الذين بلغوا عنك الهدى وعقدوا لك المواثيق بالطاعة وصل على عبادك الصالحين يا من لا يخلف الميعاد انجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي وصبرهم وانصرني على أعدائك وأعداء رسولك ولا تخيب دعائي فإني عبدك وابن أمتك أسير بين يديك سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام وتفضلت به علي دون كثير من خلقك أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تنجز لي ما وعدتني إنك أنت الصادق ولا تخلف الميعاد وأنت على كل شيء قدير...(٦٧)
وحكى هذا الدعاء الشريف مدى القدرات الهائلة لله تعالى خالق الكون وواهب الحياة فهو المكون والمبدع لجميع ما في الكون من مخلوقات كما حكى دعاء الإمام (عليه السلام) طلبه للنصر من الله على أعدائه وأعداء رسوله وأن يجمع له أصحابه ليقوم بإحياء الدين وإعلاء كلمة التوحيد.
دعاء آخر له في القنوت:
وكان الإمام (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوت بعض صلواته وهو:
"اللهم صل على محمد وآل محمد وأكرم أوليائك بإنجاز وعدك وبلغهم درك ما يأملونه من نصرك واكفف عنهم بأس من نصب الخلاف عليك وتمرد بمنعك على ركوب مخالفتك واستعان برفدك على فل حدك وقصد لكيدك بك وأوسعته حلما لتأخذه على جهرة وتستأصله على غرة فإنك اللهم قلت وقولك الحق (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)(٦٨) وقلت (فلما آسفونا انتقمنا منهم)(٦٩) وإن الغاية عندنا قد تناهت وإنا لغضبك غاضبون وإنا على نصر الحق متعاصبون وإلى ورود أمرك مشتاقون ولإنجاز وعدك مرتقبون ولحلول وعيدك بأعدائك متوقعون، اللهم فأذن بذلك وافتح طرقاته وسهل خروجه ووطئ مسالكه واشرع شرائعه وأيد جنوده وأعوانه وبادر بأسك القوم الظالمين واسط سيف نقمتك على أعدائك المعاندين وخذ بالثأر إنك جواد(٧٠) وأعلن الإمام (عليه السلام) في هذا الدعاء الشريف عن شوقه العارم إلى الظهور ليقيم معالم الدين ويحيي سنة جده سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) وينتقم من أعداء الإسلام وأعداء التوحيد.
٥ - شجاعته:
أما الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو من أشجع الناس ومن أربطهم جأشا وأقواهم عزيمة فهو كجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوة بأسه وشجاعته لقد قاوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوى الشرك وحطم ركائز الجهل والبغي وأعلن حقوق الإنسان وكرامته وحقه في الحياة وقد قابل (صلى الله عليه وآله) ذئاب الشرك وضروس الكفر الذين جهدوا على أن يلغوا لواء الإسلام ويقبروا الدين في مهده إلا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سحق رؤوسهم ومزق جنودهم ورفع كلمة الله عالية في الأرض وبنفس هذا الدور المشرق يقوم سبطه وخليفته الإمام المنتظر (عليه السلام) فيسقي الظالمين والمتجبرين كأسا مصبرة ويعيد للإسلام كرامته ومجده بحزم ثابت لا يعرف الوهن ولا يخضع لأي عامل من عوامل الضعف والخوف.
٦ - صلابته في الحق:
الإمام المنتظر (عليه السلام) من أصلب المدافعين عن الحق ومن أكثرهم تفانيا واندفاعا لنصرة المظلومين والمضطهدين لا تأخذه في إقامة الحق لومة لائم شأنه شأن الأئمة المطهرين الذين ناصروا الحق وقاوموا الباطل وقدموا أرواحهم قرابين للعدل الاجتماعي بين الناس.
وإذا أشرقت الدنيا بظهور قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وسعدت الإنسانية بخروجه فإنه سلام الله عليه يقيم الحق بجميع رحابه ومفاهيمه ولا يدع ظلا للغبن والظلم إلا حطمه وقضى عليه.
٧ - سخاؤه:
أما الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو من أندى الناس يدا ومن أكثرهم جودا وأعظمهم سخاء ويجمع الرواة أنه في أيام دولته وحكومته يوزع خيرات الله على جميع الفقراء بحيث لا يبقى فقير أو محتاج على وجه الأرض وحتى لا يجد من وجبت عليه الزكاة فقيرا يعطيها له ولنستمع إلى بعض ما أثر عن كرمه من الأحاديث:
١ - روى أبو سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قصة الإمام المهدي (عليه السلام) أنه قال: (فيجيء الرجل إليه فيقول: يا مهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله)(٧١).
٢ - روى ابن عساكر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثيا(٧٢).
٣ - روى جابر قال: "أقبل رجل على أبي جعفر (عليه السلام) وأنا حاضر فقال: رحمك الله اقبض هذه الخمس ماءة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة أموالي فقال له أبو جعفر بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البر منهم والفاجر فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي يستخرج التوراة وسائر الكتب من غار بـ (أنطاكية) فيحكم بأهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل الفرقان بالفرقان وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس:
تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله (فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله)(٧٣).
إلى غير ذلك من الأخبار التي أعلنت أنه سلام الله عليه بحر من المكارم والجود وأنه يبر بخلق الله ويحسن إليهم وينقذهم من العرى والجوع والحرمان ويشيع فيهم الغنى والأمن والاستقرار.
من تراثه الرائع:
للإمام المنتظر (عليه السلام) تراث رائع حافل بأعلى القيم الإسلامية كان منه بعض أدعيته الشريفة التي هي مناجم التوحيد ومن ذخائر الفكر الإسلامي كما أن من بينها بعض الرسائل التي بعثها لأعلام أصحابه وخلص شيعته وقد تضمنت بعضها أجوبته عما سألوه من الأحكام الشرعية وفيما يلي بعض ذلك:
أدعيته:
أما الدعاء فهو مناجاة مع الله وتبتل وانقطاع إليه وهو يمثل صفاء النفس وطهارة الضمير والتعلق بالله تعالى خالق الكون وواهب الحياة وقد أثرت عن الإمام الأعظم قائم آل محمد (عليه السلام) بعض الأدعية الشريفة كان منها ما يلي.
١ - دعاؤه للمسلمين:
اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية وصدق النية وعرفان الحرمة وأكرمنا بالهدى والاستقامة وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة وطهر بطوننا من الحرام والشبهة واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة وعلى مرض المسلمين بالشفاء والراحة وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة وعلى الشباب بالإنابة والتوبة وعلى النساء بالحياء والعفة وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة وعلى الفقراء بالصبر والقناعة وعلى الغزاة بالنصر والغلبة وعلى الأسراء بالخلاص والراحة وعلى الأمراء بالعدل والشفقة وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة وبارك على الحجاج والزوار في الزاد والنفقة واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين..(٧٤)
لقد تضرع الإمام (عليه السلام) إلى الله تعالى وتوسل إليه أن يمن على المسلمين بكل ما يسمون به من مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وكل ما يقربهم إلى الله تعالى زلفى.
٢ - دعاؤه للمؤمنين:
وكان الإمام (عليه السلام) يدعو للمؤمنين الصالحين بهذا الدعاء الشريف"اللهم بحق من ناجاك وبحق من دعاك في البر والبحر صل على محمد وآله وتفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغنى والسعة وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحة والراحة وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرامة وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين بحق محمد وآله أجمعين"(٧٥).
وحكى هذا الدعاء مدى تعاطف الإمام (عليه السلام) ورأفته بالمؤمنين فقد دعا لهم بكل ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم وتمنى لهم كل خير وسعادة.
٣ - دعاؤه لقضاء الحوائج:
وكان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء لقضاء حوائجه ومهامه وهذا نصه بعد البسملة:
"أنت الله الذي لا إله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم وأنت الله الذي لا إله إلا أنت مدبر الأمور وباعث من في القبور وأنت الله الذي لا إله إلا أنت القابض الباسط وأنت الله الذي لا إله أنت وارث الأرض ومن عليها أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت وأسألك بحق محمد وآل محمد وأن تقضي لي حاجتي الساعة الساعة يا سيداه! يا مولاه!
يا غياثاه! أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعجل خلاصنا من هذه الشدة يا مقلب القلوب والأبصار يا سميع الدعاء إنك على كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين"(٧٦).
ويلمس في هذا الدعاء الشريف مدى انقطاع الإمام إلى الله تعالى والتجائه إليه في جميع شؤونه وأموره.
٤ - دعاؤه للشفاء من الأسقام:
وكان (عليه السلام) إذا أصابه سقم وألم به مرض كتب هذا الدعاء الشريف في إناء جديد بتربة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ويصب فيه الماء ويشربه.
"بسم الله دواء والحمد لله شفاء ولا إله إلا الله كفاء هو الشافي شفاء وهو الكافي كفاء اذهب البأس برب الناس شفاء لا يغادره سقم وصلى الله على محمد وآله النجباء"(٧٧).
٥ - زيارة ودعاء:
وأوعز الإمام (عليه السلام) إلى بعض المؤمنين من شيعته أن يزوروا ناحيته المقدسة بهذه الزيارة، ثم يدعو له عقيبها بما يأتي:
سلام على آل ياسين، السلام عليك يا داعي الله، ورباني آياته، السلام عليك يا باب الله، وديان دينه، السلام عليك يا خليفة الله، وناصر حقه، السلام عليك يا حجة الله، ودليل إرادته، السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه، السلام عليك في آناء الليل، وأطراف النهار، السلام عليك يا بقية الله في أرضه، السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده، السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه، السلام عليك أيها العلم المنصوب، والغوث والرحمة الواسعة، وعدا غير مكذوب، السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام عليك حين تحمد وتستغفر، السلام عليك حين تهلل وتكبر، السلام عليك - حين تصبح وتمسي، السلام عليك في الليل إذا يغشى، وفي النهار إذا تجلى، السلام عليك أيها الإمام المأمون، السلام عليك بجوامع السلام.
أشهد أني أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، لا حبيب إلا هو وأهله، وأشهدك أن أمير المؤمنين حجته وجعفر بن محمد حجته، وموسى بن جعفر حجته، وعلي بن موسى حجته والحسن حجته، والحسين حجته، وعلي بن الحسين حجته، ومحمد بن علي حجته، ومحمد بن علي حجته، وعلي بن محمد حجته، والحسن بن علي حجته، وأشهد أنك - أي الإمام المنتظر (عليه السلام) - حجة الله، أنتم الأول والآخر.. وأشهد أن النشر والبعث حق، وإن الصراط، والمرصاد حق، والميزان والحساب حق، والجنة والنار حق، والوعد بهما حق، يا مولاي شقي من خالفكم، وسعد من أطاعكم، فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا ولي لك، بريء من عدوك، فالحق ما رضيتموه، والباطل ما سخطتموه، والمعروف ما أمرتم به، والمنكر ما نهيتم عنه، ونفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له، وبرسوله، وبأمير المؤمنين وبكم، يا مولاي، بأولكم وآخركم، ونصرتي معدة لكم، ومودتي خالصة لكم آمين آمين.."ثم يدعو عقيب هذه الزيارة بهذا الدعاء الشريف:
"اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك، وكلمة نورك، وأن تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الإيمان، وفكري نور النيات، وعزمي نور العلم، وقوتي نور العمل، ولساني نور الصدق. وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء، وسمعي نور الحكمة، ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله (عليهم السلام) حتى ألقاك، وقد وفيت بعهدك وميثاقك فتغشيني رحمتك، يا ولي، يا حميد.
اللهم صل على محمد بن الحسن حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك والداعي إلى سبيلك، والقائم بقسطك، والساير بأمرك، ولي المؤمنين، وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والناطق بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك، الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى، ومجلي الغمات الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا إنك على كل شيء قدير. اللهم صل على وليك وابن أوليائك، الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقهم، وأذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرا اللهم انصره، وانتصر به لدينك، وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره، واجعلنا منهم.
اللهم أعذه من شر كل باغ وطاغ، ومن شر جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، واحرسه، وامنعه من أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل، وأيده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، واقصم جبابرة الكفر والمنافقين، وجميع الملحدين، حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، برها وبحرها واملأ به الأرض عدلا، واظهر به دين نبيك محمد (صلى الله عليه وآله)، واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه، وأتباعه، وشيعته، وأرني في آل محمد (عليهم السلام) ما يأملون، وفي عدوهم ما يحذرون، إله الحق آمين يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين..(٧٨)
لقد أرشد الإمام (عليه السلام) شيعته بأن يزوره بهذه الزيارة، ويدعون له بهذا الدعاء المبارك، يدعون له بالنصر والتعجيل في ظهوره ليقيم الحق ويدمر الباطل، ويرفع كلمة الله تعالى عالية في الأرض.
٦ - دعاؤه للفرج:
من أدعيته الشريفة هذا الدعاء الجليل، وهذا نصه:
"اللهم رب النور العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل، ورب الظل والحرور، ومنزل الزبور والقرآن العظيم، ورب الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، أنت إله من في السماء، وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء، وجبار من في الأرض، لا جبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء، وخالق من في الأرض، لا خالق فيهما غيرك، اللهم أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير وملكك القديم، يا حي يا قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون، يا حيا قبل كل حي، ويا حيا بعد كل حي، ويا حيا حين لا حي، ويا محيي الموتى، ويا حيا لا إله إلا أنت، يا حي، يا قيوم، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وارزقني من حيث أحتسب، ومن حيث لا أحتسب رزقا، واسعا، حلالا، طيبا، وأن تفرج عني كل غم، وكل هم وأن تعطيني ما أرجوه، وآمله، إنك على كل شيء قدير(٧٩).
وحفل هذا الدعاء بتحميد الله وتمجيده، ووصفه بأعظم صفاته، والتجاء الإمام (عليه السلام)، وانقطاعه له، وإيمانه المطلق بأن جميع مجريات الأحداث بيده تعالى.
٧ - دعاؤه لشيعته:
وكان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء لشيعته أن يفرج عنهم ويكشف ما ألم بهم من الضيق والحرمان:
"يا نور النور يا مدبر الأمور يا باعث من في القبور صل على محمد وآل محمد واجعل لي ولشيعتي من الضيق فرجا ومن الهم مخرجا وأوسع لنا المنهج وأطلق لنا من عندك ما يفرج وأفعل بنا ما أنت أهله، يا كريم يا أرحم الراحمين...(٨٠)
٨ - دعاؤه للنبي ولأئمة الهدى:
وعهد الإمام (عليه السلام) لبعض شيعه أن يدعو بهذا الدعاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم:
"اللهم صل على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة رب العالمين المنتجب في الميثاق المصطفى من الضلال المطهر من كل آفة البريء من كل عيب المؤمل للنجاة المرتجى للشفاعة المفوض إليه دين الله اللهم شرف بنيانه وعظم برهانه وأفلج حجته وارفع درجته وأضئ نوره وبيض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة والدرجة والوسيلة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون وصل على أمير المؤمنين ووارث المرسلين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين وحجة رب العالمين وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على علي بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على علي بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على علي بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين وصل على الخلف الصالح المهدي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
اللهم صل على محمد وأهل بيته الأئمة الهادين المهديين العلماء الصادقين الأبرار المتقين دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك وحججك على خلقك وخلفائك في أرضك الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرفتهم بنبيك اللهم صل على محمد وعليهم صلاة كثيرة دائمة طيبة لا يحيط بها إلا أنت ولا يسعها إلا علمك ولا يحصيها أحد غيرك، اللهم وصل على وليك المحيي سنتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك وحجتك على خلقك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك اللهم أعز نصره ومد في عمره وزين الأرض بطول بقائه اللهم اكفه بغي الحاسدين وأعذه من شر الكائدين وادحر عنه إرادة الظالمين وخلصه من أيدي الجبارين.
اللهم اعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عين وتسر به نفسه وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير اللهم جدد به ما محي من دينك وأحي به ما بدل من كتابك وأظهر به ما غير من حكمتك حتى يعود دينك وعلى يديه غضا جديدا خالصا مخلصا لا شك فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه.
اللهم نور بنوره كل ظلمة واهد بركنه كل بدعة واهدم بعزته كل ضلالة، واقصم به كل جبار واخمد بسيفه كل نار وأهلك بعدله كل جبار وأجر حكمه على كل حكم وأذل بسلطانه كل سلطان اللهم أذل كل من ناواه وأهلك كل من عاداه وامكر بمن كاده واستأصل من جحد حقه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده ومد في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة إنك على كل شيء (قدير)(٨١).
وأشاد هذا الدعاء بالنبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأوصيائه وخلفائه الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ودعا لهم بسمو المنزلة الكريمة عند الله تعالى كما حفل بالدعاء لقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقيم معالم الدين ويحيي سنة جده رسول رب العالمين.
٩ - دعاؤه للخلاص من السجن:
وقد علم الإمام (عليه السلام) بعض شيعته هذا الدعاء وقد كان في ظلمات السجون: "إلهي: عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانقطع الرجاء وضاقت الأرض ومنعت السماء وأنت المستعان وإليك المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء اللهم صل على محمد وآل محمد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم وعرفتنا بذلك منزلتهم ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا قريبا كلمح البصر أو هو أقرب يا محمد! يا علي! يا علي! يا محمد!
اكفياني فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني، الساعة، الساعة العجل العجل يا أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطاهرين)(٨٢).
إن الالتجاء إلى الله تعالى والانقطاع ينجي الإنسان وينقذه مما ألم به من محن الأيام وخطوب الزمان وقد جهد أئمة الهدى (عليهم السلام) على تعليم شيعتهم وإرشادهم إلى بعض الأدعية الشريفة التي تنجيهم من كوارث الزمان.
زيارته للإمام الحسين:
إن فاجعة كربلاء وما جرى فيها على سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانته الإمام الحسين (عليه السلام) من ألوان المحن والرزايا التي لم يعانها أي مصلح اجتماعي على امتداد التاريخ فقد كوت قلوب المسلمين وأخلدت لهم الأسى والحزن وكان من أعظم المفجوعين بها أئمة الهدى (عليهم السلام) من أحفاد الإمام الحسين فقد نخر الحزن قلوبهم على ما جرى على جدهم من الفجائع والمآسي التي تميد من هولها الجبال.
ومن بين الأئمة المنكوبين بمصاب الإمام الحسين (عليه السلام) الإمام المنتظر (عليه السلام) فقد استوعب الألم القاسي نفسه الشريفة وبكاه بذوب روحه وتحكي مدى لوعته وأساه زيارته لجده الحسين التي عرفت (بزيارة الناحية المقدسة) فقد سكب فيها أحزانه وعرض فيها ما جرى على جده من صنوف الرزايا والخطوب وما عانته بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المصائب القاسية التي تذوب من مآسيها القلوب ولنستمع إلى بعض فصول هذه الزيارة التي خرجت إلى أحد نوابه وقد سلم فيها على بعض الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى واختارهم لإصلاح عباده ثم قال مسلما على جده الإمام الحسين (عليه السلام):
"السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته السلام على من أطاع الله في سره وعلانيته السلام على من جعل الله الشفاء في تربته السلام على من الإجابة تحت قبته السلام على من الأئمة من ذريته".
وحكى هذا المقطع مدى انقطاع الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الله تعالى وإطاعته له في سره وعلانيته وكان من عظيم طاعته وإخلاصه إلى الله أنه (عليه السلام) سمح بمهجته الشريفة وقدمها قربانا إليه - تعالى - لإحياء دينه وإعلاء كلمته ولولاه للف لواء الإسلام وعادت الحياة الجاهلية بآثامها وشرورها فقد جهد الأمويون على سحق هذا الدين إلا أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي رد كيدهم وأطاح بعروشهم بتضحيته التي هزت العالم الإسلامي وأشاعت السخط والثورات الداخلية على الحكم الأموي حتى أراح الله المسلمين منهم وقد شكر الله تعالى تضحية حبيبه الإمام الحسين (عليه السلام) وأعد له في الدار الآخرة من الأجر الجزيل الذي لا يوصف لعظمته وحباه في الدنيا بكل مكرمة والتي منها أن جعل الشفاء في تربته وإجابة الدعاء تحت قبته والأئمة الطاهرين المعصومين من ذريته ومن بنود هذه الزيارة قوله (عليه السلام): والسلام على ابن خاتم الأنبياء السلام على ابن سيد الأوصياء السلام على ابن فاطمة الزهراء السلام على ابن خديجة الكبرى السلام على ابن سدرة المنتهى السلام على ابن جنة المأوى السلام على ابن زمزم والصفا".
وحكت هذه الكلمات الأصول الكريمة التي تفرع منها سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) فجده خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وأبوه سيد الأوصياء وباب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمه بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيدة نساء العالمين التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها وجدته خديجة الكبرى التي قام الإسلام بأموالها وتضحيتها فسلام الله على تلك الأصول وعلى ذلك الفرع الطاهر الذي أضاء الدنيا بفضله ومن فصول هذه الزيارة قوله: "السلام على المرمل بالدماء السلام على المهتوك الخباء السلام على خامس أصحاب الكساء السلام على غريب الغرباء السلام على شهيد الشهداء السلام على قتيل الأدعياء السلام على ساكن (كربلاء) السلام على من بكته ملائكة السماء السلام على من ذريته الأزكياء السلام على يعسوب الدين السلام على منازل البراهين السلام على الأئمة السادات...".
وحفل هذا المقطع ببعض صفات أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) والتي منها أنه قد رمل بدمائه في سبيل الله وهتك حجابه لإقامة شعائر الإسلام ومن صفاته أنه خامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ومن صفاته أنه غريب مظلوم فقد استشهد بصورة مروعة في أرض (كربلاء) وبكت لعظيم مصابه ملائكة الله تعالى ويقول الإمام المنتظر (عليه السلام) في هذه الزيارة:
السلام على الجيوب المضرجات السلام على الشفاء الذابلات السلام على النفوس المصطلمات السلام على الأرواح المختلسات السلام على الجسوم الشاحبات السلام على الدماء السائلات السلام على الأعضاء المقطعات السلام على الرؤوس المشالات السلام على النسوة البارزات.."
وحفلت هذه الكلمات بما جرى على سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبنائه وأصحابه من صنوف الظلم والتنكيل من الجيش الأموي فقد حرم عليهم الماء حتى ذبلت شفاههم من شدة الظمأ ومزقت سيوف الأمويين تلك الأجسام الطاهرة الزكية ورفعت رؤوسهم على أطراف الرماح وهي تنير للمجتمع طريق الحرية والكرامة والشرف والإباء ومن أجل هذه الغايات النبيلة استشهدوا سلام الله عليهم وسبيت نساؤهم من بلد إلى بلد ويستمر الإمام المنتظر (عليه السلام) في زيارته فيقول:
"السلام على حجة رب العالمين السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين السلام عليك وعلى أبنائك المستشهدين السلام عليك وعلى ذريتك الناصرين السلام عليك وعلى الملائكة المضاجعين السلام على القتيل المظلوم السلام على أخيه المسموم السلام على علي الكبير السلام على علي الرضيع.."لقد قدم الإمام (عليه السلام) تحياته وسلامه إلى جده الحسين (عليه السلام)، وإلى أبنائه المستشهدين بين يديه وإلى الملائكة الكرام الحافين بقبره الشريف ومن بنود هذه الزيارة قوله:
"السلام على الأبدان السليبة السلام على العترة الغريبة السلام على المجدلين في الفلوات السلام على النازحين عن الأوطان السلام على المدفونين بلا أكفان السلام على الرؤوس المفرقة عن الأبدان السلام على المحتسب الصابر السلام على المظلوم بلا ناصر السلام على ساكن التربة الزاكية السلام على صاحب القبة السامية..".
وسلم الإمام المنتظر (عليه السلام) على الأبدان الشريفة التي تركها الجيش الأموي الحقير ملقاة بالعراء ولم يعمدوا إلى مواراتها حتى أتاح الله لها قوما لم يتلوثوا بجريمة حرب ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفنوها بثيابها التي مزقتها سيوف الأمويين ورماحهم.
ومن فصول هذه الزيارة قوله (عليه السلام):
السلام على من طهره الجليل السلام على من افتخر به جبرائيل السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل، السلام على من نكثت ذمته، السلام على من هتكت حرمته السلام على من أريق بالظلم دمه السلام على المغسل بدم الجراح السلام على المجرع بكاسات الرماح السلام على المضام المستباح السلام على المنحور في الورى السلام على من دفنه أهل القرى.
السلام على المقطوع الوتين السلام على المحامي - أي عن دين الله - بلا معين السلام على الشيب الخضيب السلام على الخد التريب السلام على البدن السليب السلام على الثغر المقروع بالقضيب السلام على الرأس المرفوع السلام على الأجسام العارية في الفلوات تنهشها الذئاب العاديات وتختلف إليها السباع الضاريات..." ويستمر الإمام المنتظر في سلامه على جده الإمام الحسين (عليه السلام) ذاكرا مآثره وفضائله وما جرى عليه من الكوارث والخطوب التي تنوء من حملها الجبال إلى أن يقول:
"السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك البريء من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع الحزين الواله المستكين سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف، وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك وفداك بروحه وجسده وماله، وولده، وروحه لروحك فداء، وأهله لأهلك وقاء..".
وحكت هذه الكلمات مدى تألم الإمام على فجائع جده الإمام الحسين (عليه السلام) فقد ود أن يكون معه في ساحة (الطفوف) ليفديه بنفسه ويقيه بمهجته ويدفع عنه ما حل به من عظيم الرزايا ولنستمع إلى فصل آخر من فصول هذه الزيارة يقول (عليه السلام):
"فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محاربا ولمن نصب لك العداوة مناصبا فلأندبنك صباحا مساء ولأبكين عليك بدل الدموع دما حسرة عليك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب..."أرأيتم تفجع الإمام المنتظر ولوعته وحزنه العميق على جده المظلوم الغريب الذي انتهكت في قتله حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فالإمام المنتظر يندبه صباحا ومساء ويبكيه بدل الدموع دما ويبقى على هذه الحال في حزن مستمر حتى يموت بلوعة مصابه... ومن بنود هذه الزيارة قوله:
"أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر والعدوان وأطعت الله وما عصيته وتمسكت به وبحبله فارتضيته وخشيته وراقبته واستحييته وسننت السنن وأطفأت الفتن ودعوت إلى الرشاد وأوضحت سبل السداد وجاهدت في الله حق الجهاد وكنت لله طائعا ولجدك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تابعا ولقول أبيك سامعا وإلى وصية أخيك مسارعا ولعماد الدين رافعا وللطغيان قامعا وللطغاة مقارعا وللأمة ناصحا وفي غمرات الموت سابحا وللفساق مكافحا وبحجج الله قائما وللإسلام والمسلمين راحما وللحق ناصرا وعند البلاء صابرا وللدين كالئا وعن حوزته مراميا...".
وحكت هذه الكلمات المثل العليا الماثلة في سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانته فما من فضيلة خلقها الله في الدنيا إلا وهي من عناصره وذاتياته..
ويستمر الإمام (عليه السلام) في زيارته فيقول:
"تحوط الهدى وتنصره وتبسط العدل وتنشره وتنصر الدين وتظهره وتكف العابث وتزجره وتأخذ للدني من الشريف وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف كنت ربيع الأيتام وعصمة الأنام وعز الإسلام ومعدن الأحكام وحليف الإنعام سالكا طريق جدك وأبيك مشبها في الوصية لأخيك.. وفي الذمم رضي الشيم ظاهر الكرم متهجدا في الظلم قويم الطرائق كريم الخلائق عظيم السوابق شريف النسب منيب الحسب رفيع الرتب كثير المناقب محمود الغرائب جزيل المواهب حليم رشيد منيب جواد عليم شديد إمام شهيد أواه منيب حبيب مهيب.
كنت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولدا وللقرآن منقذا وللأمة عضدا وفي الطاعة مجتهدا حافظا للعهد والميثاق ناكبا عن سبل الفساق وباذلا للمجهود طويل الركوع والسجود زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا إليها بعين المستوحشين منها آمالك عنها مكفوفة وهمتك عن زينتها مصروفة وألحاظك من بهجتها مطروفة ورغبتك في الآخرة معروفة".
وحكى هذا المقطع ما قام به أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) من نصرة الحق وحماية العدل والذب عن الإسلام ونشر القيم الكريمة والمبادئ العليا التي جاء بها الإسلام وقد سلك (عليه السلام) المنهج والطريق نفسه الذي سار به جده وأبوه فلم يشذ عن منهجهما وسنتهما مبتغيا بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة... ومن فصول هذه الزيارة قوله (عليه السلام)...."حتى إذا الجور مد باعه وأسفر الظلم قناعه ودعا الغي أتباعه وأنت في حرم جدك قاطن وللظالمين مباين جليس البيت والمحراب معتزل عن اللذات والشهوات تنكر المنكر بقلبك ولسانك على حسب طاقتك وإمكانك ثم اقتضاك العلم للإنكار ولزمك أن تجاهد الفجار فسرت في أولادك وأهاليك وشيعتك ومواليك وصدعت بالحق والبينة ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأمرت بإقامة الحدود والطاعة للمعبود ونهيت عن الخبائث والطغيان وواجهوك بالظلم والعدوان.
فجاهدتهم بعد الإيعاز لهم وتأكيد الحجة عليهم فنكثوا ذمامك وبيعتك، وأسخطوا ربك وجدك وبدؤوك بالحرب فثبت للطعن والضرب وطحنت جنود الفجار واقتحمت قسطل الغبار مجالدا بذي الفقار كأنك علي المختار وحكت هذه الكلمات جهاد الإمام أبي الأحرار (عليه السلام) ومناجزته للحكم الأموي الذي كفر بحقوق الإنسان وأشاع الظلم والفساد في الأرض فلم يسعه السكوت فانبرى إلى ساحات الجهاد المقدس ينكر المنكر بقلبه ولسانه وحسامه ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولنستمع إلى فصل آخر من فصول هذه الزيارة يقول (عليه السلام):
"فلما رأوك - يعني بني أمية - ثابت الجأش غير خائف ولا خاش نصبوا لك غوائل مكرهم وقاتلوك بكيدهم وشرهم وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء وورده وناجزوك القتال وعاجلوك النزال ورشقوك بالسهام والنبال وبسطوا إليك أكف الاصطلام ولم يرعوا لك ذماما ولا راقبوا فيك آثاما في قتلهم أوليائك ونهبهم رحالك وأنت مقدم في الهبوات ومحتمل للأذيات قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات..." ومفاد هذه الكلمات أن الأمويين لما رأوا الإمام أبا الأحرار كالطود الشامخ ينعي عليهم سياستهم التي شذت عن كتاب الله وسنة نبيه وتزعمه للقوى المعارضة لهم غير حافل بهم ولا خائف من سلطانهم قابلوه وناجزوه بكل ما يملكون من الوسائل والتي كان من أخسها أنهم حرموه الماء في (كربلاء) حتى أشرف أطفاله وعياله على الموت ورشقوه بسهامهم ونبالهم ولم يرعوا فيه حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تحمل (عليه السلام) جميع ما عاناه من الخطوب والكوارث بصبر عجبت منه ملائكة السماء ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الزيارة يقول (عليه السلام):
"فأحدقوا بك من كل الجهات وأثخنوك بالجراح وحالوا بينك وبين الرواح ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر تذب عن نسوتك وأولادك، حتى نكسوك عن جوادك فهويت إلى الأرض جريحا تطؤك الخيول بحوافرها وتعلوك الطغاة ببواترها.
قد رشح للموت جبينك واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك تدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك، وأسرع فرسك شاردا إلى خيامك قاصدا محمحما باكيا.
فلما رأين النساء جوادك مخزيا ونظرن إلى سرجك عليه ملويا برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك ومولع سيفه على نحرك قابض على شيبتك بيده ذابح لك بمهنده قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القناة رأسك وسبي أهلك كالعبيد وصفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيات تلفح وجوههم حر الهاجرات يساقون في البراري والفلوات أيديهم مغلولة إلى الأعناق يطاف بهم في الأسواق...". وصورت هذه الكلمات مصرع الإمام السبط وما عاناه في اللحظات الأخيرة من حياته من صنوف الخطوب والكوارث التي تتصدع من هولها الجبال ولا يقوى على تحملها أي كائن حي لقد تواكبت على ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووارث كمالاته جميع مصائب الدنيا يتبع بعضها بعضا فقد رزأ بأصحابه وأهل بيته وأولاده ورآهم مجزرين كالأضاحي على صعيد (كربلاء) وعياله وأطفاله يستغيثون من شدة الظمأ.
وقد عجت حرائر النبوة ومخدرات الرسالة بالعويل والبكاء لعظم ما نزل بهن من البلاء فهن ينظرن إلى النجوم المشرقة من أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم في غضارة العمر ونضارة الشباب وقد سبحوا بدمائهم وتناثرت أشلاؤهم على صعيد (كربلاء) وينظرن إلى الإمام الممتحن سيد شباب أهل الجنة وقد تدافعت على قتله العصابة المجرمة من جيوش الأمويين وقد وجهوا نحوه جميع ما يملكون من وسائل القتل والإبادة حتى تناهبت جسمه الشريف سيوفهم ورماحهم وسهامهم.
ينظرن بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى هذه الفجائع وقد مزق الأسى قلوبهن واختطف الرعب ألوانهن ولا يعلمن ماذا سيجري لهن من صنوف الرزايا والبلاء بعد مصرع الحسين (عليه السلام) لقد كان منظرهن من أفجع وأقسى مما رزأ به الإمام الحسين (عليه السلام) فقد استوعبت نفسه الشريفة رزايا بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولما صرع سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورفع رأسه الشريف على الرمح ليقدم هدية إلى ابن مرجانة تابرزت بنات رسول الله على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات وقد عمد عبيد ابن مرجانة إلى إحراق أخبيتهن وأوسعوهن ضربا بسياطهم وصفدوهن بالحديد قد غلت أيديهن وأيدي الأطفال إلى الأعناق وحملوا على أقتاب المطايا يطاف بهم من بلد إلى بلد ثم قدموا هدية إلى ابن مرجانة وإلى سيده يزيد بن معاوية فإنا لله وإنا إليه راجعون ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الزيارة يقول (عليه السلام).
"فالويل للعصاة الفساق لقد قتلوا بقتلك الإسلام وعطلوا الصلاة والصيام ونقضوا السنن والأحكام وهدموا قواعد الإيمان وحرموا آيات القرآن وهملجوا في البغي والعدوان.
لقد أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) موتورا وعاد كتاب الله عز وجل مهجورا وغودر الحق إذ قهرت مقهورا وفقد بفقدك التكبير والتهليل والتحريم والتحليل والتنزيل والتأويل وظهر بعدك التغيير والتبديل والإلحاد والتعطيل والأهواء والأضاليل والفتن والأباطيل.
فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلا:
يا رسول الله! قتل سبطك وفتاك واستبيح أهلك وحماك وسبيت بعدك ذراريك فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول وعزاه بك الملائكة والأنبياء"وفجعت بك أمك الزهراء"(٨٣).
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض هذه الزيارة وقد شفعت بدعاء ذكره المجلسي عقيب هذه الزيارة كما ذكر صلاة يصليها الزائر عند المرقد الشريف.
رسائله:
ونقل الرواة مجموعة من رسائل الإمام المنتظر (عليه السلام) كان قد بعثها لأعلام شيعته وتضمنت بعضها أجوبته عن المسائل الشرعية التي سئل عنها وكان من بين تلك الرسائل ما يلي:
١ - رسالته إلى أحمد بن إسحاق:
وأحمد بن إسحاق الأشعري القمي(٨٤) وافد القميين إلى الأئمة الطاهرين وأحد رواتهم العظام وقد التقى به بعض الشيعة فناوله كتابا من جعفر بن الإمام علي الهادي السلام يعرفه فيه بنفسه ويخبره أنه القيم على العالم الإسلامي بعد أخيه الحسن (عليه السلام) ويدعي أن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه الناس وغير ذلك من العلوم فكتب أحمد إلى الإمام المنتظر رسالة عرفه بالأمر وشفع معه كتاب جعفر فأجابه الإمام (عليه السلام) بهذه الرسالة وقد جاء فيها بعد البسملة:
"أتاني كتابك أبقاك الله - والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا أبى الله للحق إلا إتماما وللباطل إلا زهوقا وهو شاهد علي بما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمة وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالى:
يا هذا - يرحمك الله - إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا ثم بعث إليهم النبيين (عليهم السلام) مبشرين ومنذرين يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة يأتون من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعل لهم عليهم وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة فمنهم من جعل عليه النار بردا وسلاما واتخذه خليلا ومنهم من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شيء ثم بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمم به نعمته وختم به أنبياءه وأرسله إلى الناس كافة وأظهر من صدقه ما أظهر وبين من آياته وعلاماته ما بين ثم قبضه (صلى الله عليه وآله وسلم) حميدا فقيدا سعيدا وجعل الأمر بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا واحدا أحيى بهم دينه وأتم بهم نوره وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقانا مبينا يعرف به الحجة من المحجوج والإمام من المأموم بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس وجعلهم خزان علمه ومستودع حكمته وموضع سره وأيدهم بالدلائل ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولا وعى أمر الله عز وجل كل أحد ولما عرف الحق من الباطل ولا العالم من الجاهل وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه أبفقهه في دين الله؟ فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب، أم بعلم؟ فما يعلم حقا من باطل ولا محكما من متشابه ولا يعرف حد الصلاة ووقتها أم بورع؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة ولعل خبره قد تأدى إليكم وهاتيك ظروف مسكره منصوبة وآثاره عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة أم بآية فليأت بها أم بحجة؟ فليقيمها أم بدلالة؟ فليذكرها قال الله عز وجل في كتابه:
"بسم الله الرحمن الرحيم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو آثاره من علم إن كنتم صادقين ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا (بعبادتهم كافرين)(٨٥).
فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها وما يجب فيها لنعلم حاله ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه.
حفظ الله الحق على أهله وأقره في مستفره وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وآل محمد(٨٦).
وحكت هذه الرسالة الطعن بشخصية جعفر الذي ادعى الإمامة وتجريده تجريدا كاملا من جميع الصفات الكريمة التي تؤهله لهذا المنصب الرفيع الذي لا يستحقه إلا من كان حاويا لفضائل الدنيا من العلم بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها والإحاطة الكاملة بأحكام الشريعة وشؤون الدين وجعفر جاهل لا يعرف أي طرفيه أطول فكيف يدعي الإمامة.
٢ - رسالته إلى العمري وابنه:
ورفع عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد رسالة إلى الإمام (عليه السلام) أخبراه فيها أن الميسمي وهو من الشيعة حدثهما أن المختار وهو من الضالين يدعو الشيعة إلى الإمامة ل (جعفر) فأجابهما الإمام (عليه السلام) بهذه الرسالة:
"وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميسمي أخبركما عن المختار، ومناضرته من لقي واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابك عنه: وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن فإنه عز وجل يقول: * (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة، ويأخذون يمينا وشمالا فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهرا وأما مغمورا أو لم يروا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحدا بعد واحدا إلى أن أفضي بأمر الله عز وجل إلى الماضي يعني الحسن بن علي - فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم كان نورا ساطعا وشهابا لامعا وقمرا ظاهرا ثم اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها ستره الله عز وجل بأمره إلى غايته وأخفى مكانه بمشيته للقضاء السابق والقدر النافذ وفينا موضعه ولنا فضله ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به حكمه لأراهم الحق ظاهرا بأحسن حيلة وأبين دلالة وأوضح علامة ولأبان عن نفسه وأقام الحجة ولكن أقدار الله لا تغلب وإرادته لا ترد وتوقيته لا يسبق فليدعوا عنهم اتباع الهوى وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما سر عنهم فيأثموا ولا يكشفوا سر الله عز وجل فيندموا وليعلموا أن الحق معنا وفينا ولا يقول ذلك سوانا إلا كذاب منهمك ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله...(٨٧)
وشجب الإمام (عليه السلام) - في هذه الرسالة - ما قام به عميل جعفر من نشره للضلال بين صفوف الشيعة وإنكاره للإمام المنتظر ونعى على أتباعه انحرافهم عن الحق وترديهم في مجاهل الفتن والضلال كما أعرب الإمام (عليه السلام) عن السبب في اختفائه وعدم ظهوره وأنه مستند لأمر الله تعالى وليس للإمام أي اختيار في ذلك.
٣ - رسالته إلى بعض شيعته:
حدث شجار بين ابن أبي غانم القزويني وبعض الشيعة في الخلف بعد الإمام الحسن العسكري فأنكر القزويني الإمام المنتظر وأصر الآخرون على وجوده فكتبوا للإمام المنتظر (عليه السلام) بما جرى بينهم وبين القزويني فأجابهم الإمام (عليه السلام) بهذه الرسالة. وقد جاء فيها بعد البسملة:
عافانا الله وإياكم من الفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب إنه أنهى إلي ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم غمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ونحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا.(٨٨)
يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردون وفي الحيرة تنعكسون أو ما سمعتم الله عز وجل يقول، * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم على الماضين والباقين منهم (عليهم السلام) أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام) كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون وإن الماضي مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه حذو النعل بالنعل وفينا وصيته وعلمه ومنه خلفه ومن يسد مسده ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر ولولا أن أمر الله لا يغلب وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم ويزيل شكوكم لكنه ما شاء الله كان ولكل أجل كتاب فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه المضاد لربه المدعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم، الغاصب وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة وسيردي الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والعاهات كلها برحمته فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء وكان لنا ولكم وليا وحافظا والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما..(٨٩)
وأعرب الإمام (عليه السلام) في هذه الرسالة عن استيائه البالغ عما مني به بعض الشيعة من الانحراف عن الحق والتشكيك في أمره (عليه السلام) مع وجود الإمارات الظاهرة والأدلة الحاسمة على وجوده وإن الله تعالى في جميع مراحل وجود الإنسان لا يخلي الأرض من حجة ينصبه علما لهداية عباده، وإرشادهم إلى طريق الحق كما شجب (عليه السلام) المتصدي للإمامة وأكبر الظن أنه جعفر الذي نعته بالكذاب فقد افترى على الله كذبا وتحمل إثما عظيما.
٤ - رسالته إلى محمد الأسدي:
ورفع محمد بن جعفر إلى الإمام يسأله فيها عن بعض الأحكام الشرعية فأجابه (عليه السلام) عنها بما يلي:
"وأما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقولون إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة فصلها وارغم أنف الشيطان وأما ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما جعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه فكلما لم يسلم فصاحبه بالخيار وكلما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج إليه صاحبه أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى عنه وأما ما سألت من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): "المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي؟؟
مجاب فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا وكان لعنة الله عليه لقوله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين)(٩٠).
أجاب الإمام (عليه السلام) عن بعض الفروع الفقهية التي سئل عنها وهي:
١ - مشروعية الصلاة عند شروق الشمس وعند غروبها ولا سند لمن خالف ذلك كما سخر (عليه السلام) من القول بأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغيب كذلك فإن هذا من مهازل الأفكار والأقوال.
٢ - إن الوقف الخاص على أهل البيت (عليهم السلام) إذا احتاج إليه الواقف قبل تسليمه لهم فله ذلك لأن له الخيار في فسخ الوقف قبل تسليمه إلى الموقوف عليهم أما بعد تسليمه لهم فليس له الفسخ والرجوع في الوقف وذلك للزومه وعدم صحة الرجوع فيه وبذلك أفتى فقهاء الإمامية.
٣ - عدم جواز التصرف في الأموال الخاصة لأهل البيت (عليهم السلام) فمن استحلها فهو ظالم وغاصب لهم.
٥ - جوابه عن أسئلة إسحاق:
ورفع إسحاق بن يعقوب رسالة إلى الإمام (عليه السلام) ضمنها عدة مسائل أشكلت عليه وذلك بتوسط الثقة الزكي محمد بن عثمان فأجابه الإمام (عليه السلام).
"أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتي وبني عمنا:
فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح.
وأما سبيل ابن عمي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف.
وأما الفقاع(٩١) فشربه حرام ولا بأس بالشلماب(٩٢).
وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع وما آتانا الله خير مما آتاكم.
وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون.
وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.
وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي.
وأما محمد بن علي بن مهزيار(٩٣) الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه.
وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام.
وأما محمد بن شاذان بن نعيم(٩٤) فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع(٩٥) ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم بريء وآبائي منهم براء وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكين.
وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم) * إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب وأني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى(٩٦).
وبالإضافة إلى ما حفلت به هذه الرسالة من أجوبة الإمام (عليه السلام) عن بعض الأحكام الشرعية فقد حوت ما يلي:
أولا إن بعض السادة من أبناء عم الإمام (عليه السلام) الذين أنكروا وجوده منع توفر العلامات والأمارات على وجوده قد حكم الإمام عليهم بالضلال والانحراف عن الحق والله تعالى يحاسبهم ويعاقبهم على ذلك.
ثانيا إن ظهور الإمام (عليه السلام) للقيام بنشر العدل والحق بين الناس ليس بيده ولا بيد غيره وإنما هو موكول إلى الله تعالى فهو الذي يحدد ساعة ظهور وليه العظيم.
ثالثا: إن بعض المشعوذين من أعداء الإسلام قد أشاع بين الناس أن سيد الشهداء وأبا الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) لم يستشهد وإنما شبه لقتلته المجرمين أنه الحسين فقتلوا شبيهه وهذا القول من أباطيل وأكاذيب القائلين به.
رابعا: إن الإمام (عليه السلام) قد أشاد بالزكي الثقة محمد بن عثمان العمري وأولاه المزيد من التكريم والتأييد كما وثق محمد بن شاذان الذي هو من أعلام الشيعة في دينه وتقواه.
خامسا: إنه حذر الشيعة ومنعهم من الاتصال بعصابة (أبي الخطاب الأجدع) الضال الكذاب فإنه وعصابته قد خرجوا عن الإسلام ولم يرجوا لله وقارا فحرموا ما أباح الله وأباحوا ما حرم الله والاتصال بهم ضلال وغي.
سادسا: حذر الإمام (عليه السلام) من يأكل أموال أهل البيت (عليهم السلام) بالباطل فإنه غاصب لهم وسيصلى سعيرا.
سابعا: نهى الإمام (عليه السلام) عن التعرض والخوض في الحكمة الداعية إلى غيابه وعدم ظهوره فإن ذلك ليس باختياره ولا بمشيئته وإنما أمره بيد الله تعالى وهو الخبير والعالم بجميع شؤون عباده.
ثامنا: عرض الإمام (عليه السلام) إلى أنه مصدر وعطاء إلى الناس في حال غيبته لأن الله تعالى يصرف عنهم العذاب ببركة وجود وليه وحجته فهو أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء.
تاسعا: إن الإمام (عليه السلام) أمر شيعته بالدعاء له بالفرج ليقيم الحق ويظهر العدل في الأرض... هذه بعض محتويات الرسالة من المطالب العالية.
٦ - رسائله إلى الشيخ المفيد:
بعث الإمام المنتظر (عليه السلام) بعدة رسائل إلى ثقة الإسلام الشيخ المفيد قدس سره(٩٧) ذكر رسالتين منها الشيخ الطبرسي وهما:
الرسالة الأولى:
للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان أدام الله اعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته فقف - أيدك الله بعونه - على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.
نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا
ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون على إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء(٩٨) أو اصطلمكم(٩٩) الأعداء فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم(١٠٠) من فتنة قد أنافت(١٠١) عليكم يهلك فيها من حم(١٠٢) أجله ويحمى عنها من أدرك أمله وهي أمارة الأزوف(١٠٣) ومباثتكم بأمرنا ونهينا والله متم نوره ولو كره المشركون.
اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يحششها(١٠٤) عصب أموية يهول بها فرقة مهدية أنا زعيم بنجاة من لم يروم فيها المواطن وسلك في الطعن منها السبل المرضية إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقضوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه.
ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ثم تنفرج الغمة من بعد بوار طاغوت من الأشرار ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفات ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا فإن أمرنا بغتة فجاءه حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة.
والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته..".
وقد وقعه الإمام (عليه السلام) بيده العليا وكتب في أسفله.
"هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي والمخلص في ودنا الصفى والناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا تنام فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي سطرنا بماله ضمناه أحدا وأد ما فيه إلى من تسكن إليه وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...(١٠٥)
حوت هذه الرسالة أمورا بالغة الأهمية وهي:
أولا الإشادة بالشيخ المفيد الذي هو أحد دعائم الإسلام في علمه وفضله وتقواه وشدة تحرجه في الدين وأنه قد سمح له في مكاتبة الإمام (عليه السلام) والاتصال به وتحمله شرف السفارة بينه وبين الشيعة.
ثانيا: إن الإمام (عليه السلام) قد أشار إلى المكان الذي يقيم به في حال غيبته وأنه بعيد عن مساكن الظالمين وأن إقامته فيه محجوب عن أعين الناس يستند إلى إرادة الله تعالى ومشيئته التي قضت بعدم ظهوره ما دامت دولة للفاسقين والظالمين على وجه الأرض.
ثالثا: من بنود هذه الرسالة أن الإمام (عليه السلام) يتتبع بكل دقة جميع شؤون شيعته ولا يعزب عنه أي أمر من أمورهم فهو ساهر على رعايتهم ودفع البلاء عنهم ولولا عنايته بهم لأخذهم الظالمون من كل جانب ومكان وقد أخبرهم عن فتنة وكارثة مدمرة تحل بهم يهلك فيها الكثيرون.
رابعا: أنه أخبر عن بعض الملاحم ستظهر وتتحقق قبل ظهوره (عليه السلام) من حدوث آية في السماء وغير ذلك مما سنذكره في فصول أخرى من هذا الكتاب.
الرسالة الثانية:
وردت على الشيخ الأعظم الشيخ المفيد نضر الله مثواه رسالة ثانية من الإمام (عليه السلام) بتاريخ ٢٣ / ذي الحجة سنة (٤١٢ هـ) وهذا نصها بعد البسملة:
"سلام الله عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو إلهنا وإله آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد: فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائك وحرسك به من كيد أعدائك وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ(١٠٦) من بهماء(١٠٧) صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان(١٠٨) ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح(١٠٩) من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ ما يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لذمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون.
وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحل للدم المحرم يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ غرضه من الظلم والعدوان لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بها الخطوب والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهى عن الذنوب.
ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين إنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المظلة ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمر بصلته فإنه يكون خاسرا لذلك لأولاده وآخرته ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحسبنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم.."
كتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة وقع الكتاب بخطه الشريف وأضاف إليه:
"هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلى بإملائنا وخط ثقتنا فاخفه عن كل أحد واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد (النبي وآله الطاهرين)(١١٠).
وحفلت هذه الرسالة بما يلي:
١ - الإشادة بالشيخ المفيد علم الإسلام ونبراسه المضيء فقد نعته الإمام (عليه السلام) (الناصر للحق) و(الداعي إليه بكلمة الصدق) وهما من أسمى الصفات التي يتحلى بها الصالحون والمتقون من عباد الله.
٢ - أشار الإمام عليه في هذه الرسالة إلى عدو ماكر للشيعة وللشيخ المفيد يكيد لهم في وضح النهار وفي غلس الليل ويبغي لهم الغوائل ويثير ضدهم الفتن ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان عليهم.
٣ - أحاط الإمام (عليه السلام) شيعته علما بأنهم مشمولين بدعائه لهم بالتأييد والتسديد والسلامة من أعدائهم والنجاة من ظلم الظالمين ودعاءه (عليه السلام) لا يحجب عن الله تعالى.
٤ - أمر الإمام (عليه السلام) شيعته - بهذه الرسالة - بتقوى الله تعالى والاجتناب عن معاصيه وإخراج ما عليهم من الحقوق الشرعية ولو أنهم اتقوا وأطاعوا الله تعالى إطاعة حقيقية لما حجب الإمام عنهم ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدته ولكن ذنوبهم هي التي حالت بينهم وبين الالتقاء بإمامهم المفدى سلام الله عليه هذه بعض البنود التي احتوت عليها هذه الرسالة وبهذا ينتهي بنا الحديث عن رسائله وسنذكر كوكبة منها في البحوث الآتية.
نماذج من فقهه:
وما دمنا في البحث عن بعض تراثه الرائع تعرض إلى بعض المسائل الشرعية التي رفعتها إليه الشيعة على يد سفرائه الأزكياء فأجابهم (عليه السلام) عنها وهذه بعضها.
١ - مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر:
سأل محمد بن عبد الله بن جعفر الإمام المنتظر (عليه السلام) عن مجموعة من المسائل الفقهية وقد أرفقها برسالة جاء فيها بعد البسملة:
"أطال الله بقاءك وأدام الله عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك الناس يتنافسون في الدرجات فمن قبلتموه كان مقبولا ومن دفعتموه كان وضيعا والخامل من وضعتموه ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه يتساوون وتنافسون في المنزلة وورد أيدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة (صلى الله عليه وآله وسلم)(١١١).
وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف بـ (ملك بادوكة) وهو ختن (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمه الله من بينهم فاغتم بذلك وسألني أيدك الله أن أعلمك ما ناله من ذلك فإن كان من ذنب فيستغفر الله منه وإن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله وقد عودتني أدام الله عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تخبرني على العادة وقبلك أعزك الله فقهاؤنا قالوا: محتاجين إلى أشياء تسأل لنا عنها...".
ودل هذا الكتاب على أن كاتبه من عناصر الإيمان والتقرب فقد كان من العارفين بمنزلة الإمام العظيم صلوات الله عليه ثم أعقب بعد هذه الرسالة بالمسائل التالية:
١ - س: روي لنا عن العالم (عليه السلام) أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه.
١ - ج: ليس على من نحاه إلا غسل اليد وإذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته مع أقوم.
توضيح ما أفاده الإمام أرواحنا له الفداء إن إمام الجماعة إذا حدثت به حادثة أثناء الصلاة كالموت فمن نحاه عن مكانه ومس بدنه فليس عليه إلا غسل يده لأن مس بدن الميت في حال وفاته وقبل برده لا يوجب الغسل أما من ائتموا به فلهم أن يقدموا واحدا منهم ليأتم بهم وأما إذا كانت الحادثة التي نزلت بالإمام غير الموت كالإغماء مثلا ثم أفاق في أثناء الصلاة فله أن يتوضأ ويأتم بمن صلى مكانه.
عليها سوى ما ذكرناه.
٢ - س: روي عن العالم أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارة فالعمل بذلك على ما هو ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل.
٢ - ج: إذا مسه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده.
٣ - س: صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته وقبل عرض جواب الإمام (عليه السلام) نذكر صلاة جعفر وهي من المستحبات الأكيدة وتسمى (صلاة التسبيح) و(صلاة الحبوة) والأخبار في استحبابها مشهورة بين العامة والخاصة وهي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل منها الفاتحة وسورة ثم يقول"سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر"خمس عشرة مرة وكذا يقول في الركوع عشر مرات وبعد رفع الرأس منه يقول عشر مرات ويقول في السجدة الأولى عشر مرات وبعد رفع الرأس منها يقول: عشر مرات وكذا في السجدة الثانية عشر مرات وبعد رفع الرأس عشر مرات ففي كل ركعة خمسة وسبعون مرة ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة(١١٢).
٣ - ج: إذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره.
لو سها عن بعض الأذكار كالتسبيحات يأتي بها في المحل الآخر وصحت صلاته.
٤ - س: المرأة يموت زوجها يجوز أن تخرج في جنازته أم لا.
٤ - ج: تخرج في جنازته.
٥ - س: هل يجوز في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا.
٥ - ج - تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها.
عدة المرأة التي يتوفى عنها زوجها ترك الزينة التي تعتادها المرأة ولا مانع من زيارتها لقبر زوجها وغيره مما تحتاج إليه في شؤونها المنزلية كما سيوضحه الإمام (عليه السلام).
٦ - س: هل يجوز لها أن تخرج في قضاء يلزمها أم لا تخرج وهي في عدتها.
٦ - ج: إذا كان حق خرجت فيه وقضته وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى تقضيها ولا تبيت إلا في بيتها.
٧ - س: روي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها أن العالم (عليه السلام) قال. عجبا لمن لم يقرأ في صلاته * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * كيف تقبل صلاته.
وروي ما زكت صلاة من لم يقرأ * (قل هو الله أحد) *.
وروي أن من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة ولا ازكوا إلا بهما.
٧ - ج: أجاب الإمام (عليه السلام) عن هذه المسائل الثلاث بما يلي.
"الثواب في السور على ما قد روي وإذا ترك سورة مما فيها الصواب وقرأ * (قل هو الله أحد أو إنا أنزلناه) * لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ويكون قد ترك الفضل".
٨ - س: وداع شهر رمضان متى يكون فقد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلة منه وبعضهم يقول هو في آخر منه إذا رأى هلال شوال
٨ - ج: العمل في شهر رمضان في لياليه والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين.
٩ - س: قول الله عز وجل: (إنه لقول رسول كريم)(١١٣) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعني به * (ذي قوة عند ذي العرش مكين)(١١٤) ما هذه القوة * (مطاع ثم أمين) * ما هذه الطاعة وأين هي...".
وقد أحال الإمام (عليه السلام) الجواب عن هذه الآيات إلى مصادر التفسير ولم يجب عنها.
٢ - مسائل أخرى لمحمد:
ووجه محمد بن عبد الله الحميري مسائل أخرى إلى الإمام (عليه السلام) وقد رفقها بهذه الكلمات فرأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي، ومنك علي وهذه المسائل.
١ - س: المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: "بحول الله وقوته أقوم وأقعد".
١ - ج: إن فيه حديثين: أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، وأما الآخر فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس، ثم قام، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، وكذلك في التشهد الأول يجري مثل هذا المجرى، وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا.
التكبير في حال القيام من التشهد الأول وغيره ليس بواجب، والمكلف مخير بين ذكره وعدمه.
٢ - س: الفص (الخماهن) هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه.
٢ - ج: فيه كراهية أن يصلي فيه، وفيه أيضا إطلاق، والعمل على الكراهة.
لم أجد في مصادر اللغة التي بيدي ذكر لفص (الخماهن) الذي تكره فيه الصلاة.
٣ - س: رجل اشترى هديا لرجل غاب عنه، وسأله أن ينحر عنه هديا بـ (منى)، فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل، ونحر الهدي، ثم ذكره بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟
٣ - ج: لا بأس بذلك، وقد أجزأ عن صاحبه.
وقد أفتى فقهاء الإمامة على ضوء هذه الرواية وغيرها مما أثر عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فقالوا: بالإجزاء إن نسي المستودع عنده المال اسم صاحبه، فنحر أو ذبح الهدي عن صاحب المال.
٤ - س: عندنا حاكة مجوس، يأكلون الميتة، ولا يغتسلون في الجنابة، وينسجون لنا ثيابا، فهل يجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟.
٤ - ج: لا بأس بالصلاة فيها.
وإنما جازت الصلاة في الثياب التي نسجتها المجوس، وذلك لعدم العلم بأنهم مسوها برطوبة كي تنفعل بنجاستهم، ومع الشك في ذلك تجري أصالة الطهارة.
٥ - س: المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة، ويضع جبهته على مسح أو نطع(١١٥) فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد؟.
٥ - ج: ما لم يستو جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة(١١٦).
يشترط في السجود أن يكون على الأرض أو ما أنبتت غير المأكول والملبوس فإذا سجد على ما لا يصح السجود عليه وجب عليه أن يرفع رأسه ويضع جبهته على ما يصح السجود عليه، ولو كان الالتفات رفع الرأس وجب إعادة السجدة، والأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها(١١٧).
٦ - س: المحرم يرفع الظلال، هل يرفع خشب العارية أو الكنيسة(١١٨) ويرفع الجناحين أم لا؟.
٧ - ج: لا شيء عليه في ترك رفع الخشب. من التروك الواجبة للمحرم في حج أو عمرة ترك التظليل فإذا جلس في سيارة لها ظل أو في محمل كذلك وجب عليه أن يكفر بشاة، أما إذا أزيل سقف السيارة أو المحمل فليس عليه شيء كما أفاد الإمام أرواحنا له الفداء.
٨ - س: المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه، وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟
٨ - ج: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه، فعليه دم.
وإنما وجبت الشاة على المحرم الذي استظل عن المطر، بسبب استظلاله الذي هو من التروك للمحرم.
٩ - س: الرجل يحج عن أحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا؟ وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟.
٩ - ج: يجزيه هدي واحد، وإن لم يفصل، فلا بأس.
أفاد الإمام (عليه السلام) ضمنا بعدم الحاجة إلى ذكر المنوب عنه حين عقد الإحرام لأن الداعي للنيابة في الحج موجود في دخائل النفس، وهو كاف في صحة العمل كما أن الهدي الواحد يجزي لأنه هدي عن المنوب عنه لا عن نفس النائب.
١ - س: هل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟
١ - ج: لا بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون.
لا مانع من الإحرام في كساء خز، وإنما لا يصح الإحرام في صوف وشعر ووبر مما لا يؤكل لحمه ولا في النجس غير المعفو عنه في الصلاة، ولا في المخيط حسبما ذكره الفقهاء(١١٩).
١١ - س: هل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟.
١١ - ج: جائز.
س: يصلي الرجل وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟
١٢ - ج. جائز.
١٣ - س: الرجل يكون معه بعض هؤلاء، ويكون متصلا بهم بحج ويأخذ على الجادة، ولا يحرم هؤلاء، من المسلخ(١٢٠) فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم، لما يخاف الشهرة، أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟.
١٣ - ج: يحرم من الميقات، ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر. الاجتياز على الميقات لمن أراد الحج أو العمرة موجب للإحرام منه، فإذا خاف المكلف على نفسه من الإحرام من رفقائه الذين لا يرون الإحرام من ذلك الميقات، وجب عليه أن يحرم منه ويخفي إحرامه عنهم.
١٤ - س: لبس النعل المعطون، فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريه.
١٤ - ج: جائز ولا بأس به. النعل المعطون هو الجلد المدبوغ، ولا مانع من الصلاة فيه.
١٥ - س: الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته، وهو فيها، أو أدخل منزله، وقد حضر طعامه فيدعوني إليه، فإن لم آكل من طعامه عاداني، وقال: فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا، فهل يجوز أن آكل من طعامه، وأتصدق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده، فهل علي فيه شيء إن أنا نلت منها؟.
١٥ - ج: إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه، وأقبل بره، وإلا فلا.
إذا علم المكلف تفصيلا، بأن من دعاه لتناول الطعام عنده كان من الأموال المغصوبة فليس له من سبيل لتناوله، وإن علم أن عنده أموالا من الحلال وأموالا مغصوبة، وشك في الطعام الذي قدم له أو غيره من الهدايا هل هي من الأموال المغصوبة أم من غيرها فهو في سعة من تناولها.
١٦ - س: رجل ممن يقول بالحق، ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا أن له أهلا موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها أن لا يتزوج عليها، ولا يتمتع، ولا يتسرى، وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة، ووفى بقوله: فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع، ولا تتحرك نفسه، أيضا لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد، وغلام ووكيل وحاشية ما يقلله في أعينهم، ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله، وميلا إليها، وصيانة لها ولنفسه، لا لتحريم المتعة بل يدين لله بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟.
١٦ - ج: يستحب له أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف بالمعصية ولو مرة(١٢١).
اليمين والنذر إنما ينعقدان على الشيء الراجح أما المرجوح فعلا وتركا فلا ينعقدان فيه، وترك المتعة باليمين ليس مرجوحا، فقد نطق القرآن بحليتها، وأما تحريمها فهو من الاجتهاد قبال النص فلا يلتفت إليه، وقد عرضت كتب الشيعة إلى بحث هذه المسألة بصورة موضوعية وشاملة.
٣ - مسائل محمد:
ورفع محمد بن عبد الله الحميري إلى الإمام (عليه السلام) مجموعة أخرى من المسائل يطلب الإجابة عنها فأجابه (عليه السلام) عنها وهي:
١ - س: المحرم يجوز أن يشد الميزر من خلفه على عقبه بالطول ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته، ويعقدهما ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه، ويرفعهما إلى خاصرته ويشد طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن الميزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك وهذا ستر؟.
١ - ج: جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر شيئا حدثا بمقراظ ولا ابرارة يخرجه به عن حد الميزر، وغزره غزرا، ولم يعقده، ولم يشد بعضه ببعض وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله تعالى.
يشترط في ثوبي الإحرام أن يكون غير مخيطين، وأن لا يكونا معقودين يحيطان بالبدن كله، وأما الصورة التي سئل (عليه السلام) عنها فقد أجاب الإمام (عليه السلام) بالجواز.
٢ - س: هل يجوز أن يشد - أي المحرم - عليه مكان العقد تكة؟
٢ - ج: لا يجوز شد الميزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها.
٣ - س: التوجه للصلاة - هل على المصلي - أن يقول: على ملة إبراهيم ودين محمد صلى الله على دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم عن جده، عن الحسن بن راشد، إن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟ فقال: أقول لبيك وسعديك، فقال له الصادق: ليس عن هذا أسألك كيف تقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما؟ قال الحسن: أقول: فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلك، فقل: على ملة إبراهيم، ودين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما وما أنا من المشركين.
٣ - ج: التوجه كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم، ودين محمد، وهدي أمير المؤمنين، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم أقرأ الحمد.
إن هذه الأدعية والأذكار من السنن المستحبة، وليست من الواجبات في الصلاة، وقد عين الإمام (عليه السلام) كيفيتهما بما ذكره.
٤ - س: القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه يجوز أن يرد يديه على وجهه وصدره، للحديث الذي روي"إن الله عز وجل أجل من أن يرد يدي عبده صفرا بل يملأها من رحمته"أم لا يجوز فإن بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة.
٤ - ج: رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض والذي عليه العمل فيه، إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر، ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل القنوت من المستحبات في جميع الصلوات فريضة كانت أو نافلة، وقد أفاد الإمام (عليه السلام) كيفيته في الفرائض والنوافل.
٥ - س: سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة، وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟.
٥ - ج: سجدة الشكر من الزم السنن وأوجبها، ولم يقل أن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله إن سجدة الشكر لله تعالى من المستحبات الأكيدة، ومن قال إنها بدعة فلا نصيب له من المعرفة والفقه بدين الله، وقد أعقب الإمام (عليه السلام) بعد نفي البدعة عنها بقوله: فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب، والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع، فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل، كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، فالأفضل أن تكون بعد الفرض، فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز.
إن سجدة الشكر دعاء وتسبيح، والأفضل أن تقع بعد الفريضة مباشرة، ويجوز أن تقع بعد نوافل الفريضة.
٦ - س: إن لبعض إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب، للسلطان فيها حصة، واكرته - أي عمالها - ربما زرعوا حدودها، وتؤذيهم عمال السلطان، ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها، وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال: إن هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان، وكان ذلك صلاحا له وعمارة لضيعته، وأنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفصل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالى.
٦ - ج: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره، أو رضاء منه.
إن الضيعة التي هي ملاصقة لضيعته، وهي خراب، لا يعلم أنها ملك للسلطان، فلا يجوز شراؤها منه، وإنما عليه أن يتحرى ويعرف مالكها ليشتريها منه، حسبما تفضل الإمام (عليه السلام).
٧ - س: رجل استحل امرأة خارجة من حجابها، وكان يحترز من أن يقع له ولد فجاءت بابن فتحرج الرجل إلا يقبله، فقبله وهو شاك فيه، وجعل يجري النفقة على أمه وعليه حتى ماتت الأم، وهو ذا يجري عليه غير أنه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممن يحب أن يخلطه بنفسه، ويجعله كسائر ولده فعل ذلك، وإن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقه فعل؟.
٧ - ج: الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، والجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله.
لم يفصح السائل عن أي صورة من صور استحلال المرأة أرادها، فأحال الإمام (عليه السلام) الجواب إلى أن يعين السائل الصورة التي أرادها.
٨ - س: التماس الدعاء من الإمام (عليه السلام) للسائل.
٨ - ج: جاد الله عليه بما هو جل وتعالى أهله، ايجابنا لحقه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله، وقربه منا، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيته، ووقفنا عليه من مخاطبته، المقر له من الله التي يرضى الله عز وجل ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام) والرحمة بما بدأنا.
نسأل الله بمسألته ما أمله من كل خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه إنه ولي قدير..(١٢٢)
وحكى هذا الدعاء مدى تكريم الإمام (عليه السلام) للسائل وأنه من عناصر التقوى والصلاح.
٤ - مسائل محمد:
ومن بين مسائل محمد بن عبد الله الحميري المسائل التالية وقد شفعها بهذه الرسالة الموجزة.
"أطال الله بقاءك وأدام عزك وكرامتك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عليك وجزيل قسمه لك وجعلني من السوء كله فداك وقدمني قبلك..".
وهذا نص مسائله:
١ - س: إن قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجب منذ ثلاثين سنة ويصلون شعبان وشهر رمضان وروى لهم بعض أصحابنا أن صومه معصية.
١ - ج: قال الفقيه: يصوم منه أياما إلى خمسة عشر يوما إلا أن يصومه عن الثلاثة أيام الفائتة للحديث"أن نعم شهر للقضاء رجب".
وحمل الشيخ الحر العاملي الرواية على نفي تأكد الاستحباب.
٢ - س: رجل يكون في محمله الثلج كثير بقامة رجل فيتخوف أن نزل الغوص فيه وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له أن يلبد شيء منه لكثرته وتهافته هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟
٢ - ج: لا بأس به عند الضرورة والشدة ن أدلة رفع العسر والحرج حاكمة على الأدلة الأولية القاضية بلزوم أداء الصلاة على سطح الأرض فهذا الحكم يرتفع عند الضرورة.
٣ - س: الرجل يلحق الإمام هو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة.
٣ - ج: إذا لحق - أي المأموم - مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع.
إذا أدرك المأموم الإمام في حال الركوع قبل أن يرفع رأسه حسبت له ركعة واحدة وظفر بثواب الجماعة.
٤ - س: أهل الجنة هل يتوالدون فيها إذا دخلوا أم لا؟
٤ - ج: أهل الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين كما قال سبحانه فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم.
٥ - س: هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟
٥ - ج: إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير عياله فقد روي أنه جائز.
الربية تحرم على زوج أمها وتكون كإحدى بناته إن دخل بأمها وإن لم يدخل بأمها وطلقها أو وهبها المدة إن كان العقد منقطعا فلا تحرم البنت عليه.
٦ - س: طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟.
٦ - ج: يوضع مع الميت في قبره، ويخلط بحنوطه إن شاء الله.
وأكبر الظن أن المراد بطين القبر الذي يوضع مع الميت هو طين قبر سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام الحسين (عليه السلام).
٧ - س: روي لنا أن الصادق (عليه السلام) كتب على إزار ابنه إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟.
٧ - ج: يجوز ذلك.
٨ - س: هل يجوز أن يسبح بطين القبر وهل فيه فضل؟
ج - ٨: يسبح الرجل به فما من شيء أفضل منه ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح.
٩ - س: السجدة على لوح من طين القبر هل فيها فضل؟
٩ - ج: يجوز ذلك وفيه الفضل.
الطين قطعة من الأرض وقد أمرنا بالسجود عليها تعظيما لله تعالى وأفضل بقاع الأرض وأشرفها هي (كربلاء) التي استشهد عليها ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين صلوات الله عليه فالسجود على تربة أخذت من (كربلاء) هو من أفضل أنواع السجود إلى الله تعالى وقد تحامل على الشيعة قوم لا إيمان لهم فقالوا: إنهم يعبدون التربة الحسينية وقد غاب عنهم أنهم يسجدون لله عز اسمه على أفضل بقعة من بقاع أرضه ولا يسجدون للتربة وإنما يسجدون عليها.
١٠ - س: الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟
١٠ - ج - أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر.
وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام (صلى الله عليه وآله) لا يتقدم ولا يساوي.
لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة (عليهم السلام) دون يمينها وشمالها والأولى الصلاة عند جهة الرأس على وجه لا يساوي الإمام (عليه السلام)(١٢٣).
١١ - س: يجوز للرجل أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبح أو لا يجوز؟.
١١ - ج: يجوز ذلك والحمد لله رب العالمين.
١٢ - س: يجوز للرجل إذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديريها وهو في الصلاة؟
١٢ - ج: يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط.
١٣ - س: روي عن الفقيه خبر مأثور إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟
١٣ - ج: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه وإن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله.
١٤ - س: هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك، والتوتيا لريح العرق أم لا يجوز؟
١٤ - ج: يجوز ذلك وبالله التوفيق.
١٥ - س: الضرير إذا شهد في حال صحته شهادة ثم كف بصره، ولا يرى خطه فيعرفه هل يجوز شهادته أم لا؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟
١٥ - ج: إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت جازت شهادته.
١٦ - س: الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف ثم يموت هذا الوكيل أو يتغير أمره ويتولى غيره هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أو لا يجوز ذلك؟
١٦ - ج: لا يجوز ذلك لأن الشهادة لم تقم للوكيل وإنما قامت للمالك وقد قال الله (وأقيموا الشهادة)(١٢٤).
١٧ - س: الركعتان الأخيرتان قد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي أن قراءة الحمد وحدها أفضل وبعض يروي أن التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله؟
١٧ - ج: قد نسخت أم الكتاب يعني سورة الحمد في هاتين الركعتين والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام) كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج(١٢٥).
إلا للعليل أو يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه.
١٨ - س: يتخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدق دقا ناعما ويصفى ويطبخ على النصف ويترك يوما وليلة ثم ينصب على النار ويلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل ويغلى رغوته ويسحق من النوشادر والشب اليماني من كل واحد نصف مثقال ويداف بذلك الماء ويلقى فيه درهم زعفران المسحوق ويغلى وتؤخذ رغوته حتى يصير مثل العسل ثخينا ثم ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه فهل يجوز شربه أم لا؟
١٨ - ج: إذا كان كثير يسكر أو يغير فقليله وكثيره حرام وإن كان لا يسكر فهو حلال.... أجاب الإمام (عليه السلام) بما هو المناط في الجواز وعدمه فإن كان مسكرا فهو حرام وإن كان غير مسكر فجائز شربه.
١٩ - س: الرجل تعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا فيأخذ خاتمين في أحدهما (نعم أفعل) وفي الآخر (لا تفعل) فيستخير الله مرارا ثم يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟.
١٩ - ج: الذي سنه العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة.
٢٠ - س: صلاة جعفر بن أبي طالب في أي أوقاتها أفضل أن تصلي فيه؟
وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أي ركعة منها؟.
٢٠ - س: أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثم في أي الأيام شئت، وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرتان، في الثانية قبل الركوع، وفي الرابعة بعد الركوع.
٢١ - س: الرجل ينوي إخراج شيء من ماله، وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه، ثم يجد في أقربائه محتاجا، أيصرف ذلك عمن نواه له أو إلى قرابته؟.
٢١ - ج: يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم (عليه السلام)"لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج"فليقسم بين القرابة، وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله.
٢٢ - س: اختلف أصحابنا في مهر المرأة، فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر، ولا شيء لها وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك، وما الذي يجب فيه؟.
٢٢ - ج: إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه اسم الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط باقي الصداق.
وعلق الحر العاملي على هذه الرواية بقوله: أقول: قد عرفت وجهه وأوله قرينة واضحة على أن على المرأة الإثبات، وأنه بدون بينة لا يثبت مقدار المهر(١٢٦).
٢٣ - روي لنا عن صاحب العسكر أي الإمام الحسن (عليه السلام) - أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشى بوبر الأرانب، فوقع يجوز، وروى عنه أيضا أنه لا يجوز فأي الخبرين يعمل به؟.
٢٣ - ج: إنما حرم في هذه الأوبار والجلود فأما الأوبار وحدها، فكل حلال.
من الشرائط في لباس المصلي أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، وإن كان مذكى أو حيا جلدا كان أو غيره، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المأكول ولا شعره ولا صوفه، وريشه ووبره، ولا في شيء من فضلاته سواء كان ملبوسا أو مخلوطا به، أو محمولا، واستثنوا من ذلك الخز الخالص الغير المغشوش بوبر الأرانب والثعالب(١٢٧).
٢٤ - س: سئل بعض العلماء عن معنى قول الصادق (عليه السلام): لا يصلى في الثعلب، ولا في الأرانب، ولا في الثوب الذي يليه؟.
٢٤ - ج: إنما عنى الجلود دون غيرها.
٢٥ - س: يتخذ (بأصفهان) ثياب عتابية على عمل الوشا من قز أو إبريسم هل تجوز الصلاة فيها؟.
٢٥ - ج: لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان.
٢٦ - س: المسح على الرجلين بأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟.
٢٦ - ج: يمسح عليهما معا فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمنى.
من أجزاء الوضوء مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، ويجوز مسح الرجلين معا رفعة واحدة، وإذا أراد التعاقب قالوا يجب أولا، مسح الرجل اليمنى، ثم الرجل اليسرى، فإذا عكس فقدم اليسرى على اليمنى، فليس له ذلك.
٢٧ - س: صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن تصلى أم لا؟.
٢٧ - ج: يجوز ذلك.
٢٨ - س. تسبيح فاطمة سلام الله عليه من سها فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين، هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف، وإذا سبح سبعة وستين هل يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟.
٢٨ - ج: إذا سها في التكبير حتى جاز أربعة وثلاثين عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا وستين تسبيحة عاد إلى ستة وستين وبنى عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه(١٢٨).
وخرج بعد أجوبة هذه المسائل من الإمام (عليه السلام) زيارة كتبها ليزار بها، وقد ذكرناها في البحوث السابقة.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض تراثه الرائع الذي يعد من أجمل وأروع ما أثر عن أئمة الهدى (عليهم السلام).
الغيبة الصغرى.. والكبرى
وفيما أعتقد أن رغبة القراء هي الوقوف على غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) الصغرى، والكبرى، ومعرفة الأسباب التي دعت إلى حجبه عن العالم الإسلامي وعدم اشتراكه بأي عمل إيجابي في الأحداث الراهنة التي تمس الحياة الإسلامية، وقبل أن نعرض لذلك، نقدم إلى القراء بعض البحوث التي ترتبط بالموضوع وتتصل به، وفيما ذلك.
في ظلال أبيه:
وعنى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كأشد ما تكون العناية بولده الإمام المنتظر المصلح الأكبر فأحاطه بهالة من الحفاوة والتقدير والتعظيم لأنه بقية الله في الأرض، الذي أعدته السماء لإصلاح الدنيا، وإقامة ما اعوج من نظام الدين، وإعادة الإسلام نديا مشرقا ترف ألويته على جميع أنحاء الأرض.
لقد أخفى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أمر ولده الإمام المنتظر (عليه السلام)، وكتم أمره خوفا عليه من السلطة العباسية العاتية التي لا ترقب في أهل البيت (عليهم السلام) إلا ولا ذمة، ولا ترجو لله فيهم وقارا، فأخذت تبحث عنه بحثا دقيقا لإلقاء القبض عليه وتصفيته جسديا - كما سنوضح ذلك - وفي الوقت نفسه لم يبق الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أمر ولده الإمام المنتظر (عليه السلام) مجهولا، وإنما أظهره لأعلام شيعته، وثقاة أصحابه، ودلهم عليه، واجتمع بهم، وقد أذاعوا ذلك، وأشاعوه في جميع الأوساط الشيعية التي تدين بالولاء لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتعتقد بإمامتهم، حتى أصبح ذلك عندهم أمرا ظاهرا لا خفاء ولا شك فيه.
إن موضوع الإمام المنتظر (عليه السلام) من صميم العقيدة الشيعية، ومن أوليات مبادئهم، فهو آخر خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) الذين نصبهم قادة لأمته، وأعلاما لدينه، فكان من الطبيعي اهتمام الأوساط الشيعية بمعرفته، والوقوف عليه، وقد أزاح الشك عنه الإمام العسكري (عليه السلام)، وذلك برؤيتهم له، واجتماعهم به، وسؤالهم منه عن أحكام دينهم، وقد أشرنا إلى ذلك بصورة شاملة في البحوث السابقة.
الإمام الحسن في ذمة الخلود:
وعانى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) صنوفا مرهقة وقاسية من الظلم والاعتداء من طغاة بني العباس، فقد جهدوا على إنزال أقصى العقوبات به، والتي كان فيها، أنهم كانوا ينقلونه من سجن إلى سجن، حتى قضى معظم حياته القصيرة الأمد في ظلمات السجون، كما حجبوه من الالتقاء بشيعته، ومنعوا العلماء والرواة من الانتهال من نمير علومه، وضيقوا عليه حياته الاقتصادية غاية التضييق، ويعود السبب في حقدهم البالغ عليه إلى ما يلي:
أولا: إن الإمام العسكري (عليه السلام) في عصره كان أعظم شخصية في العالم العربي والإسلامي، وقد دان شطر كبير من هذه الأمة بإمامته، وهو في الوقت نفسه لم يساير الحكم العباسي، ولم يصانعه، فكان الممثل الوحيد للجبهة المعارضة للعباسيين الذين جهدوا على ظلم الناس، وإرغامهم على ما يكرهون فكان موقفه من سياستهم سلبيا، وناقدا ومعارضا فلذا قابلوه بمنتهى القسوة والعذاب.
ثانيا: فزع العباسيين وخوفهم من نجل الإمام وخليفته الإمام المنتظر (عليه السلام) الذي بشر به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وأعلن أنه آخر خلفائه الاثني عشر، وأنه المصلح الأعظم الذي ينشر العدل السياسي، والعدل الاجتماعي ويقضي على جميع أفانين الظلم والجور، وقد خاف العباسيون منه، واعتقدوا أنه هو الذي يقضي على دولتهم القائمة على الظلم والجور، وقد حاولوا غير مرة اغتيال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ليقضوا على نسله، كما أدلى (عليه السلام) بذلك في بضع رسائله إلى بعض شيعته، فقد جاء فيها"زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد كذب الله قولهم، والحمد الله"(١٢٩) وكان ذلك بعد ولادة الإمام المنتظر.
ثالثا: قيام السادة العلويين في معظم أنحاء الحكم العباسي بثورات عارمة للقضاء على الحكم العباسي، مطالبين بتحقيق العدل السياسي في الإسلام، وإعلام حقوق الإنسان التي انتهكتها الطغمة الحاكمة من بني العباس، وقد قوبلت ثورات العلويين بتأييد شامل من جميع الأوساط الإسلامية ومن الطبيعي أن ثورات السادة العلويين قد أوغرت صدور العباسيين على جميع العلويين وجعلتهم يحقدون عليهم، وينكلون بهم كأفظع وأقسى ما يكون التنكيل، والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في عصره، سيد العلويين وعميدهم المطاع، فصب عليه العباسيون جام غضبهم، وجرعوه ألوان الغصص والآلام، وقابلوه بمنتهى الشدة والقسوة.. هذه بعض الأسباب التي دعت إلى بغض العباسيين للإمام وحقدهم عليه.
نصه على الإمام المنتظر:
لما علم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه مفارق لهذه الحياة، نص على إمامة ولده الإمام المنتظر (عليه السلام)، وعرفه لخواص أصحابه، وثقاة شيعته، ومن بينهم (أحمد بن إسحاق الأشعري) الثقة، الزكي، فقد روي أنه قال: "دخلت على أبي محمد، الحسن بن علي (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً:
"يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.."وانبرى أحمد قائلا:
"يا بن رسول الله، من الإمام والخليفة بعدك؟..".
ونهض الإمام (عليه السلام) مسرعا فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، وهو من أبناء ثلاث سنين، فقال (عليه السلام):
"يا أحمد لولا كرامتك على الله عز وجل، وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي باسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا.
يا أحمد مثله في هذه الأمة، مثل الخضر، ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه...".
وسارع أحمد قائلا:
"هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟...".
وبادر حجة الله الصبي قائلا: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب أثرا بعد عين...".
وخرج أحمد من دار الإمام، والفرح ملء أهابه، فلما كان اليوم الثاني تشرف بمقابلة الإمام الحسن (عليه السلام)، وبادره قائلا:
"يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به علي، فما السنة الجارية من الخضر وذي القرنين؟...".
وراح الإمام يبين له السنة فيهما قائلا: "طول الغيبة..".
وأسرع أحمد قائلا: "يا بن رسول الله، وإن غيبته لتطول؟..".
فأجابه الإمام:
"إي وربي، حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل منه عهدا لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه.
"يا أحمد هذا أمر من الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين"(١٣٠) أما مضامين هذا الحديث الشريف فهي:
أولا: إن الله تعالى منذ خلق الإنسان على هذه الأرض إلى أن تسلم مفاتيحها بيده تعالى لا بد أن يقيم الحجة على عباده، فبعث إليهم رسله وأنبياءه وأوصياءهم ليبلغوا رسالة ربهم، ويقيموا عليهم الحجة، وهذا من باب اللطف، وهو قاعدة عقلية أقامها المتكلمون على لزوم إقامة الحجة من الله تعالى ليحيي من حيى عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة وبالإضافة لذلك، فإن في وجود الحجة من الثمرات والبركات ما لا يحصى، والتي منها دفع البلاء عن أهل الأرض، وإنزال الغيث من السماء، وغير ذلك.
ثانيا: إن الله تعالى إذا أنعم على عباده بخروج المصلح الأكبر الإمام المنتظر (عليه السلام) فإنهم يظفرون بمكاسب هائلة، ومن أهمها أنه يقيم العدل السياسي والعدل الاجتماعي في الأرض، ويقضي على جميع أفانين الظلم والاعتداء.
ثالثا: إن الله تعالى يمد في عمر الإمام المنتظر (عليه السلام) كما أمد في عمر الخضر وذي القرنين وليس ذلك على الله بعسير فقد أقام الأرض ومن عليها في الفضاء كما أقام سائر الكواكب، فليس عليه بعزيز أن يمد في عمر وليه لمصالح هو أدرى بها.
رابعا: إن الله تعالى قد امتحن عباده بطول غيبة وليه وناصر دينه، الإمام المنتظر (عليه السلام)، فلا يثبت على إمامته - بعد طول غيبته - إلا من امتحن الله قلبه للإيمان.. هذه بعض مضامين هذا الحديث الشريف)(١٣١).
ومن بين الأخبار التي نص فيها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على إمامة ولده الإمام المنتظر (عليه السلام) ما رواه الثقة الجليل، محمد بن عثمان العمري، عن أبيه، قال: "سئل أبو محمد، الحسن بن علي، وأنا عنده عن الخبر الذي روى عن آبائه أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية...
وأكد الإمام (عليه السلام) صحة الحديث قائلا: "إن هذا الحق، كما أن النهار حق..".
وسارع شخص في مجلس الإمام قائلا: "يا بن رسول الله، فمن الحجة، والإمام بعدك؟".
فدله الإمام على حجة الله بعده قائلا:
"ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بـ (نجف الكوفة)(١٣٢) وهذا الحديث الشريف كالحديث السابق في عطائه ومضمونه، هذه بعض الأحاديث التي نصت على إمامة الإمام المنتظر (عليه السلام) وقد أثرت عن أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، طائفة أخرى غيرها ذكرناها في البحوث السابقة.
اغتيال الإمام الحسن (عليه السلام):
وثقل الإمام أبو محمد (عليه السلام) على الطاغية المعتمد العباسي، فقد هاله وأزعجه ما يسمع من إجماع المسلمين على تعظيم الإمام والإقرار له بالفضل، وتقديمه على جميع العلويين والعباسيين فأجمع رأيه على اغتياله فدس له سما قائلا(١٣٣) فلما تناوله تسمم بدنه الشريف، فلازم الفراش وأخذ يعاني آلاما قاسية ومريرة، ولازم الفراش، وهو صابر محتسب، قد ألجأ ما يعانيه إلى الله تعالى.
اضطراب السلطة:
وفزعت السلطة العباسية العاتية كأشد ما يكون الفزع من تردي الحالة الصحية للإمام أبي محمد (عليه السلام) فأوعز المعتمد العباسي إلى خمسة من ثقاته ورجال دولته، منهم (نحرير) بملازمة دار الإمام والتعرف على جميع شؤونه وأحواله وإخباره بكل بادرة تحدث كما أوعز إلى لجنة من الأطباء بإجراء الفحوص عليه صباحا ومساء ولما كان بعد يومين من تناوله السم ضعف حاله فقد فتك به السم فتكا ذريعا وعهد المعتمد إلى الأطباء بملازمة الإمام وعدم مفارقته(١٣٤) كما عهد إلى قاضي القضاة ويسمى في هذا العصر (بوزير العدلية) أن يختار من أصحابه عشرة أشخاص ممن يوثق بهم فاختار من خيرة رجاله عشرة وأمرهم بملازمة دار الإمام (عليه السلام).
إلى جنة المأوى:
وثقلت حال الإمام الزكي أبي محمد وأخذ يدنو إليه الموت سريعا وقد يئس الأطباء منه فاتجه صوب القبلة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه ويدعو الله ضارعا منيبا أن يقربه إليه زلفى حتى ارتفعت روحه الطاهرة إلى الله تعالى كأسمى وأزكى روح صعدت إلى الله تعالى تحفها ملائكة الرحمن وتستقبلها أرواح الأنبياء والأوصياء.
لقد كان موت الإمام العظيم (عليه السلام) في ذلك العصر من أعظم النكبات والخطوب التي مني بها العالم الإسلامي لقد فقد المسلمون المصلح الأكبر الذي كان يسهر على مصالحهم وإعلان حقوقهم وقد عانى في سبيلهم أمر وأعتى ألوان المحن... وارتفعت الصيحة من دار الإمام (عليه السلام) وعلت أصوات السادة العلويين بالبكاء فقد فقدوا من كان يحنو عليهم ويعطف.
تجهيزه:
وغسل جسد الإمام الطاهر وحنط وأدرج في أكفانه وحمل للصلاة عليه فانبرى أبو عيسى بن المتوكل فصلى عليه بأمر من المعتمد العباسي(١٣٥).
وبعد الفراغ من الصلاة عليه أمرت السلطة بكشف وجه الإمام وعرضه على بني هاشم والعباسيين وقادة الجيش وكتاب الدولة ورؤساء الدوائر والقضاة وقال لهم عيسى:
"هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا قد مات حتف أنفه على فراشه وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان...(١٣٦)
ثم غطى وجهه الشريف وإنما صنع ذلك لرفع التهمة عن بني العباس من أنهم قد اغتالوا الإمام (عليه السلام) كما صنعوا ذلك من قبل مع جده الإمام موسى الكاظم.
مواكب التشييع:
وهرع جميع من كان في (سامراء) إلى دار الإمام للفوز بتشييع جثمان الإمام وهم ما بين باك ونائح وقد عطلت الدوائر الرسمية والمحلات التجارية وأغلقت جميع الأسواق وكانت سامراء شبيهة بالقيامة(١٣٧).
ولم تشاهد سامراء في جميع فترات تاريخها مثل ذلك التشييع الحاشد الذي ضم موجات من البشر على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، وهم يعددون فضائل الإمام ومآثره، ويذكرون بمزيد من الأسى واللوعة الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون.
في مقره الأخير:
وجيء بالجثمان المقدس تحت هالة من التكبير إلى مقره الأخير فدفن في داره إلى جانب أبيه الإمام الزكي، على الهادي (عليه السلام)، وقد واروا معه فلذة من كبد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفحة مشرقة من صفحات الرسالة الإسلامية(١٣٨).
ووقف السادة العلويون وبنو العباس على حافة القبر، وأقبلت الجماهير تعزيهم وتواسيهم بمصابهم الأليم، وهم يشكرونهم على ذلك، وانصرف الجميع إلى منازلهم وقد نخر الحزن قلوبهم على فقدهم الإمام (عليه السلام)(١٣٩).
كبس دار الإمام:
واضطربت السلطة كأشد ما يكون الاضطراب في موضوع الإمام المنتظر (عليه السلام)، فكبست دار الإمام، وكبسوا الدور والمنازل القريبة من دار الإمام لئلا يكون فيها من نساء الإمام، كما فتشت داره تفتيشا دقيقا، وختم على جميع ما فيها بختم الدولة، وأوعزت السلطة إلى نساء يفتشن جواري الإمام ونساءه، فمن كان بها أثر الحمل ألقى عليها القبض، وأخبروا بأن جارية يشتبه بأنها حامل فسارعت السلطة فأخذتها، وأودعتها في حجرة، ووكل بها نحرير الخادم ونسوة لحراستها.
وهكذا اتخذ العباسيون جميع الإجراءات الحاسمة للتفتيش عن الإمام (عليه السلام) لإلقاء القبض عليه، ولكن الله تعالى حجبه عنهم، وأخفاه عن عيونهم.
وفد القميين:
ووفدت جمهرة من القميين والإيرانيين، ومعهم الأموال من الشيعة إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فلما انتهوا إلى (سامراء) أخبروا بوفاة الإمام، فسألوا عن القائم مقامه، فأخبرهم بعض عملاء جعفر أنه الإمام، وأنه قد خرج متنزها، في (دجلة)، ومعه فريق من المغنين فهالهم ذلك، لأن الإمام لا يقترف أي ذنب أو معصية، وصمم الوفد على الالتقاء به، والتعرف على خبره، فلما قفل جعفر إلى منزله خفوا إليه، فسلموا عليه، وقالوا له: "نحن من (قم)، ومعنا جماعة من الشيعة، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال..".
وسارع جعفر قائلا:
"أين هي؟".
"معنا".
وبادر جعفر قائلا:
"احملوها إلى..".
فطلبوا منه أن يخبرهم عن كمية الأموال، ومن أرسلها إلى الإمام كما كان يخبرهم بذلك الإمام الحسن (عليه السلام) فزجرهم جعفر وصاح بهم: "كذبتم تقولون: على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب، ولا يعلمه إلا الله..".
وعجب القوم، وراح بعضهم ينظر إلى بعض، وتميز جعفر غيظا وغضبا وقال لهم:
"احملوا إلى هذا المال..".
فردوا عليه:
"إنا قوم مستأجرون، وكلاء وإنا لا نسلم المال إلا بالعلامة التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام)، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلا رددنا الأموال إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم..".
ونهض جعفر مسرعا إلى الخليفة، فأخبره بالأمر مستعينا به على أخذ الأموال منهم، فبعث خلفهم، فلما مثلوا أمامه قال لهم:
"احملوا هذا المال إلى جعفر..".
فقالوا له برجاء:
"أصلح الله أمير المؤمنين إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال، وأمرونا أن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي..".
وسارع الخليفة قائلا:
"فما كانت العلامة مع أبي محمد؟..".
وراحوا يخبرونه عنها قائلين:
"إنه كان يصف لنا الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إليه مرارا فكانت هذه علامتنا معه، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا بما كان يقيمه لنا أخوه، وإلا رددناها على أصحابها..".
وتميز جعفر غضبا، فقال للخليفة:
"يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون على أخي، وهذا علم الغيب..".
فلم يعن به الخليفة، واستجاب للوفد وقال لجعفر"القوم رسل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين".
وأسقط ما في يد جعفر، والتفت الوفد إلى الخليفة طالبين منه الحماية حتى يخرجوا من (سامراء) فبعث معهم نقيبا من الشرطة لحراستهم، فلما خرجوا من (المدينة)، طلع عليهم شاب، حسن الوجه، فصاح بأسمائهم واحدا بعد واحد، وقال لهم:
"أجيبوا مولاكم..".
"أنت مولانا؟..".
"معاذ الله أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه..".
وساروا معه، وقد ملئت نفوسهم سرورا، فأتوا إلى دار الإمام (عليه السلام)، وكان جالسا على سرير، كأن وجهه الشريف فلقة قمر وعليه ثياب خضر، فسلموا عليه، ولما استقر بهم المجلس بادر الإمام فأخبرهم بكمية المال، وبأسماء المرسلين له، وعرفهم برجالهم، وما كان معهم من الدواب، ولم يبق بادرة إلا أخبرهم بها، فخروا لله ساجدين، لما هداهم من معرفة الإمام (عليه السلام)، ثم سألوه عن بعض الأحكام الشرعية فأجابهم عنها، فسلموه الأموال، وأمرهم أن لا يحملوا شيئا من الأموال إلى (سامراء) وأنه ينصب لهم وكيلا (ببغداد) يحملون الأموال إليه، وتخرج بواسطته التوقيعات، كما دفع الإمام (عليه السلام) إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن، وقال له: عظم الله أجرك في نفسك، وخرج الوفد ولما بلغوا عقبة همدان توفي أبو العباس(١٤٠).
جعفر والخليفة:
وحمل جعفر إلى الخليفة العباسي عشرين ألف دينار لما توفي الإمام الحسن العسكري، وطلب منه أن يجعله في مرتبة أخيه الحسن، ويصيره في منزلته، فرد عليه الخليفة قائلا:
"إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا، وإنما كانت بالله عز وجل ونحن قد جهدنا في حط منزلته، والوضع منها، ولكن الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة، لما كان فيه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك شيئا(١٤١).
وحفل كلام الخليفة العباسي بالحق والصدق فإن مكانة الإمام ومنزلته - كما يقول - ليست خاضعة للسلطة ولا بيدها لتهبها لمن تشاء، وإنما أمرها بيد الخالق العظيم، فهو الذي يختار للإمامة خيار عباده، من الذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، وقد جهدت السلطة العباسية في الحد من شأن الإمام الحسن العسكري وغيره من أئمة الهدى، وقابلتهم بمنتهى الشدة والقسوة، وأنزلت العقاب الأليم باتباعهم وشيعتهم لتصرفهم عنهم، فما زادهم ذلك إلا وثوقا وإيمانا بهم، وقد خسر جعفر بادعائه الإمامة، واستعانته بالسلطة لتضفي عليه هذا المركز العظيم.
الغيبة الصغرى:
وكان من عظيم لطف الله تعالى وعنايته بالإمام المنتظر (عليه السلام) أن حجبه عن عيون الظالمين من بني العباس الذين جهدوا على تصفيته جسديا، فقد غيبه تعالى عن أبصارهم كما غيب جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أبصار قريش حينما اجتمعوا على قتله، فقد خرج من بينهم وهم لا يشعرون، وكذلك الإمام المهدي (عليه السلام) فقد كان في وسطهم وهم لا يرونه.
ونتحدث في البحوث الآتية عن شؤون الغيبة الصغرى للإمام المنتظر (عليه السلام)، وما يرتبط بها من بحوث.
الزمان:
وكانت الغيبة الصغرى للإمام (عليه السلام) عند وفاة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (٢٦٠ هـ)(١٤٢) ففي هذا الوقت احتجب الإمام عن أعين الناس إلا أنه كان يلتقي بخيار المؤمنين والصالحين كما سنعرض لذلك.
المكان:
أما المكان الذي احتجب فيه الإمام (عليه السلام) فهو في داره الواقعة في (سامراء)، والتي فيها المرقد الطاهر لجثمان جده الإمام علي الهادي وأبيه الإمام الحسن (عليهما السلام).
مخاريق وأباطيل:
واتهمت الشيعة في غير إنصاف، وألصقت بهم أكاذيب ملفقة، لتشويه واقعهم المشرف الذي أضاء الحياة الفكرية في دنيا العرب والإسلام.
ومن بين المخاريق التي ألصقت بهم فيما يخص الإمام المنتظر (عليه السلام) غيابه في سرداب، أما السرداب الذي غاب فيه، فقد ذكروا في تعيينه قولين:
١ - سرداب في (بابل): (١٤٣)
ذكر ذلك ابن خلدون: قال: "ويزعمون - أي الشيعة أن الثاني عشر من أئمتهم هو محمد بن الحسن العسكري، ويلقبونه بالمهدي دخل في سرداب بدارهم في (الحلة)، وتغيب حين اعتقل مع أمه، وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، وهم يشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم الآن ينتظرونه، ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب، وقد قدموا مركبا، فيهتفون باسمه، ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينفضون، ويرجون الأمر إلى الليلة الآتية، وهم على ذلك العهد..".
وحفل كلام ابن خلدون بالأكاذيب، والحقد على آل البيت (عليهم السلام)، وعلى شيعتهم، ومن بين أغاليطه ما يلي:
أولا: إنكاره لوجود الإمام المنتظر (عليه السلام) الذي تواترت بظهوره ووجوده الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد فند مقالته الأستاذ المحقق والعالم المعروف أحمد محمد شاكر، فقد قال:
"وأما ابن خلدون فقد فقأ ما ليس به علم، واقتحم قحما لم يكن من رجالها، وغلبه ما شغله من السياسة، وأمور الدولة وخدمة من كان يخدم من الملوك والأمراء، فأوهم أن شأن المهدي عقيدة شيعية، وأوهمته نفسه ذلك فعقد في مقدمته المشهورة فصلا طويلا جعل عنوانه فصل في أمر الفاطمي، وما يذهب إليه الناس من أمره" إلخ(١٤٤)
إن عقيدة الشيعة وسائر المسلمين في الإمام المهدي (عليه السلام) هي جزء من رسالة الإسلام، فمن أنكره فقد أنكر الإسلام، كما يقول بذلك بعض علماء السنة، كما سنعرض لذلك في البحوث الآتية.
ثانيا: من أغاليط ابن خلدون في هذا الكلام أن الإمام المنتظر (عليه السلام) قد اعتقل مع أمه في (الحلة)، وغاب فيها، وهذا كذب مفضوح، ويواجهه ما يلي:
أ - إن السيدة والدة الإمام (عليه السلام) قد توفيت قبل وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بسنتين، كما ذكرنا ذلك في البحوث السابقة.
ب: - ولم يذكر أحد من مؤرخي الشيعة وغيرهم أن الإمام المنتظر (عليه السلام) قد اعتقل أو ألقت السلطة العباسية القبض عليه لا في الحلة ولا في غيرها فما ذكره ابن خلدون عن ذهاب الشيعة إلى ذلك، إنما هو محض افتراء وتشويه لعقيدتهم.
ثالثا: من افتراء ابن خلدون على الشيعة أنهم يقفون بباب السرداب الواقع في (الحلة)، ويقدمون مركبا للإمام (عليه السلام) ويهتفون باسمه، ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم.
إن هذه الأكاذيب لم تسمع بها الشيعة وهي بريئة منها، قد افتعلها عليهم ابن خلدون الذي تجرد عن كل خلق قويم، وارتطم في الإثم.
٢ - السرداب في (سامراء):
ذكر جمهرة من مؤرخي السنة أن الشيعة تذهب إلى أن الإمام المنتظر (عليه السلام) قد غاب في السرداب الكائن في داره في (سامراء) وكان من الذاكرين لذلك:
١ - السويدي:
قال السويدي: "وتزعم الشيعة أنه غاب في السرداب (بسر من رأى) والحرس عليه سنة ٢٦٢ ه(١٤٥).
٢ - ابن تيمية:
زعم ابن تيمية أن الشيعة تعتقد أن الإمام (عليه السلام) باق في السرداب - الواقع في (سامراء) - وينتظرون خروجه منه(١٤٦).
٣ - ابن حجر:
ذكر ذلك ابن حجر، ونسبه إلى الشيعة على رأي ابن خلكان ونقل عنه أن الشيعة ترى أنه - أي الإمام المهدي - الإمام المنتظر، وهو صاحب السرداب عندهم، وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بـ (سبر من رأى) دخله في دار أبيه، وأمه تنظر إليه سنة (٢٦٥ هـ) وقد أضاف بعد ذلك قائلا: ولقد أحسن القائل:
ما آن للسرداب أن يلد الذي * صيرتموه بجهلكم إنسانا
فعلى عقولكم العفا إذ أنكم * ثلثتم العنقاء والغيلانا(١٤٧)
حفنة من التراب في فم هذا الشاعر الذي هجا شيعة آل البيت (عليهم السلام) بما لم تلتزم به، ولم تقل به، وهو وأمثاله من المنحرفين والضالين قد تحاملوا على الشيعة بمثل هذه الأكاذيب التي لا نصيب لها من الواقع، والتي تنم عن أحقاد وأضغان ليست على الشيعة، وإنما هي على أئمة الهدى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
٤ - القصيمي:
أما عبد الله القصيمي فقد تحامل على الشيعة، وافترى عليهم بشأن الإمام المنتظر (عليه السلام)، انظروا إلى أكاذيبه.
"وإن أغبى الأغبياء، وأجمد الجامدين هم الذين غيبوا إمامهم في السرداب، وغيبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومن يذهبون كل ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيبوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام(١٤٨).
وعلق المحقق الأميني نضر الله مثواه على هذه الكلمات السوداء بقوله:
"وفرية السرداب أشنع، وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطنبور نفحات بضم الحمير إلى الخيول، وادعائه اطراد العادة في كل ليلة، واتصالها منذ أكثر من ألف عام، والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب، ولا هم غيبوه فيه، ولا أنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بـ (مكة) المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب..(١٤٩)
التحقيق في الموضوع:
ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في شأن السرداب المجاور لمرقد الإمامين الهادي والحسن (عليهما السلام) في (سامراء)، فقد حظى بهالة من التقديس والتعظيم عند عامة الأوساط الشيعية كما يوجد عليه شباك أثرى، وضعه عليه الخليفة العباسي الناصر لدين الله.
إن هذا المكان الشريف كان مصلى لأئمة ثلاثة من أئمة أهل البيت: الإمام الهادي، وابنه الحسن العسكري، وابنه الحجة المنتظر (عليهم السلام)، ولم يذهب أحد من علماء الشيعة ومؤرخيهم إلى أن الإمام المنتظر (عليه السلام) قد غاب في السرداب، سواء أكان السرداب في (سامراء) أم في (الحلة) أم في (بغداد)
استمعوا إلى ما يقوله بعض علماء الشيعة.
١ - الحجة النوري:
قال الحجة النوري صاحب المستدرك في كشف الأستار: "نحن كلما راجعنا وتفحصنا لم نجد لما ذكروه أثرا، بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلا..(١٥٠)
٢ - العلامة صدر الدين:
قال العلامة الحجة صدر الدين: "ما نسبه إلينا - من غيابه في السرداب - كثير من خواص أهل السنة، فلا أعرف له مدركا، ولم أجد له مستندا(١٥١).
٣ - المحقق الأربلي:
قال المحقق الأربلي: "والذين يقولون بوجوده لا يقولون: إنه في سرداب، بل يقولون: إنه موجود يحل ويرتحل، ويطوف في الأرض..(١٥٢)
٤ - المحقق الأميني:
وتقدم كلام المحقق الأميني في نفيه لهذه الأسطورة التي اتهمت بها الشيعة في غياب الإمام (عليه السلام) في السرداب، وقد أضاف إليه قوله: "وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة، حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم، فلا يقول ابن بطوطة:
في رحلته (ص ١٩٨) إن هذا السرداب المنوه به في (الحلة)، ولا يقول القرماني: في (أخبار الدول) أنه في (بغداد)، ولا يقول آخرون: إنه بـ (سامراء)، ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته..(١٥٣)
إن غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) في السرداب أسطورة لم يقل بها أحد من الشيعة منذ فجر تاريخهم حتى يوم الناس هذا، وإنما افتعلها خصومهم والحاقدون عليهم.
سفراؤه الممجدون:
وأقام الإمام المنتظر (عليه السلام) كوكبة من خيار العلماء والصالحين سفراء له، كانوا واسطة بينه وبين الشيعة، وكانت مهمتهم حمل المسائل الشرعية من الشيعة إليه فيجيبهم عنها، وقد ألمحنا إلى بعضها في البحوث السابقة، أما السفراء المكرمون البررة فهم:
١ - عثمان بن سعيد العمري:
وأول وكلاء الإمام المنتظر (عليه السلام) هو الثقة، الزكي، الأمين، عثمان ابن سعيد، فقد شغل مركز النيابة عن الإمام، وكان همزة وصل بينه وبين الشيعة ونتحدث - بإيجاز - عن بعض شؤونه:
خدمته للأئمة:
تولى عثمان شرف خدمة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وكان له من العمر إحدى عشرة سنة، وقام بما يحتاجون إليه، في وقت كان من أشد الأوقات حراجة ومحنة على أهل البيت (عليهم السلام) فقد فرضت السلطة العباسية خصوصا في أيام المتوكل العباسي الرقابة الشديدة عليهم، ومنعت وصول الحقوق الشرعية التي تبعثها الشيعة إليهم، وكان عثمان يتظاهر ببيع السمن حتى لقب بالسمان، فكانت الحقوق الشرعية تصل على يده، فكان يجعلها في زقاق السمن، ويبعثها إلى الإمام الهادي، ومن بعده إلى ولده الحسن العسكري (عليهما السلام) وبذلك فقد رفع الضائقة الاقتصادية عنهم، كما تولى النيابة عن الإمام المنتظر.
وثاقته:
كان عثمان ثقة زكيا، عدلا حسبما نصت عليه جميع مصادر التراجم، وقد نص على توثيقه الإمام الهادي (عليه السلام)، انظروا إلى بعض النصوص في توثيقه:
١ - روى أحمد بن إسحاق، قال: سألت أبا الحسن على الهادي (عليه السلام)"من أعامل، وعمن آخذ، وقول من أقبل؟".
فأرشده الإمام (عليه السلام) إلى العمري منبع الحق والصدق قائلا: "العمري ثقتي، فما أدى إليك عني، فعني يؤدي، وما قال عني، فعني يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون"...(١٥٤)
وقد نال العمري بهذا الثناء العاطر الدرجة الرفيعة من الوثاقة والعدالة وسمو المنزلة عند الإمام (عليه السلام).
٢ - سأل شخص الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن العمري، فقال له: "العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك: فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فهما الثقتان المأمونان"(١٥٥).
٣ - ومن جملة الوثائق في توثيقه، وعظيم مكانته عند الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ما جاء في رسالته إلى إبراهيم بن عبده النيسابوري، فقد أمره بطاعته، واتباعه:
"ولا تخرجن من البلدة حتى تلقى العمري رضي الله عنه، برضاي عنه فتسلم عليه، وتعرفه، ويعرفك فإنه الطاهر الأمين، العفيف القريب منا..".
وهذا التوثيق وغيره مما يدلل على تقوى العمري، وعظيم منزلته عند الإمام (عليه السلام)، وأنه من أوثق الناس، وأشدهم حريجة في الدين.
نيابته عن الإمام المنتظر:
وتولى الشيخ العمري الثقة، المأمون، النيابة المطلقة والوكالة العامة عن الإمام المنتظر (عليه السلام) فكان همزة الوصل بين الإمام (عليه السلام) وشيعته، وكان يحمل إليه حقوقهم ورسائلهم، وقد حظى بهذه النيابة التي لم يحظ بها غيره من ثقات الشيعة.
وفاته:
انتقل إلى حظيرة القدس تحفه ملائكة الرحمن، ودفن في مقره الأخير في (بغداد) بجانب (الرصافة)، وله قبر مشيد يزوره المؤمنون، قال الشيخ الطوسي:
"وكنا ندخل إليه - أي إلى قبره - ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى (بغداد) وهي سنة ٤٠٨ ه إلى نيف وثلاثين وأربعمائة، وأضاف: وعسل الرئيس أبو منصور بن محمد بن فرج عليه صندوقا، ويتبرك جيران المحلة بزيارته"(١٥٦).
تأبين الإمام له:
وابن الإمام المنتظر (عليه السلام) الفقيد العظيم بكلمة رفعها إلى نجله العالم أبي جعفر، محمد بن عثمان، جاء فيها:
"إنا لله وإنا إليه راجعون تسليما لأمره، ورضا بقضائه، عاش أبوك سعيدا، ومات حميدا فرحمه الله، وألحقه بأوليائه ومواليه، فلم يزل مجتهدا في أمرهم، ساعيا في ما يقر به إلى الله عز وجل إليهم، نضر الله وجهه وأقال عثرته.
أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، ورزيت، ورزينا وأوحشك فراقه، وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، وكان من سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه، وأقول: الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله: الله عز وجل فيك وعندك، وقواك وعضدك، ووفقك وكان لك وليا وحافظا وراعيا..(١٥٧)
وحكت هذه الكلمات مدى حزن الإمام (عليه السلام) على نائبه ووكيله الذي كان عنصرا من عناصر الإيمان والتقوى، كما أعرب الإمام عن ثقته البالغة بولده أبي جعفر، محمد، الذي توفرت فيه جميع المثل العليا والصفات الرفيعة.
٢ - محمد بن عثمان:
وتولى محمد بن عثمان بعد وفاة أبيه شرف النيابة عن الإمام المنتظر (عليه السلام)، فقد كان من ثقات الشيعة ومن أعلامهم المبرزين في العلم والتقوى، وكان كأبيه موضع ثقة الجميع، وكانت حقوق الشيعة واستفتاءاتهم ترد على يده، وهو بدوره يرفعها إلى الإمام (عليه السلام) فيجيبهم عنها، ونتحدث بإيجاز عن بعض شؤونه.
وثاقته وعدالته:
وأجمع المترجمون لمحمد بن عثمان على وثاقته وعدالته، وأن له منزلة جليلة، ومكانة معظمة عند الشيعة ويكفيه فخرا أنه تولى النيابة عن الإمام الحجة (عليه السلام) في حياة أبيه وبعد وفاته(١٥٨) وقد خرج التوقيع من الإمام المنتظر (عليه السلام) في سمو منزلته وهذه صورته"وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي(١٥٩).
وقد سئل الإمام الحسن العسكري عن عثمان العمري فقال (عليه السلام):
"العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان:
فاسمع لهما، وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان(١٦٠).
وكان من عظيم منزلته وسمو شأنه عند الإمام المنتظر (عليه السلام) أنه كتب في حقه إلى محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ما نصه: "لم يزل - أي محمد - ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه، وأرضاه، ونضر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن، وبه يعمل، تولاه الله فانته إلى قوله(١٦١).
التقاؤه بالإمام في الكعبة:
وحج محمد بن عثمان بيت الله الحرام فتشرف برؤية الإمام المنتظر (عليه السلام) وقد رآه متعلقا بأستار الكعبة في (المستجار) وهو يقول: اللهم انتقم بي من أعدائك.... اللهم انجز لي ما وعدتني(١٦٢).
ويروي محمد أن الإمام (عليه السلام) يحج في كل سنة قال: "والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه(١٦٣).
مؤلفاته:
ألف محمد بن عثمان مجموعة من الكتب في الفقه والحديث التي سمعها من الإمامين الحسن والمنتظر (عليهما السلام) ومن أبيه عثمان بن سعيد وهو ما سمعه من الإمامين وذكرت أم كلثوم بنت أبي جعفر أن كتبه وصلت إلى أبي الحسين بن روح(١٦٤).
نيابته عن الإمام:
وأقام محمد خمسين سنة يتولى شرف شؤون النيابة العامة والوكالة المطلقة عن الإمام المنتظر (عليه السلام) وكانت الشيعة تحمل إليه الحقوق الشرعية ليوصلها إلى الإمام (عليه السلام) كما كانوا يبعثون على يده المسائل الشرعية فيجيبهم الإمام (عليه السلام) عنها(١٦٥).
وفاته:
كان أبو جعفر محمد بن عثمان على جانب كبير من الإيمان والتقوى وقد شعر بملاقاة الله تعالى فحفر له قبرا وجعل ينزل فيه ويقرأ فيه جزء من القرآن الكريم كما صنع لوحا كتب فيه آيات من القرآن وأسماء الأئمة الطاهرين وأوصى أن يدفن معه ولم يمض قليل من الزمن حتى ألمت به الأمراض واشتدت به العلل حتى سعدت روحه إلى الله تعالى كأسمى روح مؤمنة ارتفعت إلى الله في ذلك العصر وكانت وفاته في آخر جمادى الأولى سنة ٣٠٥ ه(١٦٦).
٣ - الحسين بن روح:
والحسين بن روح هو النائب الثالث للإمام المنتظر (عليه السلام) في زمن الغيبة الصغرى وكان على جانب كبير من التقوى والصلاح ووفور العلم والعقل كما كان محترما عند الخاصة والعامة وقد رشحه إلى النيابة العامة محمد بن عثمان لما مرض عاده الوجوه والإشراف من الشيعة وقالوا له: إن حدث بك أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: "هذا أبو قاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عجل الله فرجه والوكيل له والثقة الأمين فارجعوا له في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم فبذلك أمرت وقد بلغت"(١٦٧).
ونعرض لبعض أحواله:
مناظرته مع معاند:
وجرت مناظرة بينه وبين معاند للحق أظهرت مدى قدراته العلمية واطلاعه الواسع فقد قال له رجل معاند:
"إني أريد أن أسألك عن شيء؟...".
فأجابه.
"سل عما بدا لك".
"أخبرني عن الحسين (عليه السلام) أهو ولي الله؟.."
وسارع الحسين قائلا:
"نعم"
وسارع الرجل قائلا:
"هل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه..؟"
فانبرى الحسين يجيبه قائلا:
"افهم ما أقول لك: إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ولو بعث إليهم رسلا من غير صفتهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ويمشون في الأسواق قالوا لهم أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتوا بشيء نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرد ومنهم من ألقى في النار فكانت عليه بردا وسلاما ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون ومنهم من أبرأ الأكمه وأحيى الموتى بإذن الله وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أمتهم أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لأتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين وليعلم العباد أن لهم (عليهم السلام) إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدون ويطيعوا رسله ويكونوا حجة لله ثابتة على من يجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة..".
ودلت هذه المناظرة على براعة الحسين وعلى قدراته العلمية فقد أقام البراهين الحاسمة على إبطال ما ذهب إليه المعاند فلم ينبس ببنة شفة وبان عليه العجز وكان محمد بن إبراهيم بن إسحاق حاضرا في المجلس وقد بهر بكلام الحسين فأقبل عليه في اليوم الثاني ليسأله عن الدليل الذي أقامه في تفنيد كلام الخصم هل هو من عنده أو أخذه من أئمة الهدى (عليهم السلام) ولما استقر به المجلس التفت إليه الحسين قائلا:
"يا أبا محمد بن إبراهيم لئن أخر من السماء إلى الأرض فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه(١٦٨)...
صلابته:
كان الحسين بن روح قوي الإرادة شديد الصلابة في الحق يقول أبو سهل النوبختي: "لو كان الحجة (عليه السلام) تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه"(١٦٩).
إيثاره للتقية:
وكان الحسين يؤثر التقية ويجاري محيطه الذي كان مشحونا بالبغض والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) فقد روى المؤرخون عنه أن بوابه لعن معاوية وشتمه فأمر بطرده من وظيفته التي كان عليها وبقي البواب مدة يوسط إليه مختلف الطبقات في إرجاعه فلم يرده(١٧٠).
مع علي القمي:
كتب العلامة علي بن الحسين القمي رسالة إلى الحسين بن روح يطلب فيها أن يسأل الإمام (عليه السلام) بأن يدعوا الله تعالى له ليرزقه أولادا فقهاء من زوجته التي هي بنت عمه ورفع الحسين طلبه إلى الإمام (عليه السلام) فجاء الجواب أنه لا يرزق من زوجته ولكنه سيملك جارية ويرزق منها ولدين فقيهين ولم تمض الأيام حتى ملك جارية ديلمية فرزقه الله منها ثلاثة أولاد وهم:
١ - محمد.
٢ - الحسين.
٣ - الحسن.
أما محمد والحسين فكانا من أعلام الفقهاء ومن أفذاذ العلماء وكانا آيتين في الحفظ وكان الناس يتعجبون من سرعة حفظهما ويقولون إن هذا ببركة دعوة الإمام (عليه السلام).
وأما الحسن وهو الأوسط فكان مشتغلا بالعبادة والزهد وقد آثر العزلة عن الناس(١٧١).
وفاته:
بقي الحسين سفيرا عن الإمام (عليه السلام) إحدى أو اثنين وعشرين سنة.
وكان المرجع الوحيد والواسطة الأمينة بين الشيعة وبين الإمام تصل على يده مسائلهم وحقوقهم الشرعية وهو يوصلها إلى الإمام (عليه السلام) وقد مرض وبقي في مرضه أيام حتى أدركته المنية وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه سنة ٣٢٦ ه(١٧٢) وقد جهز، وشيع بتشييع حافل ودفن في مقره الأخير ومرقده الشريف يقع في (بغداد) في (سوق الشورجة) التي هي أهم مركز تجاري في (بغداد) والناس تتهافت على زيارة قبره للتبرك به.
٤ - علي بن محمد السمري:
أما علي بن محمد السمري فهو من عناصر التقوى والإيمان ويكفي في سمو شأنه وعظيم مكانته تقلده للنيابة العامة عن الإمام المنتظر (عليه السلام) بنص منه مع وجود كوكبة من علماء الشيعة وخيارهم وهو آخر وكلاء الإمام الممجدين وبوفاته وقعت الغيبة الكبرى وصارت السفارة العامة والمرجعية العظمى إلى الفقهاء العظام.
ويقول الرواة إنه قبل وفاة علي السمري أخرج إلى الناس رسالة موقعة من الإمام المنتظر (عليه السلام) جاء فيها بعد البسملة:
"يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي على شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..(١٧٣)
ويواجهنا في هذه الرسالة ما ورد فيها أن من يدعي مشاهدة الإمام (عليه السلام) بعد غيبته الكبرى فهو كاذب مفتر، مع أنه من المقطوع حسبما تواتر نقله أن جمهرة كبيرة من خيار علماء الشيعة وصلحائهم، قد تشرفوا برؤيته وملاقاته، وقد أول ذلك بتأويلات عديدة كان من أجودها: أن من يدعي مشاهدته ونيابته وسفارته عنه على غرار سفرائه في حال الغيبة الصغرى، فهو كاذب مفتر، وفيما أحسبت أن هذا التوجيه حسن.
وفاته:
وألمت الأمراض (بعلي السمري)، وقد دخل عليه خيار الشيعة، فقالوا له:
"من وصيك من بعدك؟..".
فأجابهم.
"لله أمر هو بالغه.".
ثم انتقل إلى جوار الله، وكانت وفاته، في النصف من شهر شعبان سنة ٣٢٨ ه(١٧٤).
ولاية الفقيه:
وأقام الإمام المنتظر سلام الله عليه الفقهاء العظام من شيعته ولاة ونوابا عنه، كما أقامهم الأئمة الطاهرون ولاة عنهم، وأمروا شيعتهم بالرجوع إليهم أيام الحكم العباسي الذي جهد على محاربة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فلم يكن هناك مجال بالرجوع إلى الأئمة، وأخذ الأحكام منهم، فقد جاء في مقبولة عمر بن حنظلة قال: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟.
فقال (عليه السلام): "من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذ بحكم الطاغوت، وقد أمر الله عز وجل أن يكفر به".
قلت: كيف يصنعان؟.
قال (عليه السلام): "انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله"(١٧٥).
وأعطى الإمام (عليه السلام) للفقيه الولاية العامة، ونصبه حاكما ومرجعا للمسلمين في مختلف شؤونهم الاجتماعية، ومثل هذا الحديث مقبولة أو مشهورة ابن خديجة، فقد قال له الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): "إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا، فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه"(١٧٦).
ونصب الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) الفقيه العادل، حاكما عاما ومرجعا للمسلمين، ونظير هاتين الروايتين التوقيع الصادر من الإمام المنتظر (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد فقد جاء فيه:
"وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله تعالى عليكم..".
لقد نصب الإمام المنتظر (عليه السلام) في هذا الحديث وغيره الفقهاء نوابا عنه، وألزم شيعته بالرجوع إليهم، وتقليدهم في جميع شؤونهم الدينية.
أما من يتولى المرجعية العامة للمسلمين في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) فلا بد أن تتوفر فيه هذه الشروط وهي:
١ - البلوغ.
٢ - العقل.
٣ - العدالة.
٤ - الرجولة.
٥ - الاجتهاد.
٦ - الحرية على قول(١٧٧).
مسؤولياته:
أما الفقيه الذي يتقلد النيابة العامة عن الإمام (عليه السلام)، فهو مسؤول عما يلي:
أ - رعاية العالم الإسلامي بجميع طوائفه وفرقه، وتفقد شؤونهم، والذب عنهم إذا دهمهم عدو، وغزا أرضهم كافر، وقد وقفت المرجعية العامة في (النجف الأشرف) إلى جانب (ليبيا) حينما غزاها الإيطاليون، كما وقفت إلى جانب الفلسطينيين حينما غزاهم الصهاينة اليهود.
ب - الإنفاق على الحوزات العلمية الدينية، وتفقد جميع شؤونها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية.
ج - الإنفاق على الفقراء والبؤساء والمحرومين، هذه بعض مسؤوليات الفقهاء الذين نصبهم الإمام (عليه السلام) مراجع للعالم الإسلامي، وهنا بحوث مهمة ذكرها الفقهاء، والمعنيون بالبحوث السياسية الإسلامية لا مجال لعرضها.
الغيبة الكبرى:
وبعد انتقال المعظم علي بن محمد السمري إلى حظيرة القدس بدأت الغيبة الكبرى وذلك في سنة (٣٢٨ هـ) وتقلد الفقهاء العظام المرجعية والنيابة العظمى عن الإمام المنتظر (عليه السلام)، وفي هذه الغيبة كانت للإمام (عليه السلام) عدة التقاءات ومراسلات مع عيون العلماء والمتقين من أعلام الشيعة، فقد جرت بينه وبين العالم الكبير الشيخ المفيد نضر الله مثواه عدة مراسلات، فقد تلقى الشيخ المفيد منه ثلاث رسائل، ذكرنا في البحوث السابقة منها رسالتين، كما تواترت الأخبار بالتقائه واجتماعه مع كوكبة من المؤمنين الصالحين، وسنعرض لذلك في البحوث الآتية.
دجالون:
ادعت عصابة من المنافقين المنحرفين عن الحق نيابتهم عن الإمام المنتظر (عليه السلام)، وذلك لحسد بعضهم لسفراء الإمام (عليه السلام) ولسرقة الحقوق الشرعية من الشيعة، ونعرض لبعضهم:
١ - أحمد بن هلال:
الكرخي، كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري، وبعد وفاته، وتقليد محمد بن عثمان رضي الله عنه النيابة عن الإمام المنتظر (عليه السلام) حسده على ذلك، والحسد داء خبيث ألقى الناس في شر عظيم فرفض أحمد نيابة محمد ولم يذعن له، فقالت له الشيعة: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان، وترجع إليه، وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم: أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه، فقالوا له: قد سمعه غيرك، فقال لهم: أنتم وما سمعتم(١٧٨).
وظهرت منه عدة مقالات منكرة أوجبت خروجه عن الدين، وجحوده لبضع الضروريات الإسلامية.
براءة الإمام منه:
ولما شاعت المنكرات من أحمد بن هلال تبرأ الإمام (عليه السلام) منه وخرج التوقيع بلعنه، وكان مما خرج إلى العمري من الإمام بشأنه في رسالة جاء فيها:
"ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ابن هلال - لا رحمه الله - وممن لا يبرأ منه فأعلم الإسحاقي، وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك، ويسألك عنه(١٧٩)..
٢ - الحسن الشريعي:
أما الحسن الشريعي فهو كذاب دجال، وكان من أصحاب الإمامين الهادي، والحسن (عليهما السلام) إلا أنه ارتد على عقبه، فقد ادعى لنفسه مقاما عظيما - وهو النيابة عن الإمام المنتظر (عليه السلام) - لم يجعله الله فيه، ونسب إلى الأئمة الطاهرين ما لا يليق بهم، وما هم براء منه، فتبرأت منه الشيعة، ولعنته، وخرج توقيع الإمام (عليه السلام) بلعنه والبراءة منه(١٨٠).
٣ - الحسين بن منصور:
الحلاج كذاب مضل، منحرف عن الحق، ادعى النيابة عن الإمام المنتظر (عليه السلام) وأخذ يراسل أعيان الشيعة بذلك، فراسل أبا سهل النوبختي العالم الفاضل وأراد منه الانضمام إليه، ووعده بما يريد من المال، فقال له النوبختي إني رجل أحب الجواري، وأصبو إليهن، ولكن الشيب يبعدني عنهن، وأحتاج أن أخضب في كل جمعة، ولكني أتحمل بذلك مشقة، وجهدا عسيرا، وأريد أن تغنيني عن الخضاب، وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإذا فعلت ذلك صرت طوع إرادتك، وصدقت مقالتك، وكنت من أعظم أنصارك، وداعية إليك، فبهت الحلاج، وأمسك عنه، وانتشرت قصته، فصار أضحوكة الجميع، وبان أمره، وانكشف دجله إلى الناس(١٨١).
ومن مخاريقه، أنه دعا رجلا من الأذكياء إلى داره ليؤمن به، وقال:
علامتي أني أمد يدي إلى البحر، وأخرج سمكة كبيرة منه، فنزل إلى الدار فجاء بسمكة كبيرة حية إليه، وقال هذه معجزتي، وطرقت بابه فخرج وإذا بشخص يطلب منه الخروج معه لمهمة، فخرج، ونزل الرجل إلى صحن الدار، فرأى ستارا فرفعه، وإذا ببستان فيها حوض مليء بالأسماك فأخرج منه سمكة حية، وجعلها إلى جنب تلك السمكة فجاء الحلاج، فقال له الرجل: وأنا لي معجزة مثل معجزتك فقد مددت يدي إلى البحر، وجئت بسمكة حية، فبهت الحلاج، وأمره بالخروج من الدار لأن أمره قد انكشف، وظهر دجله، وكان يظهر الزهد والتقشف، رؤى على بعض جبال (أصبهان)، وعليه مرقعة، وبيده ركوة وعكاز، وهو يقول:
لئن أمسيت في ثوبي عديم * لقد بليا في حر كريم
فلا يحزنك إن أبصرت حالا * مغيرة عن الحال القديم
ولى نفس ستتلف أو سترقى * لعمرك بي إلى أمر جسيم
ومن شعره:
أريدك لا أريدك للثواب * ولكني أريدك للعقاب
ولك مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
ومن حيله: أنه كان يدفن شيئا من الخبز، والحلوى، والشواء في البرية، ويخبر بعض أصحابه المطلعين على حيله، فإذا أصبح طلب من أصحابه الخروج إلى الصحراء فيسير ومعه أصحابه، وطائفة من الناس، فإذا انتهوا إلى ذلك المكان الذي دفن فيه الطعام، قال له صاحبه العارف ببدعه نشتهي الآن كذا وكذا من الطعام، فيتركهم الحلاج، ويصلي ركعتين، ويأتيهم صاحبه بما قال له:
وبهذا الأسلوب كان يغري السذج والبسطاء من الناس، حتى استغوى جماعة، وحتى كانوا يتبركون ببوله، وقيل: إنه ادعى الربوبية، ووجد له كتاب فيه إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر، ويأخذ وريقات هندباء، ويفطر عليها أغناه ذلك عن صوم رمضان، ومن صلى ركعتين من أول الليل إلى الغداة غنته عن الصلاة، ومن تصدق بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه عن الحج، ومن أتى قبور الشهداء بـ (مقابر قريش) فأقام فيها عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم، ولا يفطر إلا على قليل من خبز الشعير والملح أغناه ذلك عن العبادة، إلى غير ذلك من بدعه.
ونسبت إليه هذه الأبيات:
والله ما طلعت شمس ولا غربت * إلا وذكرك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم * إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش * إلا رأيت خيالا منك في كاسي
ولما شاعت منكراته رفع أمره إلى المقتدر العباسي فدفعه إلى مدير شرطته ليضربه ألف سوط فإن مات وإلا فيضربه ألف سوط حتى يموت، وإن لم يمت يضرب عنقه، ويقطع يديه ورجليه، ويحز رأسه، ويحرق جثته وينصب رأسه على الجسر، ففعل به ذلك، في سنة ٣٠٩ ه(١٨٢).
٤ - محمد بن علي:
الشلمغاني المعروف (بابن أبي العزاقر) كان مستقيم الطريقة فحمله الحسد للشيخ أبي القاسم بن روح وكيل الإمام المنتظر (عليه السلام)، فترك مذهبه واعتنق المذاهب الرديئة، وكان من مذهبه الخبيث ترك العبادات كلها وإباحة الفروج من ذوي الأرحام، وأنه لا بد للفاضل أن ينكح المفضول ليولج فيه النور(١٨٣).
وقد خرج من الإمام المنتظر (عليه السلام) توقيع يلعن الشلمغاني والبراءة منه على يد الثقة الزكي الشيخ أبي القاسم، الحسين بن روح، وهذا نصه"عرف أطال طبع له ديوان ضم فلسفته وآراءه الشاذة الله بقاك، وعرفك الله الخير كله، وختم به عملك، من تثق بدينه، وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن محمد ابن علي المعروف بالشلمغاني، عجل الله له النقمة ولا أمهله قد ارتد عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذبا وزورا، وقال بهتانا وإثما عظيما، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا.
وإنا برئنا إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعناه عليه لعائن تترى في الظاهر منا والباطن في السر والجهر، وفي كل وقت، وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على تولاه بعده(١٨٤) ولما ظهرت بدعه أخذه السلطان، وقتله، وصلبه بـ بغداد(١٨٥) وكان هلاكه في سنة ٣٢٣ ه(١٨٦).
هؤلاء بعض الدجالين والكاذبين في عصر الغيبة الصغرى، وقد كان بعضهم مدفوعا بدافع الحسد لبعض نواب الإمام (عليه السلام) على تقلدهم لهذا المنصب الخطير، وحرمانهم منه.
مدعون للمهدوية:
وظهرت على مسرح الحياة الإسلامية جماعة ادعى كل واحد منهم أنه الإمام المنتظر (عليه السلام)، وذلك لأغراض سياسية، كان من أبرزها - فيما أحسب - الاستيلاء على الحكم في بلادهم، وإغراء السذج والبسطاء للاعتقاد بإمامتهم، والغريب أنهم ادعوا ذلك، وهم لا يدينون بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ونعرض فيما يلي لبعضهم:
١ - مهدي السودان:
هو من ألمع شخصيات (السودان) البارزة، وهو حسني من جهة الأب، وعباسي من جهة الأم حسبما يقول مترجموه: "وقد استغل الأوضاع السياسية المتردية في (السودان) التي كانت ترزح تحت نير الحكم التركي الذي أحال الحياة فيها إلى حجيم لا تطاق، فأخذ يبشر بين السودانيين أنه الإمام المهدي الذي ينقذهم من ظلم الأتراك وجورهم، ويوفر لهم الحياة الكريمة التي ينعمون في ظلالها، وقد قصده أحد المشتغلين بالتنجيم، فحين ما التقى به خر على الأرض مدعيا أنه أغمي عليه، وبعد فترة رفع رأسه فسأله الحاضرون عن سبب إغمائه، فقال: نظرت أنوار المهدية على وجهه فصعقت من شدة تأثيرها على حواسي(١٨٧) وأذاع شيخ من (السودان) بين الناس أن زمن ظهور المهدي قد حان، وأنه سوف يشيد على ضريحي قبة، ويختن أولادي، وبعد وفاته قام المهدي ببناء قبة على ضريح الشيخ كما ختن أولاده(١٨٨).
ابتداء دعوته:
وكانت بداية دعوته بالمهدوية سنة (١٨٨١ م) وقد قام بالدعوة إليه تلامذته الذين كانوا منتشرين في معظم أنحاء (السودان)، وكان يغدق عليهم المال الوفير مما سبب تهالكهم للدعوة إليه.
من منشوراته:
ونشر المهدي مجموعة من المناشير بين السودانيين، يدعوهم فيها إلى طاعته، ولزوم أمره، وتصديق دعوته، وكان من جملتها هذا المنشور:
"الحمد لله الوالي، والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم وبعد:
من العبد المفتقر إلى الله محمد المهدي بن عبد الله إلى أحبائه المؤمنين بالله وبكتابه، أما بعد: فلا يخفى تغير الزمن، وترك السنن، ولا يرضى بذلك ذوو الإيمان والفطن، بل أحق أن يترك لذلك الأوطار والوطن لإقامة الدين والسنن، ولا يتوانى عن ذلك عاقل لأن غيرة الإسلام للمؤمن تجبره.. ثم أحبائي كما أراد الله في أزله وقضائه، تفضل على عبده الحقير، الذليل بالخلافة الكبرى من الله ورسوله، وأخبرني سيد الوجود (صلى الله عليه وآله) بأني المهدي المنتظر وخلفني - عليه الصلاة والسلام - بالجلوس على كرسيه مرارا، بحضرة الخلفاء الأربعة، والأقطاب، والخضر (عليه السلام).. وأيدني الله تعالى بالملائكة المقربين، وبالأولياء الأحياء والميتين من لدن آدم إلى زماننا هذا، وكذلك المؤمنون من الجن، وفي ساعة الحرب يحضر معهم أمام جيشي سيد الوجود (صلى الله عليه وسلم) بذاته الكريمة وكذلك الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر (عليه السلام)، وأعطاني سيف النصر من حضرته (صلى الله عليه وسلم) وأعلمت أنه لا ينصر على معه أحد، ولو كان الثقلين الإنس والجن.
ثم أخبرني سيد الوجود (صلى الله عليه وسلم) بأن الله جعل لي على المهدية علامة، وهي الخال على خدي الأيمن، وكذلك جعل لي علامة أخرى تخرج راية من نور، وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل (عليه السلام) فيثبت الله بها أصحابي، وينزل الرعب في قلوب أعدائي فلا يلقاني أحد بعداوة إلا خذله الله.
ثم قال لي (صلى الله عليه وآله): إنك مخلوق من نور عنان قلبي، فمن له سعادة صدق بأني المهدي المنتظر، ولكن الله جعل في قلوب الذين يحبون الجاه النفاق، فلا يصدقون حرصا على جاههم، قال (صلى الله عليه وآله): حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل، وجاء في الأثر إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم، وجاء في بعض كتبه القديمة لا تسأل عني عالما أسكره حب الدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فأولئك قطاع الطريق على عبادي ولما حصل لي يا أحبابي من الله ورسوله أمر الخلافة الكبرى أمرني سيد الوجود (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة إلى ماسة بجبل قدير، وأمرني أن أكاتب بها جميع المكلفين أمرا عاما، فكاتبنا بذلك الأمراء ومشايخ الدين، فأنكر الأشقياء، وصدق الصديقون الذين لا يبالون فيما لقوه في الله من المكروه، وما فاتهم من المحبوب المشتهى بل هم ناظرون إلى وعده سبحانه وتعالى بقوله:
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين).
وحيث أن الأمر لله، والمهدية، أرادها الله لعبده الفقير الحقير الذليل محمد المهدي بن عبد الله، فيجب بذلك التصديق لإرادة الله، وقد اجتمع السلف والخلف في تفويض العلم لله سبحانه، فعلمه سبحانه لا يتقيد بضبط القوانين، ولا بعلوم المتفننين، بل "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" قال تعالى: * (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) * (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (ولا يسأل عما يفعل) * (يختار ما يشاء) * (يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * .
وقد قال الشيخ محي الدين ابن العربي: في تفسيره على القرآن العظيم علم المهدي كعلم الساعة والساعة لا يعلم وقت مجيئها على الحقيقة إلا الله، وقال الشيخ أحمد بن إدريس كذبت في المهدي أربعة عشر نسخة من نسخ أهل الله؟ ثم قال يخرج من جهة لا يعرفونها وعلى حال ينكرونه.
وهذا لا يخفى عليكم أن التأليفات الواردة في المهدي منها الآثار وكشف الأولياء وغير ذلك فيختلف كل منها كما علمت من أنه يمحو الله ما يشاء ومنها الأحاديث فمنها الضعيف والمقطوع والمنسوخ والموضوع بل الحديث الضعيف ينسخه الصحيح والصحيح ينسخ بعضه بعضا كما أن الآيات تنسخها الآيات وحقيقة ذلك عليما هي عليه لا يعرفها إلا أهل المشاهدة والبصائر هذا وقد أخبرني سيد الوجود (صلى الله عليه وسلم) بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله كررها (صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرات وجميع ما أخبرتكم به من خلافتي على المهدية إلخ فقد أخبرني به سيد الوجود (صلى الله عليه وسلم) يقظة في حال الصحة وأنا خال من الموانع الشرعية لا بنوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون بل متصف بصفات العقل أقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالأمر فيما أمر به والنهي عما نهى عنه.
والهجرة المذكورة بالدين واجبة كتابا وسنة قال تعالى * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) * وقال (صلى الله عليه وسلم): "من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق أبيه خليل الله إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام"وإلى غير ذلك من الآيات والأحاديث.
وإجابة داعي الله واجبة قال تعالى * (واتبع سبيل من أناب إلي) * فإذا فهمتم ذلك فقد أمرنا جميع المكلفين بالهجرة إلينا لأجل الجهاد في سبيل الله أو إلى أقرب بلاد منكم لقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * فمن دخل عن ذلك دخل في وعيد قوله تعالى: * (قل إن كان آباءكم وأبناؤكم..) وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكن انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا في الآخرة) * .
فإذا فهمتم ذلك فهلموا للجهاد في سبيله ولا تخافوا من أحد غير الله لأن خوف المخلوف من غير الله يعدم الإيمان بالله والعياذ بالله من ذلك قال تعالى * (فلا تخشوا الناس واخشوني) * وقال تعالى: * (والله أحق أن تخشوه) * لا سيما وقد وعد الله في كتابه العزيز ينصر من ينصر دينه، قال تعالى * (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) * وقال تعالى * (ألا تنصروه فقد نصره الله) * وحيث إن لم تجيبوا داعي الله وتبادروا لإقامة دين الله تلزمكم العقوبة عند الله تعالى لأنكم أدلة الخلق وأزمتها فمن كان مهمتها بإيمانه شفيقا بدينه حريصا على أمر ربه أجاب الدعوة واجتمع مع من ينصر دينه.
"وليكن معلومكم أني من نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإني حسني من جهة أبي وأمه وأمي كذلك من جهة أمها وأبوها عباسي(١٨٩)..
وحكت هذه الوثيقة ضروبا من الافتعالات فقد زعم أن جميع ما بشربه وقال من أجله كان بإيعاز من النبي (صلى الله عليه وآله) وهو افتراء ومحض.
استيلاؤه على السودان:
وخاض المهدي معارك رهيبة مع حاكم السودان العام (رؤوف باشا المصري) فهزمت جيوشه (رؤوف باشا) وساقت الحكومة المصرية جيشا آخر لقتاله بقيادة جيش مصري ثالث بقيادة هيكس باشا فأبيد الجيش المصري وانقادت (السودان) كلها للمهدي وقطن المهدي (أم درمان) وأخذ يجمع الجموع للتغلب على (مصر) وأظهر عداءه العارم للإنكليز وقد استجابت له (السودان) وراسل الخديوي والسلطان عبد الحميد وملكة بريطانيا يخبرهم بدولته وأموره(١٩٠).
وفاته:
أصيب المهدي بحمى التيفوس وذلك في ليلة الأربعاء لأربع ليال خلون من شهر رمضان سنة (١٣٠٢ هـ) واستمر به المرض أياما ولما شعر بدنو أجله استخلف من بعده عبد الله التعايشي وكان أميا وفى يوم الاثنين تاسع رمضان توفي وبويع بعده خليفته عبد الله التعايشي(١٩١) وبذلك انتهت حياته وهو ألمع شخصية في العالم العربي ادعت المهدية والنيابة العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله).
٢ - مهدي تهامة:
ظهر مهدي تهامة في (اليمن) حوالي سنة (١١٥٩ م) ادعى أنه الإمام المنتظر الذي بشر به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وتبعه فريق من الأعراب وقد استطاع القضاء على دولة الحمدانيين في (صنعاء) وعلى الدولة النجاحية في (زبيد)، وأعقبه حفيده عبد النبي سنة (١١٦٢ م)، وأزال دولته توران شاه من قبل صلاح الدين الأيوبي(١٩٢).
٣ - مهدي السنغال:
في سنة (١٨٢٨ م) ظهر في (السنغال) رجل ادعى أنه المهدي المنتظر،، ورفع راية الثورة على الحكم القائم إلا أنه فشل، وقتل(١٩٣).
٤ - مهدي السوس:
ظهر في (السوس) وهي إحدى مدن المغرب العربي رجل ادعى أنه الإمام المنتظر (عليه السلام)، وتبعه كثيرون من الغوغاء، وقبل أن يتم دعوته، وينشر مبادئه وأهدافه قتل غيلة(١٩٤).
٥ - مهدي الصومال:
ادعى محمد بن عبد الله أنه الإمام المنتظر وذلك في سنة (١٨٩٩ م) وكانت له نفوذ واسعة في قبيلته (أوجادين) وقد حارب البريطانيين والإيطاليين والأحباش ما يقرب من عشرين عاما، حتى توفي سنة (١٩٢٠ م)(١٩٥).
هؤلاء بعض من ادعوا المهدوية وبهذا ينتهي بنا الحديث في هذا الفصل.
أضواء على غيبة الإمام (عليه السلام)
لعل أهم بحث - فيما أحسب - في هذا الكتاب يتطلع إليه القراء هو البحث عن الأسباب التي دعت إلى غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) عن العالم الإسلامي، وعدم اشتراكه بأي عمل في الميادين الاجتماعية والسياسية، وسائر القضايا المصيرية للمسلمين، كما يهم القراء والوقوف على الأسباب الطبيعية التي أدت إلى امتداد عمر الإمام (عليه السلام) إلى قرون وأحقاب من الزمن تزيد في وقتنا على أكثر من ألف، ومائة عام، ولم يخضع لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان التي تسبب تصلب الأنسجة والخلايا الجسمية، وما يتسرب إلى الجسم من التسمم، والميكروبات التي تؤدي إلى فقدان الحياة، وتلاشي الجسم...
هذه بعض الأمور التي نلقى الأضواء عليها، ونبحثها بصورة موضوعية وشاملة، كما نبحث عما يرتبط ويتصل بهذه البحوث، وفيما يلي ذلك:
أسباب الغيبة:
أما غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) فكانت ضرورية، وملزمة، لا غنى للإمام عنها، ونعرض لبعض الأسباب التي حتمت غيابه:
١ - الخوف عليه من العباسيين:
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم، وتوليهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم، فصبوا عليهم وابلا من العذاب الأليم، وقتلوهم تحت كل حجر ومدر، ولنستمع إلى الشعراء والمؤرخين، فهم يحدثونا ببعض ما عاناه السادة من العلويين، من الجور والاضطهاد، يقول أبو عطاء، أفلح بن يسار السندي بحسرة ولوعة على أسياده العلويين:
يا ليت جور بني مروان عاد لنا * يا ليت عدل بني العباس في النار
ويقول شاعر المظلومين والمضطهدين دعبل الخزاعي:
وليس حي من الأحياء نعلمه * من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم * كما تشارك ايسار على جزر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة * فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
أرى أمية معذورين إذ قتلوا * ولا أرى لبني العباس من عذر
ويقول يعقوب بن السكيت العالم اللغوي(١٩٦) في المتوكل العباسي حينما هدم قبر ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونكل بزائريه وشيعته، يقول:
تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما
ويصف الأمير أبو فراس الحمداني في رائعته الخالدة ما حل بأهل البيت (عليهم السلام) من صنوف التنكيل والتعذيب، وما عانوه من الكوارث والخطوب من بني العباس، يقول بألم وحزن:
إني أبيت قليل النوم أرقني * قلب تصارع فيه الهم والهمم
يا للرجال أما لله منتصر * من الطغاة أما للدين منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم * والأمر تملكه النسوان والخدم
محلئون فأضحى شربهم وشل * عند الورود وأوفى ودهم لمم
ويستمر في رائعته المشحونة بالعطف والولاء على آل البيت، ثم يخاطب بني العباس، فيهجوهم، يقول:
لا يطغين بني العباس ملكهم * بنو علي مواليهم وإن زعموا
أتفخرون عليهم لا أبالكم * حتى كأن رسول الله جدكم
وما توازن فيما بينكم شرف * ولا تساوت بكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل * ولا لجدكم معشار جدهم
ولا لعرقكم من عرقهم شبه * ولا نفيلتكم من أمهم أمم(١٩٧)
ويستطرد أبو فراس في هجائه لبني العباس، ويصف غدرهم بآل البيت
ذلك الغدر الذي هو دون ما لاقوه من بني أمية، يقول:
هلا كففتم عن الديباج سوطكم * وعن بنات رسول الله شتمكم
ما نزحت لرسول الله مهجته * عن السياط فهلا نزه الحرم
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلك الجرائر إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة * وكم دم لرسول الله عندكم
أأنتم آله فيما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا
إن رائعة الحمداني من مناجم الأدب العربي، وهي تأريخ حافل بما عاناه السادة من أهل البيت (عليهم السلام) دعاة العدل الاجتماعي في الإسلام من صنوف الجور من طغاة بني العباس الذين ناهضوا كل دعوة إصلاحية، وأرغموا المسلمين على ما يكرهون.
ويصف ابن الرومي في قصيدته العصماء التي رثى بها الشهيد الخالد يحيى العلوي ما عاناه السادة العلويون من الظلم والجور في عهد طغاة بني العباس، يقول:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج * طريقان شتى مستقيم وأعوج
ألا أي هذا الناس طال ضريركم * بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا
أكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج
تبيعون فيه الذين شر أئمة * فلله دين الله قد كاد يمرج(١٩٨)
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * لبلواكم عما قليل مفرج
أما فيهم راع لحق نبيه * ولا خائف من ربه يتحرج
لقد عمهوا ما أنزل الله فيكم * كأن كتاب الله فيهم ممجج(١٩٩)
إن ملوك بني العباس لم يرعوا أية حرمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته وبنيه، فصبوا عليهم صنوفا مرهقة ومريرة من الظلم والاعتداء ما لم يشاهد نظيره في قسوته وفضاعته في جميع فترات التاريخ.
ويستمر ابن الرومي في رائعته في تقريع الجناة الذين ظلموا السادة العلويين، ويخص بني العباس بالذكر، فيقول:
أجنوا بني العباس من شنآنكم * وشدوا على ما في العياب وأشرجوا(٢٠٠)
وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم * فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا
غررتم إذا صدقتم أن حالة * تدوم لكم والدهر لونان أخرج(٢٠١)
لعل لهم في منطوى الغيب ثائرا * سيسموا لكم والصبح في الليل مولج(٢٠٢)
وطلب ابن الرومي في هذه الأبيات من بني العباس أن يكفوا من أحقادهم وشنآنهم على آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن يقصوا ولاة السوء والجور من حكامهم الذين جهدوا في ظلم السادة العلويين، وانزلوا العقاب الصارم بشيعتهم، كما حذرهم ابن الرومي من مغبة الدهر وتقلباته، وأنهم على خطأ كبير إن ظنوا أن الحكم والسلطان يدوم لهم، وإن العلويين يبقون تحت ظلمهم وجورهم، فلعل الزمان يجود بإمام منهم فينتقم من العباسيين وغيرهم من الظالمين لآل البيت (عليه السلام) وأكبر الظن أنه عنى قائم آل محمد صلوات الله عليه هذا بعض ما صوره الشعراء من المآسي التي عاناها السادة العلويون من طغاة بني العباس، التي صبها العباسيون على العلويين.
رسالة الخوارزمي إلى أهالي نيسابور (٢٠٣)
وهذه الرسالة التي بعثها أبو بكر الخوارزمي إلى أهالي (نيسابور) فريدة في بابها، فقد حكت بأمانة وصدق ما جرى على آل بيت النبوة ومعدن العلم والحكمة من الظلم والتنكيل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الأمويين والعباسيين وغيرهم، ونحن ننقلها بنصها لأنها صورت مآسي العلويين بدقة وشمول، قال:
"سمعتم أرشد الله سعيكم، وجمع على التقوى أمركم، ما تلكم به السلطان الذي لا يتحامل إلا على العدل، ولا يميل إلا على جانب الفضل، ولا يبالي أن يمزق دينه إذا رقا دنياه، ولا يفكر في أن يقدم رضا الله إذا وجد رضاه، وأنتم ونحن أصلحنا الله وإياكم عصابة لم يرض الله لنا الدنيا، فذخرنا للدار الآخرة ورغب بنا عن ثواب العاجل، فأعد لنا ثواب الآجل، وقسمنا قسمين: قسم مات شهيدا، وقسم عاش شريدا، فالحي يحسد الميت على ما صار إليه، ولا يرغب بنفسه عما جرى إليه، قال أمير المؤمنين ويعسوب الدين (عليه السلام): "المحن إلى شيعتنا أسرع من الماء إلى الحدور"وهذه مقالة أسست على المحن وولد أهلها في طالع الهزاهز والفتن، فحياة أهلها نغص، وقلوبهم حشوها غصص، والأيام عليهم متحاملة، والدنيا عنهم مائلة فإذا كنا شيعة أئمتنا في الفرائض والسنن، ومتبعي آثارهم في كل قبيح وحسن، فينبغي أن تبع آثارهم في المحن".
وحكى هذا المقطع ما تعانيه شيعة آل البيت من صنوف الاضطهاد والإرهاق من حكام الجور، وأن الله تعالى ادخر ما يجري عليهم من المحن والبلوى في الدار الآخرة التي أعدت جنانها لأولياء الله تعالى، فيعوضهم أضعاف ما عانوه، في سبيل محبتهم لأهل بيت نبيهم... والذي يظهر من هذه الكلمات أن أهالي (نيسابور) قد تعرضوا لأشد المحن والخطوب لولائهم ومحبتهم لأهل البيت (عليهم السلام) فساق لهم أبو بكر هذه الرسالة تعزية وسلوى لهم.. ويستمر أبو بكر في رسالته، فيقول:
"غصبت سيدتنا فاطمة صلوات الله عليها وعلى آلها ميراث أبيها صلوات الله عليه، وعلى آله يوم السقيفة، وأخر أمير المؤمنين عن الخلافة، وسم الحسن رضي الله عنه سرا، وقتل أخوه كرم الله وجهه جهرا، وصلب زيد بن علي بالكناسة، وقطع رأس زيد بن علي في المعركة(٢٠٤) وقتل ابناه محمد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي ومات موسى بن جعفر في حبس هارون، وسم علي بن موسى بيد المأمون، وهزم إدريس بـ (فخ) حتى وقع إلى (الأندلس) فريدا، ومات عيسى بن زيد طريدا شريدا، وقتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان والإيمان، وبعد تأكيد العهود والضمان..".
عرض الخوارزمي في هذه الكلمات المآسي التي حلت بأهل البيت، وكان من أفجعها ما جرى على سيدة نساء العالمين، حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبضعته فاطمة الزهراء صلوات الله عليها من المحن والخطوب، فقد منعت عن مواريثها، في يوم السقيفة ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان فجميع ما عانته العترة الطاهرة من صنوف الاعتداء والظلم كان من نتائج ذلك اليوم، فقد أخر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مركزه الذي أقامه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه في يوم غدير خم، وتوالت الأحداث الرهيبة على أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد سم معاوية بن هند سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن (عليه السلام)، وقتل يزيد بن معاوية ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام الحسين وأباد العترة الطاهرة على صعيد (كربلاء) بصورة لم يشهد التاريخ لها مثيلا في فضاعتها، ومرارتها.
ومن المآسي التي حلت بأهل البيت قتل الشهيد الخالد زيد بن علي (عليه السلام)، فقد قتله الأمويون، وصلبوه على جذع النخل، واستمر مصلوبا حفنة من السنين، وهو يضيء للمسلمين طريق الحرية والكرامة، ويدعوهم إلى النضال من أجل تحريرهم من الذل والعبودية، ومما عاناه سيد أهل البيت في عصره الإمام الأعظم موسى بن جعفر (عليه السلام) رائد العدالة الاجتماعية في عصره، فقد صب عليه الطاغية هارون الرشيد جام غضبه، وأودعه في ظلمات السجون حتى توفي (عليه السلام) مسموما شهيدا وعانى من بعده ولده الإمام الرضا (عليه السلام) من طاغية زمانه المأمون العباسي، فقد أجبره على ولاية العهد ثم اغتاله بالسم بعد ذلك، إلى غير ذلك من المآسي التي جرت على السادة الأطهار، دعاة العدل والكرامة في دنيا الإسلام.
ويستمر الخوارزمي في ذكر بعض ما جرى على العلويين من الظلم فيقول:
"هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلوية (طبرستان) وغير قتل محمد بن زيد، والحسن بن القاسم الداعي على أيدي آل ساسان وغير ما صنعه أبو الساج في علوية المدينة، حملهم بلا غطاء ولا وطاء من الحجاز إلى (سامراء)، وهذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن علي حين أخذه بابويه، وقد ستر نفسه، ووارى شخصه يصانع حياته ويدافع وفاته، ولا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الزيدي خاصة، وما فعله مزاحم بن خاقان بعلوية (الكوفة) كافة، وبحسبكم أنه ليس في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها قتيل طالبي تربه، تشارك في قتلهم الأموي والعباسي، وأطبق عليهم العدناني والقحطاني.
فليس حي من الأحياء نعرفه * من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم * كما تشارك ايسار على جزر
وحكت هذه الكلمات ما لاقاه السادة العلويون وشيعتهم من صنوف القتل والتنكيل من العباسيين، فقد أوعزوا إلى أجهزة أمنهم ومباحثهم بمطاردة العلويين وإنزال أقصى العقوبات الصارمة بهم، وقد ذكر الخوارزمي كوكبة من السادة العلويين الذين نالوا شرف الشهادة على أيدي العباسيين...
ويستمر الخوارزمي في ذكر النكبات التي جرت على العلويين، فيقول:
"قادتهم الحمية إلى المنية، وكرهوا عيش الذلة فماتوا موت العزة ووثقوا بما لهم في الدار الباقية فسخت نفوسهم من هذه الفانية ثم لم يشربوا كأسا من الموت إلا شربها شيعتهم وأولياؤهم ولا قاسوا لونا من الشدائد إلا قاسه أنصارهم وأتباعهم...".
وعرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى عزة العلويين وكرامتهم، فقد أبوا أن يعيشوا أذلاء خاضعين لجور العباسيين وظلمهم، فرفعوا راية الثورة عليهم ليموتوا أحرارا سعداء، وقد تجرعوا في سبيل حريتهم أشد ألوان العذاب والتنكيل، ومثل ما جرى عليهم من الظلم جرى على شيعتهم الذين تمردوا على الظلم والطغيان، ويمضي الخوارزمي في ذكر ما عاناه العلويون وشيعتهم من الاضطهاد، فيقول: "داس عثمان بن عفان بطن عمار بن ياسر بـ (المدينة)، ونفى أبا ذر الغفاري، وأشخص عامر بن عبد القيس التميمي، وضرب الأشتر النخعي، وعدي بن حاتم الطائي، وسير عمر بن زرارة إلى (الشام) ونفى كميل بن زياد إلى (العراق)، وجفا أبي ابن كعب، وعادى محمد بن حذيفة، وناواه، وعمل في دم ابن سالم ما عمل، وفعل مع كعب ذي الحطبة ما فعل..".
عرض الخوارزمي في هذه الكلمات إلى ما اقترفه عثمان بن عفان عميد الأسرة الأموية من التنكيل والاضطهاد في خيار الصحابة، أمثال الصحابي العظيم عمار بن ياسر، والصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، وأمثالهما من المعارضين لسياسته التي خلقت الرأسمالية، وميزت الأمويين وآل أبي معيط على غيرهم، فقد منحهم عثمان الثراء العريض، وحملهم على رقاب المسلمين الأمر الذي أدى إلى إجماع المسلمين على قتله.
ويستمر الخوارزمي في ذكر المآسي التي عاناها أهل البيت وشيعتهم، فيقول:
"واتبعه في سيرته - أي سيرة عثمان - بنو أمية، يقتلون من حاربهم، ويغدرون بمن سالمهم، لا يحفلون لمهاجري، ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون الله، ولا يحتشمون الناس، قد اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله دولا، يهدمون الكعبة، ويستعبدون الصحابة، ويعطلون الصلاة الموقوتة، ويختمون أعناق الأحرار، ويسيرون في حرم المسلمين سيرتهم في حرم الكفار، وإذا فسق الأموي فلم يأت بالضلالة عن كلالة..".
وحكى هذا المقطع الجرائم والموبقات التي اقترفها بنو أمية، فقد ساسوا الناس سياسة لم يألفوها، فحكموا بالظلم والجور، واحتقروا المصلحين، وأرغموا الناس على ما يكرهون، إلى غير ذلك من مساوئهم.
ويأخذ الخوارزمي في ذكر ما عاناه أتباع العلويين من الظلم والاعتداء من حكام الأمويين، فيقول:
"قتل معاوية حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكدة، والمواثيق المغلظة، وقتل زياد بن سمية الألوف من شيعة (الكوفة)، وشيعة (البصرة) صبرا، وأوسعهم حبسا وأسرا، حتى قبض الله معاوية على أسوأ أعماله، وختم عمره بشر أحواله، فأتبعه ابنه يجهز على جرحاه، ويقتل أبناء قتلاه، إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي، ومسلم بن عقيل الهاشمي أولا، وعقب بالحارث بن زياد الرياحي، وبأبي موسى عمرو ابن قرضة الأنصاري، وحبيب بن مظهر الأسدي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، ونافع بن هلال الجملي، وحنظلة بن أسعد الشامي، وعابس بن أبي شبيب الشاكري في نيف وسبعين من جماعة شيعته، وأمر بالحسين (عليه السلام) يوم (كربلاء) ثانيا، ثم سلط عليهم الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد يصلبهم على جذوع النخل، ويقتلهم ألوان القتل حتى اجتث الله دابره، ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك، عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك، فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد الله أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا، ويغسل عنهم وضر ما اجترحوا، فصمدوا ضد الفئة الباغية، وطلبوا بدم الشهيد، الدعي ابن الدعي، لا يزيدهم قلة عددهم، وانقطاع مددهم، وكثرة سواد أهل (الكوفة) بإزائهم إلا إقداما على القتل والقتال، وسخاء بالنفوس والأموال حتى قتل سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية الفزاري، وعبيد الله بن وال التميمي في رجال من خيار المؤمنين، وعلية التابعين ومصابيح الأنام، وفرسان الإسلام..".
عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى ما عانته الشيعة في عهد معاوية بن أبي سفيان من صنوف القتل والتنكيل، فقد سلط عليهم زياد بن أبيه فأمعن في قتلهم ومطاردتهم، وظلمهم، فلما انتهى دور معاوية أعقبه ولده يزيد، فاقترف من الجرائم ما سود به وجه التاريخ فقد أباد عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وحشية قاسية ليس لها مثيل في فظاعتها ومرارتها، وقد انتهكت بذلك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أبنائه وذريته ولم يكتف ابن مرجانة بما اقترفه مع سيد شباب أهل الجنة، وإنما عمد إلى خيار الشيعة كميثم التمار، فصلبه على جذع النخل، وقد انفضت كوكبة من خيار الشيعة بعد هلاك الطاغية يزيد، فطالبوا بدم الإمام الحسين (عليه السلام)، وهم التوابون واستشهد منهم أعلامهم أمثال سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية الفزاري، وعبد الله بن وال التميمي وغيرهم من مصابيح الإسلام.
ويستمر الخوارزمي في عرض المآسي التي جرت على السادة العلويين، فيقول:
"ثم تسلط ابن الزبير على (الحجاز) و(العراق)، فقتل المختار بعد أن شفى الأوتار، وأدرك الثار، وأفنى الأشرار، وطلب بدم المظلوم الغريب، فقتل قاتله، ونفى خاذله، وأتبعوه أبا عمر بن كيسان، وأحمر بن شميط، ورفاعة بن يزيد، والسائب بن مالك وعبد الله بن كامل، وتلقطوا بقايا الشيعة يمثلون بهم كل مثلة، ويقتلونهم شر قتلة، حتى طهر الله من عبد الله بن الزبير البلاد وأراح من أخيه مصعب العباد، فقتلهما عبد الملك بن مروان، * (كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) * بعد ما حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وأراد إحراقه، ونفى عبد الله بن العباس، وأكثر إهراقه..".
وحكت هذه الكلمات ثورة القائد الملهم العظيم المختار بن يوسف الثقفي الذي طهر الأرض من أرجاس الخونة المجرمين، قتلة سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد طاردهم، وقتلهم تحت كل حجر ومدر، وقد بليت الأمة بعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب، فقد استوليا على (الحجاز) و(العراق)، وأبادا بصورة جماعية شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، وفي طليعتهم حاكم (العراق) المختار وجماعته من عيون المؤمنين والصالحين، ولكن لم يستقم الأمر لمصعب وأخيه فقد قتلهما الطاغية عبد الملك بن مروان، فأراح الله البلاد والعباد منهما. ويلقى الخوارزمي نظرة على شيعة أهل البيت في أيام عبد الملك بن مروان وغيره من ملوك الأمويين، فيقول:
"فلما خلت البلاد لآل مروان سلطوا الحجاج على الحجازيين ثم على العراقيين، فتلعب بالهاشميين، وأخاف الفاطميين، وقتل شيعة علي، ومحا آثار بيت النبوة، وجرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي، واتصل البلاء مدة ملك المروانية إلى الأيام العباسية، حتى إذا أراد الله أن يختم مدتهم بأكثر آثامهم، ويجعل أعظم ذنوبهم في آخر أيامهم بعث على بقية الحق المهمل، والدين المعطل زيد بن علي فخذله منافقو أهل (العراق)، وقتله أحزاب أهل (الشام)، وقتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي، ومعاوية بن إسحاق الأنصاري وجماعة ممن شايعه، وتابعه، وحتى من زوجه وأدناه وحتى ما كلمه وماشاه..".
عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى حكم المروانيين، وتسلطهم على رقاب المسلمين، فكان من جرائمهم ومخازيهم أن سلطوا الإرهابي المجرم الحجاج بن يوسف الثقفي على رقاب المسلمين فأمعن في قتل الأخيار والمصلحين، وتتبع شيعة العلويين فأبادهم، ومحا آثار أهل البيت، وقد ضاق الأمر بالشيعة حتى قام الشهيد الخالد زيد بن علي ففجر ثورته الكبرى التي أعلن فيها حقوق الإنسان، وتحرير إرادة المسلم، ومن المؤسف أن أهل (الكوفة) خانوا به وخذلوه حتى استشهد سلام الله عليه، فتتبع الأمويون شيعته ومناصريه فأبادوهم إبادة شاملة، ويعرض الخوارزمي بعد ذلك إلى زوال حكم الأمويين وتشكيل الدولة العباسية وما عاناه الشيعة والعلويون من صنوف الارهاق، فيقول:
"فلما انتهكوا ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الإثم العظيم غضب الله عليهم، وانتزع الملك منهم، فبعث عليهم أبا مجرم - لا أبا مسلم - فنظر لا نظر الله إليه إلى صلابة العلوية، وإلى لين العباسية، فترك تقاه، واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، وافتتح عمله بقتل عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسلط طواغيت (خراسان) وخوارج (سجستان) وأكراد (أصفهان) على آل أبي طالب يقتلهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبهم في كل سهل وجبل، حتى سلط عليه أحب الناس إليه فقتله كما قتل الناس في طاعته وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه، وأن ركب ما لا يهواه، وحلت من الدوانيقي الدنيا، فخبط فيها عسفا، وتقضى فيها جورا وحيفا، إلى أن مات، وقد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة، ومعدن الطيب والطهارة، قد تتبع غائبهم، وتلقط حاضرهم، حتى قتل عبد الله ابن محمد بن عبد الله الحسني (بالسند) على يد عمر بن هشام التغلبي، فما ظنك بمن قرب متناولة عليه، ولان مسه على يديه؟ وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم فقد عرفتم ما توجه على الحسين بن علي بـ (فخ) من موسى، وما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون، وما جرى على أحمد بن علي الزيدي، وعلى القاسم بن علي الحسني من حبسه وعلى ابن غسان حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله، والجملة أن هارون مات وقد حصد شجرة النبوة، واقتلع غرس الإمامة وأنتم أصلحكم الله أعظم نصيبا في الدين من الأعمش فقد شتموه، ومن شريك فقد عزلوه، ومن هشام بن الحكم فقد أخافوه، ومن علي بن يقطين فقد اتهموه..".
وحكى هذا المقطع المآسي والنكبات التي جرت على السادة العلويين وعلى شيعتهم في عهد العباسيين فقد أسرفوا في ظلمهم وأمعنوا في قتلهم، وفعلوا بهم ما لم تفعلهم بهم عتاة بني أمية، وقد ذكر الخوارزمي قائمة بأسماء السادة العلويين الذي قتلهم أبو مسلم الخراساني الذي انتقم الله منه، فقد أذاقه المنصور الكأس التي سقى به مئات الآلاف من المسلمين، وخصوصا السادة العلويين، وأعظم ما جرى على العلويين في عهد المنصور الدوانيقي فقد أسرف هذا الطاغية في قتلهم، فقد انمحت من نفسه جميع أفانين المروة والشرف، ولم يرع أي حق لرسول الله صلى الله عليه في ذريته وبنيه، فقد طاردهم وتتبعهم تحت كل حجر ومدر فمن عثر عليه قتله أو أودعه في ظلمات السجون، ولما هلك هذا الطاغية كانت زنزانة سجونه مليئة بالأبرياء من السادة وشيعتهم واستمر الظلم على العلويين من أبناء المنصور وأحفاده، وكان من أقسى ما لاقوه وعانوه في عهد الطاغية هارون، فقد أباد أبناء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قتلا وتنكيلا واعتدى على سيد العترة في عصره الإمام الأعظم موسى ين جعفر (عليه السلام) فأودعه حفنة من السنين في سجونه، ثم اغتاله بالسم، ويستمر الخوارزمي في ذكر ما جرى على العلويين وشيعتهم من الظلم، فيقول:
"فأما في الصدر الأول فقد قتل زيد بن صوحان العبدي، وعوقب عثمان بن حنيف الأنصاري، وخفي حارثة بن قدامة السعدي، وجندب بن زهير الأزدي، وشريح بن هانئ المرادي، ومالك بن كعب الأرجي، ومعقل بن قيس الرياحي، والحارث الأعور الهمداني، وأبو الطفيل الكناني، وما فيهم إلا من خر على وجهه قتيلا أو عاش في بيته ذليلا، يسمع شتمة الوصي فلا ينكر، ويرى قتلة الأوصياء وأولادهم فلا يغير، ولا يخفى عليكم حرج عامتهم وحيرتهم كجابر الجعفي، وكرشيد الهجري، وكزرارة بن أعين وكفلان وأبي فلان ليس إلا أنهم رحمهم الله كانوا يتولون أولياء الله، ويتبرأون من أعدائه، وكفى به جرما عظيما عندهم وعيبا كبيرا بينهم...".
وحكت هذه الكلمات ما عاناه أعلام الشيعة من صنوف القتل والاضطهاد في أيام الحكم الأموي الأسود، وذلك لولائهم لأهل البيت (عليهم السلام) الذين فرض الله مودتهم على جميع المسلمين... ويعرج الخوارزمي بعد ذلك إلى ما جرى على الشيعة من الخطوب والظلم أيام الحكم العباسي الذي هو أشد قسوة من الحكم الأموي، فيقول:
"وقل في بني العباس فإنك ستجد بحمد الله تعالى مقالا، وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالا.
يجيء فيئهم فيفرق على الديلمي والتركي، ويحمل إلى المغربي والفرغابي ويموت إمام من أئمة الهدى، وسيد من سادات بني المصطفى، فلا تتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت (ضراط) لهم أو لاعب أو مسخرة أو ضارب، فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة، ويسلم فيهم من يعرفونه دهريا أو سوفسطائيا ولا يتعرضون لمن يدرس كتابا فلسفيا ومانويا، ويقتلون من عرفوه شيعيا، ويسفكون دم من سمى ابنه (عليا)، ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن خنيس قتيل داود ابن علي، ولو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحا لا يبرأ وثائرة لا تطفأ، وصدعا لا يلتئم، وجرحا لا يلتحم، وكفاهم أن شعراء قريش قالوا: في الجاهلية أشعارا يهجون بها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم ودونت أخبارهم ورواها الرواة مثل الواقدي ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي والشرقي بن القطامي، والهيثم ابن عدي، وداب بن الكناني.
وإن بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوصي وفي ذكر معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) فيقطع لسانه، ويمزق ديوانه كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي، وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي، وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري، وكما دمر على دعبل بن علي الخزاعي، مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن علي بن الجهم الشامي ليس إلا لغلوهما في النصب واستيجابها مقت الرب، حتى أن هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان - لا على الرحمن - كانا لا يعطيان مالا، ولا يبذلان نوالا إلا لمن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل عبد الله بن مصعب الزبيري، ووهب بن وهب البختري، ومن الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي ومن الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي، فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري، وأبي السمط بن أبي الجون الأموي وابن أبي الشوارب العبشمي..".
عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى المحن الشاقة والعسيرة التي واجهتها شيعة أهل البيت في عهد الحكم العباسي الذي أمعن في إرهاقهم واضطهادهم، وذكر الخوارزمي كوكبة من أعلام الشيعة الذين أعدموا وسجنوا لا لذنب اقترفوه وإنما لولائهم لعترة نبيهم (صلى الله عليه وآله)، كما ذكر الخوارزمي بعض. الإجراءات الظالمة التي عملتها للقضاء على ذكر أهل البيت والتي منها أن من يمدحهم ويذكر مآثرهم ومناقبهم يتعرض للقتل والسجن، ومن يهجوهم ويشتمهم تكرمه السلطة وتغدق عليه بالمال والثراء العريض، ومن بنود هذه الوثيقة التي كشفت الغطاء عن المآسي الفظيعة التي عاناها العلويون وشيعتهم قوله: "ونحن أرشدكم الله قد تمسكنا بالعروة الوثقى، وآثرنا الدين على الدنيا، وليس يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا، ولن يحل لنا عقدة نقصان من نقص منا، فإن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ، كلمة من الله ووصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، ومع اليوم غد، ومع السبت أحد، قال عمار بن ياسر: رضي الله عنه يوم (صفين): لو ضربونا حتى نبلغ سعفات (هجر) لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل، ولقد هرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم هزم، ولقد تأخر أمر الإسلام ثم تقدم * (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * ولولا محنة المؤمنين وقلتهم ودولة الكافرين وكثرتهم لما امتلأت جهنم، حتى تقول: هل من مزيد ولما قال الله تعالى: * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * ولما تبين الجزوع من الصبور، ولا عرف الشكور من الكفور، ولما استحق المطيع الأجر، ولا أحتقب العاصي الوزر، فإن أصابتنا نكبة فذلك ما قد تعودناه، وإن رجعت لنا دولة فذلك ما قد انتظرناه، وعندنا بحمد الله تعالى لكل حالة آلة، ولكل مقام مقالة، فعند المحن الصبر، وعند النعم الشكر، ولقد شتم أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر ألف شهر، فما شككنا في وصيته، وكذب محمد (صلى الله عليه وآله) بضع عشرة سنة، فما اتهمناه في نبوته، وعاش إبليس مدة تزيد على المدد، فلم نرقب في لعنته، وابتلينا بفترة الحق، ونحن مستيقنون بدولته، ودفعنا إلى قتل الإمام بعد الإمام والرضا بعد الرضا، ولا مرية عندنا في صحة إمامته، وكان وعد الله مفعولا، وكان أمر الله قدرا مقدورا، كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، ولتعلمن نبأه بعد حين..".
وحكت هذه الكلمات صمود الشيعة، وعدم اكتراثها بالضربات القاسية والموجعة التي تلقتها من الإرهابيين والمجرمين من أعداء أهل البيت، فلم تنثن عن ولائها للإمام أمير المؤمنين وأبنائه الأئمة الطاهرين، دعاة العدل الاجتماعي في الإسلام، وقد أثبتت الشيعة في مواقفها الصلبة أيام الحكم الأموي والحكم العباسي أنها من أصلب المدافعين عن الإسلام، والمناهضين للجور والطغيان، فقد رفعت راية الإسلام عالية خفاقة، ولم تحفل بالكوارث والخطوب التي صبها عليهم أولئك اللصوص من حكام الأمويين والعباسيين... ويستمر الخوارزمي في رسالته، فيقول:
"اعلموا رحمكم الله أن بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن، وأتباع الطاغوت والشيطان، جهدوا في دفن محاسن الوصي، واستأجروا من كذب في الأحاديث على النبي (صلى الله عليه وآله)، وحولوا الجوار إلى بيت المقدس عن المدينة، والخلافة - زعموا - إلى (دمشق) عن (الكوفة)، وبذلوا في طمس هذا الأمر الأموال وقلدوا عليه الأعمال واصطنعوا فيه الرجال فما قدروا على دفن حديث من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا على تحريف آية من كتاب الله، ولا على دس أحد من أعداء الله في أولياء الله، ولقد كان ينادي على رؤوسهم بفضائل العترة، ويبكت بعضهم بعضا بالدليل والحجة، لا تنفع في ذلك هيبته - أي هيبة السلطان - ولا يمنع منه رغبة، ولا رهبة، والحق عزيز، وإن استذل أهله، وكثير وإن قل حزبه، والباطل ذليل، وإن رصع بالشبهة، وقبيح، وإن غطى وجهه بكل مليح، قال عبد الرحمن بن الحكم وهو من أنفس بني أمية:
سمية أمسى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل
وقال غيره:
لعن الله من يسب عليا * وحسينا من سوقة وإمام
وقال أبو دهبل الجمحي في سمة سلطان بني أمية وولاية آل بني سفيان:
تبيت السكارى من أمية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وقال سليمان بن قتة:
وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلت
وقال الكميت بن زيد: وهو جار خالد بن عبد الله القسري:
فقل لبني أمية حيث حلوا * وإن خفت المهند والقطيعا
أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بحوركم أجيعا
عرض الخوارزمي في هذه المقطع إلى ما بذله الأمويون من جهود جبارة لطمس فضائل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد سخروا جميع إمكانياتهم الاقتصادية والسياسية والإعلامية لمحو ذكر العترة الطاهرة، وستر مناقبهم ومآثرهم، فلم يفلحوا، فقد برزت فضائلهم كأسمى صورة عرفتها الإنسانية في جميع مراحل تاريخها، كما ظهرت للعيان صور اللصوص وقطاع الطرق من أعدائهم الذين نهبوا أموال المسلمين، وأنفقوها على شهواتهم ورغباتهم، وأرغموا المسلمين على ما يكرهون... ويقول الخوارزمي في رسالته"ما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق، وإن كرهوا، وبتفضيل من نقصوه، وقتلوه، قال منصور بن الزبرقان على بساط هارون:
آل النبي ومن يحبهم * يتطامنون مخافة القتل
أمن النصارى واليهود وهم * من أمة التوحيد في أزل(٢٠٥)
وقال دعبل بن علي وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم(٢٠٦)
ألم تر أني من ثمانين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
وقال علي بن العباس الرومي وهو مولى المعتصم:
لكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج
وقال إبراهيم بن العباس الصولي، وهو كاتب القوم وعاملهم في الرضا لما قربه المأمون:
يمن عليكم بأموالكم * وتعطون من مائة واحدا
وحكت هذه الكلمات ما أعلنه شعراء الشيعة بتفضيل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه الأئمة الطاهرين على العباسيين وغيرهم، وقد أعلنوا ذلك في أحرج الظروف وأقساها فقد كان النطع والسيف هو المصير لمن يذكر الأئمة الطاهرين بخير إلا أن أولئك الأبطال لم يحفلوا بما عانوه من القتل والتشريد في سبيل كملة الحق ويستمر الخوارزمي في رسالته فيقول:
"وكيف لا ينتقصون - أي الشعراء - قوما يقتلون بني عمهم جوعا وسغبا ويملأون ديار الترك والديلم فضة وذهبا يستنصرون المغربي والفرغاني ويجفون المهاجري والأنصاري ويولون أنباط السواد وزاراتهم وقلف العجم والطماطم قيادتهم ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم وفيء جدهم يشتهي العلوي الأكلة فيحرمها ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها وخراج مصر والأهواز وصدقات الحرمين والحجاز تصرف إلى ابن أبي مريم المديني وإلى إبراهيم الموصلي وابن جامع السهمي وإلى زلزل الضارب وبرصوما الزامر واقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد وجارى بغا التركي والأفشين الأشروسني كفاية أمة ذات عدد والمتوكل يتسرى باثني عشر ألف سرية والسيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية أو سندية وصفوة مال الخراج مقصور على أرزاق الصفاعنة وعلى موائد المخانثة وعلى طعمة الكلابين ورسوم القرادين وعلى مخارق وعلوية المغني، وعلى زرزر وعمر بن بانة الملهي ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة ويصارفونه على دانق وحبة ويشترون العوادة بالبدر ويجرون لها ما يفي برزق عسكر والقوم الذين أحل لهم الخمس وحرمت عليهم الصدقة وفرضت لهم الكرامة والمحبة يتكففون ضرا ويهلكون فقرا ويرهن أحدهم سيفه ويبيع ثوبه وينظر إلى فيئه بعين مريضة ويتشدد على دهره بنفس ضعيفة ليس له ذنب إلا أن جده النبي وأباه الوصي وأمه فاطمة وجدته خديجة ومذهبه الإيمان وإمامه القرآن..."
وحفلت هذه القطعة ببعض المآسي التي عاناها العلويون والتي منها فرض الحصار الاقتصادي عليهم من قبل الطغمة العباسية فقد منعوهم من أبسط حقوقهم وضيقوا عليهم غاية التضييق حتى لم يجد العلوي ثوبا يستر بدنه ولا طعاما يسد رمقه في حين أن أموال الدولة تصرف على المغنين والعابثين والماجنين وقد ذكر الخوارزمي قائمة بأسمائهم وقد أنفقت الحكومات العباسية عليهم الملايين من الأموال وتركت الشعوب الإسلامية ترزح تحت كابوس الفقر والحرمان ومن ينود هذه الرسالة ما يلي:
"ولقد كانت في بني أمية مخازي تذكر، ومعايب تؤثر كان معاوية قاتل الصحابة والتابعين وأمه آكلة الشهداء الطاهرين وابنه يزيد القرود مربي الفهود وهادم الكعبة ومنهب المدينة وقاتل العترة وصاحب يوم الحرة وكان مروان الوزغ ابن الوزغ لعن النبي (صلى الله عليه وآله) أباه وهو في صلبه فلحقته لعنة الله ربه وكان عبد الملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض وشملت وهي توليته الحجاج بن يوسف الثقفي فاتك العباد وقاتل العباد ومبيد الأوتاد ومخرب البلاد وخبيث أمة محمد الذين جاءت به النذر وورد فيه الأثر وكان الوليد جبار بني أمية وولي الحجاج على المشرق وقرة بن شريك على المغرب وإن سليمان صاحب البطن الذي قتله بطنه ومات بشما وتخمة وكان يزيد صاحب سلامة وحبابة الذي نسخ الجهاد بالخمر وقصر أيام خلافته على العود والزمر وأول من أغلى سعر المغنيات وأعلن بالفاحشات وماذا أقول فيمن أعرق فيه مروان من جانب ويزيد بن معاوية من جانب فهو ملعون بين ملعونين وعريق في الكفر بين كافرين وكان هشام قاتل زيد بن علي مولى يوسف بن عمر الثقفي وكان الوليد بن يزيد خليع بني مروان الكافر بالرحمن الممزق بالسهام القرآن وأول من قال الشعر في نفي الإيمان وجاهر بالفسوق والعصيان...".
عرض الخوارزمي في هذا المقطع حال ملوك الأمويين وما آثر عنهم من المخازي التي سودوا بها وجه التاريخ وقد عانت الأمة في ظلال حكمهم الأسود من الخطوب والكوارث فقد نهبوا الاقتصاد وصادروا حريات الناس واستعملوا عليهم ذئاب البشرية أمثال المجرم الإرهابي الحجاج بن يوسف الثقفي وأمثاله من القساة المجرمين فأحالوا الحياة إلى جحيم فقد أشاعوا الظلم والفساد بين الناس ولنستمع إلى الفصل الأخير من هذه الرسالة يقول فيها:
"وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها ومع قبحها وشنعتها صغيرة وقليلة في جنب مسالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين وفرقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين هؤلاء أرشدكم الله الأئمة المهديون الراشدون الذين قضوا بالحق وبه يعدلون بذلك يقف خطيب جمعتهم وبذلك تقوم صلاة جماعتهم".
وأعرب الخوارزمي في هذه الكلمات عن مثالب بني العباس وأنها أفظع بكثير من موبقات بني أمية وجرائمهم فقد أنفق العباسيون أموال الأمة على شهواتهم وملاذهم ولياليهم الحمراء في حين أن الغالبية الساحقة من الشعوب الإسلامية قد نهشها الجوع والبؤس والحرمان ومن الغريب أن تضفي الألقاب الكريمة والنعوت الحسنة على أولئك الملوك فيقال عنهم إنهم أئمة مهديون يقضون بالحق وبه يعدلون.
وبهذا ينتهي بنا المطاف في الحديث عن هذه الرسالة التي هي من أوثق البنود السياسية قد حكت بصورة صادقة وموضوعية ما عاناه السادة العلويون وشيعتهم من المآسي والكوارث المدمرة من حكام الأمويين والعباسيين وهي تلقي الأضواء على السبب في اختفاء الإمام المنتظر (عليه السلام) وحجبه عن الناس وفيما أحسب أن من الأسباب الرئيسية التي دعت إلى فرض الإقامة الجبرية على الإمامين الزكيين الإمام علي الهادي ونجله الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في (سامراء) وإحطاتهما بقوى مكثفة من الأمن رجالا ونساء هي التعرف على ولادة الإمام المنتظر لإلقاء القبض عليه وتصفيته جسديا فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعا ما تواترت به الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أوصيائه الأئمة الطاهرين أن الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه هو الذي يقيم العدل وينشر الحق ويشيع الأمن والرخاء بين الناس وهو الذي يقضي على جميع أفانين الظلم ويزيل حكم الظالمين فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجده وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (عليه السلام) وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظن أو يشتبه في حملهن كما ذكرنا ذلك بصورة مفصلة في البحوث السابقة فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام (عليه السلام) وعدم ظهوره للناس وقد علل بذلك في حديث زرارة فقد روى أن الإمام (عليه السلام) قال: إن للقائم غيبة قبل ظهوره فبادر زرارة قائلا لم؟ فقال (عليه السلام): يخاف القتل(٢٠٧).
ويقول الشيخ الطوسي: "لا علة تمنع من ظهور المهدي إلا خوفه على نفسه من القتل لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار(٢٠٨).
مناقشة الخنيزي:
وناقش أبو الحسن الخنيزي في سبب اختفاء الإمام (عليه السلام) خوفه من القتل قال أما دعوى أن الإمام المهدي ممتنع من الخروج خوفا من الأعداء فهي من الخيالات المنافية أو المخيلات والوهميات المثارة من الحدة حال الجدال(٢٠٩).
وهذا الرأي ليس بوثيق لأن السلطة العباسية لو ظفرت به لقتلته كما قتلت آباءه الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فقد فرضت الرقابة الشديدة والمكثفة على بيت أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد وفاته لإلقاء القبض عليه وقتله فقد حجبه الله تعالى وأخفاه عن العباسيين حفاظا على حياته وبقائه ليقيم العدل وينشر الحق ويبسط الأمن في الأرض في وقت يحدده الله تعالى وليس للإنسان رأي أو اختيار في ذلك.
٢ - الامتحان والاختبار:
وثمة سبب آخر علل به غيبة الإمام (عليه السلام) وهو امتحان العباد واختبارهم وتمحيصهم فقد أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "أما والله ليغيبن إمامكم شيئا من دهركم ولتمحصن حتى يقال: مات أو هلك بأي واد سلك ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السنن في أمواج البحر فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه(٢١٠) لقد جرت سنة الله في عباده امتحانهم وابتلاؤهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون قال تعالى: * (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * وقال تعالى * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * وغيبة الإمام (عليه السلام) من موارد الامتحان فلا يؤمن بها إلا من خلص إيمانه وصفت نفسه وصدق بما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الهداة المهديين من حجبه عن الناس وغيبته مدة غير محددة أو أن ظهوره بيد الله تعالى وليس لأحد من الخلق رأي في ذلك وإن مثله كمثل الساعة فإنها آتية لا ريب فيها.
٣ - الغيبة من أسرار الله:
وعللت غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) بأنها من أسرار الله تعالى التي لم يطلع عليها أحد من الخلق فقد أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
"إنما مثل قائمنا أهل البيت كمثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات لا يأتيكم إلا بغتة"(٢١١).
وأثر عن الإمام المهدي (عليه السلام) أنه قال لبعض شيعته "اغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا ما قد كفيتم وأكثروا من الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم والسلام على من اتبع الهدى"(٢١٢).
ويقول الشيخ مقداد السيوري: "كان الاختفاء لحكمة استأثر بها الله تعالى في علم الغيب عنده(٢١٣).
٤ - عدم بيعته لظالم
ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام (عليه السلام) أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم وقد أثر ذلك عن الإمام الرضا (عليه السلام) فقد روي الحسن بن علي بن فضال عن أبيه أن الإمام الرضا قال: "كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه فقال له:
"ولم ذاك يا بن رسول الله؟...".
قال (عليه السلام) لأن إمامهم يغيب عنهم.."
ولم؟...".
لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف"(٢١٤)
وأعلن الإمام المنتظر (عليه السلام) ذلك بقوله: إنه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلا وأوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي(٢١٥).
هذه بعض الأسباب التي عللت بها غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) وأكبر الظن أن الله تعالى قد أخفى ظهور وليه المصلح العظيم لأسباب لا نعلمها إلا بعد ظهوره.
تساؤلات:
وأثيرت بعض الشكوك والأوهام عن غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) كان منها ما يلي:
١ - ما الفائدة في غيابه؟
وكثر الحديث عن الفائدة في غياب الإمام (عليه السلام) وطعن بعض من لا حريجة له في ذلك، وقال: إن وجوده وعدمه في حال الغيبة سواء، وتصدى المتكلمون من الشيعة إلى تفنيد ذلك، وأعلنوا كوكبة من الفوائد التي تترتب على غيابه وهي:
أولا: إن وجود الحجة وإن كان محجوبا عن الأبصار إلا أنه أمان لأهل الأرض كما صرحت بذلك طائفة من الأخبار منها:
أ - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض"(٢١٦).
ب - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر أميرا من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها.."(٢١٧).
ج - قال الإمام المؤمنين (عليه السلام): "اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله...".
إلى غير ذلك من الأخبار الناطقة بأن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) أمان لأهل الأرض، وإن لهم عائدة كبرى على المسلمين بدفع البلاء عنهم، ورفع ما ألم بهم من مكروه، والإمام المهدي (عليه السلام) في وجوده وغيابه مصدر خير ورحمة إلى الناس.
ثانيا: إن غيابه عن الأبصار يستند إلى عدم صلاح المسلمين وشيوع الفساد في صفوفهم، ولو كانوا صالحين غير منحرفين عن الحق لظهر (عليه السلام)، وقد أشار إلى الوجه الأول والثاني المحقق الطوسي رحمه الله، قال: "وجوده - أي الإمام المنتظر - لطف، وتصرفه لطف آخر"(٢١٨).
ثالثا: إن الإمام (عليه السلام) في حال غيابه يرعى شيعته، ويمدهم بدعائه الذي لا يحجب، ولولا دعاؤه لهم لما أبقى منهم الظالمون أحدا يتنفس الصعداء وقد أعلن الإمام المنتظر ذلك في إحدى رسائله للشيخ المفيد، فقد قال (عليه السلام): إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء..".
رابعا: إن الإمام المنتظر (عليه السلام) أعرب عن الفائدة من غيابه عن الأبصار، قال (عليه السلام): "وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالشمس إذا غيبتها الأبصار"وقد سأل سليمان الأعمش بن مهران الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له:
كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ فأجابه الإمام: "كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب"، وأفاد العلامة المجلسي في توجيه الحديث وجوها وهي:
أولا: إن نور الوجود والعلم والهداية تصل إلى الخلق بتوسطه (عليه السلام) إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم، والاستشفاع بهم والتوسل إليهم تظهر العلوم والمعارف على الخلق، ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالى: * (ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * ولقد جربنا مرارا لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور واعضال المسائل، والبعد عن جناب الحق تعالى، وانسداد أبواب الفيض لما استشفعنا بهم، وتوسلنا بأنوارهم فيقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تتكشف تلك الأمور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان، وقد مضى توضيح ذلك في (كتاب الإمامة).
ثانيا: كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته (عليه السلام) ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان.
ثالثا: إن منكر وجوده (عليه السلام) كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب.
رابعا: إن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته (عليه السلام) أصلح لهم في تلك الأزمان.
خامسا: إن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب وربما عمى بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها فكذلك شمس ذاته المقدسة ربما يكون ظهوره أضر لبصائرهم، يكون سببا لعميهم عن الحق، وتقوى بصائر الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرر بذلك.
سادسا: إن الشمس قد تخرج من السحاب، وينظر إليها واحد دون واحد كذلك يمكن أن يظهر (عليه السلام) في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
سابعا: إنهم كالشمس في عموم النفع وإنما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسر في الأخبار قوله تعالى: * (من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) * .
ثامنا: إن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع عنها فكذلك الخلق إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون من الموانع عن حواسهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب، فقد فتحت لك من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب.."(٢١٩).
خامسا: إن الفائدة والحكمة من غيابه مجهولة لدينا كما صرحت بذلك بعض الأخبار، فقد روى عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الإمام الصادق (عليه السلام) يقول:
"إن لصاحب هذه الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل..".
وطفق عبد الله قائلا:
"لم جعلت فداك؟..".
فقال (عليه السلام): "الأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم..".
وسارع عبد الله قائلا:
"ما وجه الحكمة في غيبته؟..".
فأجابه الإمام (عليه السلام).
"وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيابه من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره..".
إن وجه الحكمة لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى إلا وقت افتراقهما.
يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله، وسر من سر الله عز وجل وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم، صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا(٢٢٠).
هذه بعض الأسباب التي ذكرت عن الفائدة في غيابه، وعدم مشاهدة الناس له.
٢ - امتداد عمره:
وكثر التساؤل عن امتداد عمر الإمام (عليه السلام)، وكيف عاش هذه المدة الطويلة التي تزيد على ألف ومائة وخمسين عاما، ولا يخضع لأعراض الشيخوخة والهرم الذي هو ظاهرة طبيعية للإنسان، فإن أنسجة جسمه وخلاياه تتصلب بالتدريج، وكلما امتد عمر الإنسان فإنها لا بد أن تتعطل وذلك لصراعها مع الميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلى جسم الإنسان من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف أو غيره الأمر الذي يؤدي إلى مفارقة الحياة، للجواب عن هذا السؤال، نقول:
أولا: إن إطالة عمر الإنسان أمر ممكن عقلا، وليس مستحيلا ككون الشيء في آن واحد فردا وزوجا، فلنفرضه كصعود الإنسان إلى القمر أو إلى أي كوكب آخر فإنه ممكن عقلا وقد تحقق ذلك بعد أن تهيأت الأسباب الطبيعية له، فإطالة عمر الإمام المهدي (عليه السلام) أمر ممكن علميا وخارجيا، وذلك بمشيئة الله تعالى بعزله للأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن المؤثرات الخارجية التي تسبب هرم الجسم وفناءه، وقد تحقق ذلك في العالم الخارجي، فإن نبي الله تعالى نوح (عليه السلام) قد مكث في قومه ألف عام إلا خمسين سنة حسب ما نص عليه القرآن الكريم، فلماذا نقبل ونؤمن بإطالة عمر نوح ولا نؤمن بإطالة عمر الإمام المنتظر (عليه السلام) وكل منهما موكل بالإصلاح الاجتماعي بين الناس؟.
ثانيا: إنا لو سلمنا مجاراة أن إطالة عمر الإنسان مئات السنين وآلاف السنين أمر غير ممكن عقلا لأن فيه تعطيلا للقوانين الطبيعية التي تقضي بهرم الإنسان وفنائه إلا أن ذلك أمر ممكن بالنسبة إليه تعالى وحده فقد جعل النار التي هي علة تامة للإحراق بردا وسلاما على خليله ونبيه إبراهيم، قال تعالى: (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم)(٢٢١) وكذلك فلق تعالى البحر لنبيه موسى (عليه السلام) وأنقذه مع المؤمنين من قومه من الغرق، وأغرق فرعون وجنوده، أليس في ذلك تعطيلا للقوانين الطبيعية؟ فلتكن قوانين الشيخوخة من هذا القبيل.
إن عناية الله تعالى تتدخل لتجميد القوانين الطبيعية وإلغاء تأثيرها لإنقاذ أوليائه وأنبيائه فقد خرج محمد (صلى الله عليه وآله) من داره حينما أحاطت به قريش لتصفيته جسديا فستر الله عيونهم عن رؤيته وجعل عليها غشاوة، وكان يمشي بينهم، وهم لا يبصرونه.
٣ - لماذا هذا العمر المديد؟
وثمة سؤال آخر طرح على ساحة هذا الموضوع، وهو: لماذا هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للإمام المنتظر (عليه السلام)؟ ولم لا يكون عمره كعمر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمر آبائه الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)؟.
والجواب عن ذلك هو أن الله تعالى قد خص الإمام المنتظر (عليه السلام) بإصلاح العالم بأسره، وأوكل إليه إنقاذ الإنسان من التيارات المظلمة التي تعصف بحياته، وتجعله في متاهات سحيقة في مجاهل هذه الحياة، فالإمام المنتظر (عليه السلام) آخر مصلح اجتماعي.
فلا بد أن تمر الأدوار المظلمة التي عانى منها الإنسان الخطوب والمآسي، ليكون هو الفصل الأخير الذي يفجر النور ويملأ الأرض عدلا وقسطا.
إن الإمام المنتظر (عليه السلام) هو العملاق الذي يغير مجرى تاريخ الحياة، ويقيمها على أساس مزدهر من الحضارة الكبرى التي تعقب الحضارات التي تسود العالم والتي هي مليئة بالظلم والجور، فلا بد له من العمر المديد ليطلع على الدنيا بأسرها ويقف على أوجهها المختلفة ليقوم بالإصلاح الشامل لجميع جوانب الحياة.
٤ - لماذا لم يظهر؟
من الأسئلة التي طرحت حول غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) هي أنه لماذا لم يظهر، ويقيم حكم الله تعالى في الأرض، وينقذ الإنسان من المحن والخطوب التي غرق فيها؟ والجواب عن ذلك أن أمر ظهوره لم يكن خاضعا لإرادة الإنسان ومشيئته ورغباته، وإنما هو بيد الله تعالى، فقد أرسل الله تعالى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى العالم بعد مرور خمسة قرون من الجاهلية، وذلك بعد أن تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاح عملية التغيير الاجتماعي الذي قام به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وقبل ذلك لم تتوفر الشروط لبعثه، وكذلك قيام الإمام المهدي (عليه السلام) بعملية التغيير للأنظمة الاجتماعية القائمة في عصره وتبديلها بالأنظمة الندية الخلاقة التي يسعد في ظلالها الإنسان فإنها تتطلب مناخا شاملا لجميع أنحاء الأرض، حتى يتمكن صلوات الله عليه بتنفيذ ذلك(٢٢٢).
٥ - كيف يمكن قيام الإمام بالإصلاح العالمي؟
من المسائل التي أثيرت حول الإمام المنتظر (عليه السلام) أنه كيف يقوم فرد واحد بالإصلاح العالمي، ويغير منهج الحياة العامة المليئة بالظلم والطغيان إلى نظام آمن مستقر، تصان فيه جميع الحقوق، بحيث لم يعد في ساحة الوجود ظالم ومظلوم، ولا فقير ومحروم، وإنما تشمل السعادة جميع أبناء البشر على اختلاف قومياتهم وأجناسهم وأديانهم، والجواب عن ذلك أن الأنظمة العالمية والأحداث الكبرى التي غيرت منهج الحياة تستند إلى الأفراد من عظماء البشرية لا إلى الجماعة، فالنبي العظيم محمد (صلى الله عليه وآله)، هو الذي رفع رسالة الله عالية خفاقة لا الأعمام ولا الأخوال، وهكذا نبي الله عيسى وموسى وغيرهم من رسل الله ودعاة الاصلاح الاجتماعي، فقد قاموا بدورهم مستقلين لا منظمين بأداء رسالتهم الاصلاحية، وبذلك يتميز دور الفرد لا الجماعة خلاف لما ذهب إليه الماركسيون من إلغاء الفرد في ميدان الاصلاح الشامل، وإنما يستند إلى الجماعة وهذه النظرية ليس لها أي رصيد علمي.
وعلى أي حال فالإمام المهدي (عليه السلام) كجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقوم ببسط الأمن والرخاء في العالم، وينقذ الإنسان من الأزمات والخطوب، وينشر المحبة والالفة بين جميع أبناء البشر، وتحديد وقت ظهوره بيد الله تعالى وليس لأي أحد في ذلك رأي أو اختيار، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض التساؤلات التي أثيرت حول الإمام المنتظر (عليه السلام) وغيبته.
المبشرون بظهوره
وأثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أوصيائه أئمة الهدى (عليهم السلام) كوكبة من الأخبار، وهي تحمل البشرى إلى العالم الإسلامي وسائر أمم العالم بظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) الذي يقيم ما اعوج من نظام الدين، وينقذ الإنسان من شرور الظالمين والمعتدين، ويبسط الأمن والرخاء، ويشيع المودة والألفة بين جميع الناس، وينعدم عنهم الخوف والإرهاب في ظلال حكمه، وفيما يلي بعض تلك الأخبار.
١ - النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
وأثرت عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) جمهرة كبيرة من الأخبار بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وهذه نماذج منها:
١ - روى حذيفة أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا من ولدى اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحا ولا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أي ولدك؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده إلى الحسين"(٢٢٣).
ومعنى هذا الحديث أن خروج الإمام المهدي (عليه السلام) من الأمور الحتمية التي لا بد أن تتحقق على مسرح الحياة فلو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد لخرج فيه الإمام المصلح العظيم.
٢ - روى عبد الله بن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا(٢٢٤).
وحكى هذا الحديث ما يقوم به الإمام المهدي (عليه السلام) من إشاعة الحق ونشر العدل بين الناس وإقصاء الظلم والجور عن الأرض.
٣ - روى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "المهدي من ولدي يكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما"(٢٢٥).
وأعرب هذا الحديث الشريف عن غيبة الإمام (عليه السلام) وأنها تكون مصدر حيرة وذهول لبعض الأمم فيجحدها قوم ويؤمن بها آخرون وأنه إذا ظهر الإمام (عليه السلام) فسيأتي بذخائر الأنبياء والأوصياء ويملأ الأرض عدلا وقسطا.
٤ - روى جابر بن عبد الله الأنصاري إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما(٢٢٦).
وهذا الحديث كالسابق في عطائه ومضمونه وأنه لا بد من ظهور الإمام ليقيم العدل ويحطم الجور.
٥ - روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إن عليا وصيي ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا أن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر فقام إليه جابر بن عبد الله فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال إي وربي ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ثم قال يا جابر إن هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله فإياك والشك فإن الشك في أمر الله عز وجل كفر"(٢٢٧).
وألمع هذا الحديث إلى قلة المؤمنين بالإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته وأنهم قلة نادرة كالكبريت الأحمر وأن غيبته امتحان للعباد وتمحيص لهم فلا يؤمن به إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وهداه إلى الصراط المستقيم.
إن غيبة الإمام (عليه السلام) ووقت ظهوره سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليها أحد من عباده كما أنه من المؤكد أن الشاك فيه أو المنكر لوجوده لا نصيب له من الإسلام حسب ما دل عليه هذا الحديث وغيره.
٦ - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"(٢٢٨).
إن الدنيا لا تذهب ولا تزول حتى يحكم قائم آل محمد (عليه السلام) فينشر العدل ويبسط الأمن والرخاء ويحقق جميع ما جاء به الأنبياء (عليهم السلام) من رفع كلمة التوحيد وتدمير الشرك والإلحاد.
٧ - روى حذيفة بن اليمان قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: "ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة يقتلون ويطردون المسلمين إلا من أظهر طاعتهم فالمؤمن التقى يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يعيد الإسلام عزيزا قصم كل جبار عنيد وهو القادر على ما يشاء أن يصلح الأمة بعد فسادها.
يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي يظهر الإسلام ولا يخلف وعده وهو على وعده قدير"(٢٢٩).
وحكى هذا الحديث ما يحل بالأمة الإسلامية من النكبات والخطوب وما تعانيه من الظلم والجور من ملوكها وإن الله تعالى يلطف بها فيبعث لها المصلح العظيم الإمام (عليه السلام) فينقذها مما هي فيه ويعيد للإسلام كرامته ومجده.
٨ - روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
"ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق بهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جورا وظلما لا يجد المؤمن ملجأ يلتجأ إليه من الظلم فيبعث الله عز وجل رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن الأرض لا تدخر الأرض شيئا من بذرها إلا أخرجته ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع(٢٣٠) تتمنى الإحياء(٢٣١) الأموات مما صنع الله بأهل الأرض من خيره"٤ وألمع هذا الحديث إلى ما ينزل بالمسلمين من البلاء والظلم والجور حتى تضيق بهم الأرض بما رحبت وينقذهم الله بوليه الإمام المنتظر (عليه السلام) فيملأ رحاب الأرض عدلا وقسطا وأمنا ورخاء وتخرج الأرض خيراتها ببركته حتى تعم النعم جميع سكان الأرض.
٩ - روى علي الهلالي عن أبيه قال: "دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شكايته التي قبض فيها فإذا فاطمة (عليها السلام) عند رأسه فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طرفه إليها قال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ فقالت أخشى الضيعة من بعدك فقال: يا حبيبي أما علمت أن الله اطلع على الأرض اطلاعه فاختار منها أباك فبعثه برسالته ثم اطلع اطلاعة فاختار بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه يا فاطمة ونحن أهل البيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحد قبلنا ولا يعطها أحدا بعدنا أنا خاتم النبيين، وأكرمهم على الله وأحب المخلوقين إليه وأنا أبوك ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك ومنا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق - خير منا يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منا مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر كبيرا يبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفة(٢٣٢) يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أوله ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا"(٢٣٣).
وفي هذا الحديث الشريف تسلية من النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بضعته سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة (عليها السلام) عما تعانيه من الأسى الشديد والحزن العميق على فراق أبيها الذي هو عندها أعز من الحياة فقد بشرها بما أعد الله له من الكرامة والفضيلة والمقام العظيم وكذلك لزوجها باب مدينة علم النبي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ولولديها سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام) ثم بشرها بأن المهدي المصلح العظيم (عليه السلام) هو من ذريتها وقد سرت بذلك وانجاب عنها ما ألم بها من فادح الحزن.
١٠ - روى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قلت: "يا رسول الله أمنا آل محمد أم من غيرنا؟، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بل منا بنا يختم الله الدين كما فتح الله بنا، بنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا، كما ألف بنا بين قلوبهم بعد عداوة الشرك وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا"(٢٣٤) وحكى هذا الحديث فضل النبي (صلى الله عليه وآله) وعائدته على هذه الأمة فقد أخرجهم من الضلالة والغواية وهداهم إلى الصراط المستقيم وكذلك يهديهم حفيده وآخر أوصيائه فيخرجهم من الضلالة ويقيم معالم العدل والحق في ربوعهم.
١ - روى جبر بن نوف قال: قلت: لأبي سعيد الخدري"والله ما يأتي علينا عام إلا وهو شر من الماضي ولا أمير إلا وهو شر مما كان قبله فقال أبو سعيد: سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف عندها حتى يملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول الله ثم يبعث عز وجل رجلا مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها(٢٣٥) ويحثو المال حثوا ولا يعده عدا حتى يضرب الإسلام بجرانه"(٢٣٦).
١٢ - روى أبو سعيد الخدري قال: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول على المنبر إن المهدي من عترتي من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان تنزل له السماء قطرها وتخرج له الأرض بذرها فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملأها القوم ظلما وجورا"(٢٣٧).
هذه نماذج يسيرة من الأحاديث النبوية الشريفة المتضافرة والتي روتها العامة والخاصة ودونها الحفاظ من أئمة الحديث وهي تعلن بوضح عن حتمية خروج الإمام المنتظر (عليه السلام) وتبشر العالم الإسلامي بعدله، وبما يقيمه من معالم الحق، وصنوف الأمن والرخاء، بحيث لا تجد الإنسانية له مثيلا في جميع أدوارها.
٢ - أمير المؤمنين (عليه السلام):
وأثرت طائفة كبيرة من الأحاديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، سيد العترة الطاهرة، وهي تعلن خروج الإمام المنتظر (عليه السلام)، كان منها ما يلي:
١ - روى أبو وائل، قال: "نظر علي (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام)، فقال: إن ابني هذا سيدكما سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة الحق، وإظهار الجور، ويفرح لخروجه أهل السماء وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أذيل الفخدين بخده الأيمن شامة، أبلج الثنايا، يملأ الأرض عدلا، كما ملئت ظلما وجورا"(٢٣٨).
حكى هذا الحديث الشريف ما يلي:
١ - إن الإمام المنتظر (عليه السلام) من ذرية أبي الأحرار وسيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسين (عليه السلام).
٢ - إن ظهوره (عليه السلام) يكون بغتة، وبصورة لا يتوقعها الناس.
٣ - إن من أمارات ظهوره إماتة الحق وانتشار الجور.
٤ - وحكى هذا الحديث أوصاف الإمام وملامحه.
٥ - أنه إذا ظهر الإمام فإنه يقيم الحق بجميع رحابه، ويبسط العدل بجميع مفاهيمه.
٢ - خطب الإمام أمير المؤمنين خطبة عرض في بعضها إلى الإمام المنتظر (عليه السلام)، قال: "وليكونن من يخلفني في أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله، قوي يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مكلح، مفصح، يشتد فيه البلاء وينقطع فيه الرجاء، ويقبل فيه الرشاء(٢٣٩).
عرض الإمام (عليه السلام) إلى وقت خروج الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنه يخرج في زمان قد غرق أهله بالبلاء، وعمتهم الخطوب والفتن، وإذا خرج فإن حكمه يبتنى على إقامة أحكام الله تعالى، والسير على منهاج نبيه (صلى الله عليه وآله).
٣ - روى الأصبغ بن نباتة، عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: "المهدي منا في آخر الزمان، لم يكن في أمة من الأمم مهدي، ينتظر غيره"(٢٤٠).
الإمام المهدي (عليه السلام) من دوحة النبوة والإمامة، وليس غيره يقوم بالإصلاح الاجتماعي، ويغير مناهج الأنظمة القاسية التي ترزح في ظلالها الأمم والشعوب.
٤ - روى الإمام الحسين (عليه السلام) أن أباه الإمام أمير المؤمنين، قال له: "التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، والمظهر للدين، والباسط للعدل، فقال له الحسين:
يا أمير المؤمنين إن ذلك لكائن؟.
قال (عليه السلام): أي والذي بعث محمدا بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه"(٢٤١).
وأعرب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عما يقوم به الإمام المنتظر في أيام حكومته من نشر الحق، وبسط العدل وإظهار الإسلام، وأنه لا يظهر إلا بعد غيبة وحيرة فلا يؤمن به إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وزاده هدى.
٥ - قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "سيأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونه، ويملك من هو بينهم غريب، فهو المهدي، أحمر الوجه، بشعره صهوبة عن أمه وأبيه، ويكون عزيزا في مرباه، فيملك بلاد المسلمين بأمان، ويصفو له الزمان، ويسمع كلامه ويطيعه الشيوخ والفتيان، ويملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا، فعند ذلك كملت إمامته، وتقررت خلافته"(٢٤٢).
هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام أمير المؤمنين، وهي تحمل البشرى إلى العالم الإسلامي بظهور منقذه العظيم الذي يحيي الإسلام، ويقيم معالمه.
٣ - الإمام الحسن (عليه السلام):
وأثرت من الإمام الحسن (عليه السلام) كوكبة من الأخبار في شأن الإمام المنتظر كان منها هذا الحديث حينما صالح طاغية زمانه معاوية بن هند، وقد لامه جماعة من شيعته على صلحه، فقال (عليه السلام): "ويحكم ألا تعلمون أني إمامكم، مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا: بلى، قال: أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة، وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا، أما علمتم أنه ما منا إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة النساء يطيل الله في عمره، وفي غيبته، ثم يظهر بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، وذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير"(٢٤٣).
وحكى هذا الحديث الشريف ما يلي:
أولا: ضرورة صلح الإمام (عليه السلام) مع فرعون زمانه معاوية بن أبي سفيان، فقد كان الصلح ضروريا بما تحمله هذه الكلمة من معنى، فإنه لو فتح الإمام الحسن (عليه السلام) الحرب مع معاوية لكانت الغلبة لمعاوية لأن جيش الإمام كان مصابا بالانحلال والتفكك، فقد عاثت به فكرة الخوارج التي حكمت على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمروق من الدين، كما اغتاله ابن ملجم المرادي الذي هو من الأعضاء القياديين لهذه الفكرة الخبيثة، وبالإضافة لذلك فإن الأكثرية الساحقة في الجيش قد سئمت الحرب، وخلدت إلى الراحة، فقد أرهقتهم إلى حد بعيد حروب (الجمل) و(صفين) و(النهروان) وقد انساب قادة الجيش إلى دنيا معاوية، وأعطوه عهدا أنه إن أراد تسليم الإمام الحسن (عليه السلام) سلموه له أسيرا، وقد علم الإمام ذلك، فكيف يفتح باب الحرب مع هذا العدو اللدود للإسلام، ومن المؤكد أنه لو حاربه الإمام، وتغلب معاوية عليه لأعلن الكفر والإلحاد كما أعلن ولد يزيد ذلك، وقد عرضنا بصورة موضوعية إلى إقامة الأدلة على ضرورة الصلح، وأنه أمر لا بد منه في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السلام)).
ثانيا: إن الإمام (عليه السلام) عرض إلى الإمام المنتظر (عليه السلام) يما يلي:
أ - إن الإمام المنتظر (عليه السلام) ليس في عنقه بيعة لظالم من حكام عصره، فقد اختار الله تعالى له بقعة يعيش فيها هو وأبناؤه غير خاضعة لحكام الجور.
ب - إن الإمام (عليه السلام) إذا خرج فإن السيد المسيح (عليه السلام) يصلي خلفه.
ج - إن الله تعالى أخفى ولادة الإمام المنتظر كما بينا ذلك في البحوث السابقة حفظا على حياته من حكام بني العباس كما حجبه عن أعين الناس لتلك الحكمة.
د - إن الله تعالى يطيل عمر وليه، ثم يظهره إلى الناس بصورة شاب، فيقيم الحق والعدل في الأرض.
٤ - الإمام الحسين (عليه السلام):
ونقل الرواة طائفة من الأخبار عن سيد شباب أهل الجنة وأبي الأحرار، الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي تبشر العالم الإسلامي بظهور الإمام المنتظر (عليه السلام).
وهذه بعضها:
١ - قال الإمام الحسين (عليه السلام): "في التاسع من ولدي سنة من يوسف وسنة من موسى، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة"(٢٤٤).
لقد شابه الإمام المنتظر (عليه السلام) نبي الله موسى في خفاء حمله وولادته خوفا عليه من فرعون زمانه، كما ذكرنا ذلك في البحوث السابقة، كما شابه الإمام (عليه السلام) يوسف الصديق في سجنه وحجبه عن الناس.
٢ - قال الإمام الحسين (عليه السلام): "قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة"(٢٤٥).
٣ - قال الإمام الحسين (عليه السلام): "منا اثنا عشر أميرا، أولهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم: التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق يحي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله، ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون ويقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) أما أن الصابرين في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهدين بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)"(٢٤٦).
عرض هذا الحديث الشريف إلى غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام)، وأنها تكون موضع تمحيص واختبار فلا يؤمن بوجوده (عليه السلام) إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، وأنه كالمجاهد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
٤ - قال الإمام الحسين (عليه السلام): "لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي -غيبتان: أحداهما: تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم ذهب ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره"(٢٤٧).
وحكى هذا الحديث غيبة الإمام الصغرى، وغيبته الكبرى، واختلاف الناس فيهما فبين جاحد له، وبين مؤمن به، كما حكى هذا الحديث عن خفاء المكان الذي يقيم فيه الإمام المهدي وأنه لا يعلم به أحد إلا الله.
٥ - الإمام زين العابدين (عليه السلام):
وأثرت عن زين العابدين، وإمام المتقين، الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) كوكبة من الأحاديث وهي تبشر العالم الإسلامي بظهور الإمام المنتظر (عليه السلام)، كان منها ما يلي.
١ - قرأ الإمام زين العابدين الآية الكريمة (ليستخلفنهم في الأرض)، فقال (عليه السلام): "والله هم محبينا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا"(٢٤٨).
٢ - قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): "إن الآية الكريمة (وعد الله الذين آمنوا منكم..) نزلت في القائم المهدي (عليه السلام)"(٢٤٩).
٣ - خطب الإمام زين العابدين (عليه السلام) في بلاط يزيد حينما كان أسيرا فكان من جملة خطابه: "ومنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وسيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة، وسيطا هذه الأمة، والمهدي الذي يقتل الدجال"(٢٥٠).
٤ - قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): "في القائم سنة من سبعة أنبياء سنة من أبينا آدم، وسنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأما من آدم ونوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فالخروج بالسيف"(٢٥١).
هذه بعض الأخبار التي نقلها رواة الأثر عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وهي تدلل على حتمية ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام).
٦ - الإمام الباقر (عليه السلام):
أما ما ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في شأن الإمام المنتظر (عليه السلام) وحتمية ظهوره فطائفة من الأخبار، منها هذا الحديث: روى أبو بصير، قال (عليه السلام): "في صاحب هذا الأمر سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله)، فأما سنته من موسى فخائف يترقب، وأما في يوسف فالسجن والغيبة، وأما من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فالقيام بالسيف، وتبين آثاره، ثم يضع سيفه على عاتقه بيمينه فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل، قال أبو بصير: كيف يعلم أن الله قد رضي؟ قال يلقي في قلبه الرحمة"(٢٥٢).
وذكر الإمام الباقر أسماء الخلفاء الاثني عشر (عليهم السلام) الذين نصبهم النبي أعلاما لأمته ولما بلغ آخرهم قال (عليه السلام) "الثاني عشر الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم"(٢٥٣).
٧ - الإمام الصادق (عليه السلام):
ونقل الرواة طائفة من الأخبار عن الإمام الصادق (عليه السلام) في شأن الإمام المنتظر، وحتمية ظهوره، كان منها ما يلي:
١ - حدث السيد الجليل إسماعيل بن محمد الحميري، شاعر أهل البيت (عليهم السلام)، قال: "كنت أقول: بالغلو، وأعتقد غيبة محمد بن الحنفية، فمن الله علي بالصادق، جعفر بن محمد، (عليهما السلام)، وأنقذني به من النار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صحت عندي الدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي، وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته، وأوجب الاقتداء به، فقلت له: يا بن رسول الله قد رويت لنا أخبار عن آبائك في الغيبة، وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال (عليه السلام): إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم: المهدي القائم بالحق، بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) تبت إلى الله ذكره على يديه، وقلت قصيدتي التي أولها:
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا(٢٥٤)
إن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) أمر مفروغ منه عند أئمة الهدى، وأنه لا بد أن يتحقق على مسرح الحياة ليشيع العدل وينشر الأمن والرخاء بين الناس وتسود كلمة التوحيد في جميع أنحاء الأرض.
٢ - قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له: "يظهر صاحبنا - يعني الإمام المهدي - وهو من صلب هذا وأومأ بيده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) فيملؤها عدلا، كما ملئت جورا وظلما، وتصفو له الدنيا"(٢٥٥).
٣ - قال الإمام الصادق (عليه السلام): "الخلف الصلاح من ولدي، وهو المهدي، اسمه: محمد، وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه:
نرجس، وعلى رأسه غمامة تظله عن الشمس تدور معه حيث ما دار، تنادي بصوت فصيح: هذا المهدي فاتبعوه"(٢٥٦).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث الشريفة نقلها الرواة عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهي تعلن حتمية ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) الذي يقيم الحق، ويزهق الباطل.
٨ - الإمام الكاظم (عليه السلام):
ونص الإمام الكاظم (عليه السلام) على إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه القائم بالحق، فقد روى يونس بن عبد الرحمن، قال: "دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول الله أنت القائم؟ فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم بالحق الذي يطهر الأرض من أعداء الله، ويملؤها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه يرتد فيها أقوام، ويثبت فيها آخرون.. طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، من أعدائنا، أولئك منا، ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة"(٢٥٧).
وحكى هذا الحديث ما يقوم به الإمام المنتظر (عليه السلام) من دور إيجابي وفعال في تطهير الأرض من أعداء الله، وتدمير الظالمين والطاغين، وقد بشر الإمام الكاظم (عليه السلام) المؤمنين بغيبة الإمام، والمنتظرين لخروجه.
٩ - الإمام الرضا (عليه السلام):
وأثرت عن الإمام الرضا (عليه السلام) كوكبة من الأحاديث، وهي تحمل.
البشر للمسلمين بظهور مهدي آل محمد (عليه السلام)، ومن بينها ما يلي:
١ - وفد شاعر أهل البيت، دعبل الخزاعي على الإمام الرضا (عليه السلام) وتلا عليه قصيدته الخالدة التي عرض فيها مصائب أهل البيت ما عانوه من الظلم والاضطهاد من حكام الأمويين والعباسيين، وكان مطلعها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
ولما انتهى من قصيدته إلى قوله:
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطع قلبي أثركم حسرات
ورفع الإمام رأسه ليستمع إلى أمل الخزاعي الذي لولاه لذهبت نفسه أسى وحسرات، وتلا دعبل قوله:
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
وبكى الإمام الرضا (عليه السلام) بكاء مرا وشديدا والتفت إلى دعبل شاعر المظلومين والمضطهدين، فقال له:
"يا خزاعي نطق روح القدس لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم...".
وطفق دعبل قائلا:
"لا يا مولاي، إلا إني سمعت بخروج إمام منكم، يطهر الأرض من الفساد، يملأها عدلا..".
وانبرى الإمام (عليه السلام) يعرفه بالإمام المنتظر المصلح الأعظم قائلا:
"يا دعبل الإمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت، وقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن آبائه، عن علي صلوات الله عليه، إن النبي (صلى الله عليه وآله)، قيل له: متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مثله كمثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو عز وجل، ثقلت في السماوات لا تأتيكم إلا بغتة(٢٥٨).
لقد أعرب الإمام (عليه السلام) عن حتمية طهور حفيده المصلح العظيم وأنه أمر محتوم لا بد أن يتحقق على مسرح الحياة، ولم يحدد وقت خروجه لأن ذلك بيد الله تعالى، وقد أخفاه عن عباده.
٢ - روى الحسن بن خالد، أن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، و * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * ، أي أعلمكم بالتقية، فقيل له: إلى متى يا بن رسول الله؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا، فقيل له: يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي مناد من السماء، يسمعه جميع أهل الأرض الدعاء إليه يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق فيه ومعه، وهو قوله تعالى: (إن نشأ ننزل عليهم من المساء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)(٢٥٩) وقول الله عز وجل (يوم ينادي المنادي من مكان قريب، يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج)(٢٦٠) أي خروج ولدي القائم المهدي (عليه السلام)"(٢٦١).
هذه بضع الأحاديث التي أثرت عن الإمام الرضا (عليه السلام) في شأن حفيده الإمام المنتظر (عليه السلام)، وأنه سيكون مصدر إشراق ونور في جميع أنحاء الأرض.
١٠ - الإمام الجواد (عليه السلام):
ونص الإمام الجواد (عليه السلام) على الإمام المنتظر (عليه السلام) وبشر العالم الإسلامي بظهوره وما يبسطه من خير ورحمة على المجتمع الإنساني، وفيما يلي بعض ما أثر عنه:
١ - روى الثقة الزكي، عبد العظيم الحسني، قال: "دخلت على سيدي، محمد بن علي، وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره؟ فابتدأني هو، فقال لي: يا أبا القاسم، إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمدا بالنبوة، وخصنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، وإن الله تبارك وتعالى ليصح أمره في ليلة، كما أصلح الله أمر كليمه موسى، إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو نبي مرسل، ثم قال (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج"(٢٦٢).
لقد دلل الإمام محمد الجواد (عليه السلام) شيعته ورواة حديثه على الإمام المنتظر، وإن خروجه من الأمور الحتمية التي لا بد أن تتحقق على مسرح الحياة.
٢ - روى الصقر بن أبي دلف، قال: "سمعت أبا جعفر، محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، يقول: الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري وقوله قولي، وطاعته طاعتي، ثم سكت، فقلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن الإمام بعد علي؟ قال: ابنه الحسن، قلت: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاء شديدا، ثم قال إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر، فقلت له: يا بن رسول الله لم سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال: إن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ به الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المبطلون، وينجو فيها المسلمون"(٢٦٣).
هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام الجواد (عليه السلام) في النص على إمامة حفيده الإمام المنتظر (عليه السلام).
١١ - الإمام الهادي (عليه السلام):
ونقل الرواة طائفة من الأخبار عن الإمام الهادي (عليه السلام) في إمامة الإمام المنتظر، والتبشير بظهور، وهذه بعضها:
١ - روى الصقر بن أبي دلف، قال: "سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، يقول: الإمام بعدي الحسن ابني، وبعده ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما"(٢٦٤).
٢ - روى الفقيه الفاضل، السيد عبد العظيم الحسني، قال: "دخلت على سيدي علي بن محمد فلما أبصرني، قال لي: مرحبا يا أبا القاسم أنت ولينا حقا، قال: فقلت له: يا بن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا ثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل، فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: أني أقول: إن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شئ، خارج عن الحدين، حد الإبطال، وحد التشبيه، وأنه ليس بجسم، ولا صورة، ولا عرض، ولا جوهر، بل هو مجسم - أي خالق الأجسام ومصور الصور وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله، خاتم النبيين، لا نبي بعده إلى يوم القيامة وأن شريعته خاتمة الشرايع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة، وأقول: إن الإمام والخليفة، وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي..".
وسكت عبد العظيم، فقال له الإمام الهادي (عليه السلام) معرفا له الإمام بعده:
"ومن بعدي الحسن ابني، فكيف الناس بالخلف من بعده؟"وطفق عبد العظيم يسأل عن الخلف بعد الحسن قائلا:
"كيف ذلك يا مولاي؟".
فانبرى الإمام الهادي قائلا: "إنه - أي الإمام المنتظر - لا يرى شخصه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا
وعدلا كما ملئت جورا وظلما..".
وأقر عبد العظيم وآمن بما أمره الإمام من الاعتراف بغيبة الإمام المهدي، والتفت إليه الإمام قائلا:
"يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده"(٢٦٥).
١٢ - الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
ونص الإمام الحسن العسكري على إمامة ولده القائم المنتظر (عليه السلام) وقد ذكرنا في البحوث السابقة جمهرة من النصوص التي نقلها الرواة عنه، وكان منها هذه الرواية:
روى الثقة أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتديا:
"يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض..".
وانبرى أحمد قائلا:
"يا بن رسول الله من الإمام والخليفة بعدك؟..".
ونهض الإمام الحسن (عليه السلام) مسرعا فدخل ثم خرج وهو يحمل بقية الله في الأرض، وكأن وجهه في اشعاعه القمر ليلة البدر، وكان عمر الإمام ثلاث سنين، والتفت الإمام الحسن إلى أحمد قائلا:
"يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل، وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه...".
وسارع أحمد قائلا:
"يا مولاي هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟.."
ونطق الإمام المنتظر (عليه السلام) فأراه العلامة التي يطلبها قائلا:
"أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب أثرا بعد عين..".
ووقف أحمد على ما يريده واطمئن قلبه، وخرج وهو ناعم البال، فلما كان اليوم الثاني عاد إلى بيت الإمام، ولما تشرف بمقابلته قال له:
"يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟.
فأجابه الإمام (عليه السلام).
طول الغيبة يا أحمد..".
وطلب أحمد من الإمام أن يوضح له طول غيبة الإمام قائلا"يا بن رسول الله وإن غيبته لتطول؟.."
فأجابه الإمام.
"إي وربي - يعني لتطول غيبته - حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به:
ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا في عليين"(٢٦٦).
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأخبار التي نقلها الرواة ودونها الحفاظ عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن أئمة الهدى (عليهم السلام)، وهي تعلن حتمية خروج الإمام المنتظر (عليه السلام) وقيامه بالإصلاح الشامل لجميع حقول الحياة، حتى تملأ الأرض عدلا وقسطا ببركة حكمه.
ظهور المصلح العظيم فكرة مقدّسة وقديمة:
أما فكرة ظهور المصلح العظيم الذي تسعد به الإنسانية، وينقذها من المحن والخطوب فهي قديمة جدا قد بشرت بها الأديان السماوية، وشاعت في جميع الأوساط العالمية كأسمى فكرة تحلم بها البشرية على امتداد التاريخ إن الإنسان المكدود المجهود الذي يعاني أقسى ألوان الظلم والاضطهاد وحفت به الأزمات، وأحاطت به ويلات الحروب التي أشعلتها ذئاب البشرية في سبيل أهوائها وكبريائها وأطماعها التي منها الانفراد بالحكم والاستيلاء على خيرات الله في الأرض، والتحكم في القضايا المصيرية للشعوب.
إن الإنسان في شرق الأرض وغربها يتطلع بلهفة إلى منقذه الملهم الذي يغير مجرى التاريخ، ويقيم دولة الحق التي ينعم في ظلالها المحرومون والبائسون، وتنعدم فيه جميع الفوارق الطبيعية، التي لا تقوم على أساس التقوى وعمل الخير.
ومما لا شبهة فيه أن ذلك المصلح العظيم هو مهدي آل محمد صلوات الله عليه الذي تشرف الدنيا بعلمه وعدالته، وحسن سياسته، وقد دلل عليه جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى، ودلل عليه أوصياؤه، أعمدة التقوى في دنيا الإسلام، كما ألمحنا إلى ذلك في البحوث السابقة.
وعلى أي حال فلا بد لنا من وقفة قصيرة لنرى ما أعلنته الأديان السماوية بشأن المصلح الملهم بطل التحرير في العالم الذي يقيم معالم الحق والحضارة الإلهية في الأرض، وفيما يلي ذلك:
المنقذ والمصلح عند النصارى:
وعانت الجمهرة المؤمنة من المسيحيين ضروبا شاقة وعسيرة من الجور والاضطهاد في زمن السيد المسيح وما بعده، فقد نزل بهم من البلاء ما لا يوصف في عهد نيرون سنة (٦٤ م) وفي عهد تراجان سنة (١٠٦ م) وفي عهد ٢٥١ - ديسيون سنة ٢٤٩ ففي عهد نيرون اشتد بهم العذاب، فقد اتهمهم بأنهم الذين أحرقوا (روما)، فعذبهم بأنواع العذاب فكان يضع بعضهم في جلود الحيوانات، ويطرحونهم الكلاب فتنهشهم كما ألبس بعضهم لباسا مطلية بالقار، ويجعلهم مشاعل يستضاء بها.
وكان نيرون نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل التي أوقدت من جسوم الأبرياء.
وفي عهد تراجان أنزل بهم الذل والعذاب الأليم، وقد حدث بلين في رسالته إلى تراجان عن الطريقة التي كان يعاملهم بها، قال: "جريت مع من اتهموا بأنهم نصارى، فكنت أسألهم هل هم مسيحيون؟ فإذا أقروا أعيد غليهم السؤال ثانيا، فإذا أقروا بذلك نفذت فيهم حكم الإعدام، وقد تخلى فريق من النصارى عن دينهم، وصلوا على الأرباب، وهي الأصنام، وقدموا لها الخمور والبخور، وشتموا السيد المسيح.
واستمر الاضطهاد والتعذيب للنصارى حتى بعد هلاك تراجان، فقد أنزل بهم (ديسيوس) من البلاء ما تقشعر له الأبدان"(٢٦٧).
عودة المسيح لإصلاح العباد:
وآمن المسيحيون بأن السيد المسيح هو المصلح المنتظر، والقائم بالحق والعدل، وأنه لا بد من عودته إلى الأرض ليقيم دولة الفكر والعلم، ويبسط الأمن والرخاء في جميع أنحاء العالم، ولنستمع إلى ما صرحت به أناجيلهم:
١ - إنجيل يوحنا:
جاء في هذا الإنجيل: الحق، الحق أقول لكم: إنه سيأتي ساعة وهي الآن، حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون، ولا تتعجبوا من هذا فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينوية(٢٦٨).
٢ - إنجيل لوقا:
جاء في إنجيل لوقا: "على الأرض تكون كرب، أمم بحيرة والناس يغشى عليهم من فوق، وانتظار ما يأتي على الكون لأن قوة السماوات تتزعزع"(٢٦٩).
٣ - إنجيل متى:
جاء في إنجيل متى جملة من الأحاديث في التبشير عن ظهور السيد المسيح، وهذه بعضها:
١ -"بعد ضيق تلك الأيام الشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وقوات السماء تتزعزع، وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصى السماء إلى اقصائها"(٢٧٠).
٢ - ففي نصف الليل صار صراخ.. هو ذا العريس مقبل(٢٧١) وقد رأيت سابقا بعد الفجر.
٣ - كونوا أيضا مستعدين: لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان(٢٧٢) وتبشر هذه الأناجيل بعباراتها المتفككة والمضطربة بحتمية ظهور السيد المسيح الذي ينقذ المسيحيين مما هم فيه من المحن والاضطهاد، وكذلك ينقذ غيرهم من الواقع المرير الذي يعيشونه، وقد انتشرت عنهم هذه العقيدة وآمنوا بها على اختلاف مذاهبهم يقول"ول ديورانت":
"كان ثمة عقيدة مشتركة وحدت بين الجماعات المسيحية المنتشرة في أنحاء العالم هي: أن المسيح ابن الله، وأنه سيعود ليقيم مملكته على الأرض وأن كل من يؤمن به سينال النعيم المقيم في الدار الآخرة"(٢٧٣).
علامات ظهور المسيح:
وتذكر بعض أناجيل المسيحيين علامات ظهور السيد المسيح فقد جاء في إنجيل مرقس: "وفيما هو - أي المسيح - جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل سأله بطرس ويعقوب ويوحنا، واندراوس على انفراد، قل لنا متى يكون هذا أي خروجك -؟ وما هي العلامة عندما يتم جميع هذا؟ فأجابهم يسوع، وابتدأ يقول: انظروا... لا يضلكم أحد فإن كثيرين سيأتون باسمي، قائلين: إني أنا هو، ويضلون كثيرين، فإذا سمعتم بحروب، وينبغي أن يركزوا أولا بالإنجيل في جميع الأمم. فمتى رأيتم رجة الخراب التي قال عنها دانيال النبي - قائمة حيث لا ينبغي، فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال والذي على السطح فلا ينزل إلى البيت، ولا يدخل ليأخذ من بيته شيئا.. والذي في الحقل فلا يرجع إلى الوراء ليأخذ ثوبه.. حينئذ إن قال لكم، هو ذا المسيح هنا، هو ذا هناك فلا تصدقوا، لأنه سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويعطون آيات وعجائب لكي يضلوا، لو أمكن المختارين أيضا، فانظروا أنتم ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكل شيء وأضاف يقول بعد هذا الاضطراب والتفكك:
"وأما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق، فالشمس تظلم، والقمر لا يعطي ضوءه، ونجوم السماء تتساقط والقوات التي في السماء تتزعزع، وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحاب بقوة كثيرة ومجد، فيرسل حينئذ ملائكته، وبجميع مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء.
... الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله(٢٧٤) السماء تزول وكلامي لا يزول، وأما ذلك اليوم، وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن - يعني المسيح - إلا الأب(٢٧٥) والمسيحيون في جميع فترات تاريخهم ينتظرون خروج السيد المسيح، يقول الأمير شكيب أرسلان: "روى هوارت الفرنساوي صاحب تاريخ العرب أن انكليزيا ورد (بيت المقدس)، وأقام بالوادي الذي يقال إنه ستكون به الدينونة، وشرع كل صباح يقرع الطبل منتظرا لحشره، وسمعت أن امرأة انكليزية - فيما أظن - جاءت (القدس) وكانت تغلي الشاي كل يوم لأجل أن تقدمه للسيد المسيح ساعة وصوله وحدث لا مرتين الشاعر الفرنسوي في رحلته لـ (جبل لبنان) أنه زار في قرية (جون) السيدة استير ستانوب ابنة أخ الوزير الانكليزي الشهير، فرأى عندها فرسا مسرجا دائما ليكون ركوبه للسيد المسيح عند وصوله(٢٧٦).
هذا بعض ما أعلنه قادة الفكر المسيحي من ظهور السيد المسيح وآمن المسلمون بعودته إلى الأرض حسبما تواترت به الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أئمة الهدى (عليهم السلام) - كما سنذكر ذلك - ولكن عودته لا ليقيم بنفسه الإصلاح الشامل، وإنما يكون في موكب الإمام المنتظر بقية الله في الأرض، ويكون من أتباعه وأنصاره على إقامة الحق، وتغيير منهج الحياة إلى ما هو أفضل، وأعود على الإنسانية بجميع أجناسها وقومياتها.
المصلح المنتظر عند اليهود:
ومن بنود العقائد اليهودية ظهور مصلح عظيم يخرج في آخر الزمن فيقيم ما فسد من أخلاق الناس، ويصلح ما غيرته القوانين والأنظمة الوضعية من طباع المجتمع، وتحدث ابن القيم عن هذا المصلح الذي تنتظره اليهود بقوله:
إنهم أي اليهود ينتظرون قائما من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء ماتت جميع الأمم، وإن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به(٢٧٧).
كيفية ظهوره ومنهج حكمه:
أما كيفية ظهور مصلح اليهود ومنقذهم ومنهج حكمه فيتحدث أسعياء أحد أنبيائهم يقول: "سيخرج من قضيب من جذع يسمى (أبي داود) وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب.. روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب، وتكون سعادته في مخافة الرب، فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه، بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه، ويكون البر منطقة مثنية، والأمان منطقة حقويه فيسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والماشية المسمنة معا، والأسد كالبقر يأكل تينا، ويلعب الرضيع على حجر الفيل، ويمد العظيم يده إلى كن الأفعوان لا يسؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض امتلأت بمعرفة الله كما تغطي المياه البحر"(٢٧٨).
عرض هذا المقطع إلى ما يبسطه هذا المصلح المنتظر من صنوف العدل في جميع أنحاء الأرض وما يحققه من مكاسب عظيمة للإنسانية لم تجده في جميع فترات تأريخها، ومن المحقق الذي لا ريب فيه أن يقوم بتنفيذ ذلك ويحققه على مسرح الحياة إنما هو مهدي آل محمد (عليه السلام) فهو الذي يغمر العالم بعدله، ويسوس الناس بسياسة مشرقة لا خداع فيها ولا التواء.
أمارات ظهوره:
ووضع اليهود في أسفارهم أمارات وعلامات لظهور المصلح الذي ينتظرونه وهي:
١ - اجتماع الأسباط العشرة وخضوعهم لملك واحد من بيت داود.
٢ - هزيمة شعبي يأجوج ومأجوج.
٣ - انشقاق جبل الزيتون.
٤ - جفاف وادي مصر.
٥ - خروج ماء عذب في (أورشليم) ومن (بيت المقدس).
٦ - التماس عشرة رجال من مختلف شعوب العالم من يهودي بالقبض على طرف ثوبه والذهاب معه لأنهم سمعوا أن الله مع اليهود.
٧ - هجرة سائر الشعوب إلى (أورشليم) ليصلوا فيها لله.
٨ - القضاء على الأشرار في الأرض، وقد ذهبوا إلى أن المسيح لن يأتي إلا بعد القضاء على حكم الأشرار من الخارجين على دين بني إسرائيل، لذلك يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع اشتراك باقي الأمم في الأرض، كي نظل السلطة لليهود وحدهم.
وقبل أن يحكم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب، ويهلك ثلث العالم، ويبقى اليهود سبع سنوات متواليات، يحرقون الأسلحة التي كسبوها بعد النصر، وفي ذلك اليوم تكون الأمة اليهودية غاية في الثراء لأنها تكون قد ملكت كل أموال العالم، وستملأ كنوزهم بيوتا كبيرة لا يمكن حمل مفاتيحها وأقفالها إلا على ثلاثمائة حمار، ويدخل الناس كلهم أفواجا في دين اليهود، ويقبلون جميعا عدا المسيحيين فإنهم يهلكون لأنهم من نسل الشيطان(٢٧٩) ويمثل هذا البند أنانية اليهود وحقدهم البالغ على جميع الأديان خصوصا المسيحية، كما فيه دعوة إلى اليهود بالاستيلاء على جميع ثروات العالم، حتى تكون الأمم والشعوب خاضعة لسيرتهم واستعمارهم.
٩ - ومن علامات ظهور المنقذ ما أعلنه بطرس بقوله: "فما إن هذه - أي الأديان كلها تنحل، أي أناس يجب أن يكونوا في سيرة مقدسة، وتقوى، منتظرين وطالبين سرعة مجيء الرب الذي به تدخل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب، ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة، وأرضا جديدة يسكن فيها البر"(٢٨٠).
١٠ - من أمارات ظهور المصلح عند اليهود ما جاء في تعاليم التلمود:
"يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع استهلاك باقي الأمم في الأرض لتبقى السلطة لليهود وحدهم، وإذا تسلط غير اليهود على أوطان اليهود حق لهؤلاء أن يندبوا ويقولوا يا للعار، ويا للخراب قبل أن تحكم اليهود نهائيا يلزم أن تقوم الحرب على قدم وساق ويهلك ثلثا العالم ويبقى اليهود سبع سنوات يحرقون الأسلحة التي غنموها بعد النصر، وحينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعا خارجا على أفواههم.
وتعيش اليهود في حرب عوان مع باقي الشعوب، منتظرين ذلك اليوم وسيأتي المسيح الحقيقي، ويحصل النصر المنتظر، وتكون الأمة اليهودية إذ ذاك في غاية الاثراء لأنها تكون قد حصلت على جميع أموال العالم، وتحفظ هذه الكنوز في سرايات واسعة لا يمكن حمل مفاتيحها على الأقل من ثلاث مائة حمار(٢٨١).
وفي هذا المقطع وغيره مما أثر عن أعلام اليهود في هذا الموضوع وغيره دلالة واضحة على حقدهم البالغ على جميع البشر، واهتمامهم بحصر ثروات الأرض وخيرات الله عندهم ليسيطروا بذلك على جميع الشعوب، ويستعمروا جميع الأمم.
النعيم الشامل بعد ظهور المنتظر:
ويعتقد اليهود أنه بعد مجيء المنتظر سيعم النعيم جميع أنحاء الأرض وتنتشر البركات، وإن حياة الناس ستطول قرونا، وإن قامة الرجل ستكون مائتي ذراع"(٢٨٢).
وقالوا:
"إن أرض إسرائيل ستنبت الخبز والأقمشة، وينبت القمح في (لبنان) عاليا مثل أشجار النخيل، وسيهب هواء بمشيئة الله ليجعله دقيقا فاخرا، وحبوب القمح ستكون مثل كل الثيران الضخمة"(٢٨٣).
وكذلك تطرح الأرض فطيرا، وتحمل كل حبة قدر ما كانت تحمله ألف مرة، ويصير الخمر موفورا، وإن كروم العنب ستثمر حتى أن عنقودا واحدا يكفي لثلاثين جرة من الخمر، وسيرتفع بناء (أورشليم) ثلاثة أميال، وأبوابها ستكون من لآلئ وأحجار كريمة قامتها ثلاثون ذراعا طولا، وثلاثون ذراعا عرضا(٢٨٤).
ويزول الفقر، ويصبح الناس كلهم أصحاء مستمسكين بالفضيلة، وتسود العدالة والصداقة والسلام في الأرض(٢٨٥) وحينئذ ترجع السلطة لليهود، وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له، وفي هذا الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمان مائة عبد يخدمونه، وثلاث مائة وعشرة ألوان تحت سلطته(٢٨٦).
وكثير من أمثال هذه المخاريق آمن بها اليهود وهي جزء من ركائزهم الدينية التي تدعو إلى التحكم في مصير العالم ونهب ثرواته، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن هذا المصلح العظيم الذي آمنت به الأديان السماوية، واعتقدت بصورة جازمة حتمية ظهوره، ومن المقطوع به أنه الإمام المنتظر (عليه السلام) الذي ستؤمن به النصارى واليهود، وسائر الأديان والمذاهب الأخرى، وإن الله تعالى يمده بالمعجز كما أمد أولياءه العظام، وذلك ليقيم الحق وينشر العدل، ويبسط الأمن والمساواة بين جميع أبناء الأرض.
مؤمنون ومنكرون
واتفق علماء المسلمين على ضرورة الإيمان بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقيامه في دور حكومته بالإصلاح الشامل لمناهج الحياة، وتدميره للأنظمة الفاسدة التي يرزح تحت وطأتها الإنسان، وإن حكومته تعد من أعظم الانتصارات والمكاسب التي تظفر بها الإنسانية على امتداد التاريخ.. آمن العلماء وجزموا به، وعدوه جزء لا يتجزأ من رسالة الإسلام، وذلك للأخبار المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن أئمة الهدى سلام الله عليهم، وقد ذكرنا بنودا منها في البحوث السابقة.
وقد وقع الخلاف في أمر ثانوي، وهو ولادته ووجوده فآمنت به الشيعة ووافقتهم جمهور كبير من علماء السنة ومؤرخيهم، وذهب آخرون إلى أنه سيولد، ونعرض إلى كلمات كلا الفريقين:
١ - المؤمنون بوجود الإمام (عليه السلام):
وأجمعت الشيعة الإسلامية على وجود الإمام المنتظر (عليه السلام) وأنه أمر مفروغ منه، وإن الله تعالى قد أمده بوسائل الحياة التي لا تخضع لعوامل الهرم والفناء، وليس ذلك على الله تعالى بعسير، فهو الذي أقام ملايين المجرات في الفضاء بغير عمد، فهو الذي أنام أهل الكهف ثلاثمائة سنة وتسع سنين، ثم بعثهم من نومهم ودفعهم إلى مسرح الحياة، وهو الذي أبقى يونس في بطن الحوت حيا، ولما التجأ إليه تعالى وطلب منه العفو ألقاه الحوت، ولولا استغفاره لأبقاه حيا مع الحوت إلى يوم يبعثون، وأمثال هذه البوادر كثيرة في القرآن الحكيم.
وعلى أي حال فإنا نعرض إلى كلمات الإعلام من علماء السنة الذين وافقوا الشيعة على ولادة الإمام المنتظر (عليه السلام)، وهم:
١ - محمد بن طلحة الشافعي:
قال محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي: "محمد بن الحسن الخالص ابن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب المهدي، الحجة الخلف الصالح، المنتظر (عليهم السلام) ورحمته وبركاته.
هذا الخلف الحجة * قد أيده الله
هدانا منهج الحق * وآتاه سجاياه
وأعلى في ذرى العليا * بالتأييد مرقاه
وآتاه حلى فضل * عظيم فتح الله
وقد قال رسول الله * قولا قد رويناه
وذو العلم بما قال * إذ أدرك معناه
يرى الأخبار في المهدي * جاءت عن مسماه
وقد أبداه بالنسبة * والوصف وسماه
ويكفي قوله مني * لإشراق محياه
ومن بضعته الزهراء * مجراه ومرساه
وأضاف يقول: أما مولده في (سر من رأى) في (٢٣ شعبان) سنة (٢٥٨ هـ)(٢٨٧) وحكت هذه الكلمات إيمان محمد بن طلحة بوجود الإمام المنتظر (عليه السلام) مستندا إلى أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديثه فيه.
٢ - ابن العربي:
ونص محي الدين، محمد بن علي المعروف (بابن العربي) الأندلسي على إمامة المهدي وأنه ولد وسوف يظهر قال: "المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشر به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو من أهل البيت المطهر من الحضرة المحمدية.
إن الإمام إلى الوزير فقير * وعليهما فلك الوجود يدور
والملك إن لم تستقم أحواله * بوجود هذين فسوف يبور
إلا إله الحق فهو منزه * ما عنده فيما يريد وزير
أعلم أيدنا الله وإياك إن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا، لو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ولد فاطمة سلام الله عليها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري".
وأضاف يقول: "يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبايع له الناس بين (الركن) و(المقام)، يشبه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخلق - بفتح الخاء -وينزل عنه في الخلق - بضمها - إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أخلاقه والله تعالى يقول: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * .
هو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل (الكوفة)، يقسم المال بالسوية، ويعدل في الرعية، ويفصل في القضية، يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.
يخرج على فترة من الدين، يضع الله به ما لا يضع في القرآن، يمسي الرجل جاهلا وجبانا فيصبح عالما، شجاعا، كريما، يمشي النصر بين يديه، يعيش خمسا أو تسعا، يقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)".
وأضاف يقول:
"يحمل الكل، ويعين الضعيف، ويساعد على نوائب الحق، يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، ويعلم ما يشهد. يبيد الظلم وأهله، ويقيم الدين وأهله، وينفخ الروح في الإسلام يعز الله به الإسلام بعد ذله ويحيه بعد موته.
يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتى لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيا لحكم به، فلا يبقى في زمانه إلا الدين الخالص عن الرأي، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خاصتهم، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف إلهي.
له رجال إلهيون يقيمون دعوته، وينصرونه هم الوزراء، يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله.
ينزل عليه عيسى بن مريم بالمنارة البيضاء (شرقي دمشق) بين مهرودتين متكئا على ملكين: ملك عن يمينه، وملك عن يساره، يقطر رأسه ماء مثل الحمام.. يؤم الناس بسنة رسول الله يكسر الصليب، ويقتل الخنزير"(٢٨٨).
وحفل كلام ابن العربي بالمواد التالية:
أولا: إن الإمام المنتظر (عليه السلام) خليفة الله في أرضه، وهو الذي يقيم مناهج العدل، ومعالم الحق.
ثانيا: إن الإمام (عليه السلام) يشابه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ملامحه ومكارم أخلاقه.
ثالثا: إن سياسة الإمام (عليه السلام) تتلخص بما يلي:
أ - يقسم المال بالسوية، فلا يختص به فريق دون فريق، ولا يعطي أي شيء منه محاباة.
ب - العدل في الرعية، ويتساوى فيه الجميع.
ج - إعانة الضعفاء.
د - مساعدة الناس على ما يمنون به من كوارث الزمان ونوائب الدهر.
ه - إقصاء الجور، وتدمير الظلم بحيث لا يبقى لهما أي ظل على مسرح الحياة.
رابعا: إن وزراء الإمام من أتقى الناس وأكثرهم حريجة في الدين، وهم عون له على إقامة حكم الله في الأرض.
خامسا: إن السيد المسيح ينزل من السماء ليكون عونا للإمام على أداء رسالته الإصلاحية.. هذه بعض النقاط التي عرض لها ابن العربي، ومعظمها مستفاد من الأخبار.
٣ - ابن الصباغ المالكي:
قال الشيخ نور الدين، علي بن محمد المعروف (بابن الصباغ المالكي): الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن، وذكر تاريخ ولادته، ودلائل إمامته، "وطرفا من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته وغير ذلك"(٢٨٩).
٤ - ابن الأثير:
قال علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني المعروف (بابن الأثير الجزري): "وفيها - أي في سنة (٢٦٠ هـ) توفي أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب (سامراء) وكان مولده سنة (٢٣٢ هـ)(٢٩٠).
٥ - شمس الدين:
قال شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن فزاعلي المعروف بـ (سبط ابن الجوزي): محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة، صاحب الزمان، القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة"(٢٩١).
٦ - أبو الفداء:
قال إسماعيل أبو الفداء صاحب حماة في وفاة الإمام الحسن العسكري "وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد المنتظر من سرداب (سر من رأى) على زعمهم، وكان مولده سنة (٢٣٥ هـ)(٢٩٢).
إن الشيعة لا تعتقد ولا تذهب إلى أن الإمام (عليه السلام) غاب في السرداب، ولا تنتظر خروجه منه، وإنما ذهبت إلى أنه غاب عن أعين الناس، وتنتظر خروجه من بيت الله الحرام، وقد ألمعنا إلى ذلك في البحوث السابقة.
٧ - القرماني:
قال القرماني: "الإمام أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه الله الحكمة كما أوتيها يحيى، وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر، وأقنى الأنف، أجلى الجبهة"(٢٩٣).
٨ - ابن خلكان:
قال ابن خلكان في ترجمة الإمام المنتظر (عليه السلام): "أبو القاسم محمد ابن الحسن بن محمد الجواد، ثاني عشر من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ولد يوم الجمعة منتصف رمضان سنة (٢٥٥ هـ)(٢٩٤).
٩ - الذهبي:
ونص الذهبي على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، قال: "في حوادث سنة (٢٦١ هـ) وفيها مات الحسن بن علي بن الجواد بن الرضا العلوي أحد الأئمة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم وهو والد منتظرهم محمد بن الحسن(٢٩٥).
١٠ - سراج الدين الرفاعي:
قال شيخ الإسلام أبو المعالي سراج الدين محمد الرفاعي: "في ترجمة الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، ولقبه التقى، والعالم، والفقيه والأمير، والدليل، والعسكري... وكان له خمسة أولاد الإمام الحسن العسكري، والحسين، ومحمد، وجعفر، وعائشة، فأما الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب، الحجة المنتظر ولي الله الإمام المهدي (عليه السلام)"(٢٩٦).
١١ - الشيخ الشبلنجي:
وممن نص على الإمام المهدي وولادته وحياته العالم الفاضل، الشيخ الشبلنجي، قال: "فصل في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أمه أم ولد يقال لها:
نرجس، وقيل صيقل، وقيل: سوسن، وكنيته، أبو القاسم، ولقبه الإمامية بـ (الحجة)، و(المهدي)، و(الخلف الصالح)، و(القائم) و(المنتظر)، و(صاحب الزمان) وأشهرها (المهدي)، صفته شاب مرفوع القامة، حسن الوجه والشعر، يسيل شعره على منكبيه، أقنى الأنف، أجلى الجبهة"(٢٩٧).
١٢ - سليمان بن خواجة:
عرض العالم الفاضل، الشيخ سليمان بن خواجة إلى الإمام المنتظر (عليه السلام)، وأثبت بصورة حاسمة أن المهدي الموعود الذي بشر به النبي (صلى الله عليه وآله) هو الحجة محمد بن الحسن العسكري، وقد بحث عنه بحثا مفصلا مدعوما بالشواهد، ومن الجدير بالذكر أن هذا الشيخ حنفي المذهب، صوفي المشرب"(٢٩٨).
١٣ - عبد الوهاب الشعراني:
قال الشيخ العارف عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني."ومولده أي الإمام المنتظر - ليلة النصف من شعبان سنة (٢٥٥ هـ) وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم، وهو من أولاد الحسن العسكري (عليه السلام)"(٢٩٩).
١٤ - خير الدين الزركلي:
قال خير الدين الزركلي: "محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم، آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة وصاحب السرداب، ولد في (سامراء)، ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين، ولما بلغ التاسعة أو العاشرة أو التاسعة عشر دخل سردابا في دار أبيه ولم يخرج منه، قال ابن خلكان: والشيعة ينتظرون خروجه في آخر الزمان من السرداب ب سر من رأى"(٣٠٠).
إن الشيعة لا تنتظر خروج الإمام المصلح من السرداب في (سامراء) وإنما تنتظر خروجه من بيت الله الحرام، وقد أشرنا إلى ذلك ودللنا عليه في كثير من بحوث هذا الكتاب.
١٥ - البيهقي:
قال البيهقي الشافعي: "اختلف الناس في أمر المهدي فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه، واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأضاف يقول:
ولا امتناع في طول عمره، وامتداد أيامه كعيسى بن مريم والخضر(٣٠١).
١٦ - حسين الكاشفي:
قال الحسين صاحب التفسير: "محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر كنيته أبو القاسم ولادته في (سر من رأى)(٣٠٢).
١٧ - الشعراني:
قال الشعراني: "المبحث الخامس والستون في بيان جميع شروط الساعة التي أخبر بها الشارع (صلى الله عليه وآله) حق لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك كخروج المهدي (عليه السلام) ثم الدجال، ثم نزول عيسى، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وفتح سد يأجوج، ومأجوج حتى لو لم يبق من الدنيا إلا مقدار يوم واحد لوقع ذلك كله"(٣٠٣).
١٨ - صلاح الدين الصفدي:
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: "إن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمة، أولهم سيدنا علي (عليه السلام) وآخرهم المهدي"(٣٠٤).
١٩ - محمد البخاري:
وممن نص على ولادة الإمام (عليه السلام) ووجوده الحافظ محمد بن محمد البخاري من أعيان علماء الحنفية، قال: "وأبو محمد - والد الإمام ولده محمد رضي الله عنهما، معلوم عند خاصة خواص أصحابه، وثقاة أهله، ثم ذكر كيفية ولادة الإمام المنتظر (عليه السلام)"(٣٠٥).
٢٠ - السيد أحمد دحلان:
قال السيد أحمد زيني دحلان في الرد على المعتقدين بأن المهدي العباسي هو الإمام المنتظر، قال: "والحاصل أن الذي تقتضيه الأحاديث النبوية، وصرح به العلماء أن المهدي المنتظر إلى هذا الوقت لم يظهر، وذكروا له علامات كثيرة بعضها مضى وانقضى، وبعضها باق لم يظهر، ومن أظهر علاماته أنه يصلحه الله في ليلة وأنه من ولد فاطمة".
وأضاف يقول: "لكن من المقطوع به أنه لا بد من ظهوره"(٣٠٦) هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار علماء السنة والجماعة في ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وحتمية ظهوره، وذكر المحقق الشيخ حسين النوري في كتابه (كشف الأستار) أربعين عالما ومحققا من علماء السنة الذين يؤمنون بوجود الإمام المنتظر وضرورة ظهوره.. وذكر الفاضل الأستاذ الحاج علي محمد علي دخيل أسماء مائة وأربعة وأربعين كتابا تعرضت للإمام المهدي (عليه السلام)، وجلها لعلماء أهل السنة(٣٠٧).
الكتب المؤلفة في المهدي:
وألف علماء المسلمين كوكبة من الكتب القيمة في الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد عرضت لمعظم شؤونه، وإلى ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حقه، ومن الجدير بالذكر أن ما ألفه علماء السنة في الإمام أكثر مما ألفه علماء الشيعة، وهذه بعضها:
١ - البيان في أخبار صاحب الزمان، لأبي عبد الله، محمد بن يوسف الكنجي، الشافعي، وقد عرض بصورة موضوعية وشاملة إلى أحوال الإمام (عليه السلام)، وقدم له مقدمة وافية مستوعبة سماحة الحجة، المحقق، السيد مهدي الخرسان حفظه الله.
٢ - عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو المهدي (عليه السلام)، تأليف العلامة يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي، الشافعي، السلمي، وقد حققه وراجع نصوصه، وعلق عليه، وخرج أحاديثه الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوريني، وقد طبع في مكتبة المنار (الأردن)، وهو كتاب شامل لمعظم جوانب حياة الإمام (عليه السلام).
٣ - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للشيخ علي بن حسام المشهور بـ (المتقي الهندي) يقع في جزئين، وقد حققه وعلق عليه: جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين، وقد طبعته شركة ذات السلاسل في (الأردن)، والكتاب جامع شامل لمعظم شؤون الإمام، وهو من مصادر بحثنا.
٤ - المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية، للعالم الكبير الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري، يقع في جزأين، وقد عرض بصورة موضوعية ومفصلة إلى شؤون الإمام (عليه السلام) مستندا في ذلك إلى مجموعة من الأخبار المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والأئمة الهداة من أهل البيت (عليهم السلام) وقد طبع الكتاب في (لبنان) طبعته دار الزهراء.
٥ - الشيعة والرجعة للعالم المحقق، الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي، وقد تناول موضوع الإمام المنتظر (عليه السلام) في الجزء الأول، يقع في ٤٦٢ صفحة، وقد بحث موضوع الإمام من جميع جهاته، معتمدا على أوثق المصادر من الشيعة والسنة.
٦ - الفتن لنعيم بن حماد المروزي المتوفى سنة (٢٢٨ هـ) توجد منه نسخ في (الرياض) و(المدينة) و(مكة) مصورة من (تركيا) و(لندن) و(الهند) و(العراق)(٣٠٨).
٧ - الملاحم لأبي الحسن بن المنادي، أحمد بن جعفر المتوفى سنة (٣٣٦ هـ)(٣٠٩).
٨ - المهدي أو أخبار المهدي لأبي نعيم الأصفهاني المتوفى سنة (٤٣٠ هـ) مخطوط
٩ - السنن الواردة في الفتن لأبى عمرو وعثمان بن سعيد الداني المقرئ المتوفى سنة (٤٤٤ هـ) مخطوط.
١٠ - البعث والنشور للبيهقي المتوفى سنة (٤٥٨ هـ) مخطوط.
١١ - ارتقاء الفرق للسخاوي المتوفى سنة (٩٠٢ هـ) ذكره في كتابه المقاصد.
١٢ - العرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي المتوفى سنة (٩١١ هـ) وهو مطبوع ضمن كتاب الحاوي في الفتاوى للسيوطي.
١٣ - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر الهيثمي الشافعي المتوفى سنة (٩٧٤ هـ) مخطوط.
١٤ - المشرب الوردي في مذهب المهدي لملا علي القاري المتوفى سنة (١٠٣٣ هـ) ذكره البرنجي في أشراط الساعة.
١٥ - فرائد فوائد الفكر في المهدي المنتظر لمرعى بن يوسف الكرمي الحنبلي المتوفى سنة (١٠٣٣ هـ) مخطوط له نسخة في (باريس).
١٦ - الإشاعة لأشراط الساعة للبرزنجي المتوفى سنة (١١٠٣ هـ) مطبوع.
١٧ - الأحاديث القاضية بخروج المهدي لمحمد بن إسماعيل الصنعاني ذكره صديق حسن في كتاب الإذاعة.
١٨ - البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن الحاج أحمد السفاريني الحنبلي المتوفى سنة (١٨٨ هـ).
١٩ - التوضيح فيما تواتر في المنتظر والدجال والمسيح للشوكاني المتوفى سنة (١٢٥٠ هـ) ذكره الشوكاني في تفسيره (فتح القدير) ١/ ٤٣٩٧.
٢٠ - تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان للشيخ الأقسرائي ٧ ق. / ٢٤٠ / مخطوط بمكتبة عارف حكمت في (المدينة المنورة) برقم ٦٢.
٢١ - التصريح بما تواتر في نزول المسيح للكشميري المتوفى سنة (١٣٥٢ هـ) مطبوع.
٢٢ - الجواب المقنع المحرر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أن عيسى هو المهدي المنتظر لمحمد حبيب الله الشنقيطي مطبوع.
٢٣ - الخطاب المليح في تحقيق المهدي والمسيح للشيخ أشرف علي التهانوي وهو باللغة الأردية.
٢٤ - تحديق النظر بأخبار المنتظر للشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، مخطوط توجد نسخة منه بدار الكتب المصرية.
٢٥ - مختصر الأخبار المشاعة في الفتن وأشراط الساعة وأخبار المهدي لعبد الله بن الشيخ، مطبوع في مطابع (الرياض).
٢٦ - البيانات عن المهدي للموردي.
٢٧ - الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل لعبد العليم ابن عبد العظيم وهي رسالة ماجستير قدمت بجامعة أم القرى (مكة المكرمة)(٣١٠).
٢٨ - المنتظر على ضوء الحقائق لمحمد حسين الأديب مطبوع في المطبعة الحيدرية في (النجف الأشرف).
٢٩ - الإمام المهدي للفاضل، الحاج علي محمد علي دخيل مطبوع في (النجف الأشرف) بمطبعة الآداب.
٣٠ - منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للعالم الفاضل لطف الله الصافي الكلبايكاني وهو من أجود وأوفى ما ألف في الإمام المنتظر (عليه السلام) وقد استوعبت أبحاثه معظم شؤون الإمام (عليه السلام) وقد اعتمد على أوثق المصادر الشيعية والسنية.
٣١ - إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون لمؤلفه أحمد ابن صديق البخاري مطبوع بمطبعة الترقي (دمشق).
٣٢ - أربعين حديثا في المهدي لأبي العلاء الهمداني.
٣٣ - أربعين حديثا في المهدي للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني.
٣٤ - تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان لابن كمال باشا الحنفي المتوفى سنة (٩٤٠ هـ).
٣٥ - القطر الشهدي في أوصاف المهدي منظومة لشهاب الدين أحمد بن أحمد بن إسماعيل الحلواني الشافعي المتوفى سنة (١٣٠٨ هـ).
٣٦ - المهدي لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني أحد أصحاب الصحاح الستة.
٣٧ - المهدي إلى ما ورد في المهدي لشمس الدين محمد بن طولون.
٣٨ - النجم الثاقب في بيان أن المهدي من أولاد علي بن أبي طالب.
٣٩ - الهدية المهدوية لأبي الرجاء محمد هندي.
٤٠ - العواصم عن الفتن القواصم لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي(٣١١).
٤١ - الغيبة لشيخ الطائفة الشيخ الطوسي.
٤٢ - إكمال الدين للشيخ الصدوق.
٤٣ - الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني.
٤٤ - الملاحم والفتن لرضي الدين علي بن طاووس.
٤٥ - بحث حول المهدي للإمام الصدر.
٤٦ - بشارة الأنام في ظهور المهدي لمصطفى آل لسيد حيدر الكاظمي.
٤٧ - الغيبة لحجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حرز الدين تحقيق حفيده العلامة الشيخ محمد حسين حرز الدين مخطوط.
٤٨ - الغيبة للشيخ المفيد.
٤٩ - مهدي موعود لعلي داواني.
٥٠ - المهدي الموعود للسيد محمد الصدر.
هذه بعض المؤلفات في الإمام المنتظر (عليه السلام) ومعظمها من أبناء السنة ولا أعتقد أن أحدا من الأئمة الأطهار ألف فيه وكتب عنه العلماء مثل ما ألف وكتب عن الإمام المهدي (عليه السلام).
مع الشعراء المؤمنين بالإمام (عليه السلام):
وآمن جمهور كبير من الشعراء الملهمين بالإمام المهدي (عليه السلام) وأنه حقيقة مشرقة لا بد أن يظهر ويضيء آفاق الكون ومعالم الحياة ويقيم منهج الله وسنته على مسرح الحياة وقد نظم الشعراء في ذلك أروع ما نظم في الأدب العربي الأمر الذي يدلل على شيوع الإيمان بوجود الإمام وحتمية ظهوره عند جميع الأوساط العلمية والأدبية ونحن نعرض لبعضهم:
١ - الكميت:
وآمن شاعر أهل البيت الكميت بن زيد الأسدي بالإمام المهدي (عليه السلام) كجزء من عقيدته وذلك بوحي من أئمة الهدى الذين عاصرهم فأشار إلى ذلك في بيت من الشعر له يقول فيه:
متى يقوم الحق فيكم متى * يقوم مهديكم الثاني
٢ - دعبل الخزاعي:
أما دعبل الخزاعي شاعر المظلومين والمضطهدين فقد اعتقد اعتقادا جازما بحتمية ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه ضرورة إسلامية فقد أعلنه الرسول الأعظم وبقية أوصيائه العظام الذين عاشرهم دعبل وقد تلا قصيدته الرائعة التي هزت أعمال الإمام الرضا (عليه السلام) وقد تضمنت خروج الإمام المهدي يقول:
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطع قلبي أثركم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج * يسير على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
وبادر الإمام الرضا (عليه السلام) يعزز فيه هذه الفكرة قائلا له:
"يا دعبل نطق روح القدس على لسانك أتعرف من هذا الإمام؟..".
وسارع دعبل قائلا:
"لا إلا إني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا...".
وزاده الإمام توضيحا وتعريفا بالإمام المنتظر قائلا"إن الإمام بعدي ابني محمد وبعده محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت لقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة".
٣ - السيد الحميري:
أما السيد الحميري فهو الشاعر الملهم والهائم بحب أئمة الهدى (عليهم السلام) الذي نافح عنهم في أشد الظروف؟؟ قسوة وأكثرها محنة وقد تتبع أخبار أسياده ونظمها ببليغ نظمه، وقد نظم في غيبة الإمام المنتظر وخروجه بهذه الأبيات:
وكذا روينا عن وصي محمد * ولم يك فيما قاله بالمكذب
بان ولي الأمر يفقد لا يرى * سنين كفعل الخائف المترقب
ويقسم أموال العقود كأنما * تضمنه تحت الصفيح المنصب
فيمكث حيا ثم ينبع نبعة * كنبعة دري من الأرض يوهب
له غيبة لا بد أن سيغيبها * فصلى عليه الله من متغيب
٤ - الورد بن زيد:
أما الورد بن زيد الأسدي فهو كأخيه الكميت في شدة ولائه وإخلاصه لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقد تشرفت بمقابلة الإمام أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) وتلا عليه قصيدته التي يمدح فيها الإمام وعرض في آخرها إلى الإمام المنتظر (عليه السلام) قال:
متى الوليد بـ (سامراء) إذا بنيت * يبدو كمثل شهاب الليل طلاع
حتى إذا قذفت أرض (العراق) به * إلى (الحجاز) أناخوه بجعجاع
وغاب سبتا وسبتا من ولادته * مع كل ذي جوب للأرض قطاع
لا يسأمون به الجواب قد تبعوا * أسباط هارون كيل الصاع بالصاع
شبيه موسى وعيسى في مغابهما * لو عاش عمريهما لم ينعه ناع
تتمة النقباء المسرعين إلى * موسى بن عمران كانوا خير سراع
أو كالعيون إلى يوم العصا انفجرت * فانصاع منها إليه كل منصاع
إني لأرجو له رؤيا فأدركه * حتى أكون له من خير أتباع
بذاك أنبأنا الراوون عن نفر * منهم ذوي خشية لله طواع
روته عنكم رواة الحق ما شرعت * آباؤكم خير آباء وشراع(٣١٢)
وحكت هذه المقطوعة من الشعر ما سمعه الشاعر من أخبار الإمام المهدي (عليه السلام) قبل أن يولد فقد سمع ذلك من الأئمة الطاهرين الذين كانت علومهم امتدادا لعلوم جدهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد ورثهم العلم والحكمة وفصل الخطاب.
لقد أخبر الشاعر عن بناء (سر من رأى) قبل أن تبنى وأن الإمام المنتظر (عليه السلام) سيولد فيها وأنه سلام الله عليه سيغيب عن الأبصار وأنه في سلوكه يضارع أنبياء الله العظام فهو يشبه نبي الله موسى ونبي الله عيسى في غيابهما... وقد تحقق جميع ذلك.
٥ - مصعب بن وهب:
وكان مصعب بن وهب النوشجاني معاصرا للإمام الرضا (عليه السلام) وقد أعرب في مقطوعة له عن إيمانه بجميع الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ومن جملتهم الإمام المهدي (عليه السلام) وذلك قبل أن يولد الإمام (عليه السلام) يقول:
فإن تسأليني ما الذي أنا دائن * به فالذي أبديه مثل الذي أخفي
أدين بأن الله لا شيء غيره * قوي عزيز بارئ الخلق من ضعف
وإن رسول الله أفضل مرسل * به بشر الماضون في محكم الصحف
وإن عليا بعده أحد عشرة * من الله وعد ليس في ذاك من خلف
أئمتنا الهادون بعد محمد * لهم صفو ودي ما حييت لهم اصفي
ثمانية منهم مضوا لسبيلهم * وأربعة يرجون للعدد الموف(٣١٣)
وصورت هذه الأبيات العقيدة المشرقة التي آمن بها مصعب فقد آمن بالله تعالى وحده لا شريك له بارئ الخلق القوي العزيز وآمن بأن النبي محمدا (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء وسيد المرسلين وأن عليا والأئمة الأحد عشر من بعده هم الخلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوصياءه وهداة أمته وجميع الشيعة يؤمنون بهذه العقيدة ويدينون بها.
٦ - محمد بن إسماعيل الصيمري:
ومحمد بن إسماعيل الصيمري من خيار الشيعة وقد تشرف بمقابلة الإمام الحسن العسكري وذلك بعد وفاة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) وقد ابنه بقصيدة وعرض فيها إلى الإمام المهدي (عليه السلام) يقول:
عشر نجوم أفلت في فلكها * ويطلع الله لنا أمثالها
بالحسن الهادي أبي محمد * تدرك أشياع الهدى آمالها
وبعده من يرتجى طلوعه * يظل جواب الفلا جزالها
ذو الغيبتين الطول الحق التي * لا يقبل الله من استطالها
يا حجج الرحمن إحدى عشرة * آلت فثاني عشرها آمالها(٣١٤)
٧ - علي الخوافي:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) علي بن أبي عبد الله الخوافي ولما فجع العالم الإسلامي بوفاة الإمام الرضا ورثاه شعراء عصره كان علي ممن رثاه وقد تعرض في قصيدته إلى الإمام المهدي (عليه السلام) يقول:
في كل عصر لنا منكم إمام هدى * فربعه آهل منكم ومأنوس
أمست نجوم سماء الدين آفلة * وظل أسد الثرى قد ضمها الخيس
غابت ثمانية منكم أربعة * يرجى مطالعها ما حنت العيس
حتى متى يظهر الحق المنير بكم * فالحق في غيركم داج ومطموس(٣١٥)
٨ - القاسم بن يوسف:
وممن آمن بالإمام المنتظر (عليه السلام) ويترقب ظهوره الشاعر القاسم به يوسف قال:
إني لأرجو أن تنالهم * مني يد تشفي جوى الصدر
بالقائم المهدي إن عاجلا * أو آجلا إن مد في العمر
أو ينقضي من دونه أجلي * فالله أولى فيه بالعذر(٣١٦)
ويتطلع هذا الشاعر بفارغ الصبر ظهور الإمام (عليه السلام) ليشفي غليله من أعداء الله الذين انتهكوا جميع الحرمات وكادوا الإسلام في غلس الليل وفي وضح النهار.
٩ - ابن الرومي:
أما ابن الرومي فهو من ألمع شعراء عصره وقد بكى الشهيد الخالد يحيى العلوي الذي استشهد من أجل المظلومين والمضطهدين وثار في وجه الظلم والاستبداد وقد رثاه بقصيدة عصماء.
وقد عرض فيها لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وهدد به ولاة الجور من حكام بني العباس يقول:
غررتم لأن صدقتم أن حالة * تدوم لكم والدهر لونان أخرج(٣١٧)
لعل لهم في منطوى الغيث ثائرا * سيسمو لكم والصبح في الليل مولج
بجيش تضيق الأرض من زفراته * له زجل ينفي الوحوش وهزمج(٣١٨)
إذا شيم بالأبصار أبرق بيضه * بوارق لا يستطعهن المحمج(٣١٩)
نوامضه شمس الضحى فكأنما * يرى البحر في أعراضه يتموج
له وقدة بين السماء وبينه * تلم به الطير العوافي فتهرج(٣٢٠)
إذا كر في أعراضه الطرف أعرضت * حراج تحار العين فيها فتحرج(٣٢١)
يؤيده ركنان ثبتان رجلة * وخيل كإرسال الجراد وأوثج(٣٢٢)
عليها رجال كالليوث بسالة * بأمثالهم يثنى الأبي فيعنج(٣٢٣)
ويستمر ابن الرومي في قصيدته فيصف منعة الإمام وبسالة جيشه الذي يخلص له ويطيعه وأنه سوف يأخذ بثأر آبائه الذين حصدت رؤوسهم أيدي الظالمين من الأمويين وأخوانهم العباسيين وأنه (عليه السلام) إذا ظهر سوف يدك قلاع الظلم وينسف حصون الجور.
١٠ - يحيى بن أعقب:
ووصف يحيى بن أعقب الإمام المنتظر (عليه السلام) كما وصف منهج حكمه الذي يأمن فيه المظلومين وتقام فيه المعطلة من حدود الله يقول:
أسمر اللون مشرق الوجه * مليح البها طريا جنيا
يظهر الحق والبراهين والعدل * فتلقى إذا إماما عليا
وتطيع البلاد من مشرق الأرض * إلى المغربين طوعا جليا
وترى الذئب عنده الشاة ترعى * ذاك بالعدل والأمان حفيا
يحكم الأربعين في الأرض ملكا * ويوفي كل حي وفيا(٣٢٤)
١١ - فضل بن رزوبهان:
مدح الفضل بن روزبهان الأئمة الطيبين بقصيدة وعرض لمدح الإمام المنتظر يقول:
سلام على القائم المنتظر * أبي القاسم القرم نور الهدى
سيطلع كالشمس في غاسق * ينجيه من سيفه المنتقى
سلام عليه وآبائه * وأنصاره ما تدوم السما(٣٢٥)
١٢ - عبد الرحمن:
ويعد عبد الرحمن البسطامي من الشعراء الذين آمنوا بالإمام المنتظر وقد استند إيمانه إلى ما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) من حتمية ظهور الإمام المهدي وإلى علم الحرف الذي أكد ذلك يقول:
ويظهر ميم المجد من آل أحمد * ويظهر عدل الله من الناس أولا
كما قد روينا عن علي الرضا * وفي كنز علم الحرف أضحى محصلا
ويخرج حرف الميم من بعد شينه * بمكة نحو البيت بالنصر قد علا
بهذا هو المهدي بالحق ظاهر * سيأتي من الرحمن للخلق مرسلا
ويملأ كل الأرض بالعدل رحمة * ويمحو ظلام الشرك والجور أولا
ولايته بالأمر من عند ربه * خليفة خير الرسل من عالم العلا(٣٢٦)
١٣ - ابن أبي الحديد:
وأعتقد ابن أبي الحديد بالإمام المهدي (عليه السلام) وحتمية ظهوره ليقيم دولة العدل والحق وتمنى أن تكون أسرته من جيش الإمام والمدافعين عنه يقول:
ولقد علمت بأنه لا بد من * مهديكم وليومه أتوقع
يحميه من جند الإله كتائب * كاليم أقبل زاخرا يتدفغ
فيها لآل أبي الحديد صوارم * مشهورة ورماح خط شرع(٣٢٧)
١٤ - عامر البصري:
من الشعراء الذين آمنوا بالإمام المهدي (عليه السلام) وحتمية ظهوره الشاعر عامر البصري يقول:
إمام الهدى حتى متى أنت غائب * فمن علينا يا أبانا بأوبة
تراءت لنا رايات جيشك قادما * ففاحت لنا منها روائح مسكة
وبشرت الدنيا بذلك فاغتدت * مباسمها مفترة عن مسرة
مللنا وطال الانتظار فجدلنا * بربك يا قطب الوجود بلقية(٣٢٨)
١٥ - أبو المعالي:
قال أبو المعالي صدر الدين واصفا الإمام المنتظر (عليه السلام) ومترقبا ظهوره ليقيم معالم الدين ويشيد صروح العدل والحق بين الناس قال:
يقوم بأمر الله في الأرض ظاهرا * على رغم شيطانين يمحق الكفر
يؤيد شرع المصطفى وهو ختمه * ويمتد من ميم بأحكامها يدري
ومدته ميقات موسى وجنده * خيار الورى في الوقت يخلو عن الحصر
على يده محق اللئام جميعهم * بسيف قوي المتن علك أن تدري
حقيقة ذاك السيف والقائم الذي * تعين للدين القويم على الأمر
لعمري هو الفرد الذي بان سره * بكل زمان في مضاء له يسري
تسمى بأسماء المراتب كلها * خفاء وإعلانا كذاك إلى الحشر
أليس هو النور الأتم حقيقة * ونقطة ميم منه امدادها يجري
يفيض على الأكوان ما قد أفاضه * عليه إله العرش في أزل الدهر
فما ثم إلا الميم لا شيء غيره * وذو العين من نوابه مفرد العصر
هو الروح فاعلمه وخذ عهده إذا * بلغت إلى مد مديد من العمر
كأنك بالمذكور تصعد راقيا * إلى ذروة المجد الأثيل على القدر
وما قدره إلا إلوف بحكمة * على حد مرسوم الشريعة بالأمر
بذا قال أهل الحل والعقد فاكتف * بنصهم المثبوت في الصحف الزبر
فإن تبغ ميقات الظهور فإنه * يكون بدور جامع مطلع الفجر
بشمس تمد الكل من ضوء نورها * وجمع دراي الأوج فيها مع البدر(٣٢٩)
وحكي هذا الشعر بعض علامات ظهور الإمام (عليه السلام) معتمدا في ذلك على علم الحرف وغيره من العلوم التي أثرت عن أئمة الهدى (عليهم السلام).
١٦ - بهاء الدين العاملي:
أما بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين فهو ألمع شخصية علمية في عصره ومن أكابر علماء الشيعة وقد ألف في مختلف الفنون والعلوم كالفقه، والتفسير والهيئة والفلك والحساب والهندسة والجفر والرمل وغيرها وله شعر رائع في الإمام المنتظر (عليه السلام) كان منه هذه القصيدة الرائعة التي أسماها (وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان) وهذا نصها:
سرى البرق من نجد فجدد تذكاري * عهودا بجزوى والعذيب وذى قار
وهيج من أشواقنا كل كامن * وأجج في أحشائنا لاعج النار
ألا يا لليلات الغوير وحاجر * سقيت بهطال من المزن مدرار
ويا جيرة بالمأزمين خيامهم * عليكم سلام الله من نازح الدار
خليلي ما لي والزمان كأنما * يطالبني في كل وقت بأوتار
فأبعد أحبابي وأخلى مرابعي * وأبدلني من كل صفو بأكدار
وعادل بي من كان أقصى مرامه * من المجد أن يسمو إلى عشر معشار
ألم يدر أني لا أذل لخطبه * وإن سامني خسفا وأرخص أسعاري
مقامي بفرق الفرقدين فما الذي * يؤثره مسعاه في خفض مقداري
وأني امرؤ لا يدرك الدهر غايتي * ولا تصل الأيدي إلى سبر أغواري
وحكت هذه الأبيات شكواه وتذمره من الزمان الذي أبعده وفرق ما بينه وبين أحبته فأخلى مرابعه ومجالسه منهم كما شكى من الدهر الذي ساوى بينه وبين أناس لا يصلون إلى مكانته ولا يبلغون شأوه ثم أعرب بعد ذلك عن صلابته وشدة عزيمته وأنه لا يبالي بما صنع به الدهر فإنه لا يدرك غايته ولا تصل الأيدي إلى سبر أغواره.
ويستمر البهائي في قصيدته الرائعة فيقول:
ويصمي فؤادي ناهد الثدي كاعب * بأسمر خطار وأحور سحار
وأني سخي بالدموع لوقفة * على طلل بال ودارس أحجار
وما علموا أني امرؤ لا يروعني * توالي الرزايا في عشي وإنكار
وأعرب في البيت الأخير عن قوة شخصيته التي لا يروعها تتابع الرزايا والخطوب عليها ثم يقول:
ومعضلة دهماء لا يهتدى لها * طريق ولا يهدى إلى ضوئها الساري
تشيب النواصي دون حل رموزها * ويحجم عن أغوارها كل مغوار
أجلت جياد الفكر في حلباتها * ووجهت تلقاها صوائب أنظاري
لقد دهمت الشيخ كارثة دهماء مروعة تشيب من حولها النواصي ولا يستطيع أحد حل رموزها ولنستمع إلى موقفه منها يقول:
أأضرع للبلوى وأغضي على القذى * وأرضى بما يرضى به كل مخوار
وأفرح من دهري بلذة ساعة * وأقنع من عيشي بقرص وأطمار
إذا لا ورى زندني ولا عز جانبي * ولا بزغت في قمة المجد أقماري
ولا انتشرت في الخافقين فضائلي * ولا كان في المهدي رائق أشعاري
خليفة رب العالمين فظله * على ساكن الغبراء من كل ديار
هم العروة الوثقى الذي من بذيله * تمسك لا يخشى عظائم أوزار
إمام هدى لاذ الزمان بظله * وألقى إليه الدهر مقود خوار
ومعنى هذه الأبيات أنه لن يخضع لما ألم به من نوائب الدهر ولا يرضى بما يرضى به الأذلاء وضعاف النفوس من الخنوع للذل والقهر وإنما يبقى مصمما على إبائه وعزة نفسه وأنه قد لاذ بإمام العصر صلوات الله عليه الذي امتد ظله على جميع سكان الأرض ويستمر البهائي في رائعته فيصف سعة علوم الإمام فيقول:
علوم الورى في جنب أبحر علمه * كغرفة كف أو كغمسة منقار
فلو زار أفلاطون أعتاب قدسه * ولم يعشه عنها سواطع أنوار
رأى حكمة قدسية لا يشوبها * شوائب أنظار وأدناس أفكار
بإشراقها كل العوالم أشرقت * بما لاح في الكونين من نورها الساري
إمام الورى طود النهى منبع الهدى * وصاحب سر الله في هذه الدار
به العالم السفلي يسمو ويعتلي * على العالم العلوي من دون إنكار
ومنه العقول العشر تبغي كمالها * وليس عليها في التعلم من عار
همام لو السبع الطباق تطابقت * على نقض ما يقضيه من حكمه الحاري
لنكس من أبراجها كل شامخ * وسكن من أفلاكها كل دوار
وتحدث البهائي في هذه الأبيات عن سعة علوم الإمام وشمول معارفه وإنه لا يضارعه أحد في هذه الظاهرة وإن أفلاطون لو تشرف بمقابلته لرأى من حكم الإمام وقدسيته ما تعنو له الجباه وإن الدنيا لتسمو بالإمام على سائر العوالم والأكوان.
كما تحدث البهائي عن أصالة قضاء الإمام (عليه السلام) وأن السبع الطباق لو تطابقت على نقض حكمة لما استطاعت ويستمر البهائي في رائعته فيقول:
أيا حجة الله الذي ليس جاريا * بغير الذي يرضاه سابق أفكار
ويا من مقاليد الزمان بكفه * وناهيك عن مجد به خصه الباري
أغث حوزة الإيمان واعمر ربوعه * فلم يبق منها غير دارس آثار
وأنقذ كتاب الله من يد عصبة * عصوا وتمادوا في عتو وإصرار
وفي الدين قد قاسوا وعاثوا وخبطوا * بآرائهم تخبيط عشواء معثار
وأنعش قلوبا في انتظارك قرحت * واضجرها الأعداء أية اضجار
وخلص عباد الله من كل غاشم * وطهر بلاد الله من كل كفار
وعجل فداك العالمون بأسرهم * وبادر على اسم الله من غير انظار
تجد من جنود الله خير كتائب * وأكرم أعوان وأشرف أنصار
وطلب الشيخ البهائي بهذه الأبيات أن يعجل الإمام في ظهوره لينقذ حوزة الإيمان والإسلام من جور الظالمين واستبدادهم فقد عاثوا فسادا بجميع مقومات الحياة ولنستمع إلى آخر الأبيات من قصيدته يقول:
أيا صفوة الرحمن دونك مدحة * كدر عقود في ترائب أبكار
يهنى ابن هاني إن أتى بنظيرها * ويعنو لها الطائي من بعد بشار
إليك البهائي الحقير يزفها * كغانية مياسة القد معطار
تغار إذا قيست لطافة نظمها * بنفحة أزهار ونسمة أسحار
إذا زادت قبولا كأنها * أحاديث نجد لا تمل بتكرار
وانتهت هذه القصيدة الرائعة وهي تدل على براعة البهائي وضلوعه في الأدب العربي إذ ليس في قصيدته كلمة يمجها السمع وينفر منها الطبع كما دلت قصيدته على ولائه المطلق وإيمانه العميق بالإمام المهدي (عليه السلام).
١٧ - السيد حيدر الحلي:
أما السيد حيدر الحلي فهو كالشريف الرضي في مواهبه وعبقرياته وسائر نزعاته النفسية التي منها الإباء عن الضيم والشموخ عن الذل.
لقد تألق هذان العلمان في سماء الشرق العربي وأفاضا عليه صفحات مشرقة في الأدب العالي التي تعد من مناجم الثقافة خصوصا في رثاء جدهما زعيم الإنسانية ورائد حركاتها التحررية الإمام الحسين (عليه السلام) فقد رثياه بذوب روحيهما وبلغ بهما الحزن عليه أقصاه.
وللسيد حيدر كوكبة من القصائد الخالدة في رثاء جده الإمام الحسين (عليه السلام) لم ينضم مثلها في عالم الرثاء وقد استنهض في كثير منها بالإمام المنتظر (عليه السلام) وطلب منه الخروج ليطهر الأرض من ذئاب البشرية وعلوج الشرك وأنصار الأمويين استمعوا إلى بعض ما يقوله:
من حامل لولي الأمر مالكة * تطوى على نفثات كلها ضرم
يا بن الأولى يقعدون الموت إن نهضت * بهم لدى الروع في وجه الضبا الهمم
الخيل عندك ملتها مرابطها * والبيض منها عرى أغمادها السأم
لا تطهر الأرض من رجس العدى أبدا * ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم
بحيث موضع كل منهم لك في * دماه تغسله الصمصامة الخذم
أعيذ سيفك أن تصدى حديدته * ولم تكن فيه تجلى هذه النعم
قد آن أن يمطر الدنيا وساكنها * دما أغر عليه النقع مرتكم
حران تدمغ هام القوم صاعقة * من كفه وهي السيف الذي علموا
نهضا فمن بظباكم هامه فلقت * ضربا على الدين فيه اليوم يحتكم
وتلك أنفالكم في الغاصبين لكم * مقسومة وبعين الله تقتسم
أرأيتم كيف يستعطف السيد حيدر الإمام المهدي (عليه السلام) ويستحثه على الخروج بهذا الشعر الثوري الذي يهز أعماق النفوس طالبا من الإمام أن ينزل عقابه الصارم على القوى الباغية التي أذاقت آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنواعا مريرة من الغصص والكوارث.
ويستمر السيد حيدر في رائعته مخاطبا للإمام قائلا:
وإن أعجب شيء أن أبثكها * كأن قلبك خال وهو محتدم
ما خلت تقعد حتى تستثار لهم * وأنت أنت وهم فيما جنوه هم
لم تبق أسيافهم منكم على ابن تقى * فكيف تبقي عليهم لا أبا لهم
فلا وصفحك إن القوم ما صفحوا * ولا وحلمك إن القوم ما حلموا
فحمل أمك قدما أسقطوا حنقا * وطفل جدك في سهم الردى فطموا
لا صبر أو تضع الهيجاء ما حملت * بطلقة معها ماء المخاض دم
هذا المحرم قد وافتك صارخة * مما استحلوا به أيامه الحرم
يملأن سمعك من أصوات ناعية * في مسمع الدهر من أعوالها صمم
تنعى إليك دماء غاب ناصرها * حتى أريقت ولم يرفع لكم علم
ويستمر السيد حيدر في عرض مآسي كربلا وما جرى من أهوال الكوارث والخطوب على أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) ويطلب من مهدي آل محمد (عليه السلام) أن يعجل في ظهوره لينتقم من الظالمين والراضين بإبادة عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أكثرهم في كل زمان ومكان.
رائعة أخرى للسيد حيدر:
وللسيد حيدر رائعة أخرى في الإمام المنتظر (عليه السلام) يستعرض فيها ما ألم بالإسلام من المحن والخطوب وتجميد أحكامه ثم يعرج ثانيا إلى رثاء أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) الذي هز الضمير العالمي بما حل به من عظيم الآلام يقول السيد حيدر:
الله يا حامي الشريعة * أتقر وهي كذا مروعه
بك تستغيث وقلبها * لك عن جوى يشكو صدوعه
تدعو وجرد الخيل مصغية * لدعوتها سميعه
وتكاد ألسنة السيوف * تجيب دعوتها سريعة
فصدروها ضاقت بسر * الموت فأذن أن تذيعه
ويستمر السيد حيدر في استنهاض الإمام (عليه السلام) فيقول:
مات التصبر في انتظارك * أيها المحيي الشريعة
فانهض فما أبقى التحمل * غير أحشاء جزوعه
قد مزقت ثوب الأسى * وشكت لواصلها القطيعة
فالسيف إن به شفاء * قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش * هذه النفس الصريعة
كم ذا القعود ودينكم * هدمت قواعده الرفيعة
تنعى الفروع أصوله * وأصوله تنعى فروعه
فيه تحكم من أباح * اليوم حرمته المنيعة
ويعرض السيد حيدر المآسي والنكبات التي مني بها الإسلام وابتلى بها المسلمون وعرج بعد ذلك إلى مصائب سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) الخالدة في دنيا الأحزان فيقول مخاطبا الإمام المنتظر (عليه السلام):
ماذا يهيجك إن صبرت * لوقعة الطف الفضيعه
أترى تجيء فجيعة * بأمض من تلك الفجيعة
حيث الحسين على الثرى * خيل العدى طحنت ضلوعه
قتلته آل أمية * ظام إلى جنب الشريعة
ورضيعه بدم الوريد * مخضب فاطلب رضيعه(٣٣٠)
إن في رثاء الحلي لجده أبي الأحرار ما يفتت القلوب، فقد رثاه بذوب روحه وبكاه أمر البكاء وأقساه، وحسب أنه من المنكوبين بهذه الفاجعة الكبرى التي ما أصيب المسلمون ولا امتحنوا بمثلها، فقد أخلدت لهم الأسى والحزن فلم يرع السفكة المجرمون من بني أمية أي حرمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذريته وأهل بيته، فقد حصدت سيوفهم بوحشية قاسية رؤوس أولئك الأحرار الذين ثاروا من أجل تحرير الإنسان من الظلم والاستبداد.
١٨ - السيد علي خان:
وممن نظم في الإمام المهدي (عليه السلام) السيد علي خان الموسوي الحويزي قال:
أو قائم مهدي جبار السماء * مهدي الورى من ليل جهل غاسق
ذي حملة إن هال يوم كريهة * لم يخش خوض بواسل وبوارق
للمال أكرم واهب للدين أحسن * ناشر، للفتن أعظم راتق
تشتاق صحبته أنابيب القنا * وله حنين سوابغ وسوابق
الخضر حاجبه وعيسى تلوه * يتلوه بين عوالم وخوالق
ذي سيرة نبوية من عدلها * لم يخش ليث الغاب قلب الناهق
الله يظهره ويدني وقته * فعسى يطيب به فؤاد الوامق(٣٣١)
١٩ - الخليعي:
وآمن الخليعي بالإمام المنتظر (عليه السلام)، وقال في قصيدة له يتشوق إلى ظهوره:
طلاب العلى بالسمهري المقوم * وضرب الطلى مرمى إلى كل مغنم
وضربة عضب باتر الحد مرهف * وصهوة مهر أعوجي مطهم
ألا في سبيل الله نفس تقدمت * وتاقت إلى نصر الإمام المعظم
إلى نصر مغوار طويل نجاده * على فتك أعداء الإله مصمم
إلى القائم المهدي من آل أحمد * إلى العروة الوثقى إلى البطل الكمي
كريم نجاد طالبي مناسب * إلى ذروة المجد الحسيني ينتمي
مناقب جلت أن تعد لواصف * فبالعقل لا تحصى ولا بالتوهم
يقوم مع الركن اليماني قانتا * يؤم بروح الله عيسى ابن مريم
ومن حوله غر الملائك عكف * وأنصاره من كل أشوس معلم
ويسري وأسد الغاب حول ركابه * إلى نهج يهدي إلى الرشد أقوم(٣٣٢)
٢٠ - عبد الغني العاملي:
أما الشيخ عبد الغني العاملي فهو سليل العالم الكبير الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي مؤلف وسائل الشيعة وهو من عيون كتب الإمامية في الحديث والتي يرجع إليها الفقهاء، وقد نظم الشيخ عبد الغني ديوانا في الإمام المنتظر (عليه السلام) وقد طبع بالمطبعة الحيدرية سنة (١٣٣٩ هـ) ومما جاء في إحدى قصائده:
يا إمام الهدى وخير مليك * جعل الله جنده الأملاكا
لم تزل راعيا بعيني رؤوف * لنفوس طول النوى ترعاكا
قد مددنا إليك كف رجاء * خاب من مد كفه لسواكا
إنما نعمة الله فينا * ونعيم الجنان من نعماكا
وقال في قصيدته أخرى من ديوانه:
متى مليك الورى في نور طلعته * يجلو دياجي الرزايا عن رعيته
متى ينادي المنادي باسمه علنا * هذا إمام الهدى بشرى لشيعته
متى يقوم بأمر الله قائمنا * فيصلح الدين والدنيا بنهضته
متى يقوم لنصر الدين ناصره * وينشر الراية العظمى لنجدته
فمن سواه لدين الله منتصر * ومستجيب إذا يدعو لدعوته
فها هو الدين أمسى باسمه لهجا * ومستغيثا بحاميه وحجته
مقوم كل معوج يسام به * بماضيين شبا الماضي وعزمته
لم يأت من منذر أو مرسل زمنا * إلا وبشره الباري بدولته
لا نكر حيث أمني النفس نصرته * فالرسل كانت تمنى نيل نصرته
وغير بدع إذا ما همت فيه هوى * فإنما الخلق تنجو في محبته
وهو الذي يملأ الدنيا كما ملئت * بظلم كل ظلوم في عدالته
وهو الأمان لأهل الأرض قاطبة * أزمة الدين والدنيا بقبضته
وهو المعز لمن والاه منتظرا * مذل جمع العدى في عز دولته
وهو الذي الملأ الأدنى يفوز به * ويسعد الملأ الأعلى بخدمته
وهو المثير عجاج الحرب حيث بدا * فيأخذ الثأر موتورا بثورته
مدمر الكفر ماحي الشرك صارمه * وساحق كل طاغوت بسطوته
تمحو الضلال وتحيي الرشد إمرته * طوبى لكل امرء يبقى لإمرته
وهو الإمام الذي تحكي حكومته * حكومة المصطفى المحيي بحكمته
شمائل المصطفى تحكي شمائله * كما بطلعته يبدو كطلعته
نطقا وخلقا وأخلاقا يوافقه * وأسماكما أنه يكنى بكنيته
يقوم أمرا كما قام النبي به * وأنه سائر فيه بسيرته
يدعو الأنام إلى إحياء سنته * مقوما كل معوج بدعوته
مشيدا دينه في حد صارمه * وموضحا نهجه محي لسنته
يعيد شخص الهدى غضا شباه إذا * يلغي ضلال العدى مبل لجدته
إمام حق يحق الحق مرهفا * ويمحق الباطل الساجي بغيبته
والقصيدة على هذا الغرار في جودتها وحسن سبكها، وقد تضمنت في كثير من أبياتها للأحاديث النبوية التي أثرت في الإمام المنتظر (عليه السلام).. والديوان كله في الإمام (عليه السلام)، وفيه من غرر الشعر العربي، وقد دل على براعة الشاعر، وتفوقه في إبداعه ونظمه.
٢١ - حسن قفطان:
ومن الشعراء الذين نظموا في الإمام المنتظر (عليه السلام) الشيخ حسن قفطان قال رحمه الله:
متى أمتطي نهد الجزارة فارها * بدولة سلطان الورى مدرك الثار
إمام يرانا وهو عنا محجب * إلى طلعة منه ببارقه الشاري
تعود به الدنيا شبابا نعيمها * لها زهو أزهار ويانع أثمار
ويملأها بالعدل من بعد جورها * ويكلأها من موبقات وأخطار
و تخصب أقطار البلاد بنائل * لها من نداه لا بوابل أمطار
ويحني علينا دولة الدين غضة * تضيء بأنوار وتزهو بأنوار
ومن أبيات هذه القصيدة قوله:
لقد عقد الله اللوى والولا له * فقام مطاعا بين نهي وانذار
يبشر جبريل به كل عالم * ويدعو إلى آثاره خير آثار
هلموا إلى الداعي إلى الله واحذروا * مقامي وعوا يا أيها الناس انذاري
يحيط بعلم الكائنات وعلة * لها وعليها شاهد يوم اقرار
٢٢ - السيد عباس:
والسيد عباس شاعر ملهم له عدة قصائد في الإمام المنتظر (عليه السلام) كان منها هذه الأبيات من إحدى قصائده.
يا خاتم الغر الميامين الأولى * سبقوا البرية في تقى وسماح
وممهد الدنيا بإمرة عادل * في ضرب مرهفة وطعن رماح
ما آن أن يبدو جمالك مشرقا * في فتية بيض الوجوه صباح
ولواء جدك فوق رأسك خافق * بالنصر والإقبال والإنجاح
والجيش من تحت اللواء مهلل * يختال بين ذوابل وصفاح
٢٣ - الشيخ محمد السماوي:
نظم الشيخ محمد السماوي كوكبة من القصائد في الإمام المنتظر (عليه السلام) كان منها هذه الأبيات من إحدى قصائده قال:
يهني النبوة والإمامة قائم * بالحق مرفوع المنار مكين
ويبلغ الآمال بدر طالع * للناظرين ومطلع ميمون
ملك عليه من المهابة حاجب * لكنه بسماحة مقرون
فالخيل تسبح والفوارس تدرى * فيما قضى التعويل والتمرين
والسمر تشرع والمواضي تنتضي * شوقا لما يأتي لها ويكون
فمن السوابح والفوارس والقنا * والبيض كم ماجت هناك متون
قد أعربت فيه السواجع بالهنا * لكنما أعرابها تلحين
ما لاح حتى تعفر جبهة * منه ويسجد للإله جبين
يتلونن على الذين استضعفوا * وعد لعمرك بالوفا مضمون
يا مدرك الأوتار كم طالت لها * عنق وكم مدت إليك عيون
لا وعدك الجاري لنا متخلف * كلا من الوفا ممنون
لكنا الأرجاء لم يطمح به * طرف ولم يشمخ به عرنين
سرعان ما قد غبت عن مقل الورى * فلها إليك تلفت وحنين
اثرى تقر العين وهي كئيبة * ويسر فيك القلب وهو حزين
ويعود روض العدل وهو منور * ويجود ماء الفضل وهو معين
فأراك أقدر ما أرى ترنو إلى * لوح القضا وتقول كن فيكون
وتقيم عدل الأرض حتى لا يرى * متظلم فيها ولا مسكين
فأقوم أنشد في ثناك مدائحي * وأقول أنت البحر وهي النون(٣٣٣)
ودلت هذه اللوحة على براعة السماوي وتفوقه في ميدان الأدب كما دلت على إيمانه العميق بالإمام المنتظر (عليه السلام)، وأنه يترقب ظهوره لينشر العدل ويقيم الحق، ويدمر الظلم والجور.
وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض الشعراء الذين آمنوا بالإمام المنتظر وترقبوا ظهوره، كما ينتهي بنا الحديث عن المؤمنين بظهوره (عليه السلام) ليقيم الحق والعدل، ويحيي الإسلام ويميت الكفر والظلم والاستبداد.
٢ - المنكرون للإمام:
وأنكر جماعة من المؤرخين الإمام المنتظر (عليه السلام) ونعوا على الشيعة إيمانهم به، كان من بينهم من يلي:
١ - ابن خلدون:
عقد ابن خلدون فصلا في مقدمته أنكر فيه على أئمة الحديث رواياتهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإمام المهدي (عليه السلام)، وإيمانهم بها، وزعم أن تلك الروايات لا أصل لها، وقد تصدى للرد عليه المحقق والعالم المعروف الأستاذ أحمد محمد شاكر، قال:
"أما ابن خلدون فقد فقأ ما ليس له به علم، واقتحم قحما لم يكن من رجاله، وغلبه ما شغله من السياسة، وأمور الدولة، وخدمة من كان يخدم من الملوك والأمراء، فأوهم أن شأن المهدي عقيدة شيعية أو أوهمته نفسه ذلك فعقد في مقدمته المشهورة فصلا طويلا جعل عنوانه، فصل في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس من أمره.."(٣٣٤).
ويأخذ الأستاذ أحمد محمد شاكر في تفنيد ابن خلدون، وأن إنكاره للإمام (عليه السلام) إنكار لضروري من ضروريات الدين، فقد تواترت الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن المهدي (عليه السلام)، وأنه لا مجال بأي حال للريب والطعن فيها.
٢ - محمد أمين البغدادي:
وأنكر محمد أمين البغدادي الشهير (بالسويدي) وجود الإمام المنتظر (عليه السلام)، وذهب إلى أنه سيولد، قال: "وزعمت الشيعة أنه غاب في السرداب بـ (سر من رأى) والحرس عليه سنة (٢٦٢ هـ) وأنه صاحب السيف القائم قبل قيام الساعة، وله قبل قيامه غيبتان: أحدهما أطول من الأخرى".
قلت: ومما يبطل كون المهدي محمد هذا هو المنتظر قبل الساعة أصولهم التي أسسوها للإمامة وهي ما ذكروه في كتبهم من أن نصب الإمام واجب على الله تعالى، وأنه لا يجوز على الله أن يخلي الزمان من الإمام، وعندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الاثني عشر الذين ذكرناهم وهم الذين يوجبون العصمة لهم، فيقتضي أن الله قد ترك ما هو واجب عليه من عدم نصب المهدي إماما بعد موت أبيه، بل أخر ذلك إلى آخر الزمان.
إن قالوا: إنه إمام الآن، فنقول: وأي فائدة من إمام مختف عاجز، لا يقدر على رفع الظلم مع أن زمان الأئمة الذين كانوا قبله كان أقرب لنبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ظهروا وهذا الزمان أحوج إلى ظهور الإمام فيه لبعده عن عصر النبوة، وزيادة الجور فيه، والذي اتفق عليه العلماء أن المهدي هو القائم في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلا"(٣٣٥).
وليس في هذا الانكار أية أصالة أو موضوعية إذ ليس فيما تلتزم به الشيعة من أمر إمامها المهدي (عليه السلام) ما يتنافى مع مقولاتها العقائدية - كما توهم السويدي - فإن نصب الإمام (عليه السلام) واجب عقلا على الله تعالى من باب اللطف كما تؤمن بذلك الشيعة، والإمام المهدي أحد الأئمة الاثني عشر خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) على أمته وقد غاب عن الأبصار لحكمة ذكرناها بالتفصيل في البحوث السابقة، وأنه لا بد أن يظهر على مسرح الحياة فيقيم الحق وينشر العدل، ويبسط الأمن والرخاء بين الناس.
٣ - أحمد كسروي:
أما أحمد كسروي فهو مجوسي، وقد تحامل على الشيعة، وكذب وافترى عليهم، قال فيما يخص الإمام المهدي (عليه السلام): "ثم لما مات الحسن العسكري وذلك في عام (٢٦٠ هـ) كانت هناك الداهية الدهياء، فإن الحسن لم يكن له عقب فتحير الروافض وتفرقوا فرقا فذهبت طائفة إلى أن الإمامة قد انقطعت، وتمت، واتبعت فئة منهم جعفر بن علي أخا الحسن.
وقام عثمان بن سعيد من أمناء الحسن، وأتى بدعوى من أعجب الدعاوي فادعى أن الحسن له ولد، في الخامس من سنيه مختف في (السرداب) لا يظهر لأحد وهو الإمام بعد أبيه"(٣٣٦).
وأحمد كسروي معروف في اتجاهاته وعمالته للإنكليز، وليس أوهن قولا من قوله: إن عثمان بن سعيد أحد نواب الإمام هو الذي ادعى أن الحسن العسكري له ولد وهو الإمام المنتظر وأنه لا يظهر لأحد، فإليه تستند دعوى المهدوية، وهذا افتراء محض فقد ذكرنا في البحوث السابقة سيلا من الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أئمة الهدى (عليهم السلام)، وهي تحمل البشرى للعالم الإسلامي بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وإنه يقيم ما اعوج من الدين، ويعيد للإسلام نضارته وأيامه.
٤ - أحمد أمين:
أما أحمد أمين فهو كأحمد الكسروي المجوسي في عدائه لأئمة الهدى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وقد عرف بحقده البالغ على الشيعة، وانتقاصه لهم من دون أن يستند إلى مصدر من مصادرهم - كما أعترف به - وإنما يستند إلى ما اترعت نفسه من البغض والكراهية لأعظم طائفة في الإسلام وغيره قد تبنت الحق، ورفعت شعار العدل، وتمردت على الظلم والطغيان، يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: "للشيعة أكبر الفضل في إغناء المضمون الروحي للإسلام، وإشاعة الحياة الخصبة القوية العنيفة التي وهبت هذا الدين البقاء قويا عنيدا، قادرا على إشباع النوازع الروحية للنفوس حتى أشدها تمردا وقلقا، ولولاها لتحجر في قوالب جامدة"(٣٣٧).
وعلى أي حال فقد ألف أحمد أمين رسالة أنكر فيها الإمام المهدي وعاب على الشيعة إيمانهم به، ولم يعر أي اهتمام لما روته صحاح السنة من الأحاديث النبوية المتواترة في الإمام المهدي (عليه السلام) وقد تصدى للرد عليه سماحة الأستاذ، حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد أمين زين الدين، كما رده سماحة الحجة المغفور له الشيخ محمد علي الزهيري، وقد صدر الكتاب سماحة الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، وقال: "إن قضية الغائب المنتظر أرواحنا فداه عقيدة راسخة، وقاعدة شامخة مبنية على أصول مثبتة، وقواعد رصينة لا يمكن التنصل عنها، والخروج منها وأصبحت أمرا مفروغا عنه"(٣٣٨).
٥ - شكري أفندي:
ومن المنكرين للإمام (عليه السلام) شكري أفندي البغدادي، فقد نظم قصيدة أعرب فيها عن شكوكه وإنكاره للإمام (عليه السلام)، كان منها:
أيا علماء العصر يا من لهم خبر * بكل دقيق حار من دونه الفكر
لقد حار مني الفكر في الغائب الذي * تحير فيه الناس والتبس الأمر
فمن قائل في القشر لب وجوده * ومن قائل قد ذب عن لبه القشر
وقد تصدى علماء (النجف الأشرف) للرد عليها فقد ألف الحاج المحقق ميرزا حسين النوري الطبرسي كتابا للرد عليه أسماه"كشف الأستار عن الحجة الغائب عن الأبصار"ذكر فيه النص على ولادته ووجوده مستندا في ذلك إلى أربعين عالما من أكابر علماء السنة، كما نظم قصيدة عصماء الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء نضر الله مثواه في الرد عليه، مطلعها:
بنفسي بعيد الدار قربه الفكر * وأدناه من عشاقه الشوق والذكر
وقد طبعت القصيدة مستقلة كما طبعت في (إلزام الناصب).
علامات ظهوره
وألقت الأخبار الأضواء والمؤشرات على علامات ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام)، وحددت الزمان والمكان اللذين يظهر فيهما... أما الأخبار التي تحدثت عن علامات ظهوره، فبعضها حتمي لا بد أن يتحقق على مسرح الحياة، وبعضها غير حتمي، ونعرض إلى الجهة الأولى:
العلامات الحتمية:
وأجمعت الأخبار على ضرورة تحقق بعض العلامات قبل ظهور الإمام (عليه السلام)، وهذه بعضها:
انتشار الظلم:
من العلامات البارزة لخروج الإمام المهدي (عليه السلام) انتشار الظلم، وشيوع الجور، وانعدام الأمن والاستقرار، حتى تصبح الحياة قاتمة مليئة بالأحداث والخطوب، ويعيش الإنسان على أعصابه من كثرة ما يعانيه من الخوف والإرهاب، وقد خيمت على المجتمع الإنساني الحياة الجاهلية بآثامها وشرورها، وتسابق الناس إلى المنكر حتى عاد بينهم معروفا، أما الإسلام فإنه يعود غريبا كما بدأ قد جمدت طاقاته، وأجهزت عليه الدول الكبرى الظالمة التي ترغم الناس على ما يكرهون، والتي تستغل ثروات المسلمين، وتنهب إمكانياتهم الاقتصادية، وتجعلهم تحت مناطق نفوذها.
وعلى أي حال فالذي يدعم ما ذكرناه كوكبة من الأخبار، كان من بينها ما يلي:
١ - روى أبو سعيد الخدري، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:
"ستكون بعدي فتن منها فتن الأحلاس(٣٣٩) يكون فيها هرب وحرب، ثم من بعدها فتن كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ولا مسلم إلا وصلته، حتى يخرج رجل من عترتي(٣٤٠).
ومعنى هذا الحديث أنه ستدهم بلاد المسلمين وغيرهم فتن رهيبة وأحداث دامية حتى لا يبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته، ولا بيت من بيوت المسلمين إلا شملته تلك الفتن والكوارث.
٢ - روى أبو سعيد الخدري، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لا يزال بكم الأمر - أي الشدة والضيق - حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف عندها حتى تملأ الأرض جورا، فلا يقدر أحد يقول: "الله"ثم يبعث الله عز وجل رجلا مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها، ويحثو المال حثوا، ولا يعد عدا حتى يضرب الإسلام بجرانه"(٣٤١).
ومعنى هذا الحديث أن الأرض ستملأ بالظلم والجور حتى يبلغ الحال أن الإنسان لا يستطيع أن يتفوه بكلمة الله تعالى، فقد سيطرت القوى الإلحادية على جميع أنحاء الأرض، وحالت بين الخالق العظيم وبين الناس فعند ذلك يبعث الله وليه العظيم لينقذ الناس مما هم فيه من البلاء والضيق، ويعيد للإسلام نضارته ورحمته للناس.
٣ - روى أبو سعيد الخدري، أن النبي الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشد منه، حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جورا وظلما ولا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم فيبعث الله عز وجل رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليم مدرارا، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع تتمنى الإحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره(٣٤٢).
وحكى هذا الحديث ما يمنى به المسلمون من الخطوب والكوارث من جراء ملوكهم الذين يحكمون فيهم بالظلم حتى تمتلأ الأرض بالجور، ثم يبعث الله تعالى مهدي آل محمد (عليه السلام) رحمة للعباد، فيملأ الأرض رحمة وخيرا ويقضي على جميع أفانين الظلم والجور.
٤ - قال (صلى الله عليه وآله): "سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا"(٣٤٣).
ألقى هذا الحديث الأضواء على حكام المسلمين، وقسمهم إلى أقسام فبعضهم: خلفاء، وبعضهم: ملوك، وبعضهم: جبابرة، يملأون البلاد ظلما وجورا، ثم يبعث الله المنقذ العظيم، مهدي آل محمد (عليه السلام)، فيحطم أولئك الجبابرة ويقيم حكم الله في الأرض.
٥ - روى عوف بن مالك، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "كيف أنتم يا عوف إذا افترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها في الجنة وسائرهم في النار!!.
وسارع عوف قائلا:
كيف ذلك؟.
فأجابه رسول الله (صلى الله عليه وآله) موضحا له ما يجري على المسلمين قائلا"إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الجهلة على المنابر، واتخذ الفيء دولا، والزكاة مغرما، والأمانة مغنما، وتفقه في دين الله لغير الله، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره، فيومئذ يكون ذلك فيه يفزع الناس إلى (الشام) وإلى مدينة يقال لها (دمشق) من خير مدن الشام فتحصنهم من عدوهم.
فقيل له:
يا رسول الله، وهل تفتح (الشام)؟
قال (صلى الله عليه وآله): وشيكا ثم تقع الفتنة بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم تتبع الفتن بعضها بعضا، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي(٣٤٤).
وتحدثت هذه الرواية عما يصاب به العالم الإسلامي من التحلل والفساد وانحراف المسلمين عن المبادئ القديمة والمثل العليا التي جاء بها الإسلام، وتسود من جراء ذلك الفتن والكوارث حتى ينقذ الله المسلمين بوليه الإمام المنتظر فيحيي الدين، ويقيم معالم الإسلام.
٦ - قال (صلى الله عليه وآله): "منا مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا(٣٤٥) وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيرا، ولا صغير يوقر كبيرا، فيبعث الله عند ذلك مهدينا، التاسع من صلب الحسين (عليه السلام) يفتح حصون الضلالة وقلوبا غفلا، يقوم في الدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا"(٣٤٦)، وأعرب هذا الحديث عما تمنى به الحياة العامة من ضروب قاسية من الفتن والقلق والاضطراب، وفقدان المقاييس، حتى يبعث الله المنقذ العظيم فيغير الحياة ويبنى طرقا لسعادة الناس وأمنهم ورخائهم.
٧ - روي عن الإمام أبي جعفر، محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: "لا يظهر المهدي إلا على خوف شديد من الناس، وزلزال وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتت في دينهم وتغير في حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس، وأكل بعضهم بعضا، فخروجه (عليه السلام) إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يرى فرجا، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن خالفه وخالف أمره"(٣٤٧).
وألقت هذه الرواية الأضواء على وقت خروج الإمام (عليه السلام) وأنه لا يظهر حتى تمتلأ الدنيا بالظلم والجور، ويشيع الخوف والإرهاب بين الناس حتى يتمنى الرجل مفارقة الحياة ليسلم مما يعانيه من الآلام النفسية، وأن ظهور الإمام (عليه السلام) من الأمور الحتمية إلا أنه يكون في وقت يأس الناس وقنطوهم من تغيير الأوضاع الاجتماعية، أو إزاحة ما هم فيه من الظلم والجور.
٨ - وتحدث الإمام أبو جعفر (عليه السلام) في مجتمع من شيعته عن الإمام المنتظر (عليه السلام)، فقال:
"والقائم منا منصور بالرعب - أي رعب أعدائه - مؤيد بالظفر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمره، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته، ويتنعم الناس في زمانه نعمة لم يتنعموا مثلها قط"..
فانبرى إليه شخص فقال له:
"متى يخرج قائمكم؟...".
فأجابه الإمام عن علامات ظهوره قائلا: "إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وركبت ذوات الفروج السروج وأمات الناس الصلوات واتبعوا الشهوات وأكلوا الربا واستخفوا بالدماء وتعاملوا بالربا وتظاهروا بالزنا وشيدوا البناء واستحلوا الكذب وأخذوا الرشا واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا وقطعوا الأرحام ومنوا بالطعام(٣٤٨) وكان الحلم ضعفا والظلم فخرا والأمراء فجرة والوزراء كذبة والأمناء خونة والأعوان ظلمة والقراء فسقة وظهر الجور وكثر الطلاق وبدا الفجور، وقبلت شهادة الزور، وشربت الخمور، وركب الذكور الذكور، واستغنت النساء بالنساء واتخذوا الفيء مغنما والصدقة مغرما واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم وخرج السفياني من (الشام) واليماني من (اليمن) وقتل غلام من آل محمد بين (الركن) و(المقام) وصاح صائح من السماء بأن الحق معه ومع أتباعه فعند ذلك خروج قائمنا فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أتباعه فأول ما ينطق به هذه الآية * (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * .
ثم يقول أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم فلا يسلم مسلم عليه إلا قال: السلام عليك يا بقية الله في الأرض فإذا اجتمع عنده العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممن يعبد غير الله إلا آمن به وصدقه وتكون الملة واحدة ملة الإسلام وكلما كان في الأرض من معبود سوى الله فتنزل عليه نار من السماء فتحرقه"(٣٤٩).
وألقت هذه الرواية الأضواء على كثير من علامات ظهور الإمام (عليه السلام) والتي ترجع إلى انهيار المجتمع وإصابته بكثير من عوامل التحلل والفساد.
أشراط الساعة:
وتحدثت بعض الروايات عما يجري في آخر الزمان من الفتن والأزمات وأكبر الظن أنها من علامات ظهور الإمام (عليه السلام) ونذكر منها حديثين:
الحديث الأول:
روى عطاء بن أبي رياح عن حبر الأمة عبد الله بن عباس قال: "حججنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع فأخذ باب الكعبة ثم أقبل على الناس بوجهه وخاطبهم قائلا:
ألا أخبركم بأشراط الساعة؟..
فانبرى إليه الفارسي وكان من أدنى الناس إليه فقال"بلى يا رسول الله..."
فأخذ النبي يدلي عليهم بما سيجري ويكون قائلا:
"إن من أشراط القيامة إضاعة الصلاة واتباع الشهوات والميل مع الأهواء وتعظيم المال وبيع الدين بالدنيا فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه، كما يذوب الملح في إناء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره...".
وبهر سلمان فقال:
أهذا لكائن يا رسول الله؟..
فقال: (صلى الله عليه وآله): "إي والذي نفسي بيده يا سلمان إن عندها يليهم أمراء جورة ووزراء فسقة وعرفاء ظلمة وأمناء خونة.."
وسارع سلمان قائلا:
"إن هذا لكائن يا رسول الله؟..
فقال (صلى الله عليه وآله): "إي والذي نفسي بيده يا سلمان إن عندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق".
قال سلمان:
إن هذا لكائن يا رسول الله؟...
فأجابه (صلى الله عليه وآله): "أي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها إمارة النساء، ومشاورة الإماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفا، والزكاة مغرما، والفيء مغنما، ويجفو الرجل والديه، ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب".
وانبرى سلمان قائلا.
إن هذا لكائن يا رسول الله؟.
فقال (صلى الله عليه وآله): "أي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة، ويكون المطر قيظا ويغيظ الكرام غيظا، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق، إذ قال هذا لم أبع شيئا، وقال هذا لم أربح شيئا، فلا ترى إلا ذاما لله".
وسارع سلمان قائلا.
إن هذا لكائن يا رسول الله؟...
قال النبي: "إن هذا لكائن والذي نفسي بيده، يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم، وليطؤون حرمتهم، وليسفكن دماءهم، وليملؤن قلوبهم رعبا فلا تراهم إلا وجلين، خائفين مرعوبين، مرهوبين".
سلمان: إن هذا لكائن.
النبي: "أي والذي نفسي بيده، يا سلمان إن عندها يؤتى شيء من المشرق، وشيء من المغرب يلون أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرا، ولا يوقرون كبيرا، ولا يتجاوزون عن مسيء، أخبارهم خفاء، جثثهم جثث الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين".
سلمان: إن هذا لكائن يا رسول الله؟.
النبي: "أي والذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من أمتي لعنة الله".
سلمان: إن هذا لكائن يا رسول الله؟.
النبي: "أي والذي نفسي بيده، يا سلمان إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس، وتحلى المصاحف وتطول المنارات، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة، وألسن مختلفة".
سلمان: إن هذا لكائن؟
النبي: أي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج ويتخذون جلود النمور صفاقا".
سلمان: إن هذا لكائن.
النبي: "أي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها يظهر الربا ويتعاملون بالغيبة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا".
سلمان: هذا لكائن النبي: "أي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حد ولن يضر الله شيئا".
سلمان، إن هذا لكائن؟.
النبي: "أي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تظهر القينات والمعازف، ويليهم أشرار أمتي".
سلمان: إن هذا لكائن؟.
النبي: "أي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يحج أغنياء أمتي للنزهة ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن ويتهافتون بالدنيا".
سلمان: إن هذا لكائن؟.
النبي: "أي والذي نفسي بيده يا سلمان ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسلط الأشرار على الأخيار، ويفشوا الكذب، وتظهر اللجاجة، وتفشوا الفاقة، ويتناهون في اللباس، ويمطرون في غير آوان المطر، ويستحسنون الكوبه والمعازف وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الأمة ويظهر قراؤهم وعبادهم فيم بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في ملك السماوات: الأرجاس والأنجاس"!.
سلمان: إن هذا لكائن؟.
النبي: "أي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها لا يخشى الغنى إلا الفقر حتى أن السائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في يده شيئا".
سلمان: إن هذا لكائن؟.
النبي: أي والذي نفسي بيده يا سلمان عندها يتكلم الروبيضة"، فقال سلمان: ما الروبيضة يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال (صلى الله عليه وآله):
"يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم فلم يلبثوا إلا قليلا حتى تخور الأرض خورة فلا يظن كل قوم إلا أنها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله، ثم ينكثون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها"، قال: "ذهبا وفضة ثم أومأ بيده إلى الأساطين، فقال: مثل هذا فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة، فهذا معنى قوله: فقد جاء أشراطها(٣٥٠) وهذا الحديث على تقدير صحته وسلامة سنده قد كشف عما يحدث في آخر الزمان من ابتعاد المسلمين عن دينهم، وإصابتهم بكثير من التحلل والانحراف وفساد الأخلاق، وعندها تتحقق أشراط الساعة، وأكبر الظن أنها كناية عن خروج الإمام المنتظر (عليه السلام).
الحديث الثاني:
رواه حمران، قال: جرى حديث الشيعة عند الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال: "إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه، وهو على فرس، وبين يديه خيل وأنا على حمار إلى جانبه، فقال لي: يا أبا عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة، وفتح لنا من العز، ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا، وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم، فقال له الإمام: من رفع هذا إليك عني، فقد كذب، فقال لي: أتحلف على ما تقول؟ فقلت: إن الناس سحرة - يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي - فلا تمكنهم من سمعك، فإنا إليك أحوج منك إلينا.
فقال لي: أتذكر يوم سألتك هل لنا ملك؟ فقلت: نعم طويل عريض، شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام، في بلد حرام، فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعل الله عز وجل أن يكفيك، فإني لم أخصك بهذا، وإنما هو حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك، فسكت عني.
فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا، فقال: جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس، وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته، فقلت بيني وبين نفسي: هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به، وهذا الآخر يعني المنصور يعمل بالجور، ويقتل أولاد الأنبياء ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار، فداخلني في ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي.
قال (عليه السلام): فقلت: لو رأيت من كان حولي، وبين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه، فقال: الآن سكن قلبي".
ثم قال: "إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟.
فقال الإمام: "أليس تعلم أن لكل شيء مدة"؟.
قال: بلى، فقال (عليه السلام): "هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة عين؟ إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي؟
كنت لهم أشد بغضا، ولو جهدت وجهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيه من الإثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون.
ألا تعلم أن من انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غدا في زمرتنا؟ فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق، وأحدث ما ليس فيه ووجه على الأهواء ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء، ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق لا يكذب، ولا يرد عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر الكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه، ولا يرد عليه قوله، ورأيت الغلام يعطى ما تعطي المرأة، ورأيت النساء يتزوجن بالنساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى فيه المؤمن من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن، مرحا لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية، ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلا، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا، ورأيت أصحاب الكيان يحقرون، ويحتقر من يحبهم، ورأيت سبيل الخير منقطعا، وسبيل الشر مسلوكا، ورأيت بيت الله قد عطل، ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول: ما لا يفعله، ورأيت الرجال يتمنون للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، وأظهروا الخضاب، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم، وتنوفس في الرجل، وتغاير عليه الرجال وكان صاحب المال أعز من المؤمن، وكان الربا ظاهرا لا يغير، وكان الزنا تمتدح به النساء، ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس، وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن، ورأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلل، والحلال يحرم، ورأيت الناس بالرأي، وعطل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستحى به من الجرأة على الله، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل، ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر، ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت ذوات الأرحام ينكحن، ويكتفى بهن، ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة، ويغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي، وتنفق على زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته، ويرضى بالدنيء من الطعام والشراب، ورأيت الإيمان بالله عز وجل كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها لا يمنعها أحد أحدا، ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يزور، ولا تقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس لاستماعه، وخف على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه، ورأيته الحدود قد عطلت، وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح، ويبشر بها الناس بعضهم بعضا، ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، ورأيت الخراب قد أديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخف بها ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لغرض الدنيا، ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى، وتستند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استخف بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمسي نشوان، ويصبح سكران، لا يهتم بما الناس فيه ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضا، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه ورأيت قلوب الناس قد قست، وجمدت أعينهم، وثقل الذكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر، يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يذم ويعير، وطالب الحرام يمدح ويعظم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله، لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين عمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين، ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقتدون بأهل الشر، ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كل عام يحدث فيه من البدعة والشر أكثر مما كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء ولا يفزع إليها أحد ورأيت الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من الناس ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوأ الناس حالا عند الولد ويفرح بأن يفترى عليهما ورأيت النساء وقد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهم فيه هوى ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ورأيت السلطان يحتكر الطعام ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور ورأيت الخمر يتداوى بها ويوصف للمريض ويستشفى بها ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ورأيت المساجد محتشدة ممن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يشان بالسكر وإذا سكر أكرم اتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه ورأيت القضاة يقضون بغير ما أمر الله ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها فرأيت: الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس ورأيت الناس همهم بطونهم؟؟ وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عز وجل النجاة وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب عجلت إلى رحمة الله وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل واعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين وأن رحمته الله قريب من المحسنين"(٣٥١).
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأخبار التي ذكرت أشراط الساعة وهي صريحة في انهيار أخلاق الناس وتحللهم من جميع المبادئ والقيم التي يسمو بها الإنسان وعودتهم إلى مآثم الحياة الجاهلية وشرورها وأغلب الظن أنها من أمارات وعلائم ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) فإنه لا يظهر إلا بعد تمادي الناس في الإثم وانتشار الرذائل وشيوع المنكر وانعدام الروابط الاجتماعية وتفكك الأسر فلم تعد بينها رابطة المحبة والمودة والألفة.
خروج الدجال:
ومن بين الأمارات الحتمية خروج الدجال وظهوره على مسرح الحياة وقيامه بتضليل الرأي العام وانقياد اليهود لحكمه، وتماديهم في الولاء له وإغرائه للسذج والبسطاء بالأموال حتى يكون قوة ضاربة يسيطر على بعض مناطق العالم الإسلامي.
وعلى أي حال فلا بد لنا من وقفة قصيرة للحديث عن الدجال.
تضافر الأخبار بظهوره:
وتضافرت الأخبار بحتمية ظهور الدجال قبل خروج الإمام المنتظر (عليه السلام) وهذه بعضها:
١ - روى هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال(٣٥٢).
ومعنى الحديث أن الدجال من أهم الأحداث التي تجري في عالم الوجود وذلك لما يصحبه من الفتن والدجل وإراقة الدماء.
٢ - روى أنس بن مالك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "ما من نبي إلا أنذر الدجال الأعور الكذاب ألا إنه أعور وأن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر"(٣٥٣).
لقد حذر الأنبياء أجمعهم من فتنة الدجال وإغرائه ودعواه الكاذبة التي تصد عن الحق، وتلقى الناس في شر عظيم.
٣ - روت أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: "كان النبي (صلى الله عليه وآله) في بيتي فذكر الدجال فقال إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلثي نباتها والثانية تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت وإن أشد فتنة أن يأتي الأعرابي، فيقول: أرأيت أن أحييت إبلك الست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى فتمثل الشياطين له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعها وأعظمها أسنة قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول بلى فتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه.
قالت أسماء: ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحاجة ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به فأخذ (صلى الله عليه وآله) بنا حتى باب والتفت إلى أسماء فقال لهم:
"مهيم أسماء؟".
فقالت أسماء: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال فقال (صلى الله عليه وآله):
إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن.
فقالت أسماء يا رسول الله إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس"(٣٥٤).
٤ - روى أبو إمامة الباهلي قال: "خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان أكثر خطبته حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله: أن قال:
"إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين (الشام) و(العراق) فيعيث يمينا ويعيث شمالا يا عباد الله فأثبتوا فإني سأصفه لكم وصفا لم يصفه إياه نبي قبلي إنه يبدأ فيقول أنا نبي ولا نبي بعدي فيقول أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وأنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب(٣٥٥) وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار(٣٥٦) فمن ابتلى بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم.
وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت أن بعثت لك أباك وأمك أتشهد إني ربك؟ فيقول نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين ثم يقول انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله تعالى ويقول له الخبيث من ربك؟ فيقول: ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم"(٣٥٧).
وألقى هذا الحديث والذي قبله الأضواء على دعاوى الدجال وأنه يدعي الربوبية ويضل الناس بما عنده من وسائل الدجل والخبث.
ألقابه:
ولم يتضح لنا اسم الأعور الدجال فقد عرف بلقبه ومن ألقابه الأخر.
المسيح.
والسبب في لقبه هذا اللقب أمور.
أ - أنه ممسوح العين.
ب - أنه يمسح الأرض يقطعها أو يطوفها كلها إلا (مكة) و(المدينة) و(بيت المقدس)(٣٥٨).
كنيته:
ويكنى بـ:
١ - أبي يوسف
٢ - أمير السلام أو إله فتى كرست لقبه بذلك اليهود(٣٥٩).
٣ - الرئيس لقبه بذلك النصارى(٣٦٠)
٤ - الدكتاتور(٣٦١)
٥ - الحاكم الأعلى(٣٦٢)
أوصافه:
أما صفات أعور الدجال فهي قبيحة تنم عن شروره وآثامه وقد أعلنت الأخبار بعض صفاته وملامحه فقد أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما يلي:
١ - إنه أعور العين اليسرى(٣٦٣)
٢ - أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة(٣٦٤)
٣ - إنه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في جنب جدار(٣٦٥) وعلى أي حال فهو أعور سواء كانت عينه اليمنى أو اليسرى.
٤ - أنه هيجان أزهر(٣٦٦) أي أبيض فيه حمرة.
٥ - عريض الجبهة مشرف الجيد(٣٦٧)
٦ - جفال الشعر(٣٦٨) أي شعره كثيف ملتف.
رواية موضوعة:
روى الضحاك أن الدجال ليس له لحية وافر الشارب طول وجهه ذراعان وقامته في السماء ثمانون ذراعا وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعا ثيابه وخفاه وسرجه ولجامه بالذهب والجوهر على رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر في يده طبرزن هيئته هيئة المجوس ترسه ترس فارسية وكلامه الفارسية تطوى له الأرض ولأصحابه طيا طيا يطأ مجامعها ويرد مناهلها إلا المساجد الأربعة مسجد (مكة) ومسجد (المدينة) ومسجد (بيت المقدس) ومسجد (الطور)(٣٦٩) وهذا الجسم بهذه الكيفية من الارتفاع والعرض خارج عن أجسام الإنسان، ويكون فصيلة أخرى ولم تنص أية رواية على ذلك.
بلاء المؤمنين به:
ويبتلى المؤمنون به يقول بعض العلماء: "ليس على أهل القدر حديث أشد من حديث الدجال"(٣٧٠).
يقول النووي: "إنه شخص ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله سبحانه"(٣٧١).
"وتظهر على يده بعض الآيات كإنزال المطر وغيره حتى يكون فتنة لمن رآه ولكن الله تعالى يكشف زيفه للمؤمنين الأخيار ويؤمن به السذج والبسطاء ممن اظلمت نفوسهم"(٣٧٢).
وأثر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها فمن تبعه أطعمه وأكفره(٣٧٣).
إنه مصدر فتنة وبلاء واختبار إلى الناس فمن آمن به فقد صرف من الإسلام ومن كفر به وجحده فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للإيمان وأنه ليفتك بالمؤمنين فتكا ذريعا وينزل بهم أقسى وأشد ألوان العذاب.
جنوده وأتباعه:
أما جنود الدجال وأتباعه فمعظمهم من اليهود الذين هم السبب لكل فتنة وفساد في الأرض وقد أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "الدجال أول من يتبعه سبعون ألفا من اليهود عليهم السيجان"(٣٧٤) "ومعه سحرة اليهود يعملون العجائب ويرونها للناس فيضلونهم بها"(٣٧٥) وفي رواية أخرى: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وثلاثة عشر ألف امرأة(٣٧٦) ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "يخرج إليه غوغاء الناس"والغوغاء معظمهم من السواد الذين تغويهم الدعاية حيثما شاءت.
ومن أتباعه ذوو الأطماع ففي الحديث النبوي: "ليصبحن الدجال أقوام يقولون إنا لنصحبه وإن لنعلم أنه كافر ولكن نصحبه لنأكل من طعامه ونرعى من الشجر فإذا نزل غضب الله نزل عليهم جميعا"(٣٧٧).
إيمان اليهود بالدجال:
وتؤمن اليهود بالدجال وينصبونه قائدا أعلى لهم ويرون أنه المسيح الموعودون به ويقولون هذا هو حقا المسيح الذي طالما انتظرناه هذا هو الذي يتكلم كتابنا المقدس عنه"(٣٧٨).
إن اليهود يؤمنون بالدجال لأنه يحمل أفكارهم وأحقادهم على الإسلام وهو سيدخل المعارك ضد المسلمين لتحقيق أطماع الصهيونية التي تمده بالمال والسلام.
أمارات ظهوره:
أما أمارات ظهور الدجال فهي أن يمنى الناس بكوارث اجتماعية واقتصادية والتي منها: شيوع الظلم والجور وانتشار الفساد وانعدام التوازن بين أفراد المجتمع وداخل الأسرة كما أن من الأمارات جفاف المياه وقلة الزراعة وانتشار القحط وشيوع البطالة وفقدان العمل وانعدام المستوى الثقافي والحضاري وغير ذلك من الآفات الاجتماعية المدمرة وفي الحديث النبوي:
"يكون قبل خروجه سنون خمس جدب، يهلك كل ذي حافر"(٣٧٩).
ويأتيهم الدجال بالطعام لإغرائهم وصدهم من سبيل الله تعالى إنه يأتيهم بالطعام في وقت ينهش الجوع أجسامهم وقد عجزت التكنولوجيا من توفير الطعام لهم.
وفي الحديث: "لأنا أعلم بما مع الدجال معه نهران: أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تتأجج"(٣٨٠).
تسخير الكنوز له:
ومن بلاء الدجال وفتنته أنه يخرج المعادن من الأرض ففي الحديث: "يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها"(٣٨١) وفي حديث آخر: "إنه يأمر الأرض أن تنبت فتنبت"(٣٨٢).
ومعنى ذلك أنه يستخدم السحر في سبيل أغراضه وغوايته للخلق فالسحر سلاحه الوحيد الذي يسيطر به على البسطاء الذين لم يكن لهم أي رصيد من العلم والتقوى.
نهايته:
ونهاية هذا المجرم الخطير تكون على يد الإمام المنتظر المنقذ الأعظم فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) بسنده عن آبائه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ذكر خروج الدجال والقرية التي يخرج منها وبعض أوصافه وأنه يدعي الألولهية وأنه في أول يوم من خروجه يتبعه سبعون ألفا من اليهود وأولاد الزنا والمدمنين بالخمر والمغنين وأصحاب اللهو والأعراب والنساء وقال (عليه السلام): "فيبيح الزنا واللواط وسائر المناهي حتى يباشر الرجال النساء والغلمان في أطراف الشوارع عراة وعلانية ويفرط أصحابه في أكل لحم الخنزير وشرب الخمور وارتكاب أنواع الفسق والفجور ويسخر آفاق الأرض إلا (مكة) و(المدينة) ومراقد الأئمة (عليهم السلام) فإذا بلغ في طغيانه وملأ الأرض من جوره وجور أعوانه يقتله من يصلي خلفه عيسى بن مريم وهو الإمام المهدي (عليه السلام)"(٣٨٣). إن الدجال الذي يقود حملة إرهابية من أجل الصهيونية العالمية فيشيع الخراب وينشر الفساد ويحارب الله تعالى تكون نهايته على يد أعظم مصلح اجتماعي.
خروج السفياني:
من العلامات الحتمية لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) خروج السفياني وهو من أعمدة الشر والفساد في الأرض، ولا بد لنا من وقفة قصيرة للحديث عنه.
نسبه:
نصت بعض المصادر أن السفياني من نسل خالد بن يزيد(٣٨٤) حفيد أبي سفيان العدو الأول للرسول وللإسلام، وهذه الأسرة لم تنجب إلا أعداء الإسلام، وخصوم القرآن، وأراذل البشرية.
ملامحه:
أما ملامحه فهي: "ضخم الهامة، وبوجهه أثر الجدري وبعينه نكتة بيضاء"(٣٨٥).
صفاته النفسية:
أما نزعاته فهي تحمل الشر والإثم والظلم والاعتداء على الناس، فهو إنسان منسوخ، من أقذر من عرفتهم الإنسانية، فإنه إذا ظهر يقتل الصبيان ويبقر بطون النساء(٣٨٦)، ويقتل الأبرياء إلى غير ذلك من ظلمه وموبقاته.
حديث للإمام أمير المؤمنين عن السفياني:
وأدلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديث مهم عن السفياني، أعرب فيه عن جرائمه وموبقاته، وما يقترفه من الظلم والجور، قال (عليه السلام) بعد ما ذكر اسمه:
"إنه: ملعون في السماء، ملعون في الأرض، أشد خلق الله جورا، وأكثر خلق الله ظلما".
وذكر (عليه السلام) أمورا ثم قال:
"ثم يخرج إلى (الغوطة) فما يبرح حتى يجتمع الناس إليه، ويلحق بهم أهل الضغائن فيكون، في خمسين ألفا، ثم يبعث إلى كلب(٣٨٧) فيأتيهم منه مثل السيل.
ويكون في ذلك الوقت رجال البربر يقاتلون رجال الملك من ولد العباس، وهم الترك، والديلم والعجم راياتهم سوداء، وراية البربر صفراء، وراية السفياني حمراء، فيقتتلون ببطن الوادي في (الأردن) قتالا شديدا، فيقتل فيما بينهم ستون ألفا، فيغلب السفياني، وأنه ليعدل فيهم حتى يقول القائل: ما كان يقال فيه إلا كذب، والله إنهم لكاذبون، لو يعلمون ما تلقى أمة محمد منه ما قالوا ذلك، فلا يزال يعدل حتى يسير ويعبر (الفرات)، ثم يرجع إلى (دمشق)، وقد دان له فيجيش جيشين: جيشا إلى (المدينة)(٣٨٨) وجيشا إلى (المشرق)، فأما جيش المشرق فيقتلون بـ (الزوراء)(٣٨٩) سبعين ألفا، ويبقرون بطون ثلاثمائة امرأة، ويخرج الجيش من (الزوراء) إلى (الكوفة) فيقتل بها خلقا، وأما جيش (المدينة) "بعد أن يفعلوا بالمدينة ما أحبوا يخرجون منها إلى (مكة)، وإذا توسطوا البيداء صاح بهم صائح وهو جبرائيل فلا يبقى منهم صالح إلا خسف الله تعالى به، ويكون في آخر الجيش رجلان: يقال لهما: بشير فيبشرهم(٣٩٠) والآخر نذير فيرجع إلى السفياني فيخبره بما نال الجيش عند ذلك، وأنهما أي البشير والنذير من جهينة.
ثم يهرب قوم من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بلد الروم فيبعث السفياني إلى ملك الروم: رد إلى عبيدي، فيردهم إليه، فيضرب أعناقهم على الدرج شرق مسجد (دمشق) فلا ينكر ذلك عليه، ثم يسير في سبعين ألفا نحو العراقين: (الكوفة) و(البصرة)، ثم يدور الأمصار، ويحل عرى الإسلام عروة بعد عروة، ويقتل أهل العلم، ويحرق المصاحف، ويخرب المساجد، ويستبيح الحرام، ويأمر بضرب الملاهي، والمطامير في الأسواق، والشرب على قوارع الطرق، ويحلل الفواحش، ويحرم عليهم كل ما فرض الله تعالى عليهم من الفرائض، ولا يرتدع عن الظلم والفجور، بل يزداد تمردا وعتوا، ويقتل كل من اسمه أحمد ومحمد، وعلي، وجعفر وحمزة، وحسن، وحسين، وفاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وخديجة، وعاتكة، حنقا، وبغضا لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثم يبعث فيجمع الأطفال، ويغلي الزيت لهم، فيقولون: إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما آذيناك، فيأخذ اثنين اسمهما حسن، وحسين فيصلبهما.
ثم يسير إلى (الكوفة) فيفعل بهم كما فعل بالأطفال، ويصلب على باب مسجدها طفلين: اسمهما حسن، وحسين، فيغلي دمائهما كما غلى دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى ذلك أيقن بالبلاء والهلاك، فيخرج منها متوجها إلى (الشام) فلا يرى في طريقه أحدا يخالفه، فإذا دخل (دمشق) اعتكف على شرب الخمر والمعاصي، ويأمر أصحابه بذلك.
ويخرج السفياني وبيده حربة فيأخذ المرأة فيدفعها إلى بعض أصحابه، فيقول: أفجر بها، وسط الطريق ويبقر بطنها، فيسقط الجنين من بطن أمه، فلا يقدر أحد أن يغير ذلك، فتضطرب الملائكة في السماء، فيأمر الله عز وجل جبرائيل (عليه السلام) فيصيح على سور (دمشق) ألا قد جاءكم الغوث يا أمة محمد، قد جاءكم الفرج وهو المهدي خارج (مكة) فأجيبوه".
وذكر الإمام علي أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام)، وأوصاف أصحابه وعددهم، وأوصاف السيد الحسني الذي يبايع الإمام هو وأصحابه بعد ما يرون الكرامة والمعجزة منه، وأضاف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ذلك قائلا:
"وتقع الضجة في (الشام) ألا إن أعراب (الحجاز) قد خرجوا إليكم، فيقول السفياني لأصحابه، ما تقولون في هؤلاء القوم؟ فيقولون: هم أصحاب نبل وابل، ونحن أصحاب القوة والسلاح، أخرج بنا إليهم، فيرونه قد جبن، وهو عالم بما يراد منه، فلا يزالون حتى يخرجون فيخرج بخيله ورجله بمائتي ألف وستين ألفا حتى ينزلوا بحيرة (طبرية)، فيسير المهدي، لا يحدث في بلد حادثة إلا الأمن والإيمان والبشرى، عن يمينه: جبرائيل، وعن يساره: ميكائيل، والناس يلحقونهم من الآفاق، حتى يلحقوا السفياني على بحيرة (طبرية)، ويغضب الله تعالى على السفياني وجيشه، ويغضب سائر خلقه عليهم حتى الطير في السماء، فترميهم بأجنحتها، وإن الجبال ترميهم بصخورها، فتكون وقعة يهلك الله عز وجل فيها جيش السفياني، ويمضي هاربا، فيأخذه رجل من الموالي اسمه صباح، فيأتي به إلى المهدي (عليه السلام) وهو يصلي العشاء الآخرة فيبشره فيخفف في صلاته ويخرج، ويكون السفياني قد جعلت عمامته في عنقه ويسحب، فيوقفه بين يديه، فيقول السفياني للمهدي يا بن العم من علي بالحياة أكون لك سيفا بين يديك، أجاهد أعداءك، والمهدي جالس بين أصحابه وهو أحيى من عذراء، فيقول: خذوه، فيقول أصحاب المهدي: يا بن بنت رسول الله تمن عليه بالحياة وقد قتل أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: شأنكم وإياه، وقد كان خلاه فيلحقه صباح في جماعة إلى عند السدرة فيضجعه، ويذبحه، ويأتي برأسه إلى المهدي، فتنظر شيعته إلى الرأس فيهللون ويكبرون، ويحمدون الله على ذلك، ثم يأمر المهدي بدفنه"(٣٩١).
والحديث بناء على صحة سنده، قد ألم بشؤون السفياني، وإنه إرهابي مجرم سفاك للدماء، ومبيح لجميع ما حرمه الله، وإن نهايته تكون على يد الإمام (عليه السلام).
مدة حكمه:
أما مدة حكم السفياني، وتمرده وظلمه، فهي ثمانية أشهر(٣٩٢) ففي هذه المدة القصيرة يشيع الإرهاب، ويقتل الأبرياء، وفي أيامه يخرج أمل المستضعفين، مهدي آل محمد (عليه السلام).
الرايات السود:
ومن العلائم الحتمية تشكيل جيش إسلامي، يرفع الرايات السود، وأكبر الظن أنها إنما صنعت سودا حدادا على سيد الشهداء، وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام الحسين (عليه السلام) الذي هو أبو الشهداء في جميع العصور، ونعرض لبعض الأخبار التي أعلنت أن رفع الجيوش للرايات السود من علامات ظهور الإمام (عليه السلام)، وفيما يلي ذلك:
١ - روى ثوبان، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل (خراسان) فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي"(٣٩٣).
٢ - روى الحسن، بسنده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر بلاء يلقاه أهل بيته، حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله حتى يأتوا رجلا اسمه كاسمي فيولوه أمرهم فيؤيده الله وينصره"(٣٩٤).
٣ - روى جابر، عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: "تنزل الرايات التي تخرج من (خراسان) إلى (الكوفة) فإذا ظهر المهدي (عليه السلام) بـ (مكة) بعثت إليه بالبيعة".
٤ - روى عبد الله بن مسعود، قال: "بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي (صلى الله عليه وآله) اغرورقت عيناه وتغير لونه، قلت: ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه؟ فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملؤوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج".
٥ - روى جلال الدين السيوطي، بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآه، قال: "تخرج من (خراسان) رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بـ (إيليا)، قال ابن كثير: "هذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية بل رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي".
٦ - روى عامر أبو الطفيل أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال له: يا عامر! إذا سمعت الرايات السود مقبلة من (خراسان) فكنت في صندوق مقفل عليك فاكسر ذلك القفل، وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها فإن لم تستطع فتدحرج حتى تقتل تحتها"(٣٩٥).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعلنت خروج الرايات السود من (خراسان) أو من المشرق، وهي مقدمة لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام).
النداء من السماء:
من العلامات الحتمية لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) نداء ملك في السماء يبشر بظهوره، ويدعو الناس إلى متابعته، والأخبار التي أعلنت ذلك عدة طوائف، وهي:
الطائفة الأولى:
صرحت أنه إذا خرج الإمام المنتظر (عليه السلام) يكون على رأسه ملك ينادي إن هذا هو المهدي فاتبعوه، وهذه بعض الأخبار التي أعلنت ذلك:
أ - روى عبد الله بن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "يخرج المهدي، وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي: هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه"(٣٩٦).
ب - قال محمد بن الصبان الشافعي: "جاء في الروايات أنه - أي الإمام المهدي - عند ظهوره ينادي فوق رأسه ملك: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه فتذعن له الناس، ويشربون حبه، وأنه يملك الأرض شرقها وغربها، وأن الذين يبايعونه أولا بين (الركن) و(المقام) بعدد أهل (بدر)"(٣٩٧).
ج - أخرج أبو نعيم، عن ابن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه"(٣٩٨).
الطائفة الثانية:
أعلنت أن ملكا ينادي في السماء أن الإمام المنتظر (عليه السلام) قد خرج فاتبعوه، ولنستمع إلى بعض الأحاديث التي أعلنت ذلك:
أ - قال الإمام الرضا (عليه السلام): "إذا خرج - أي الإمام المنتظر - أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء له، يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق فيه ومعه، وهو قول الله: * (وإن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)*"(٣٩٩).
ب - روى ربعي بن خراش، عن حذيفة حديث السفياني، وقال: إنه يضرب أعناق من فر إلى بلد الروم بباب (دمشق) فإذا كان كذلك نادى مناد من السماء: ألا أيها الناس إن الله قد قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم ووليكم خير أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فألحقوه بـ (مكة) فإنه المهدي واسمه أحمد بن عبد الله"(٤٠٠).
ج - روى حذيفة اليماني، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصة السفياني، وما يقترفه من الفجور والإثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "فعند ذلك ينادي مناد من السماء: يا أيها الناس إن الله قد قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم، ووليكم خير أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فألحقوه بـ (مكة) فإنه المهدي، واسمه أحمد بن عبد الله"(٤٠١).
د - قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "انتظروا الفرج في ثلاث: فقيل له: وما هن؟ قال (عليه السلام): اختلاف أهل (الشام) بينهم، واختلاف الرايات السود من (خراسان)، والفزعة في شهر رمضان، فقيل له: وما الفزعة في شهر رمضان، قال: مناد من السماء يوقظ النائم، ويفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها، ويسمع كلهم، فلا يجيء رجل من أفق من الآفاق إلا يحدث أنه سمعها"(٤٠٢).
ه - قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا نادى مناد من السماء إن الحق في آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويسرون فلا يكون لهم ذكر غيره"(٤٠٣).
وبهذه المضامين أثرت أحاديث كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أئمة الهدى (عليهم السلام)(٤٠٤) وهي تعلن أن من علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) نداء ملك من السماء بظهوره.
الطائفة الثالثة:
وقد صرحت بأن الملك الذي ينادي بظهور الإمام (عليه السلام) هو جبرائيل، استمعوا إلى هذا الحديث:
قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): "الصوت في شهر رمضان في ليلة الجمعة، فاسمعوا، وأطيعوا.
وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي أن فلانا - لعله السفياني - قتل مظلوما، يشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاك يتحير".
قال (عليه السلام): "فإذا سمعتم ذلك الصوت في رمضان - يعني الصوت الأول - فلا تشكوا أنه صوت جبرائيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم المهدي، وباسم أبيه"(٤٠٥).
هذه بعض الأحاديث التي أعلنت عن حتمية نداء ملك من السماء جبرائيل أو غيره يخبر الناس في جميع أنحاء الأرض بخروج الإمام المنتظر (عليه السلام).
صلاة المسيح خلف الإمام:
من العلامات الحتمية لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام) نزول السيد المسيح إلى الأرض، ومبايعته للإمام وصلاته خلفه، فإذا رأى النصارى ذلك آمنوا بالإسلام، واعتنقوه ورفضوا المسيحية، استمعوا لبضع الأخبار التي أعلنت ذلك:
١ - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ينزل عيسى بن مريم عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهنا، بيده حربة يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويهلك الدجال، ويقبض أموال الإمام (عليه السلام)، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو وزير الأيمن للقائم، وحاجبه، ونائبه ويبسط في المغرب والمشرق الأمن"(٤٠٦).
٢ - أدلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديث عن الدجال، وما يقترفه من الآثام والموبقات، ثم عرج الإمام على السيد المسيح، فقال: "إذا كان يوم الجمعة، وقد أقيمت الصلاة نزل عيسى بن مريم بثوبين مشرقين حمر كأنما يقطر من رأسه الدهن، رجل الشعر، صبيح الوجه، أشبه خلق الله بإبراهيم (عليه السلام) فيلتفت المهدي، فينظر عيسى، فيقول لعيسى: يا بن البتول صل، فيقول: لك أقيمت الصلاة، فيتقدم المهدي (عليه السلام) فيصلي بالناس ويصلي عيسى خلفه، ويبايعه، ويخرج عيسى فيلقى الدجال فيطعنه، فيذوب كما يذوب الرصاص"(٤٠٧).
٣ - روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إن خلفائي وأوصيائي الاثني عشر أولهم أخي، وآخرهم: ولدي، قيل: يا رسول الله من أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قيل من ولدك؟ قال:
المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل عيسى بن مريم، فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب"(٤٠٨).
٤ - روى أبو إمامة الباهلي، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر في خطبته الدجال وما يحدثه من الفتن، ثم قال: وإمام الناس رجل صالح - وهو المهدي - فيقال له: صل الصبح، فإذا كبر ودخل في الصلاة نزل عيسى بن مريم، فإذا رآه ذلك الرجل - أي المهدي - عرفه فيرجع القهقرى ليتقدم عيسى بن مريم، فيضع عيسى يده بين كتفيه، فيقول له: صل، فإنما أقيمت لك الصلاة، فيصلي عيسى بن مريم وراءه، ثم يقول: افتحوا الباب، فيفتحون الباب ومع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي ذي سلاح وسيف محلى، فإذا نظر إلى عيسى ذاب كما يذوب الرصاص في النار أو الثلج في الماء، ثم يخرج فيقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تفوتني بها فيدركه عند باب الشرقي فيقتله، ولا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا شجر ولا حجر ولا دابة إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا كافر فاقتله إلا الغرقدة(٤٠٩) ولا تنطق، ويكون عيسى في أمتي حكما عدلا، وإماما مقسطا، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة"(٤١٠).
٥ - قال محي الدين العربي: "واعلم أن المهدي عجل الله فرجه إذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم، وله رجال إلهيون يقيمون دعوته، وينصرونه هم الوزراء يتحملون أثقال المملكة عنه، ويعينونه على ما قلده الله، وينزل عليه عيسى بن مريم بالمنارة البيضاء شرقي (دمشق) متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره(٤١١).
لقد تضافرت الأخبار بنزول السيد المسيح من السماء ومبايعته للإمام، وقيامه بدور إيجابي ونشط في مناصرة الإمام وتسديده لسياسته الهادفة إلى نشر العدل وإشاعة الحق بين الناس.
هذه بعض العلامات الحتمية التي لا بد أن تتحقق على مسرح الحياة حتى يخرج صوت العدالة الإنسانية، الإمام المنتظر (عليه السلام)، وقد ذكرت مصادر الأخبار علامات أخرى كخروج اليماني، وقتل النفس الزكية وطلوع الشمس من المغرب، وغير ذلك، فمن أراد الوقوف عليها فليراجع مصادر الحديث والأخبار.
زمان ظهوره ومكانه
وألقت الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أئمة الهدى (عليهم السلام) الأضواء والمؤشرات على زمان ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام)، ومكان خروجه، ومنهج حكمه وسمة أصحابه، ونعرض - بإيجاز - لهذه البحوث.
الزمان:
أما الزمان الذي يخرج فيه الإمام المهدي (عليه السلام) فهو يوم السبت عاشر محرم، وهو اليوم الذي استشهد فيه سيد الشهداء وأبو الأحرار، الإمام الحسين (عليه السلام)، استمعوا إلى بعض الأحاديث التي أعلنت ذلك:
١ - روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنه قال: "يخرج القائم يوم السبت يوم (عاشوراء)، يوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام)"(٤١٢).
٢ - روى علي بن مهزيار، عن الإمام أبي جعفر، محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: "كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت، قائما بين (الركن) و(المقام) بين يديه جبرائيل ينادي: "البيعة لله فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجورا"(٤١٣).
٣ - روى أبو بصير، عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين: سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، ويقوم في يوم عاشوراء ويظهر يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين (الركن) و(المقام)، وشخص قائم على يديه ينادي البيعة، البيعة فيسير إليه أنصاره من أطراف الأرض يبايعونه فيملأ الله تعالى به الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ثم يسير من (مكة) حتى يأتي (الكوفة)، فينزل على نجفها، ثم يفرق الجنود منها إلى جميع الأمصار"(٤١٤).
وقت نداء الملك:
أما وقت نداء الملك أو جبرائيل بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) فهو في ليله الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، وقد دلت على ذلك بعض الروايات منها رواية محمد بن مسلم، قال: "سأل رجل الإمام أبا عبد الله (عليه السلام)، فقال له: متى يظهر قائمكم؟ قال (عليه السلام): إذا كثرت الغواية، وقلت الهداية.. إلى أن قال: فعند ذلك ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء"(٤١٥).
وقيل: "إن صيحة الملك تكون في شهر رمضان، وخروج الإمام يكون في شوال في وتر من السنين"(٤١٦).
سعة سلطانه:
والإمام المنتظر (عليه السلام) هو أول حاكم في الإسلام يمتد حكمه في شرق الأرض وغربها، فلا يكون في الدنيا حكم غير حكمه، وقد تضافرت الأخبار بذلك، وهذه بعضها:
١ - روى ابن عباس، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاثنا عشر أولهم أخي، وآخرهم ولدي، قيل: يا رسول الله من أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب"(٤١٧).
٢ - روى أبو سعيد الخدري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: "لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيت يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله جورا، يملك سبع سنين"(٤١٨).
٣ - روى عبد الله بن عباس، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: "ملك الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان، والكافران: بخت نصر ونمرود، وسيملكها خامس من أهل بيتي"(٤١٩).
وتضافرت الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه (عليهم السلام) أن الإمام المنتظر يملك الدنيا بأسرها وتدين بإمامته جميع شعوب العالم وأمم الأرض.
منهج حكمه:
أما منهج حكم الإمام المنتظر (عليه السلام) وسياسته فهو نشر العدل وبسط الأمن والرخاء بين جميع الناس، إن سياسته على ضوء كتاب الله وسنة نبيه ويسير بسيرة جده الإمام أمير المؤمنين، رائد العدالة الاجتماعية في الأرض، ويملأ الأرض عدلا وحقا، وقد وردت كوكبة من الأخبار بذلك، ولنستمع إلى بعضها:
١ - روى جابر، عن الإمام أبي جعفر، (عليه السلام) قال: يظهر المهدي بـ (مكة) عند العشاء، ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقميصه وسيفه، وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته: أذكركم الله، أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم وقد اتخذ الحجة، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب يأمركم أن لا تشركوا به شيئا، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأن تحيوا ما أحيى القرآن وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعوانا على الهدى، ووزراء على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، وأني أدعوكم إلى الله ورسوله، والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء السنة..."(٤٢٠).
على هذا النهج المشرف يسير داعية الله في الأرض يحيى الإسلام، ويرفع كلمة الله عالية في الأرض ويميت الباطل ويحق الحق ويحيي كتاب الله وسنة نبيه وتعود للإسلام نضارته.
٢ - قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): "إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البر منهم والفاجر"(٤٢١).
٣ - قال (عليه السلام): "إذا قام قائمنا حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وآمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها ورد كل حق إلى أهله"(٤٢٢).
٤ - قال (عليه السلام): "يبلغ من رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده"(٤٢٣).
إن سياسة الإمام ومنهجه في أيام حكمه إقامة العدل بجميع رحابه ومفاهيمه وإماتة الباطل وإحياء سنن الإسلام.
إن منهج حكم الإمام المنتظر (عليه السلام) امتداد ذاتي لمنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنهج وصيه وباب مدينة علمه، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو يقوم بالدور الذي قاما به وقد سأل عبد الله الإمام الباقر عن منهج حكم الإمام (عليه السلام) فقال: "يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويستأنف الإسلام من جديد"(٤٢٤).
أصحابه:
أما أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) فهم من خيار البشر في تقواهم وورعهم وتحرجهم في الدين ونلمع - يإيجازات إلى بعض شؤونهم:
سمتهم:
وألمحت بعض الأخبار إلى سمات أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) فقد جاء في وصفهم ما يلي:
١ - روى محمد بن الحنفية أن رجلا سأل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الإمام المهدي فقال (عليه السلام) يخرج في آخر الزمان ثم ذكر الإمام أوصاف أصحابه فقال: "فيجمع الله تعالى له قوما قزع كقزع السحاب يؤلف الله في قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم"(٤٢٥).
ومعنى هذا الحديث إنهم على بصيرة من أمرهم وبينة من ربهم فلا يفرحون بمن التحق بهم ولا يستوحشون بمن خرج منهم قد ألف الله بين قلوبهم وأترعت نفوسهم بالإيمان وحب الله والتفاني في خدمة الإسلام والذب عن قيمه وأهدافه.
٢ - من كلام للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفهم قال: قوم لم يمنوا على الله بالصبر ولم يستعظموا بذل أنفسهم في الحق حتى إذا وافق وارد القضاء مدة البلاء حملوا بصائرهم على أسيافهم ودانوا لربهم بأمر واعظهم"(٤٢٦).
وحفل كلام الإمام بأروع آيات المدح والثناء لأصحاب المنتظر (عليه السلام) دعاة الحق وأنصار الإسلام وحملة القرآن.
٣ - قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفهم: "يجاهدهم في الله قوم أذلة عند المتكبرين في الأرض مجهولون وفي السماء معروفون"(٤٢٧).
٤ - قال محي الدين العربي: "يبايعه - أي الإمام المهدي - العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله تعالى".
وأضاف قائلا: "إن الله يستوزر له طائفة خبأهم في مكنون غيبه أطلعهم الله كشفا وشهودا على الحقائق"(٤٢٨).
وهؤلاء الصفوة من المتقين الأخيار هم أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) وولاة أموره ووزراؤه الذين يقيمون معه الحق ويؤسسون العدل ويدمرون قلاع الظلم والجور.
عددهم:
أما عدد أصحاب الإمام الذين يبايعونه فهم كعدد أصحاب (بدر) روى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "المفقودون من فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل (بدر) فيصبحون بـ (مكة) وهو قول الله عز وجل (أينما تكونوا يأت بكم الله) وهم أصحاب المهدي"(٤٢٩).
وروى سليمان بن هارون العجلي قال: سمعت جعفر الصادق (عليه السلام) يقول إن صاحب هذا الأمر - يعني القائم - محفوفا لو ذهب الناس جميعا أتى الله بأصحابه وهم الذين قال الله فيهم: * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * (٤٣٠).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "والله إني لأعرفهم - أي أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) - وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتى بلغ تسعة فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل (بدر) وهو قول الله: * (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير) * حتى أن الرجل ليحتبى فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله في ذلك"(٤٣١).
وروى أبو خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: المفقودون من فرشهم(٤٣٢) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل (بدر) ويصبحون بـ (مكة) وهو قول الله عز وجل * (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) * وهم أصحاب القائم"(٤٣٣).
مكان البيعة:
أي مكان بيعة أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) لإمام فهو في أقدس مكان وأجله وهم ما بين (الركن) و(مقام إبراهيم) في بيت الله الحرام وقد تواترت الأخبار بذلك(٤٣٤).
شروط الإمام على المبايعين له:
وذكر الرواة أن الإمام (عليه السلام) يشترط على ممن يبايعه في (مكة) بما يلي:
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وصفه لأصحاب الإمام المهدي (عليه السلام): "إنه يقول بايعوا على أربعين خصلة واشترطوا عشر خصال فقال الأحنف ما هي فقال (عليه السلام): يبايعونه على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا ولا يهتكوا حريما محرما ولا يسبوا مسلما ولا يهجموا منزلا ولا يضربوا أحدا إلا بحق ولا يركبوا الخيل الهمالح(٤٣٥) ولا يتمنطقوا بالذهب ولا يلبسوا الخز ولا يلبسوا الحرير ولا يلبسوا النعال الصرارة(٤٣٦) ولا يخربوا مسجدا ولا يقطعوا طريقا ولا يظلموا يتيما ولا يخيفوا سبيلا ولا يحتسبوا مكرا ولا يأكلوا مال اليتيم ولا يفسقوا بغلام ولا يشربوا الخمرا ولا يخونون الإمامة ولا يخلفوا العهد ولا يحبسوا طعام من بر أو شعير ولا يقتلوا مستأمنا ولا يتبعوا منهزما ولا يسفكوا دما ولا يجهزوا على جريح ويلبسوا الخشن من الثياب ويوسدوا الخدود على التراب(٤٣٧) ويأكلوا الشعير ويرهنون بالقليل ويجاهدون في سبيل الله حق جهاده ويكرهون النجاسة(٤٣٨).
ويشترط لهم على نفسه ألا يتخذ حاجبا ويمشي حيث يمشون ويكون من حيث يريدون ويرضى بالقليل ويملأ الأرض بعون الله عدلا كما ملئت جورا يعبد الله حق عبادته"(٤٣٩).
وتهدف هذه الخصال إلى نشر العدل وبسط المساواة وإقامة حكم الله تعالى في الأرض بحيث لا يبقى ظل لكبرياء الحكام ولا لأعوانهم.
إن الحكم الذي ينشده الإسلام هو أن يتساوى الحاكم والمحكوم في جميع الحقوق والواجبات ولا يكون امتياز للحاكم على غيره من أبناء الشعب وهو أسمى ما تحلم به البشرية من العدل والكرامة الذي تصبوا إليه.
حامل لواء الإمام المهدي (عليه السلام):
فهو فذ من أفذاذ العلويين وقد صرحت الأخبار الواردة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) باسمه وهو شعيب بن صالح وهو الذي يأتي من (خراسان) يقود جيشا عظيما لمبايعة الإمام (عليه السلام) ونصرته(٤٤٠) وقيل إنه من تميم وهو الذي يهزم السفياني حتى ينزل بيت المقدس فيوطئ للإمام المهدي سلطانه وتكون المدة بين خروجه وبين تسليمه الأمر للإمام المهدي اثنان وسبعون شهرا(٤٤١).
وروي أن لواء الإمام (عليه السلام) قد كتب عليه "البيعة لله"(٤٤٢) وهو يرمز إلى أن بيعة الإمام إنما هي بيعة لله وإن حكمه حكم الله تعالى.
مدة حكمه:
واختلف الرواة في مدة حكم الإمام (عليه السلام) وذلك لاختلاف الروايات وهذه بعضها:
١ - إن حكمه أربعون سنة روي ذلك عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)(٤٤٣).
٢ - مدة حكمه ثلاثون سنة(٤٤٤)
٣ - إحدى وعشرون سنة مدة حكمه(٤٤٥).
انتشار الخير في أيامه:
وتضافرت الأخبار بانتشار الخير والبركات في أيام حكم الإمام (عليه السلام) وهذه بعض الأخبار:
١ - روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال تنعم أمتي فيه (أي في حكم المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة"(٤٤٦).
٣ - أدلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديث عن المهدي (عليه السلام) جاء فيه يبعث المهدي إلى أمرائه بساير الأمصار بالعدل بين الناس وترعى الشاة والذئب في مكان واحد وأضاف ويذهب الشر ويبقى الخير ويزرع الإنسان مدا وتخرج له سبعة أمداد كما قال الله تعالى ويذهب الزنا وشرب الخمر ويذهب الربا ويقبل الناس على العبادات والشرع والديانة والصلاة في الجماعات وتطول الأعمار وتؤدى الأمانات وتحمل الأشجار وتتضاعف البركات وتهلك الأشرار وتبقى الأخيار ولا يبقى من يبغض أهل البيت"(٤٤٧).
وبهذا تنتهي الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب سائلين الله تعالى أن يعجل فرج وليه العظيم لينقذ المسلمين من واقعهم المرير فقد أحاطت بهم ذئاب البشرية تنهب ثرواتهم وتسلب حريتهم وكرامتهم وتجرعهم أقسى ألوان المحن والخطوب والتي من أمرها وأقساها إنها عمدت إلى إخراج المسلمين من أوطانهم وديارهم في (فلسطين) واستبدلت مكانهم اليهود الذين جلبتهم من جميع أقطار الدنيا وجعلت (فلسطين) وطنا لهم وزودتهم بجميع ألوان الأسلحة المتطورة ليكونوا قوة ضاربة للعالم الإسلامي ويتحكموا في مصير المسلمين سياسيا واقتصاديا فأي هوان مثل هذا الهوان؟
اللهم إنا نشكوا إليك تضافر القوى الكافرة على إذلال المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون فأنقذهم اللهم بوليك العظيم الذي ادخرته لنصرة دينك وإعلاء كلمتك وفهر أعدائك.... وأن خير ما نختم به هذا الكتاب هو الدعاء للإمام المنتظر (عليه السلام) بهذا الدعاء الشريف الذي دعا به له جده الإمام الرضا (عليه السلام) قال: "اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك والناطق بحكمتك وعينك الناظرة بإذنك وشاهدك على عبادك المجاهد العائذ بك العابد لك وأعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به واحفظ فيه رسولك وآبائه أئمتك ودعائم دينك واجعله في وديعتك التي لا تضيع وفي جوارك الذي لا يخفر وفي منعك وعزك الذي لا يقهر وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من أمنته به واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه وانصره بنصرك العزيز وأيده بجندك الغالب وقوه بقوتك واردفه بملائكتك ووال من والاه وعاد من عاداه والبسه درعك الحصينة وحفه بالملائكة حفا.
اللهم اشعب به الصدع وارتق به الفتق وأمت به الجور وأظهر به العدل وزين بطول بقائه الأرض وأيده بالنصر وانصره بالرعب وقو ناصريه واخذل خاذليه ودمدم من نصب له ودمر من غشه واقتل به جبابرة الكفر وعمده ودعائمه واقصم به رؤوس الضلالة وشارعة البدع ومميتة السنة ومقوية الباطل وذلل به الجبارين وابر به الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم ديارا ولا تبق لهم آثارا اللهم طهر منهم بلادك واشف منهم عبادك واعز به المؤمنين وأحيي به سنن المرسلين ودارس حكم النبيين وجدد به ما محي من دينك وبدل من حكمك حتى تعيد دينك به وعلى يديه جديدا غضا محضا صحيحا لا عوج فيه ولا بدعة معه وحتى تنير بعدله ظلم الجور وتطفئ به نيران الكفر وتوضح به معاقد الحق ومجهول العدل فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك واصطفيته على غيبك وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب وطهرته من الرجس وسلمته من الدنس.
اللهم فإنا نشهد له يوم القيامة ويوم حلول الطامة أنه لم يذنب ذنبا ولا أتى حوبا ولم يرتكب معصية ولم يضيع لا طاعة ولم يهتك لك حرمة ولم يبدل لك فريضة ولم يغير لك شريعة وأنه الهادي المهتدي الطاهر التقي النقي الرضي الزكي.
اللهم أعطه في نفسه وأهله وولده وذريته وأمته وجميع رعيته ما تقر به عينه وتسر به نفسه وتجمع له ملك المملكات كلها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها حتى تجري حكمه على كل حكم ويغلب بحقه كل باطل.
اللهم أسلك بنا على يديه منهاج الهدى والمحجة العظمى والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي ويلحق بها التالي وقونا على طاعته وثبتنا على مشايعته وامنن علينا بمتابعته واجعلنا في حزبه القوامين بأمره الصابرين معه الطالبين رضاك بمناصحته حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه ومقوية سلطانه.
اللهم واجعل ذلك لنا خالصا من كل شك وشبهة ورياء وسمعة حتى لا نعتمد به غيرك ولا نطلب به إلا وجهك وحتى تحلنا محله وتجعلنا في الجنة معه وأعذنا من السامة والكسل والفترة.
واجلعنا ممن تنتصر به لدينك وتعز به نصر وليك ولا تستبدل بنا غيرنا فإن استبدالك بنا غيرنا يسير وهو علينا كثير.
اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم واعز نصرهم وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم وثبت دعائمهم واجعلنا لهم أعوانا وعلى دينك أنصارا فإنهم معادن كلماتك وخزان علمك وأركان توحيدك وأوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد نبيك والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) سورة آل عمران آية ١٠٣.
(٢) نهج البلاغة.
(٣) سورة مريم آية ٣٠ -٣١.
(٤) سورة القصص: آية ٥.
(٥) انتقل رحمه الله إلى رضوان الله وجنانه والكتاب ماثل للطبع فتعازينا للمؤلف وللأسرة الكريمة (الناشرون).
(٦) البحار ١٣ / ٥.
(٧) البحار ١٣ / ٥.
(٨) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول البحار ١٣ / ٧.
(٩) وفيات الأعيان، الإرشاد.
(١٠) مرآة الزمان.
(١١) البحار.
(١٢) مرآة الزمان.
(١٣) ينابيع المودة.
(١٤) كمال الدين.
(١٥) غيبة النعماني.
(١٦) البحار ١٣ / ٥.
(١٧) البحار ١٣ / ١٠.
(١٨) البحار ١٣ / ١٠.
(١٩) البحار ١٣ / ٧.
(٢٠) البحار ١٣ / ٣.
(٢١) البحار ١٣ / ١٠.
(٢٢) البحار ١٣ / ٤ والصحيح أنه كني بأبي جعفر.
(٢٣) البحار ١٣ / ٦ الغيبة للطوسي (س ١٣٨).
(٢٤) منن الرحمن ٢ / ٢٣٣.
(٢٥) منن الرحمن ٢ / ٢٣٥.
(٢٦) عقد الدرر.
(٢٧) البحار ١٣ / ١٠.
(٢٨) ديوان حسان بن ثابت (ص ٩٧).
(٢٩) مسند الإمام أحمد ٤ / ٢٦٤.
(٣٠) تاريخ الطبري ٧ / ٧٠.
(٣١) تاج العروس ١ / ٤٠٩.
(٣٢) لسان العرب ٣ / ٧٨٧.
(٣٣) البحار ١٣ / ١٠.
(٣٤) البحار.
(٣٥) البحار.
(٣٦) عقد الدرر في أخبار المنتظر ص ١٩٤.
(٣٧) روضة الشهداء (ص ٣٢٦).
(٣٨) وفيات الأعيان ٢ / ٤٥١ أصول الكافي.
(٣٩) البحار.
(٤٠) مصباح الكفعمي (ص ٥٤٥ – ٥٤١).
(٤١) ينابيع المودة (ص ٤٦٠) كمال الدين.
(٤٢) عقد الدرر في أخبار المنتظر (ص ١٠١).
(٤٣) مندح البطن: أي متسع البطن.
(٤٤) المشاش: رؤوس العظام كالمرفقين، والكتفين، والركبتين.
(٤٥) كمال الدين.
(٤٦) أجلى الجبين: أي خفيف الشعر ما بين النزغتين من الصدغين، جاء ذلك في) النهاية) و(مجمع البحرين).
(٤٧) أقنى الأنف: طول الأنف ودقة عرنينه مع حدب في وسطه، (مجمع البحرين).
(٤٨) أبلج الثنايا: أي مشرق الثنايا، ومنه الحديث كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبلج الوجه أي مشرق الوجه، (مجمع البحرين).
(٤٩) ينابيع المودة (ص ٤٢٣) الفصول المهمة لابن الصباغ، البيان.
(٥٠) منن الرحمن ٢ / ٢٣٧.
(٥١) عقد الدرر (ص ٩٣).
(٥٢) عقد الدرر (ص ٩٥).
(٥٣) ينابيع المودة (ص ٤٣٣).
(٥٤) كفاية الأثر ينابيع المودة (ص ٤٨٨).
(٥٥) كمال الدين، ينابيع المودة (ص ٤٩٣).
(٥٦) كمال الدين.
(٥٧) الملاحم والفتن (الباب التاسع والسبعون).
(٥٨) البيان في أخبار صاحب الزمان.
(٥٩) غيبة النعماني.
(٦٠) عقد الدرر.
(٦١) عقد الدرر (ص ١٠٩).
(٦٢) كمال الدين.
(٦٣) البحار وغيره.
(٦٤) غيبة النعماني.
(٦٥) غبية الشيخ الطوسي.
(٦٦) غيبة النعماني.
(٦٧) مهج الدعوات (ص ٨٤ – ٨٦).
(٦٨) سورة يونس آية ٢٤.
(٦٩) سورة الزخرف آية ٥٥.
(٧٠) مهج الدعوات (ص ٨٤).
(٧١) مصابيح السنة منتخب كنز العمال (٦ / ٢٩) ينابيع المودة (ص ٤٣١).
(٧٢) تاريخ ابن عساكر ١ / ١٨٦ منتخب كنز العمال ٦ / ٣ إسعاف الراغبين.
(٧٣) كمال الدين والبحار.
(٧٤) مصباح الكفعمي ص ٢٨١.
(٧٥) مصباح الكفعمي ص ٣٠٦.
(٧٦) منتخب الأثر ص ٥٢١.
(٧٧) منتخب الأثر ص ٥٢٠.
(٧٨) البحار ١٣ / ٢٤٥.
(٧٩) البلد الأمين (ص ٦٠).
(٨٠) الإمام المهدي (ص ٢٤٤).
(٨١) البلد الأمين (ص ٥٧٠) الإمام المهدي.
(٨٢) البلد الأمين ص ٥٢٥.
(٨٣) البحار ١٠١ / ٢١٨ - ٢٢٣.
(٨٤) روى أحمد بن إسحاق عن الإمام أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (عليهما السلام) وكان من خواص الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) له كتاب (علل الصوم) وجمع مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث (عليه السلام) جاء ذلك في النجاشي قال الشيخ: أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري أبو علي كبير القدر وكان من خواص أبي محمد (عليه السلام) ورأى صاحب الزمان (عليه السلام) وهو شيخ القميين ووافدهم.
وله كتب منها كتاب: (علل الصلاة) كبير و(مسائل الرجال) لأبي الحسن الثالث (عليه السلام).
وقال الكشي: إن أحمد بن إسحاق كتب إلى الإمام المهدي يستأذنه في الحج فأذن له، وبعث له بثوب فقال أحمد نعي إلي نفسي فانصرف من الحج ومات بـ (حلوان) توجد ترجمته بالتفصيل في معجم رجال الحديث ٢/ ٤٤- ٤٧.
(٨٥) سورة الأحقاف آية ١ - ٦.
(٨٦) الغيبة للشيخ الطوسي (ص ١٨٨).
(٨٧) كمال الدين ٢ / ١٩٠.
(٨٨) المراد أن الله اختار أئمة أهل البيت عليهم لهداية خلقه، وكذلك هم يختارون من يشاؤون شيعة لهم.
(٨٩) البحار ١٣ / ٢٤٧.
(٩٠) كمال الدين ٢ / ١٩٩.
(٩١) الفقاع: شراب يتخذ من ماء الشعير (مجمع البحرين).
(٩٢) الشلماب: شراب ليس بمسكر شاع استعماله في تلك العصور.
(٩٣) محمد بن علي بن مهزيار عده الشيخ من أصحاب الهادي (عليه السلام) وأضاف إنه ثقة وكذلك عده البرقي وفي (ربيع الشيعة) لابن طاووس أنه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا تختلف فيهم الإمامية جاء ذلك في (معجم رجال الحديث ١٧ / ٣٤).
(٩٤) عده في الكافي ممن رأى الإمام المنتظر (عليه السلام) جاء ذلك في (معجم رجال الحديث ١٦ / ١٩٣).
(٩٥) محمد بن مقلاحي الأسدي الكوفي بائع الأبراد ضال مضل غال مبتدع، كذاب لعنه الإمام الصادق (عليه السلام) وقال: اللهم العن أبا الخطاب فإنه خوفني قائما وقاعدا وعلى فراشي اللهم أذقه حر الحديد.
ومن بدعه أنه زعم أن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هو الله تعالى واستحل جميع ما حرم الله تعالى وكان أصحابه كلما ثقلت عليهم فريضة من فرائض الله تعالى قصدوه وقالوا له: يا أبا الخطاب خفف عنا فيأمرهم بترك الفريضة حتى تركوا جميع الفرائض وأباح لأصحابه أن يشهد بعضهم لبعض بشهادة الزور وقد كتب الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الآفاق يأمرهم بلعنه ويحذرهم من أضاليله.
وقد أراح الله تعالى العباد من هذا الضال فقتله عيسى بن موسى العباسي توجد له ترجمة مفصلة في (معجم رجال الحديث ١٤ / ٢٥٧ - ٢٧٦) (الكنى والألقاب ١ / ٦٤)، (الكشي) النجاشي (رجال الطوسي)، (رجال ابن الغضائري).
(٩٦) الاحتجاج ٢ / ٢٨١ - ٢٨٤.
(٩٧) الشيخ المفيد هو محمد بن محمد بن النعمان من أعلام الإسلام ومن عظماء علماء الإمامية ولد سنة (٣٣٨ هـ) ونشأ نشأة علمية وتربى على التقى والصلاح لم ير مثله في تقواه وصلاحه وتحرجه في الدين ألف ما يقرب من مائتي كتاب في مختلف العلوم والفنون وتزعم الفرقة الإمامية توفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة (٤١٣ هـ) وكان يوم وفاته يوما مشهودا فقد شيع بتشييع حافل حضره ثمانون ألف رجل من الشيعة وصلى على جنازته الشريف المرتضى ب (ميدان الأشنان) ورثاه الشاعر الملهم مهيار الديلمي بقصيدة منها:
يا مرسلا إن كنت مبلغ ميت * تحت الصفائح قول حي مرسل
فج الثرى الراوي وقل لمحمد * عن ذي فؤاد بالفجيعة مشعل
من للخصوم اللد بعدك غصة * في الصدر لا تهوى ولا هي تعتلى
من للجدال إذا الشفاه تقلصت * وإذا اللسان بريقه لم يبلل
ويعرض في قصيدته التي هي مائة بيت إلى مواهب الشيخ المفيد ويعدد قدراته العلمية كما رثاه الشريف المرتضى بقصيدة عصماء يقول فيها:
إن شيخ الإسلام والدين والعلم * تولى فأزعج الإسلاما
والذي كان غرة في دجى الأيام * أودى فأوحش الأياما
كم جلوت الشكوك تعرض في نص * وصي وكم نصرت إماما
وخصوم ملأتهم بالحق * في حومة الخصام خصاما
ويذكر الشريف المرتضى فضائل الشيخ المفيد في قصيدته والتي منها مناصرته للحق ودفاعه عن عقيدته ومبادئه وعجز خصومه عن مجاراته.
وقد وجدت على قبره الشريف أبيات في رثائه للإمام المنتظر (عليه السلام) وهي:
لا صوت الناعي بفقدك إنه * يوم على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى * فالعدل والتوحيد فيك مقيم
والقائم المهدي يفرح كلما * تليت عليك من الدروس علوم
عرضت لترجمته مصادر التاريخ والتراجم بصورة موضوعية وشاملة.
(٩٨) (اللأواء الشدة وضيق المعيشة).
(٩٩) اصطلمه: استأصله.
(١٠٠) انتاشه: أنقذه.
(١٠١) اتاف: طال وارتفع.
(١٠٢) حم: قرب.
(١٠٣) الأزوف: الاقتراب.
(١٠٤) حش النار: أوقدها.
(١٠٥) الاحتجاج ٢ / ٣١٨ - ٣٢٤.
(١٠٦) الشمراخ: هم صنف من الخوارج من أصحاب عبد الله بن شمراخ قاله (الجوهري).
(١٠٧) البهماء: الشدائد من الأمور.
(١٠٨) السبريت: القليل التافه.
(١٠٩) الصحصح: المستوي من الأرض.
(١١٠) الاحتجاج ٢ / ٣٢٤ - ٣٢٥.
(١١١) لقد كانت للإمام (عليه السلام) مجموعة من الرسائل بعثها إلى خيار الشيعة ولكنا لم نعثر عليها سوى ما ذكرناه.
(١١٢) العروة الوثقى ١ /٤٢٦.
(١١٣) سورة التكوير: آية ٢٠.
(١١٤) سورة التكوير: ٢٠.
(١١٥) المسح: اللباس، النطع: بساط من الأديم.
(١١٦) الخمرة: سجادة صغيرة تعمل من سعف النحل وتزمل بالخيوط لأجل السجود عليها، مجمع البحرين.
(١١٧) الإمام الخوئي قدس سره في تعليقة على العروة الوثقى، في فروع السجود.
(١١٨) العمارية: المحمل الذي يوضع على الناقة، الكنيسة: شيء ينرز في المحمل أو الرحل، ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب، وفي الحديث لا يركب المحرم، في الكنيسة وهي للنساء جائز، (مجمع البحرين).
(١١٩) اللمعة الدمشقية (كتاب الحج).
(١٢٠) المسلخ: أحد جوانب العقيق، وهو ميقات أهل العراق، ويستحب أن يحرم منه.
(١٢١) الإحتجاج ٢ / ٣٠٣ - ٣٠٦.
(١٢٢) الاحتجاج ٢ / ٣٠٦ – ٣٠٩.
(١٢٣) العروة الوثقى ٩ / ٢٦٤.
(١٢٤) سورة الطلاق آية ٢.
(١٢٥) الخداج: النقصان.
(١٢٦) وسائل الشيعة ١٥/١٨.
(١٢٧) العروة الوثقى ١ /٢٤٧.
(١٢٨) الاحتجاج ٢ / ٣٠٩ - ٣١٥.
(١٢٩) حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
(١٣٠) إكمال الدين للصدوق (ص ٢١٦ – ٢١٧).
(١٣١) حياة الإمام الحسن العسكري.
(١٣٢) كفاية الأثر.
(١٣٣) حياة الإمام الحسن العسكري.
(١٣٤) الإرشاد (ص ٣٨٣).
(١٣٥) وفي رواية إن جعفر عم الإمام تقدم للصلاة عليه فجذبه الإمام المنتظر (عليه السلام) وقال له أنا أولى بالصلاة على أبي ثم صلى على الجثمان المقدس فأربد وجه جعفر فسأله الحاضرون فأنكر معرفته به.
(١٣٦) الإرشاد (ص ٣٨٣).
(١٣٧) الإرشاد (ص ٣٨٣) دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٤٥.
(١٣٨) حياة الإمام الحسن العسكري.
(١٣٩) حياة الإمام الحسن العسكري.
(١٤٠) كمال الدين.
(١٤١) منتخب الأثر (ص ٣٧٠).
(١٤٢) مرآة الجنان ٢ / ٤٦٢ تاريخ الخميس ٢ / ٣٤٧ تاريخ ابن الوردي ١ / ٣١٩.
(١٤٣) المقدمة (ص ٣٥٩).
(١٤٤) شرح مسند الإمام أحمد ٥ / ١٩٧.
(١٤٥) سبائك الذهب (ص ٧٨).
(١٤٦) منهاج السنة.
(١٤٧) الصواعق المحرقة (ص ١٠٠).
(١٤٨) الصراع بين الإسلام والوثنية ١ / ٣٧٤.
(١٤٩) الغدير ٣ /٣٠٨.
(١٥٠) كشف الأستار.
(١٥١) المهدي (ص ١٥٥).
(١٥٢) كشف الغمة ٣ / ٢٨٣.
(١٥٣) الغدير ٣ /٣٠٩.
(١٥٤) تنقيح المقال ٢ / ٢٤٥، أصول الكافي.
(١٥٥) مراقد المعارف ٢/٦٣.
(١٥٦) مراقد المعارف ٢ / ٦٣.
(١٥٧) البحار ١٣ / ٩٦.
(١٥٨) تنقيح المقال ٣ / ١٤٩.
(١٥٩) تنقيح المقال ٣ / ١٤٩ البحار.
(١٦٠) البحار ١٣ / ٩٧.
(١٦١) البحار ١٣ / ٩٧.
(١٦٢) البحار ١٣ / ٩٧.
(١٦٣) البحار ١٣ / ٩٧.
(١٦٤) البحار ١٣ / ٩٧.
(١٦٥) البحار ١٣ / ٩٧.
(١٦٦) البحار.
(١٦٧) منتخب الأثر (ص ٣٩٧).
(١٦٨) منتخب الأثر (ص ٣٩٧ - ٣٩٩) غيبة الشيخ الطوسي.
(١٦٩) البحار مراقد المعارف١/ ٢٥.
(١٧٠) البحار.
(١٧١) الغيبة للطوسي (ث ١٨٨).
(١٧٢) منتخب الأثر (ص ٣٩٣).
(١٧٣) معجم رجال الحديث ١٣ / ١٨٦- ١٨٧.
(١٧٤) غيبة الشيخ الطوسي.
(١٧٥) وسائل الشيعة كتاب القضاء.
(١٧٦) وسائل الشيعة كتاب القضاء.
(١٧٧) العروة الوثقى الجزء الأول ص ٤.
(١٧٨) الغيبة للطوسي معجم رجال الحديث ٢ / ٣٦٩.
(١٧٩) الغيبة معجم رجال الحديث ٢ / ٣٦٩.
(١٨٠) الغيبة للطوسي، الاحتجاج للطبرسي، معجم رجال الحديث ٥ / ١٦٦.
(١٨١) البحار ١٣ / ١٠٣.
(١٨٢) سفينة البحار ١ / ٢٩٦، الكنى والألقاب ٢ / ١٨٣ - ١٨٧، البحار ١٣ / ١٠٢ - ١٠٣، وقد طبع له ديوان ضم فلسفته وآراءه الشاذة.
(١٨٣) الكنى والألقاب ٢ / ٣٦٦.
(١٨٤) الاحتجاج ٢ / ٢٩٠.
(١٨٥) الكنى والألقاب ٢ / ٣٦٦.
(١٨٦) البحار ١٣ / ١٠٥ وذكر عرضا مفصلا لشؤونه ومبتدعاته.
(١٨٧) السودان بين يدي غردون وكتشز ١ / ٧٥.
(١٨٨) السودان بين يدي غردون وكتشز ١ / ٧٤.
(١٨٩) تاريخ السودان القديم والحديث لنعوم شقير.
(١٩٠) حاضر العالم الإسلامي ٢ / ١٩٥ - ١٩٦ البرهان ١ / ٣٠٨.
(١٩١) المهدية في الإسلام (ص ٢٣٤).
(١٩٢) تاريخ الشعوب الإسلامية (ص ٣٢٤ – ٣٢٦).
(١٩٣) حاضر العالم الإسلامي ٢ / ١٩٥.
(١٩٤) البرهان ١ /٢٨١.
(١٩٥) تاريخ الشعوب الإسلامية (ص ٦٤٠).
(١٩٦) وقيل الأبيات للبسامي الشاعر وقد أخفى اسمه خوفا عليه من السلطة العباسية العاتية.
(١٩٧) نفيلة: جدة بني العباس.
(١٩٨) شر الأئمة: هم ملوك بني العباس، يموج: أن يفسد ويضطرب.
(١٩٩) ممجج: أي غير مبين.
(٢٠٠) العياب: جمع عيبة، وهي التي يجعل في المتاع، الدشراج شد الخريطة.
(٢٠١) الأخرج: ذو لونين أسود وأبيض.
(٢٠٢) مقاتل الطالبين.
(٢٠٣) رسائل الخوارزمي.
(٢٠٤) قطع رأس زيد بعد المعركة لا في أثنائها.
(٢٠٥) الأزل الضيق والشدة.
(٢٠٦) لم يكن دعبل الخزاعي صنيعة بني العباس وشاعرهم، وإنما كان شاعر السادة العلويين ومادحهم، وتعرض في سبيل ذلك لأقسى ألوان المحن والخطوب، كما يشهد بذلك ما أعلنه دعبل بهذين البيتين من قصيدته الخالدة التي تلاها على الإمام الرضا (عليه السلام)، وفيما أحسب أن هذه الحشرة كانت من الناسخ، أو سهو من الخوارزمي.
(٢٠٧) غيبة الشيخ وروي نحوه في الكافي.
(٢٠٨) الغيبة (ص ١٩٩).
(٢٠٩) الدعوة الإسلامية (ص ١٩٩).
(٢١٠) البحار ٥٣ / ٧ و٢٨١.
(٢١١) البرهان في علامات آخر الزمان ١ / ٢٥٥.
(٢١٢) البحار ٥٢ / ٩٢.
(٢١٣) مختصر التحفة الاثني عشرية (ص ١٩٩).
(٢١٤) علل الشرايع كمال الدين.
(٢١٥) منتخب الأثر (ص ٢٦٧).
(٢١٦) ذخائر العقبى (ص ١٧) وفي كنز العمال ٦ / ١١٦ ومجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ وفيض القدير ٦ / ٢٩٧ لفظ الحديث " النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي ". وفي مستدرك الصحيحين ٣ / ٤٥٨ إن النبي (ص) خرج ذات ليلة، وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد، فقال: ما تنظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ثم قال: " أما أنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون "، إلى أن قال: * (وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون).
(٢١٧) منتخب الأرض (ص ٢٧) نقلا عن كشف الأستار.
(٢١٨) التجريد للطوسي ص ٣٨٩، ط إيران.
(٢١٩) منتخب الأثر (ص ٢٧١ – ٢٧٢).
(٢٢٠) جلاء العيون ٣ / ١٥٧ - ١٥٨.
(٢٢١) سورة الأنبياء: ٦٩.
(٢٢٢) يراجع في تفصيل ذلك بحث حول المهدي، للإمام الصدر.
(٢٢٣) عقد الدرر الباب الثاني الحديث (٤١) وأخرجه الكنجي في كتاب البيان في الباب (١٣) وأسنده إلى حذيفة وعلق عليه " هذا حديث حسن رزقناه عاليا).
(٢٢٤) عقد الدرر الباب الثاني (الحديث ٤٢).
(٢٢٥) فرائد السمطين آخر الجزء الثاني وروي بصورة موجزة في ينابيع المودة (ص ٤٤٨).
(٢٢٦) ينابيع المودة (ص ٤٤٨) فرائد السمطين.
(٢٢٧) ينابيع المودة (ص ٤٤٨).
(٢٢٨) صحيح الترمذي ٢ / ٤٦ مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٧٦ صحيح أبي داود ٢ / ٢٠٧.
(٢٢٩) ينابيع المودة (ص ٤٤٨) البرهان في علامات آخر الزمان (ب ٢) منتخب الأثر (١٤٩) كشف الغمة.
(٢٣٠) الترديد من الراوي.
(٢٣١) الإحياء: بكسر الهمزة البقاء.
(٢٣٢) الغلفة: المحجوبة.
(٢٣٣) البيان في أخبار صاحب الزمان.
(٢٣٤) البيان في أخبار صاحب الزمان وعلق عليه بقوله هذا حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم فأما الطبراني فقد ذكره في (المعجم الأوسط) وأما أبو نعيم فرواه في (حلية الأولياء) وأما عبد الرحمن بن حاتم فقد ساقه في عواليه كما أخرجناه سواء انتهى كلامه وروي هذا الحديث في ينابيع المودة (٤٩١) وفي (نور الأبصار) (ص ١٥٥) وفي (البرهان في علامات آخر الزمان).
(٢٣٥) شبه الكوز التي في بطن بأفلاد الكبد وهي شعبها وقطعها وهذا من الاستعارة العجيبة لأن شعب الكبد من أشرف الأعضاء الرئيسية فكذلك الكنوز من جواهر الأرض الأرض النفيسة ذكر ذلك السيد الرضي في مجازات الآثار النبوية.
(٢٣٦) الأمالي للشيخ الطوسي وبحار الأنوار منتخب الأثر (ص ١٦٨).
(٢٣٧) غيبة الشيخ الطوسي.
(٢٣٨) عقد الدرر الباب الثالث.
(٢٣٩) منتخب كنز العمال: ٦ /٣٤.
(٢٤٠) دلائل الإمامة.
(٢٤١) إكمال الدين.
(٢٤٢) ينابيع المودة (ص ٤٦٧).
(٢٤٣) إكمال الدين، كفاية الأثر.
(٢٤٤) إكمال الدين، الاحتجاج، البحار.
(٢٤٥) كمال الدين.
(٢٤٦) كفاية الأثر.
(٢٤٧) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.
(٢٤٨) ينابيع المودة (ص ٤٢٦) مجمع البيان، تفسير العياشي.
(٢٤٩) ينابيع المودة (ص ٤٢٥).
(٢٥٠) منتخب الأثر (ص ١٧٢).
(٢٥١) كمال الدين (ص ٣١٨).
(٢٥٢) إكمال الدين (ص ٣١٩).
(٢٥٣) إكمال الدين.
(٢٥٤) إكمال الدين.
(٢٥٥) غيبة الشيخ الطوسي.
(٢٥٦) ينابيع المودة (ص ٤٩١).
(٢٥٧) كفاية الأثر.
(٢٥٨) غاية المرام (ص ٦٩٦) حياة الإمام علي بن موسى الرضا.
(٢٥٩) سورة الشعراء: آية ٤.
(٢٦٠) سورة ق: آية ٤١ - ٤٢.
(٢٦١) فرائد السمطين، كفاية الأثر، ينابيع المودة (ص ٤٤٨).
(٢٦٢) كفاية الأثر إكمال الدين وإتمام النعمة، أعلام الورى.
(٢٦٣) كفاية الأثر إكمال الدين، أعلام الورى.
(٢٦٤) إعلام الورى كفاية الأثر.
(٢٦٥) إكمال الدين (ص ٣٢٥).
(٢٦٦) إكمال الدين (ص ٣٢٥).
(٢٦٧) محاضرات في النصرانية لأبي زهرة (ص ٢٦ – ٢٧).
(٢٦٨) إنجيل يوحنا ٥ / ٢٥ - ٢٨.
(٢٦٩) إنجيل لوقا ٢١ / ٢٥ - ٢٦.
(٢٧٠) إنجيل متى ٢٤ / ٢٩.
(٢٧١) إنجيل متى ٢٥ / ٦.
(٢٧٢) إنجيل متى ٢٤ / ٤٤.
(٢٧٣) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل (ص ٥٣٣).
(٢٧٤) لقد مضت أجيال ولم يتحقق ما تنبأ به من ظهور السيد المسيح.
(٢٧٥) المسيح في القرآن والإنجيل (ص ٥٢٩ – ٥٣٠).
(٢٧٦) حاضر العالم الإسلامي ٢ / ١٩٥.
(٢٧٧) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (ص ١٣٣).
(٢٧٨) البرهان في علامات آخر الزمان ١ / ٢٢ - ١٢٣ نقلا عن الكتب التاريخية في العهد القديم (ص ٤٧ – ٤٨).
(٢٧٩) البرهان ١ / ٢٨ نقلا عن قصة الديانات (ص ٣٧٦).
(٢٨٠) رسالة بطرس الثاني ٣ / ١١ - ١٣.
(٢٨١) إسرائيل والتلمود (ص ٦٠).
(٢٨٢) البرهان ١/١٢٩.
(٢٨٣) التلمود تاريخه وتعاليمه (ص ٦٠).
(٢٨٤) قصة الديانات (ص ٣٧٦).
(٢٨٥) التلمود تاريخه وتعاليمه (ص ٦١).
(٢٨٦) البرهان ١ / ١٣ نقلا عن المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل (ص ٥٢٦).
(٢٨٧) مطالب السؤول ٢ / ٧٩.
(٢٨٨) الفتوحات المكية ٣/ ٤٢٩ – ٤٣٠.
(٢٨٩) الفصول المهمة.
(٢٩٠) تاريخ ابن الأثير ٥ / ٣٧٣، وذكر مثله في النهاية.
(٢٩١) تذكرة خواص الأئمة.
(٢٩٢) تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٢.
(٢٩٣) أخبار الدول (ص ١١٧).
(٢٩٤) وفيات الأعيان ٢ / ٤٥١.
(٢٩٥) تاريخ دول الإسلام ٥ / ١١٥، والذهبي معروف بحقده البالغ على أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وينطبق عليه قول المتنبي:
سميت بالذهبي اليوم تسمية * مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب.
(٢٩٦) صحاح الأخبار.
(٢٩٧) نور الأبصار (ص ١٥٢).
(٢٩٨) ينابيع المودة.
(٢٩٩) اليواقيت.
(٣٠٠) الاعلام ٦/ ٣٠٩ – ٣١٠.
(٣٠١) شعب الإيمان.
(٣٠٢) روضة الشهداء (ص ٣٢٦).
(٣٠٣) اليواقيت والجواهر.
(٣٠٤) ينابيع المودة (ص ٤٧١) نقلا عن شرح الدائرة.
(٣٠٥) فصل الخطاب.
(٣٠٦) الفتوحات الإسلامية ٢ / ٣٢٢.
(٣٠٧) الإمام المهدي (ص ٣١٠ – ٣١٨).
(٣٠٨) عقد الدرر في أخبار المنتظر (ص ٣٢).
(٣٠٩) نفس المصدر.
(٣١٠) عقد الدرر في أخبار المنتظر (ص ٣٢ – ٣٥).
(٣١١) رسائل الشيخ المفيد.
(٣١٢) مقتضب الأثر (ص ٥٠).
(٣١٣) مقتضب الأثر (ص ٥٢).
(٣١٤) مقتضب الأثر (ص ٥٥).
(٣١٥) مقتضب الأثر (ص ٥١).
(٣١٦) الإمام المهدي (ص ٢٨٤).
(٣١٧) الأخرج ذو لونين أبيض وأسود.
(٣١٨) المجر: الجيش العظيم الزجل الجلبة وارتفاع الصوت ينفي الوحوش أي يطردها. الهزمج اختلاط الأصوات.
(٣١٩) شيم: نظر البيض ما يلبس من الحديد على الرأس في الحرب بوارق: أي ذات لمعان المحمج: من يحدق نظره أي لا يستطيع النظر إليها لشدة لمعانها.
(٣٢٠) الوقدة شدة الحر.
(٣٢١) الطرف البصر أعرضت اعترضت الحراج مجمع الشجر. تحرج أي لا تستطيع العين أن تطرف.
(٣٢٢) الرجلة: جمع راجل الارسال القطيع أوثج: كشف.
(٣٢٣) مقاتل الطالبين (ص ٦٥٤ – ٦٥٥).
(٣٢٤) ينابيع المودة (ص ٤١٣).
(٣٢٥) الإمام المهدي (ص ٢٨٥).
(٣٢٦) الإمام المهدي (ص ٢٨٧).
(٣٢٧) شرح القصائد العلويات السبع (ص ٧٠).
(٣٢٨) الإمام المهدي.
(٣٢٩) ينابيع المودة (ص ٤٦٩).
(٣٣٠) ديوان السيد حيدر.
(٣٣١) منن الرحمن ٢ / ٢٣٠.
(٣٣٢) منن الرحمن ٢ / ٢٣٠.
(٣٣٣) منن الرحمن ٢ / ٢٣٣.
(٣٣٤) شرح مسند الإمام أحمد ٥ / ١٩٧.
(٣٣٥) سبائك الذهب (ص ٧٨).
(٣٣٦) التشيع والشيعة (ص ٣١).
(٣٣٧) دراسات إسلامية.
(٣٣٨) المهدي وأحمد أمين (ص ٨).
(٣٣٩) الأحلاس: جمع حلس، وهو الثوب الذي يلي ظهر البعير، شبهها به للزومها ودوامها، نهاية ابن الأثير ١ / ٤٢٣.
(٣٤٠) عقد الدرر (ص ١١٩) المصابيح.
(٣٤١) أمالي الطوسي.
(٣٤٢) عقد الدرر (ص ١١٣).
(٣٤٣) كنز العمال ٧ / ١٨٦.
(٣٤٤) كنز العمال ٦/ ٤٤ وقريبه منه في العرف الوردي ٢ / ٦٧.
(٣٤٥) الهرج: الفتن والقتل، المرج: اضطراب الأمور وفسادها.
(٣٤٦) البحار ١٣ / ١٧٤.
(٣٤٧) قلائد الدرر (ص ١٣٣).
(٣٤٨) في نسخة و(ظنوا بالطعام).
(٣٤٩) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي (ص ٢٤٨).
(٣٥٠) الميزان في تفسير القرآن ص ٣٩٤ – ٣٩٦.
(٣٥١) الميزان ٥ / ٣٩٦ - ٤٠.
(٣٥٢) عقد الدرر (ص ٣٢٤).
(٣٥٣) عقد الدرر (ص ٣٢٣) صحيح البخاري.
(٣٥٤) عقد الدرر (٣٢٩) أخرجه أحمد في مسنده ورواه البغوي في مصابيح السنة.
(٣٥٥) قال النووي في في شرح صحيح مسلم ١٨ / ٤٠ الصحيح الذي عليه المحققون إن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفر الدجال وكذبه وإبطاله يظهرها الله لكل مسلم كاتب وغير كاتب ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته.
(٣٥٦) روى حذيفة عن النبي (ص) أنه قال: إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب صحيح مسلم ٤ / ٢٢٥٠.
(٣٥٧) عقد الدرر (ص ٣٣٣ – ٣٣٤).
(٣٥٨) الفتن لأبي كثير (ص ١٧٢).
(٣٥٩) المسيح الدجال (ص ٢٣٧).
(٣٦٠) المسيح الدجال (ص ٣٨).
(٣٦١) المسيح الدجال (ص ٢٣٨).
(٣٦٢) المسيح الدجال (ص ٢٣٨).
(٣٦٣) صحيح مسلم الطبراني.
(٣٦٤) البخاري ٤ / ٥٣٧.
(٣٦٥) مستدرك الحاكم ٤ / ٥٣٧.
(٣٦٦) مسند أحمد الطبراني الزوائد ٧ / ٣٣٧.
(٣٦٧) مستدرك الحاكم ٤ / ٥٣٥.
(٣٦٨) صحيح مسلم ١٨ / ٦٢.
(٣٦٩) الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ١ / ٢٣٣.
(٣٧٠) كتاب السنة لابن عاصم ١ / ١٧٣.
(٣٧١) شرح مسلم ١٨ / ٥٨.
(٣٧٢) الفتاوي الكبرى لابن تيمية ٢٠ / ٤٥٦ التواتر (ص ٣٦٨).
(٣٧٣) الزوائد للطبراني ٧ / ٣٤٦.
(٣٧٤) السيجان: ملابس مصنوعة من الصوف.
(٣٧٥) المسيح الدجال (ص ٢٤٨).
(٣٧٦) المسيح الدجال (ص ٢٤٩).
(٣٧٧) المسيح الدجال (ص ٢٤٩).
(٣٧٨) تفسير دنيال (ص ١٣٤).
(٣٧٩) الزوائد ٧ / ٣٤٧.
(٣٨٠) رواه أحمد وأبو داود ومسلم ١٨ / ٦١.
(٣٨١) المسيح الدجال.
(٣٨٢) المسيح الدجال.
(٣٨٣) منتخب الأثر (ص ٤٨٠).
(٣٨٤) عقد الدرر الحديث ١٢٢ من الباب الرابع، وفي حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن اسمه حرب بن عنبسة بن مرة بن سلمة بن يزيد بن عثمان بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ومعنى ذلك أنه مولود قبل الإمام المنتظر (عليه السلام)، ومختف عن الأبصار، وفي مشارق الأنوار (ص ١٠٢) أن السفياني من ذرية أبي سفيان.
(٣٨٥) عقد الدرر.
(٣٨٦) عقد الدرر.
(٣٨٧) الكلب: لقب لإحدى القبائل العربية، ويعرفون بـ (بني كلاب).
(٣٨٨) المدينة: هي مدينة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
(٣٨٩) الزوراء: هي بغداد.
(٣٩٠) البشير: يبشر بخروج الإمام المنتظر (عليه السلام).
(٣٩١) المهدي الموعود المنتظر ٢ / ٩٧ - ١٠٠ نقلا عن عقد الدرر.
(٣٩٢) ينابيع المودة (ص ٤١٤).
(٣٩٣) كنز العمال ٧ / ١٨٢.
(٣٩٤) الملاحم والفتن لابن طاووس ١ / ١٠٠ عقد الدرر، العرف الوردي ٢ / ٦٨.
(٣٩٥) كنز العمال ٦ / ٦٨.
(٣٩٦) العرف الوردي ٢ / ٦١ نور الأبصار (ص ١٥٥) فرائد السمطين ينابيع المودة (ص ٤٤٧) البيان في أخبار صاحب الزمان عقد الدرر.
(٣٩٧) إسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الأبصار (ص ١٢٧ – ١٢٨).
(٣٩٨) فرائد السمطين.
(٣٩٩) فرائد السمطين.
(٤٠٠) الملاحم والفتن ٣ / ١٠٤.
(٤٠١) عقد الدرر الحديث ٤٩ الباب (٣).
(٤٠٢) عقد الدرر الحديث (١٤٣) الفصل الثالث.
(٤٠٣) الملاحم والفتن (ص ٣٦).
(٤٠٤) عرض لها بصورة مفصلة المحقق الكبير الشيخ نجم الدين العسكري في كتابه (المهدي الموعود المنتظر) ج ٢ / ١٤ - ٥٥.
(٤٠٥) عقد الدرر الحديث (١٤٨) الباب الرابع.
(٤٠٦) غاية المرام (ص ٦٨٧) نقلا عن تفسير الثعلبي، وأخرج الحديث في عقد الدرر) مختصرا.
(٤٠٧) عقد الدرر الحديث (٣٥٢).
(٤٠٨) فرائد السمطين غاية المرام (ص ٤٣).
(٤٠٩) الغرقدة: شجرة الغضا والعوسج.
(٤١٠) المهدي الموعود ٢ / ٢٣٨ - ٢٣٦ نقلا عن الملاحم والفتن ٢ / ١١٠- ١١١.
(٤١١) الفتوحات المكية.
(٤١٢) إكمال الدين.
(٤١٣) غيبة الشيخ الطوسي، وقريب منه في عقد الدرر.
(٤١٤) منتخب الأثر (ص ٤٦٥) نقلا عن كشف الأستار (ص ١٨١).
(٤١٥) كشف الأستار (ص ١٨١).
(٤١٦) ينابيع المودة (ص ٤١٤).
(٤١٧) فرائد السمطين ينابيع المودة (ص ٤٤٧) غاية المرام (ص ٦٩٢).
(٤١٨) العرف الوردي ٢ / ٦٣.
(٤١٩) عقد الدرر، العرف الوردي ٢ / ٨١.
(٤٢٠) الملاحم والفتن الباب ١٢٩.
(٤٢١) البحار.
(٤٢٢) الإرشاد.
(٤٢٣) الملاحم والفتن.
(٤٢٤) الغيبة للنعماني (ص ١٢٣).
(٤٢٥) مستدرك الحاكم ٤ / ٥٥٤ تلخيص المستدرك ٤ / ٥٥٤ للذهبي.
(٤٢٦) ينابيع المودة (ص ٤٣٧).
(٤٢٧) ينابيع المودة (ص ٤٣٧).
(٤٢٨) تاريخ الخميس ٢ / ٣٢١ نقلا عن الفتوحات.
(٤٢٩) منتخب الأثر (ص ٤٧٦).
(٤٣٠) ينابيع المودة (ص ٤٢٤).
(٤٣١) غيبة الشيخ الطوسي وفي الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس ٢ / ١٠٤ ذكر الإمام (عليه السلام) في بعض خطبه أسماء أصحاب الإمام المنتظر وأسماء قبائلهم وبلدانهم.
(٤٣٢) وفي نسخة المفقتدون.
(٤٣٣) إكمال الدين.
(٤٣٤) عقد الدرر ومسند أحمد والصواعق المحرقة وغيرها.
(٤٣٥) الهمالج: فارسي معرب وهو من البراذين التي تمشي شبه الهرولة.
(٤٣٦) الصرارة هو جلد العقبان التي تأكل الحياة.
(٤٣٧) في الأصل ويوسدوا التراب على الخدود والعكس هو الصحيح وهو كناية عن تواضعهم.
(٤٣٨) الكراهة تحمل على الحرمة لا على معناها الظاهر.
(٤٣٩) المهدي الموعود ٢ / ١١ نقلا عن الملاحم والفتن لابن طاووس ٢ / ١٠٤ باب ٧٩.
(٤٤٠) كنز العمال ٧ / ٢٦٠.
(٤٤١) الملاحم والفتن ١ / ٣.
(٤٤٢) المهدي الموعود.
(٤٤٣) البيان في أخبار صاحب الزمان منن الرحمن ٢ / ٤٢.
(٤٤٤) منتخب كنز العمال ٦ / ٣٤.
(٤٤٥) إسعاف الراغبين ص ١٤٠ - ١٤١.
(٤٤٦) مستدرك الحاكم ٤ / ٥٥٧.
(٤٤٧) منتخب الأثر (ص ٤٧٤) نقلا عن كشف الأستار.