مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجَّل الله فرجه)
السيد محمد مير لوحي الأصفهاني (رحمه الله)
ترجمة وتحقيق: السيد ياسين الموسوي
تقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
رقم الإصدار: ٣٩
الطبعة الثانية ١٤٤٣هـ
الفهرس
مقدَّمة المركز للطبعة الثانية..................٣
مقدَّمة المركز للطبعة الأُولى..................٥
مقدَّمة المحقِّق..................١١
لماذا كتاب كفاية المهتدي؟..................١١
ما هي أهمّيَّة روايات كتابي إثبات الرجعة، والغيبة للشيخ بن شاذان؟..................١٣
وملخَّص البحث..................١٤
عملنا في الكتاب..................١٤
مصادر الكتاب ومؤلِّفيها..................١٦
١ - الغيبة..................١٨
من هو الفضل بن شاذان؟..................٢٠
٢ - الغيبة..................٢٢
٣ - الفرج الكبير في الغيبة..................٢٣
سطور من أحوال السيِّد المير لوحي (رحمه الله)..................٢٤
اسمه..................٢٤
مؤلَّفاته..................٣٠
مقدَّمة المؤلِّف:..................٣٩
الحديث (١) الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر..................٤٩
الحديث (٢) مثل المهدي (عليه السلام) مثل الساعة..................٥٥
الحديث (٣) مَنْ أنكر واحداً من الأئمَّة (عليهم السلام) فقد أنكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................٦٣
فائدة جليلة..................٦٥
الحديث (٤) اللوح الذي أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................٦٦
الحديث (٥) الأئمَّة الاثنا عشر (عليهم السلام) هم أُولو الأمر..................٦٨
الحديث (٦) رؤية إبراهيم الخليل (عليه السلام) أنوار الأئمَّة (عليهم السلام) إلى جنب العرش..................٧٠
الحديث (٧) لا يُقبَل عمل أحد إلَّا بولايتهم (عليهم السلام)..................٧٢
الحديث (٨) رؤية النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنوارهم (عليهم السلام) عند سدرة المنتهى في معراجه..................٧٥
الحديث (٩) النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُخبِر نعثل اليهودي بأوصيائه (عليهم السلام)..................٧٨
الحديث (١٠) الأئمَّة (عليهم السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم..................٨١
الحديث (١١) النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُخبِر جندل اليهودي عن أوصيائه (عليهم السلام)..................٨٢
الحديث (١٢) المهدي (عليه السلام) التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)..................٨٥
الحديث (١٣) الأوصياء اثنا عشر، والمهدي (عليه السلام) التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)..................٨٧
الحديث (١٤) النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُبشِّر الزهراء (عليها السلام) بالمهدي (عليه السلام)..................٨٩
الحديث (١٥) للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر خليفة..................٩٠
الحديث (١٦) حديث إنِّي تارك فيكم الثقلين..................٩٢
الحديث (١٧) الخضر (عليه السلام) يشهد أنَّهم (عليهم السلام) القائمون..................٩٣
الحديث (١٨) الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر عدد أسباط يعقوب..................٩٨
الحديث (١٩) الحسين (عليه السلام) يُخبِر أصحابه ليلة عاشوراء عن الأئمَّة (عليهم السلام)..................١٠٠
الحديث (٢٠) الإمام السجَّاد (عليه السلام) يُخبِر الكابلي عن الأئمَّة (عليهم السلام) وغيبة المهدي (عليه السلام)..................١٠١
الحديث (٢١) ثواب من ثبت على ولاية القائم (عليه السلام) في الغيبة..................١٠٣
الحديث (٢٢) ثواب من ثبت على ولاية القائم (عليه السلام) في الغيبة..................١٠٤
الحديث (٢٣) الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر..................١٠٥
الحديث (٢٤) القائم (عليه السلام) هو الخامس من ولد الكاظم (عليه السلام)..................١٠٦
الحديث (٢٥) القائم (عليه السلام) هو الرابع من ولد الرضا (عليه السلام)..................١٠٧
الحديث (٢٦) الإمام الجواد (عليه السلام) يُحدِّث عبد العظيم الحسني عن القائم (عليه السلام)..................١٠٨
الحديث (٢٧) عبد العظيم الحسني يعرض دينه على الإمام الهادي (عليه السلام)..................١١٠
الحديث (٢٨) المهدي (عليه السلام) ولد ابنة قيصر مَلِك الروم..................١١٢
الحديث (٢٩) ولادة المهدي (عليه السلام)..................١٢٠
الحديث (٣٠) رضوان خازن الجنان يُغسِّل المهدي (عليه السلام) حين ولادته..................١٢٥
الحديث (٣١) أُمُّ المهدي (عليه السلام) تُخبِر عمَّا حدث حين ولادته (عليه السلام)..................١٢٧
الحديث (٣٢) حديث نسيم ومارية الخادمتين عن ولادته (عليه السلام)..................١٢٩
الحديث (٣٣) الإمام العسكري (عليه السلام) يعرض ولده المهدي (عليه السلام) على أحمد بن إسحاق..................١٤٧
الحديث (٣٤) رشيق المادرائي يهجم على بيت الإمام (عليه السلام)..................١٤٩
الحديث (٣٥) رؤية الأودي للمهدي (عليه السلام) في الطواف..................١٥١
الحديث (٣٦) المهدي (عليه السلام) يغيث رجلاً من الشيعة..................١٥٣
الحديث (٣٧) بعض من رأى الإمام المهدي (عليه السلام)..................١٥٤
[رؤية محمّد بن إسماعيل للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]..................١٥٤
[رؤية حكيمة عمَّة العسكري (عليه السلام) للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]..................١٥٥
[ملاقاة أبي محمّد العجلي للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]..................١٧٢
[ملاقاة ابن مهزيار للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]..................١٧٥
[حكاية يعقوب الغسَّاني]..................١٨٠
[ملاقاة يوسف الجعفري للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]..................١٨١
[حكاية محمّد بن إبراهيم بن مهران]..................١٨٢
[حكاية القاسم بن العلاء]..................١٨٦
[حكاية ابن أبي سورة عن أبيه الزيدي]..................١٨٩
[حكاية محمّد بن هارون]..................١٩١
[حكاية أبي الحسن المسترقِّ]..................١٩٢
[حكاية أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه]..................١٩٤
[حكاية الزراري]..................١٩٥
[حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي]..................١٩٧
[حكاية عطوة]..................٢٠٢
[حكاية بني راشد وسبب تشيُّعهم]..................٢٠٣
[أسماء من رأى المهدي (عجَّل الله فرجه)]..................٢٠٨
أوَّلاً: من الوكلاء..................٢٠٨
وثانياً: من غير الوكلاء..................٢٠٨
[دعاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه) لعليِّ بن الحسين بن بابويه]..................٢١١
الحديث (٣٨) علامات الساعة..................٢١٣
الحديث (٣٩) أحداث تكون قبل ظهوره (عليه السلام)..................٢١٧
[سنة ظهور القائم (عجَّل الله فرجه)]..................٢٢٦
الحديث (٤٠) المهدي (عليه السلام) يملك ثلاثمائة وتسع سنين..................٢٤٣
[علامات أشراط الساعة]..................٢٥٨
المصادر والمراجع..................٢٦٣
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة المركز للطبعة الثانية:
تختلف القضايا الاعتقاديَّة الإسلاميَّة فيما بينها من حيث الأهمّيَّة والآثار المترتِّبة عليها، فبعضها - على أهمّيَّتها - إلَّا أنَّ الاعتقاد بها أو عدمه لا يُؤثِّر على انتماء الفرد إلى الإسلام، كما ذكروا ذلك في تفاصيل القبر والمعاد والجنَّة والنار، وبعضها من الأهمّيَّة بحيث إنَّ إنكارها يُساوق إنكار الدِّين ونبوَّة النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كإنكار الصلاة والصوم والحجِّ مثلاً.
والقضيَّة المهدويَّة هي من النوع الثاني، الأمر الذي كشفت عنه النصوص الدِّينيَّة الواردة فيها، من قبيل ما روي عن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: «من أقرَّ بجميع الأئمَّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته»، فقيل له: يا بن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحلُّ لكم تسميته»(١).
وعن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»(٢).
ولذلك نجد أنَّ الاهتمام بها كان من الرواة الأوائل والعلماء القدماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) كمال الدِّين (ص ٣٣٣/ باب ٣٣/ ح ١).
(٢) كمال الدِّين (ص ٤١٢/ باب ٣٩/ ح ٨).
↑صفحة ٣↑
شديداً جدًّا، وصولاً إلى زمننا، حيث أضحت هذه القضيَّة من أُمَّهات القضايا الحياتيَّة المعاشة، لما وفَّرته البحوث الكثيرة والمؤلَّفات العديدة في بيانها وشرحها توضيحها وتأصيلها.
ومن الرواة الذين اهتمُّوا بهذه القضيَّة ووصلت لنا آثارهم، الفضل بن شاذان، حيث إنَّه تمَّ جمع أربعين رواية له في هذا الشأن في هذا الكتاب، من قِبَل مؤلِّفه السيِّد محمّد ميرلوحي الأصفهاني (رحمه الله)، وقد عالجت هذه النصوص جوانب متعدِّدة منها، بدءاً من إثبات أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم اثنا عشر إماماً، وأنَّ ثاني عشرهم هو المهدي (عجَّل الله فرجه) مروراً ببيان بعض النصوص والبشارات به (عجَّل الله فرجه) من المعصومين بعضهم لبعض أو منهم (عليهم السلام) لغيرهم، وانتهاءً ببيان علامات الساعة، وأنَّ إحداها هو الظهور المبارك له (عجَّل الله فرجه)، وبيان مدَّة ملكه (عجَّل الله فرجه).
مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
↑صفحة ٤↑
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة المركز للطبعة الأولى:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) من الأُمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريَّات التي لا يشوبها شكٌّ(٣).
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وجاء أنَّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلَّف، حتَّى لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يظهر.
وكيف وأنَّى يتخلَّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون؟! وكيف لا يُحقِّق تعالى وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالى لا يُشركون به شيئاً؟!
وقد أجمع المسلمون على أنَّ المهديَّ المنتظر (عجَّل الله فرجه) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام).
وأجمع الإماميَّة - ومعهم عدد من علماء أهل السُّنَّة - أنَّه (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويَّته الكاملة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣) روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل على محمّد». راجع: شرح إحقاق الحقِّ (ج ١٣/ ص ٢٣٥ و٢٣٦/ باب من أنكر خروج المهدي فقد كفر).
↑صفحة ٥↑
هكذا فقد اعتقد الإماميَّة - ومعهم بعض علماء أهل السُّنَّة - أنَّ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) قد وُلِدَ فعلاً، وأنَّه حيٌّ يُرزَق، لكنَّه غائب مستور.
وماذا تنكر هذه الأُمَّة أنْ يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجَّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أنْ يفعل الله تعالى بحجَّته كما فعل بيوسف (عليه السلام)، أنْ يسير في أسواقهم ويطأ بُسُطهم وهم لا يعرفونه، حتَّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أنْ يُعرِّفهم بنفسه كما أذن ليوسف ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ (يوسف: ٩٠)(٤).
أوَلم يُخلِف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أُمَّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض؟!
أوَلم يُخبِر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش، وأنَّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى (عليه السلام)؟!
وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتَّى أقام لها القلب إماماً لتردَّ عليه ما شكَّت فيه، فيقرُّ به اليقين ويبطل الشكُّ، فكيف يترك هذا الخلق كلَّهم في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يُقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكَّهم وحيرتهم(٥)؟!
وحقًّا ﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحجّ: ٤٥).
ولا ريب أنَّ للعقيدة الشيعيَّة في المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) - وهي عقيدة قائمة على الأدلَّة القويمة العقليَّة - رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنَّ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) لم يُولَد بعد، يقرُّ بذلك كلُّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤) الاستدلال منتزع من الكافي (ج ١/ ص ٣٨٤ و٣٨٥/ باب في الغيبة/ ح ٤).
(٥) اُنظر محاججة هشام بن الحَكَم مع عمرو بن عبيد في كمال الدِّين (ص ٢٣٧ - ٢٣٩/ باب ٢١/ ح ٢٣).
↑صفحة ٦↑
قول الصادق المصدَّق (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة»(٦).
ناهيك عن أنَّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيِّ أنَّها تمنح المذهب غناءً وحيويَّة لا تخفى على من له تأمُّل وبصيرة(٧).
ولا ريب أنَّ إحساس الفرد المؤمن أنَّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابةً مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيِّين لظهور مهديِّ آل محمّد (عليه وعليهم السلام)؛ خاصَّة وأنَّه يعلم أنَّ اليُمْن بلقاء الإمام لن يتأخَّر عن شيعته لو أنَّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنَّه لا يحبسهم عن إمامهم إلَّا ما يتَّصل به ممَّا يكرهه ولا يُؤثِره منهم(٨).
ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنون - في تثبيت شيعته وقواعده الشعبيَّة المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإنْ سترها السحاب.
كيف، ولولا مراعاته ودعائه (عجَّل الله فرجه) لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللَّأواء؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثيَّة بتعابير تتَّفق في مضمونها. اُنظر على سبيل المثال: مسند أحمد (ج ٤/ ص ٩٦)، مسند أبي داود (ص ٢٥٩)، المصنَّف لابن أبي شيبة (ج ٨/ ص ٥٩٨/ ح ٤٢)، المعجم الأوسط للطبراني (ج ٦/ ص ٧٠)، مجمع الزوائد (ج ٥/ ص ٢١٨ و٢٢٥)، وغيرها من المصادر.
(٧) اُنظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلَّامة الطباطبائي (رحمه الله) في كتاب (الشمس الساطعة).
(٨) راجع: الاحتجاج (ج ٢/ ص ٣٢٥)، عنه بحار الأنوار (ج ٥٣/ ص ١٨١/ ح ٨).
↑صفحة ٧↑
ولا يشكُّ أحد من الشيعة أنَّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء(٩).
وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبُّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وجاء في بعضها أنَّه (عجَّل الله فرجه) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(١٠)، وأنَّه (عجَّل الله فرجه) يدخل عليهم ويطأ بُسُطهم، كما وردت روايات جمَّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ فيه فرج الشيعة.
وقد عني مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه) بالاهتمام بكلِّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام (عجَّل الله فرجه)، سواءً بطباعة ونشر الكُتُب المختصَّة به (عجَّل الله فرجه)، أو إقامة الندوات العلميَّة التخصُّصيَّة في الإمام (عجَّل الله فرجه) ونشرها في كُتيِّبات أو من خلال شبكة الانترنيت، ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويِّ، ويتضمَّن تحقيق ونشر الكُتُب المؤلَّفة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)، من أجل إغناء الثقافة المهدويَّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميَّة الشيعيَّة.
نسأله (عزَّ من مسؤول) أنْ يأخذ بأيدينا، وأنْ يُبارك في جهودنا ومساعينا، وأنْ يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله ربِّ العالمين.
والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ هو مجموعة نادرة وقيِّمة من الأحاديث الخاصَّة حول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) برواية الفضل بن شاذان المعاصر للإمام العسكري (عليه السلام)، والتي يمكن اعتبارها مصدراً مهمًّا من المصادر التي اعتمد عليها الأوائل في إثبات الكثير من الخصوصيَّة حول الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩) قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (كمال الدِّين: ص ٢٣٥/ باب ٢١/ ح ١٩).
(١٠) راجع: كمال الدِّين (ص ٤٧٠/ باب ٤٣/ ح ٨).
↑صفحة ٨↑
والمركز إذ يُقدِّم للمكتبة الإسلاميَّة وللإخوة القُرَّاء هذا السِّفر القيِّم يتقدَّم بالشكر الجزيل لسماحة السيِّد ياسين الموسوي (دام ظلُّه) لجهده في ترجمة وتحقيق هذا الكتاب القيِّم.
مدير المركز
السيِّد محمّد القبانچي
(١٤٢٧هـ)
↑صفحة ٩↑
مقدَّمة المحقِّق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ومنكري فضائلهم من الأوَّلين والآخرين إلى قيام يوم الدِّين.
لماذا كتاب كفاية المهتدي؟
بغضِّ النظر عن الدواعي التي دفعت المؤلِّف (رحمه الله) لكتابته هذا الكتاب، والتي أشار إليها في المقدَّمة، وإنْ كان قد ركَّز هو على فكرة جمع أربعين حديثاً، واستشهد له بالروايات، والأقوال؛ ولم يُفصِّل القول في الموضوع العقائدي الذي ابتنت عليه أُصول وقواعد جمعه لأحاديث كتابه؛ ولعلَّ السبب يعود: إلى أنَّه أوكل ذلك إلى نفس القارئ عندما يطَّلع على دُرَر المعاني والأفكار بما يقرأه من روايات وأحاديث الكتاب.
وفي الواقع أنَّ الكتاب لم يأتِ بشيء جديد يستحقُّ كلَّ هذا الاهتمام: من ترجمةٍ، وتحقيقٍ، ومتابعةٍ، بل كاد أنْ يكون تكراراً لكُتُبٍ كثيرة جمعت الروايات، والأخبار التي اختصَّت موضوعها بالمهدي (عجَّل الله فرجه)، أو اشتملت عليه، مثل: كمال الدِّين، وغيبة الطوسي، وغيبة النعماني، وعشراتٍ غيرها؛ إلَّا أنَّه تميَّز عنها بشيء جديد استحقَّ كلَّ هذا الاهتمام والرعاية، وهو: أنَّه جمع في كتابه هذا عشرات الأحاديث التي رواها الشيخ الفضل بن شاذان (المتوفَّى سنة ٢٥٧ للهجرة، أي
↑صفحة ١١↑
بعد ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بسنتين فقط) في كتابه الغيبة، وإثبات الرجعة؛ والتي طالما نقل عنهما الشيوخ الأوائل الأقدمون مثل: الكليني، والصدوق، والمفيد، والطوسي، وغيرهم، وامتلأت كُتُبهم بتلك الروايات الصحيحة.
ولكنَّهم ولأسباب موضوعيَّة اختصروا تلك الكُتُب فلم ينقلوا جميع ما فيها، واكتفوا بنقل بعضها، وربَّما يكون السبب الكبير لسلوكهم هذا المنهج في الجمع والتبويب: أنَّ تلك الكُتُب كانت متوفِّرةً من حيث الكمِّ، ومتواترةً أو مشهورةً بما يقارب التواتر من حيث الإسناد.
ومهما تكن الأسباب، والدواعي التي اقتضت هذا الاختصار، ومع أنَّنا نعذرهم بذلك، ولكن ما مرَّت به الطائفة المحقَّة من غارات، واعتداءات، وحروب عنصريَّة أدَّت إلى ضياع كثير من تراثنا، أو ما زال يعيش في خفايا ومجاهيل المكتبات وغيرها، ومن جملة ذلك التراث المقدَّس كُتُب الشيخ ابن شاذان (قدّس سرّه)، فضاعت كثير من تلك النفائس ولم يبقَ منها إلَّا قليل.
فلو كان المتقدِّمون قد نقلوا ما في تلك الكُتُب فلربَّما كانت قد وصلت إلينا كما وصلت باقي الأخبار التي نقلوها في مختلف الأبواب والمواضيع.
ويبقى استغرابٌ ماثلٌ أمامنا وهو: أنَّنا نجد كثيراً من الأصحاب قد أكثروا من النقل عن كتابي الشيخ ابن شاذان: (إثبات الرجعة، والغيبة)، ومنهم من المتأخِّرين، بل قد يظهر من آراء بعض المحقِّقين أنَّ الشيخ الحرَّ العاملي المتوفَّى سنة (١١٠٤هـ) قد اختصر كتابه (إثبات الرجعة)، وما زالت النسخة المخطوطة بخطِّ يده موجودة ومحفوظة. ولكنَّه يُصرِّح فيها أنَّ الاختصار كان لغيره، وقام هو (رحمه الله) بمقابلة نُسَخ ذلك الاختصار، حيث قال في خاتمة النسخة: (هذا ما وجدناه منقولاً عن رسالة إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بخطِّ بعض فضلاء المحدِّثين، وقد قوبل بأصله. حرَّره محمّد الحرُّ). وقد ختمه بختمه الشريف
↑صفحة ١٢↑
وكتب فوقه: مالكه؛ والنسخة موجودة في مكتبة الإمام الحكيم العامَّة في النجف الأشرف.
ومن جملة أُولئك العلماء الذين نقلوا مباشرةً عنهما مؤلِّف هذا الكتاب، والعالم الجليل آقا مير محمّد صادق الخاتون آبادي: (المتولِّد سنة ١٢٠٧هـ، والمتوفَّى ليلة ١٤ من شهر رجب سنة ١٢٧٢هـ) في كتابه الأربعون (كشف الحقِّ)(١١).
ولذلك تعيَّن على من يريد الحصول على الأثر المتبقِّي من هذا التراث أنْ يراجع هذه الكُتُب التي نقلت عنه مباشرةً وبدون واسطة.
ومن هذه النقطة بالذات تظهر أهميَّة كتاب (كفاية المهتدي) حيث حفظ لنا كثيراً من روايات الشيخ الفضل بن شاذان.
ما هي أهمّيَّة روايات كتابي إثبات الرجعة، والغيبة للشيخ بن شاذان؟
وتظهر أهمّيَّة روايات هذين الكتابين لأنَّهما يتحدَّثان عن تفاصيل كثيرة تتعلَّق بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لم يألفها الشيعة ولا غيرهم في عصر صدورها وروايتها، ولم يتعرَّفوا عليها إلَّا بعد مدَّة ليست بالقصيرة.
أمَّا لماذا؟
وذلك لأنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لم يكن قد وُلِدَ آنذاك؛ فإنَّه كان قد كتب كثيراً من روايات كتابيه هذين إمَّا قبل ولادته (عجَّل الله فرجه)، أو بعد ولادته وقبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، كروايته خبر ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بمعنى: أنَّه كان قد تحدَّث عن الغيبة قبل حدوث الغيبة الصغرى؛ لأنَّ وفاة الشيخ الفضل بن شاذان كانت قبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) وكان (عليه السلام) قد ترحَّم عليه، فهو قد توفَّاه الله تعالى قبل حدوث الغيبة الصغرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١) إنَّ هذا الإخفاء، أو الضياع يُؤكِّد حقيقة مظلوميَّة أهل البيت (عليهم السلام)، ويُوضِّح مدى قساوة وجلافة خصومهم.
↑صفحة ١٣↑
وأمَّا كيف استطاع أنْ يتحدَّث عن كلِّ تلك الأُمور قبل وقوعها؟
فإنَّه في الواقع لم يُخبِر من عنده شيئاً، وإنَّما كلَّ ما أخبر عنه إنَّما كان روايةً عن أهل بيت النبوَّة (عليهم السلام)؛ ويكفي هذا دلالةً على إمامتهم (عليهم السلام)، حيث كانوا قد أخبروا عن الشيء قبل وقوعه.
وملخَّص البحث:
تكفي روايات الفضل لدحض شُبُهات وخزعبلات البعض الذين يقولون بأنَّ عقيدة الشيعة بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) إنَّما ظهرت متأخِّرة عن زمان وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بكثير، حتَّى كابر فادَّعى أنَّها ظهرت على يد متكلِّمي الإماميَّة كالشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ (الكهف: ٥).
فهذه كُتُب وروايات الفضل كلُّها كانت قبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام).
عملنا في الكتاب:
١ - كان الكتاب قد كُتِبَ باللغة الفارسيَّة، فقمنا بترجمته إلى اللغة العربيَّة، وقد راعينا أقصى ما يمكن الالتزام بالنصِّ الفارسي، وعدم تجاوزه والخروج عنه إلَّا ببعض الكلمات القليلة جدًّا اقتضته فروقات أساليب الكلام العربي والفارسي.
٢ - التزمنا بنقل الروايات الشريفة إلى اللغة العربيَّة بالنصِّ المروي في مصادره، ومع أنَّنا نظنُّ أنَّ ترجمة المؤلِّف لم تكن دقيقة في بعض الأحيان لكنَّنا التزمنا بنقل النصِّ كما هو في الترجمة، منبِّهين في الهامش إلى الاختلافات الموجودة في مصادر النصِّ؛ وقد آلينا أنْ نسلك هذا الأُسلوب لاحتمال أنْ يكون المؤلِّف قد اعتمد في الترجمة على نسخة بدل أُخرى؛ رعايةً منَّا للاحتياط الذي هو سبيل النجاة.
↑صفحة ١٤↑
٣ - وجدنا المؤلِّف قد ينجرُّ قلمه للحديث عن بعض الأكابر كالعلَّامة المجلسي (رحمه الله) بما لا يتناسب والبحث العلمي، فارتأينا حذف تلك المقاطع من الكتاب؛ ولذلك عدلنا من تسميَّة الكتاب باسمه الأصلي إلى تسميته بـ (مختصر كفاية المهتدي) رعايةً لأمانة النقل.
٤ - قمنا بتحقيق نصِّ الكتاب ورواياته غير المطبوعة والتي نقلها المؤلِّف (رحمه الله) من الكُتُب المفقودة على نسختين مهمَّتين:
النسخة الأُولى: المخطوطة الموجودة في كتابخانة مجلس - طهران - إيران. تحت رقم (٨٣٣)؛ وقد كُتِبَ في آخرها: (قد فرغ كتابته في يوم السبت من عشرة الثالث من شهر الحادي عشر في سنة الإحدى من عشر الثاني من مائة الثانية بعد الألف الأوَّل من الهجرة النبويَّة المصطفويَّة (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...).
وكان قد كُتِبَ على الورقة الأُولى منها: (كتاب أربعين از فاضل متتبع، وأديب محدّث، مولانا محمّد لوحي حسيني موسوي سبزواري عليه الرحمة موسوم بكفاية المهتدي)، وعدد صفحات هذه النسخة (٢٥٢) صفحة.
وجعلنا هذه النسخة النسخة الأصل.
النسخة الثانية: المطبوعة تحت عنوان: گزيده كفاية المهتدي.
تصحيح وگزينش: سازمان چاپ وانتشارات گروه احياي تراث فرهنگي. الطبعة الأُولى: (٧/ بهمن ١٣٧٣) هجريَّة شمسيَّة.
وذُكِرَ في المقدمة أنَّ هذه النسخة قد صُحِّحت على ثلاث نُسَخ، وهي:
أوَّلها: نسخة مكتبة الوزيري تحت رقم (٥١٢)، بخط إسماعيل بن شاه قلي.
تاريخ النسخ في عاشر محرَّم الحرام سنة (١١٠٦) هجريَّة قمريَّة.
وثانيتها: نسخة مكتبة الأُستاذ الفقيد المرحوم المحدِّث الأرموي.
↑صفحة ١٥↑
وثالثتها: نسخة المكتبة المركزيَّة جامعة طهران، وهي من جملة الكُتُب المهداة من المرحوم الأُستاذ السيِّد محمّد مشكوة. تحت رقم (٦١٩). واستظهرت المجموعة المصحَّحة أنَّ هذه النسخة هي نفس النسخة التي كان قد رآها الشيخ آقا بزرك الطهراني (في خزانة كُتُب السيِّد آغا بن الحاجِّ سيِّد أسد الله بن السيِّد حجَّة الإسلام الأصفهاني، وهو فارسي، ورأيت نسخة منه بخطِّ محمّد مؤمن بن الشيخ عبد الجواد، كتبها في عصر المصنِّف، وفرغ منها في سابع ربيع الثاني ١٠٨٥)(١٢).
ثمّ قال بعد حديث طويل: (... ويظهر من أثنائه أنَّه شرع فيه في ١٠٨١هـ، وفرغ منه في ١٠٨٣هـ، ويوجد بهذه الخصوصيَّات نسخة في موقوفة مدرسة السيِّد البروجردي في النجف)(١٣).
كما أنَّنا حقَّقنا بعض روايات الكتاب مع تلك الروايات الموجودة في (مختصر إثبات الرجعة) الذي أشرنا إليه وسبق أنْ نبَّهنا إلى أنَّه بخطِّ بعض فضلاء المحدِّثين وعليه ختم العلَّامة المرحوم الحرِّ العاملي صاحب (وسائل الشيعة)، وعندنا نسخة مصوَّرة عنه، والأصل موجود في مكتبة الإمام الحكيم (قدّس سرّه) العامَّة.
مصادر الكتاب ومؤلِّفيها:
ونظراً إلى أنَّ الكتاب كتاب رواية، وقد أقرَّ مؤلِّفه بهذه الحقيقة، ولذلك سمَّاه بالأربعين، فيلزمنا أنْ نتعرَّف على المصادر التي اعتمدها المؤلِّف، وبالإضافة إلى معرفة مؤلِّفي تلك الأحوال وأحوالهم من حيث الوثاقة والاعتبار لنطمئنَّ على صحَّة تلك الأحاديث واعتبارها، وسلامتها من الطعون، ولكن بما أنَّه قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢) الذريعة (ج ١٨/ ص ١٠١).
(١٣) الذريعة (ج ١٨/ ص ١٠٢).
↑صفحة ١٦↑
نقل عن المصادر المشهورة والمعروفة عند الشيعة والسُّنَّة مثل: الاحتجاج للطبرسي، وكمال الدِّين، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق، والإرشاد للمفيد، والأربعين لأبي نعيم، ومسند أحمد بن حنبل، وغيرها من المصادر المهمَّة التي لا تحتاج إلى بحث فيها ولا في مؤلِّفيها لشهرتها ومعروفيَّتها؛ فإنَّنا قد أعرضنا الحديث عنها وعن مؤلِّفيها، وقصرنا الحديث عن المصادر المفقودة لسببين:
أوَّلهما: التعريف بتلك المصادر ومؤلِّفيها، ليعرف القارئ أهمّيَّة مصدر الحديث الذي يقرأه، وقوَّة اعتباره، وصحَّته، وسلامته، وبذلك يتَّضح بطلان كلام أصحاب الشُّبُهات الباطلة والدعاوى الكاذبة.
وثانيهما: لأنَّه قد أكثر النقل عنها حتَّى صار الكتاب كأنَّه ملخَّص شريف لتلك الكُتُب، بحيث قال المحقِّق العلَّامة الشيخ آغا بزرك الطهراني: (وهذا الأربعين فارسي، وترجمة وشرح للأحاديث التي رواها الفضل بن شاذان وغيره)(١٤).
ولعلَّه كان يقصد من كلمة (وغيره) ما نقله عن أُستاذه وشيخه النوري حيث قال في أوَّل كتابه (جنَّة المأوى): (إنِّي كلَّما أنقل في هذا الكتاب عن غيبة الفضل بن شاذان، وعن غيبة الحسن بن حمزة المرعشي، وعن كتاب الفرج الكبير لمحمّد بن هبة الله بن جعفر الطرابلسي، فإنَّما أنقلها عن كتاب المير لوحي هذا، لأنَّها كانت موجودة عنده، وينقل عنها في كتابه هذا)(١٥).
أقول: هكذا هو الموجود في عبارة الطهراني (رحمه الله) حيث نسب الكلام لأُستاذه في بداية كتابه (جنة المأوى)، ولكنَّنا قرأنا الكتاب عدَّة مرَّات فلم نجده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤) الذريعة (ج ١٨/ ص ١٠٢/ الرقم ٨٦٧).
(١٥) المصدر السابق.
↑صفحة ١٧↑
فيه، وإنَّما هو موجود في كتاب النجم الثاقب لأُستاذه النوري (رحمه الله)، حيث قال الشيخ النوري الطبرسي (رحمه الله) في مقدَّمة كتابه (النجم الثاقب) عند عدِّه مصادر كتابه ما تعريبه:
(كتاب كفاية المهتدي في أحوال المهدي (عليه السلام) للسيِّد محمّد بن محمّد لوحي الحسيني الموسوي السبزواري الملقَّب بالمطهَّر والمتخلِّص بالنقيبي، تلميذ المحقِّق الداماد، وأكثر ما في هذا الكتاب نقله من كتاب الفضل بن شاذان حيث ينقل الخبر سنداً ومتناً أوَّلاً، ومن ثمّ يترجمه.
وكان عنده (غيبة) الشيخ الطرابلسي، و(غيبة) الحسن بن حمزة المرعشي أيضاً.
وما ننقله عن هذه الكُتُب الثلاثة فإنَّما ننقله بالواسطة عن هذا الكتاب)(١٦).
ولذلك نرى من المهمِّ أنْ نُخصِّص مقاماً من الحديث عن هذه الكُتُب الثلاثة ومؤلِّفيها خصوصاً الأوَّل منها، أعني ما سُمِّي بغيبة الفضل بن شاذان، ثمّ إلحاق الحديث عن أحوال الكُتُب الأُخرى غير الموجودة حاليًّا مثل كتاب الأنوار لأبي عليٍّ محمّد بن همَّام، وكتاب التاريخ الكبير للثقفي في هوامش الكتاب القادمة إنْ شاء الله تعالى، تخفيفاً لحجم المقدَّمة، ولأنَّ هذين الكتابين وأمثالهما لم يُكثِر المؤلِّف (رحمه الله) النقل منهما، وإنَّما ربَّما نقل عن كلٍّ منهما مرَّة أو مرَّتين في كتابه هذا؛ ولهذا السبب ارتأينا تأجيل الكلام عنهما وعن أمثالهما إلى محلِّه الموجز دون المحلِّ المفصَّل.
١ - الغيبة:
للشيخ الأقدم الفضل بن شاذان النيسابوري (رضوان الله تعالى عليه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٦) النجم الثاقب (ج ١/ ص ١٠٢).
↑صفحة ١٨↑
وقد عدَّ الشيخ النجاشي (رحمه الله) وغيره أنَّ له أكثر من كتاب في القضيَّة المهدويَّة منها:
١ - كتاب إثبات الرجعة.
٢ - كتاب الرجعة.
٣ - كتاب القائم (عليه السلام).
٤ - كتاب الملاحم.
٥ - كتاب حذو النعل بالنعل(١٧).
وللأسف الشديد فإنَّ جميع تلك الكُتُب قد عدت عليها كوارث الزمن ولم يبقَ منها إلَّا أسماؤها وبعض الروايات المتشتِّتة في بطون الكُتُب ممَّا نقلها الأوائل في مجاميعهم مثل: كُتُب الكليني والصدوق والطوسي؛ غير أنَّه بقي من المتأخِّرين من نقل مجموعة أُخرى من الروايات ممَّا لم ينقله المتقدِّمون من هذه الكُتُب؛ وكاد ينحصر هذا النقل الجديد بكتاب المير لوحي (كفاية المهتدي) والتي نقل عنه الخاتون آبادي في (كشف الحقِّ) و(مختصر إثبات الرجعة) الذي أمضاه الحرُّ العاملي.
ولكن ظهر سؤال جديد وهو: أنَّ هذا الموجود، هل هو من كتاب (إثبات الرجعة) أو كتاب الرجعة؟ وهل أنَّ كتاب إثبات الرجعة هو كتاب الغيبة، أم أنَّ كتاب الرجعة هو كتاب الغيبة؟
والشيء المتَّفق عليه هو أنَّه كان للفضل كتابان: أحدهما باسم: إثبات الرجعة. والآخر باسم: الرجعة؛ والثاني هو غير الأوَّل كما نصَّ عليه النجاشي وغيره.
قال شيخ الإجازة وخاتمة الرواة آقا بزرك الطهراني: (كتاب الغيبة للحجَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧) رجال النجاشي (ص ٣٠٧/ الرقم ٨٤٠)، معجم رجال الحديث (ج ١٤/ ص ٣٠٩).
↑صفحة ١٩↑
الشيخ المتقدِّم أبي محمّد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري، الراوي عن الجواد (عليه السلام)، وقيل عن الرضا (عليه السلام)، والمتوفَّى ٢٦٠. وهو غير كتاب (إثبات الرجعة) له كما صرَّح بتعدُّدهما النجاشي، بل هذا الذي عبَّر عنه النجاشي بعد ذكره (إثبات الرجعة) بكتاب (الرجعة الحديث). فهذا مقصور على أحاديث الرجعة، وظهور الحجَّة، وأحواله، ولذا اشتهر بكتاب الغيبة، وكان موجوداً عند السيِّد محمّد بن محمّد مير لوحي الحسيني الموسوي السبزواري، المعاصر للمولى محمّد باقر المجلسي على ما يظهر من نقله عنه في كتابه الموسوم كفاية المهتدي في أحوال المهدي، وينقل شيخنا النوري في النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب، عن كتاب الغيبة هذا بتوسُّط المير لوحي المذكور...)(١٨).
من هو الفضل بن شاذان؟
قال النجاشي (رحمه الله): (الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمّد الأزدي النيشابوري (النيسابوري) كان أبوه من أصحاب يونس.
وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل: عن الرضا (عليهما السلام).
وكان ثقةً. أحد أصحابنا الفقهاء المتكلِّمين. وله جلالة في هذه الطائفة.
وهو في قدره أشهر من أنْ نصفه.
وذكر الكنجي أنَّه صنَّف مائة وثمانين كتاباً...)(١٩).
وقد روى الكشِّي (رحمه الله) في رجاله عن محمّد بن الحسين بن محمّد الهروي، عن حامد بن محمّد الأزدي البوشنجي، عن الملقَّب بفورا [بخوراء خ. ل] من أهل البوزجان من نيسابور:
إنَّ أبا محمّد الفضل بن شاذان (رحمه الله) كان وجَّهه إلى العراق إلى حيث به أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨) الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٨/ الرقم ٣٩٥).
(١٩) المصدر السابق.
↑صفحة ٢٠↑
محمّد الحسن بن عليٍّ (صلوات الله عليهما)؛ فذكر أنَّه دخل على أبي محمّد (عليه السلام)، فلمَّا أراد أنْ يخرج سقط منه كتابٌ في حضنه ملفوف في رداء له؛ فتناوله أبو محمّد (عليه السلام)، ونظر فيه، وكان الكتاب من تصنيف الفضل، وترحَّم عليه، وذكر أنَّه قال: «أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم»(٢٠).
وروى عن سعد بن جناح الكشِّي، قال: سمعت إبراهيم الورَّاق السمرقندي يقول: خرجتُ إلى الحجِّ، فأردت أنْ أمرَّ على رجل كان من أصحابنا المعروف بالصدق، والصلاح، والورع، والخير، يقال له: بورق البوشنجاني (قرية من قرى هرات)، وأزوره، وأُحدث عهدي به.
قال: فأتيته، فجرى ذكر الفضل بن شاذان (رحمه الله).
قال بورق: كان الفضل به بطن، شديد العلَّة، ويختلف في الليلة مائة مرَّة، إلى مائة وخمسين مرَّة.
فقال له بورق: خرجت حاجًّا، فأتيت محمّد بن عيسى العبيدي، ورأيته شيخاً فاضلاً، في أنفه عوجه (وهو القنا)، ومعه عدَّة؛ رأيتهم مغتمِّين، محزونين، فقلت لهم: ما لكم؟
قالوا: إنَّ أبا محمّد (عليه السلام) قد حُبِسَ.
قال بورق: فحججتُ، ورجعت، ثمّ أتيت محمّد بن عيسى، ووجدته قد انجلى عنه ما كنتُ رأيتُ به؛ فقلت: ما الخبر؟
قال: قد خُلِّي عنه.
قال بورق: فخرجت إلى سُرَّ من رأى، ومعي كتاب يوم وليلة؛ فدخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جُعلت فداك، إنْ رأيت أنْ تنظر فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠) رجال الكشِّي (ص ٥٤٢/ الرقم ١٠٢٧).
↑صفحة ٢١↑
فلمَّا نظر فيه، وتصفَّحه ورقة ورقة، قال: «هذا صحيح، ينبغي أنْ يُعمَل به».
فقلت له: الفضل بن شاذان شديد العلَّة، ويقولون: إنَّه من دعوتك بموجدتك عليه، لما ذكروا عنه أنَّه قال: إنَّ وصيَّ إبراهيم خير من وصيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ ولم يقل جُعلت فداك هكذا، كذبوا عليه.
فقال: «نعم، رحم الله الفضل».
قال بورق: فرجعت، فوجدت الفضل قد تُوفِّي في الأيَّام التي قال أبو محمّد (عليه السلام): «رحم الله الفضل»(٢١).
وعن علمه وفضله روى الكشِّي (رحمه الله) عن جعفر بن معروف قال: حدَّثني سهل بن بحر الفارسي، قال: سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به، يقول:
(أنا خَلَفٌ لِمَن مضى، أدركتُ محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وغيرهما. وحَمَلْتُ عنهم خمسين سنة. ومضى هشام بن الحَكَم (رحمه الله)، وكان يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) خَلَفَه كان يردُّ على المخالفين. ثمّ مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكَّاك، فردَّ على المخالفين حتَّى مضى (رحمه الله). وأنا خَلَفٌ من بعدهم (رحمهم الله))(٢٢).
٢ - الغيبة:
لأبي محمّد الحسن بن حمزة بن عليِّ بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المتوفَّى سنة (٣٥٨هـ).
قال النجاشي (رحمه الله): (أبو محمّد، الطبري يُعرَف بالمَرعَش، كان من أجلَّاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١) رجال الكشِّي (ص ٥٣٧ و٥٣٨/ الرقم ١٠٢٣).
(٢٢) رجال الكشِّي (ص ٥٣٩/ الرقم ١٠٢٥).
↑صفحة ٢٢↑
هذه الطائفة وفقهائها، قَدِمَ بغداد، ولقيه شيوخنا في سنة ستٍّ وخمسين وثلاثمائة، ومات في سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة. له كتب... كتاب في الغيبة)(٢٣).
وقال الشيخ الطهراني (رحمه الله): (وكان عند المير لوحي المعاصر للمولى محمّد باقر المجلسي، كما يظهر من نقله عنه...)(٢٤).
وقال الشيخ النوري الطبرسي (رحمه الله) في (خاتمة المستدرك): (... كان عند مير لوحي المعاصر للمجلسي، الساكن معه في أصبهان كُتُب نفيسة جليلة ككتاب الرجعة للفضل بن شاذان، والفرج الكبير في الغيبة لأبي عبد الله محمّد بن هبة الله ابن جعفر الورَّاق الطرابلسي، وكتاب الغيبة للحسن بن حمزة المرعشي، وغيرها، ولم يطَّلع عليها المجلسي (رحمه الله))(٢٥).
٣ - الفرج الكبير في الغيبة:
للشيخ أبي عبد الله محمّد بن هبة الله بن جعفر الورَّاق الطرابلسي.
قال الشيخ منتجب الدِّين في (الفهرست): (فقيه ثقة، قرأ على الشيخ أبي جعفر الطوسي (رحمهما الله) كُتُبه وتصانيفه. وله تصانيف، منها: كتاب الزهد، كتاب النيَّات، كتاب الفرج. أخبرنا بها الفقيه أحمد بن محمّد بن أحمد القمِّي الشاهد العدل، عنه)(٢٦).
وقال الطهراني: (وهو كتاب كبير، وكان عند المير لوحي الموسوي السبزواري المعاصر للمولى محمّد باقر المجلسي، على ما صرَّح به في (خاتمة المستدرك) و(النجم الثاقب) وغيرهما. والمير لوحي ينقل عنه في أربعينه الموسوم بـ (كفاية المهتدي في أحوال المهدي))(٢٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣) رجال النجاشي (ص ٦٤/ الرقم ١٥٠).
(٢٤) الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٦/ الرقم ٣٨٠).
(٢٥) خاتمة المستدرك (ج ١/ ص ٣٢/ الطبعة الحديثة؛ ج ٣/ ص ٢٩٥/ الطبعة الحجريَّة).
(٢٦) فهرست منتجب الدِّين (ص ١٥٥/ الرقم ٣٥٦).
(٢٧) الذريعة (ج ١٦/ ص ١٥٦/ الرقم ٤٢٢).
↑صفحة ٢٣↑
سطور من أحوال السيِّد المير لوحي (رحمه الله):
اسمه:
السيِّد محمّد بن محمّد بن أبي محمّد بن محمّد المصحفي الحسيني السبزواري الملقَّب بالمطهَّر، والمتخلِّص بـ (النقيبي). ينتهي نسبه إلى إبراهيم الأصغر بن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام).
وكان جدُّه الأعلى السيِّد محمّد المصحفي من أعاظم علماء سبزوار، وقد قرأ عليه المير محمّد سعيد بن مسعود الرضوي.
وكان والده محمّد ابن أبي محمّد منبع أسرار معارف التوحيد، ومطلع أنوار معالم التحقيق، عالماً، زاهداً، تقيًّا، جامعاً للكمالات الصورية والمعنويَّة.
وكان والده قد هاجر من سبزوار إلى كربلاء، ثمّ هاجر منها إلى إيران، ونزل بأصفهان، وتزوَّج هناك بابنة بعض مادحي أهل البيت (عليهم السلام) الملقَّب في شعر بـ (لوحي). ولـمَّا أولدت بنت لوحي صاحب الترجمة لقَّبته بلقب أبيها، فعُرِفَ بـ (المير لوحي).
وكان قد تصدَّى لظاهرة التصوُّف التي كانت قد خيَّمت على كثير من جوانب الحياة العامَّة في بدايات العصر الصفوي تحت اسم النقطويَّة قبل نكبتهم على يد الشاه عبَّاس ومجزرة قزوين التي حدثت في سنة (١٠٠٢) هجريَّة، وقد ذكرنا لمحة في كتابنا (حياة بحر العلوم) أنَّ قضيَّة التصوُّف التي كانت قد تصدَّت القضايا في العهد الصفوي الأوَّل، وقُضِيَ عليها في العصر الصفوي العبَّاسي كانت لها أبعاداً سياسيَّة غُطِّيت بالبحوث الشرعيَّة الدِّينيَّة الرافضة للفكر الصوفي والمحاربة له.
ومع كلِّ ذلك فلم يكن الشارع العامُّ يستجيب بسهولة للإرادة الملكيَّة ويرفض مواقع شيوخ الصوفيَّة ومعتقداته بهم، فلذلك كانت الردود القاسية من
↑صفحة ٢٤↑
العامَّة تجاه أهل الفضل والقلم. ومن ذلك ما تحدَّث عنه المير محمّد زمان في كتابه (صحيفة الرشاد) الذي ألَّفه دفاعاً عن أُستاذه المير لوحي، حيث نقل عنه أنَّه كتب في كتابه المذكور وهو يتحدَّث عنه وتاريخ علاقته به إلى أنْ قال:
(وكان ولده المير لوحي يقرأ على والدي (تهذيب الأحكام) إلى أنْ رجعا إلى أصفهان، وانقطع عنِّي خبر المير لوحي إلى سنين كثيرة حتَّى سافرت لزيارة العتبات، فصادفني في الطريق بعض الموثَّقين من أهل أصفهان، فرأيته كثير الهمِّ والحزن لابتلاء عالم جليل في أصفهان بيد جُهَّالها، وإيذاء هؤلاء العوامّ إيَّاه بأنواع الأذى. فلمَّا تحقَّقت تبيَّن أنَّه المير لوحي المذكور، وأنَّ سبب إيذائهم له تبرُّؤه عن أبي مسلم. ولـمَّا رجعت عن زيارة العتبات ألَّفتُ هذا الكتاب لأُرسله إلى أهل أصفهان، إرشاداً لهم، ودفعاً لإيذاء جُهَّالهم عن المير لوحي)(٢٨).
وأمَّا محمّد زمان مؤلِّف (صحيفة الرشاد) فقد قال عنه الحرُّ العاملي في (أمل الآمل): (كان فاضلاً، عالماً، فقيهاً، حكيماً، متكلِّماً، له كُتُب منها: شرح القواعد، وقرأ عليه شيخنا زين الدِّين بن محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني. وكان يثني عليه بالفضل)(٢٩).
وعن (السلافة) أنَّه: (كان من عظماء عصره، تُوفِّي ١٠٤١هـ)(٣٠).
ولم يكن المير زمان هو الوحيد الذي ألَّف كتاباً في نصرة المير لوحي، وإنَّما هناك مجموعة كُتُب أُلِّفت بيد ثُلَّة من الفضلاء لنصرته، ذكر العلَّامة الطهراني جملة منها في موسوعته، كما ذكر أنَّ هناك سبعة عشر كتاباً قد أُلِّفت من قِبَل المناصرين المعاصرين للمير لوحي في أصفهان(٣١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨) راجع: الروضة النضرة (ص ٤٨٠).
(٢٩) أمل الآمل (ج ٢/ ص ٢٧٣).
(٣٠) السلافة (ص ٤٩٩).
(٣١) الذريعة (ج ٨/ ص ٥٨/ الرقم ١٨٥).
↑صفحة ٢٥↑
وعدَّد الطهراني السبعة عشر كتاب هذه في مكان آخر من موسوعته عن بعض معاصري المير لوحي على النحو التالي:
١ - إزهاق الباطل.
٢ - أسباب طعن الحرمان.
٣ - إظهار الحقِّ ومعيار الصدق.
٤ - أنيس الأبرار، صغير.
٥ - أنيس الأبرار، وسيط.
٦ - أنيس الأبرار، كبير.
٧ - إيقاظ العوامِّ.
٨ - خلاصة الفوائد.
٩ - درج اللئالي.
١٠ - صحيفة الرشاد.
١١ - صفات المؤمن والكافر.
١٢ - علَّة افتراق الأُمَّة.
١٣ - فوائد المؤمنين.
١٤ - مثالب العبَّاسيَّة.
١٥ - مخلصة المؤالفين من سمِّ حبِّ المخالفين.
١٦ - مرآة المنصفين.
١٧ - النور والنار(٣٢).
وقد أُثير أمام نظرنا سؤال أراد أنْ يجرَّنا إلى البحث عن موضوع أبي مسلم الخراساني المروزي مؤسِّس الخلافة العبَّاسيَّة المولود سنة (١٠٠) للهجرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢) الذريعة (ج ٤/ ص ١٥١/ الرقم ٧٣٥).
↑صفحة ٢٦↑
والمقتول على يد الخليفة المنصور العبَّاسي سنة (١٣٧) للهجرة، الذي نبع فجأةً في أصفهان بعدما يقارب الألف سنة من ولادته أو مقتله، ويُؤسِّس منهجاً ومدرسةً يخشاها العلماء والفضلاء ويُؤلِّفوا فيها الكُتُب العديدة، وينبعث ذلك الهجوم المفتعل من العوامِّ ضدَّهم؛ فما هي أُسُس هذه الظاهرة؟ ومن هم أبطالها وشخوصها؟ وما هي عقائدهم؟ ولماذا أبو مسلم الخراساني بالخصوص المقتول والميِّت قبل هذه المئات من السنين؟ وهل كان هناك بالفعل وجود فكري أو عقائدي يحمل ذلك الطابع من التفكير، أم هو من هلوسة الانجرار وراء الطريقة الحشويَّة بالفكر؟
هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى أجوبة تنبعث من دراسة الواقع الفكري والعقائدي لمجتمع أصفهان في ذلك العصر.
كما أنَّنا رأينا المير لوحي قد ظهر واضحاً في بعض مجلَّدات الذريعة وهو يحمل بجولاته وصولاته ضدَّ الصوفيَّة والتصوُّف الذي كان يحكم الأُمَّة، وكان له موقعه المتنفِّذ في البلاط الصفوي في ذلك الحين؛ ولم نجد بموقف المير لوحي أيَّة غضاضة لاتِّجاهه بهذا الاتِّجاه، وإنَّما الذي لفت الانتباه معركته الضروس في عدَّة كُتُب ضدَّ العلَّامة المجلسي الثاني وأبيه المجلسي الأوَّل الشيخ محمّد تقي مقصود، ولو اقتصر الأمر على الحوار والمناقشة لانتهى الموضوع إلى هذا الحدِّ، ولكنَّنا وجدنا عدَّة كُتُب يُشكِّك المحقِّقون في مؤلِّفيها أصرَّ اللوحي بنسبتها إلى المجلسي الأوَّل، مثل كتاب (الردّ على الصوفيَّة) للمولى محمّد طاهر بن محمّد حسين الشيرازي النجفي القمِّي المتوفَّى (١٠٩٨هـ)، حيث نسبه إليه المير لوحي، وادَّعى أنَّ المولى محمّد تقي كتب ردًّا عليه. وقد أنكر الردَّ ولده العلَّامة المجلسي، وعلَّق على هذه القضيَّة المملوءة بالألغاز والاستفهامات العلَّامة الطهراني، فكتب:
↑صفحة ٢٧↑
(وفي غاية البعد أنْ يكتب المولى محمّد طاهر العالم العارف الذي مات بعد المجلسي بما يقرب من ثلاثين سنة ردًّا على المجلسي ويجيب عنه في حال حياته، ويتجاسر عليه بما في هذه الأجوبة من نسبة الغلط، والكذب، ودعوى الباطل، وإيجاد البدعة، وأمثال ذلك من السبِّ والشتم الذي هو من أعمال السوقيِّين)(٣٣).
وهكذا بالنسبة إلى كتاب (أُصول فصول التوضيح) المختصر من (توضيح المشربين) للمولى محمّد تقي بن مقصود عليّ المجلسي الأصفهاني المتوفَّى سنة (١٠٧٠هـ)، نسبه إليه معاصره السيِّد محمّد بن محمّد الحسيني السبزواري المطهَّر النقيبي الشهير بالمير لوحي، وذكر أنَّه رجَّح المجلسي في (توضيح المشربين) ومختصره هذا مشرب التصوُّف على غيره.
ولكنَّ العلَّامة الطهراني صاحب (الذريعة) علَّق على ادِّعاء اللوحي بأنْ قال:
(ولكن يأتي في (توضيح المشربين) أنَّ الشيخ عليّ صاحب (الدُّرِّ المنثور) الذي ألَّف (السهام المارقة في ردِّ الصوفيَّة) عدَّ كتاب توضيح المشربين ومختصره الأُصول المذكور من كُتُب الردود على الصوفيَّة) (٣٤).
وذكر الطهراني كتاب (توضيح المشربين) مفصَّلاً في المجلَّد الرابع من (الذريعة)، وملخَّصه أنَّ الكتاب مؤلِّف باللغة الفارسيَّة، ورتَّبه مؤلِّفه على ثلاثة وعشرين باباً، وعقد لكلِّ باب أربعة فصول، يذكر في الفصل الأوَّل كلمات مَنْ أبطل طريقة الصوفيَّة وردَّ عليهم، كما يذكر في الفصل الثاني كلمات من دافع عن الصوفيَّة وانتصر لهم، وزعم المؤلِّف أنَّها من حواشي العلَّامة المجلسي الأوَّل الشيخ محمّد تقي بن مقصود عليّ، وفي الفصل الثالث ينقل المؤلِّف كلمات مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٣) الذريعة (ج ١٠/ ص ٢٠٧/ الرقم ٥٦٢).
(٣٤) الذريعة (ج ٢/ ص ٢٠٠/ الرقم ٧٧١).
↑صفحة ٢٨↑
يردُّ على المولى المجلسي. ولم يذكر المؤلِّف في ذلك الكتاب اسم أحد من المؤلِّفين له مع كثرة نقولاته عنهم إلَّا ما زعمه أنَّه من كلام المولى محمّد تقي المجلسي، فمؤلِّف الكتاب مجهول الاسم والوصف، وهو ينقل عن كتاب (توضيح المشربين) وهو مجهول الاسم والوصف أيضاً. ولم يذكر إلَّا المجلسي، ممَّا حفَّز العلامة الطهراني (رحمه الله) أنْ يقول:
(فالعدول عنه إلى التصريح باسمه فقط مع التعمية عن أسماء الباقين أشعر بأعمال غرض في هذا التأليف، وأنَّ السبب الوحيد الباعث لتأليفه هو انتساب مطالب الحواشي إلى المولى المجلسي، وانتشارها عنه، مع نزاهة ساحته عن نسبة تلك المطالب إليه، بشهادة تصانيفه، وبإخبار ولده العلَّامة المجلسي، وبعلمنا بأحواله من تفانيه في علم الحديث وبثِّه، وشروح الأحاديث ونشرها، ومن كونه ملتزماً بتهذيب النفس بالتخلية والتحلية، والمجاهدة مع النفس في السير إلى الله تعالى على ما هو مأمور به في الشرع الأقدس لا على طريقة الصوفيَّة...) إلخ(٣٥).
وينفتح من هذا الباب الحديث عن علاقة اللوحي مع المجلسي الثاني، وهجومه العنيف عليه في كُتُبه وخصوصاً كتابه (كفاية المهتدي)؛ فما كانت الدوافع والأغراض من تلك المعركة؟ هل هي بالفعل تملك الدواعي العلميَّة والعقائديَّة؟ ممَّا قد يثير الجواب - إذا كان ما يوصلنا إليه البحث العلمي بنعم - أنْ نُؤسِّس دراسات وأبحاث عن منهج المجلسي في جميع اتِّجاهاته العلميَّة والبحثيَّة، أو قد نصل إلى نتيجة موضوعيَّة أُخرى تُثبِت أنَّ هناك أخطاء غير مقصودة كانت في منهج المجلسي (لا سامح الله تعالى) ممَّا يفتح أمامنا مجالاً واسعاً للبحث عن الإجابة لسؤال: ما هو؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٥) الذريعة (ج ٤/ ص ٤٩٧/ الرقم ٢٢٢٨).
↑صفحة ٢٩↑
وأمَّا إذا قلنا بأنَّ الصراع الذي كان من اللوحي مع المجلسي إنَّما هو صراع شخصي ومن طرف واحد.
فأمَّا كونه من طرف واحد فلم نجد أيَّة ردِّ فعل من المجلسي تجاه اللوحي، ولم نجد أيَّ ذكر له في جميع ما كتبه المجلسي، والموجود منها مئات المجلَّدات من الكُتُب، بعكس ما وجدناه قد خرج من قلم اللوحي، حيث وجدنا أنَّ أكثر ما كتبه إنَّما كان موجَّهاً إمَّا بالذات أو بالعرض ضدَّ المجلسي (رضي الله عنه).
ولكن يبقى السؤال الأخير بدون إجابة، وهو: هل أنَّ هناك أغراض ودواعي شخصيَّة للوحي أنشبت تلك الحرب؟
وأخال أنَّ ضرورة البحث العلمي تفرض على الباحث الموضوعي أنْ يدرس الظاهرة كلّاً غير متجزِّئة، حيث يدخل فيها الدور السياسي والإرادة السلطانيَّة للنظام الصفوي، وصراع الإرادات المتنوِّعة التي وجَّهت المعركة بجهتها تلك، وهو موضوع دراسة التصوُّف في العصر الصفوي وتأثيره على تطوُّر الفكر الشيعي السلفي والفلسفي الذي حاول أنْ يجمعها نفسه العلَّامة المجلسي الثاني، ففي الوقت الذي يُؤلِّف كتابه البحار فيجمع أحاديث الشيعة فيه، فهو يُؤلِّف مرآة العقول الذي امتلأ بالمطالب الفلسفيَّة والنقولات لأقوال الملَّا صدرا وصهره الشيخ محمّد صالح المازندراني.
مؤلَّفاته:
حفظت لنا المكتبات العظيمة جملة من كُتُبه ومؤلَّفاته، وبقي القسم الآخر أسماءً مذكورة في تلك الكُتُب وغيرها من كُتُب العلماء والمؤلِّفين الذين ذكروها، ومنها:
١ - إدراء العاقلين وإخزاء المجانين.
ذكره في (كفاية المهتدي) في ذيل الحديث (١٧).
↑صفحة ٣٠↑
وموضوعه ردٌّ على الصوفيَّة.
وتوجد نسخة منه في مكتبة آية الله العظمى السيِّد المرعشي (قدّس سرّه) في قم المقدَّسة تحت رقم (٣٨٩). وقد ذكره الشيخ الطهراني في (الذريعة)(٣٦).
٢ - أعلام المحبِّين.
في الردِّ على الصوفيَّة أيضاً.
وتوجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشورى في طهران - إيران، في الفهرست (ج ٣/ ص ٦١).
٣ - ترجمة أبي مسلم المروزي.
ذكره الطهراني في الذريعة تحت رقم (٧٣٥)، وقال: ((ترجمة أبي مسلم المروزي) وهو عبد الرحمن بن مسلم الخراساني صاحب الدعوة، ومؤسِّس الدولة العبَّاسيَّة...)، إلى أنْ يقول: (كما ذكره السيِّد عبد الحسيب ابن السيِّد أحمد ابن زين العابدين العلوي في ظهر كتاب والده السيِّد أحمد تلميذ المحقِّق الداماد وصهره الموسوم كتابه بـ (إظهار الحقِّ ومعيار الصدق) في بيان أحوال أبي مسلم الذي ألَّفه (١٠٤٣) لتأييد المير لوحي المذكور ونصرته... وملخَّص ما كتبه بخطِّه السيِّد عبد الحسيب على ظهر الكتاب المذكور هو أنَّه لـمَّا بيَّن مير لوحي أحوال أبي مسلم من أنَّه كان صاحب الدعوة، ومؤسِّس الدولة العبَّاسيَّة الغاشمة، ولم يكن موالياً للأئمَّة الطاهرين، وذكر الاختلاف في نسبه، والخلاف في أصله من أنَّه خراساني مروزي، أو أصفهاني، وذكر أنَّه أُخِذَ بسوء عمله فقتله مَنْ هو شرٌّ منه (المنصور) في أوان شبابه سنة (١٣٧)، فعظم ذلك على بعض الناس، فبادروا إلى إيذاء السيِّد مير لوحي بكلِّ جدٍّ وقوَّة، فقام جمع من العلماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٦) الذريعة (ج ١/ ص ٣٨٨/ الرقم ٢٠٠٢).
↑صفحة ٣١↑
المعاصرين له في تقويته لدفع شرِّ العوامِّ عنه، وألَّفوا كُتُباً ورسائل في ذلك...) إلى آخر كلامه(٣٧).
ولكن عبارة الطهراني لا توحي أنَّ الكتاب (ترجمة أبي مسلم) هو من تأليف المير لوحي، بل صريحة بأنَّه (... لجمع من العلماء المعاصرين للسيِّد محمّد ابن السيِّد محمّد الموسوي السبزواري الشهير بمير لوحي نزيل أصفهان، المعاصر للمولى محمّد تقي المجلسي، وكان حيًّا في سنة ١٠٦٣)(٣٨).
ولكن عُدَّ في مقدَّمة كتاب (گزيده كفاية المهتدي) من مؤلَّفاته.
٤ - تنبيه الغافلين.
ردٌّ على الصوفيَّة أيضاً.
ذكره في كتابه (كفاية المهتدي).
٥ - ديوان مير لوحي.
ذكر الطهراني (رحمه الله) أنَّه نُسِبَ إليه في تذكرة النصرآبادي، ولكنَّه لم يرَه.
٦ - رياض المؤمنين وحدائق المتَّقين.
ذكره في كفاية المهتدي في ذيل الحديث (١٧) والحديث (٣٨).
وقيل: إنَّه توجد منه نسخة في المكتبة (وزيري) في يزد - إيران، تحت رقم (٩٥٣).
٧ - زاد العقبى.
أربعون حديثاً في فضائل الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام).
وقد ذكره في (كفاية المهتدي).
٨ - كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٧) الذريعة (ج ٤/ ص ١٥٠ و١٥١/ الرقم ٧٣٤).
(٣٨) المصدر السابق.
↑صفحة ٣٢↑
وقد تقدَّم الحديث عنه.
٩ - مناظرة السيِّد والعالم.
قال الطهراني (رحمه الله): (للمير لوحي، وهو السيِّد محمّد بن محمّد لوحي الموسوي السبزواري الملقَّب بالمطهَّر، والمتخلِّص بالنقيبي، والمعاصر للمولى محمّد تقي المجلسي، والجسور عليه.
أوَّله: [بخاطر فاتر ميرسد كه تمهيد بساط مناظره نمايد...].
والنسخة عند السيِّد محمّد عليّ هبة الدِّين.
ولعلَّ مراده من السيِّد نفسه، ومن العالم المولى المجلسي، ولعلَّه (مناظره دانشمند وسيِّد) السابق ذكرها)(٣٩).
وكان قد قال قبل ذلك: ((مناظره دانشمند وسيِّد) فارسي في مكتبة راجه فيض آبادي.
ولعلَّه عين (مناظرة السيد والعالم) الآتي)(٤٠).
ومن الواضح أنَّ العلَّامة الطهراني لم يرَ الكتاب الذي في راجه فيض آبادي في الهند، ولذلك احتمله؛ كما من الواضح أيضاً أنَّ منشأ احتماله كان بسبب الاسم؛ وذلك لأنَّ كلمة دانشمند فارسيَّة بمعنى العالم؛ فيكون حينئذٍ الاسم واحداً.
ومع ذلك فإنَّ مجرَّد اتِّحاد الاسم غير كافٍ لوحدة الكتاب إلَّا بعد المراجعة والتحقُّق من الموضوع؛ وسوف يبقى ما ذكره تخميناً وظنًّا، و﴿الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [يونس: ٣٦].
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
السيِّد ياسين الموسوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩) الذريعة (ج ٢٢/ ص ٢٩٤/ الرقم ٧١٥٤).
(٤٠) الذريعة (ج ٢٢/ ص ٢٩٢/ الرقم ٧١٤٥).
↑صفحة ٣٣↑
صورة الصفحة الأُولى من النسخة المخطوطة (أ)
وعليها اسم الكتاب والمؤلِّف وخطوط بعض العلماء
↑صفحة ٣٤↑
صورة الصفحة الأُولى من الكتاب النسخة المخطوطة (أ)
↑صفحة ٣٥↑
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المخطوطة (أ)
↑صفحة ٣٦↑
صورة الصفحة الأُولى من النسخة المخطوطة (ب) في
(كتابخانه مركزي دانشگاه طهران)
↑صفحة ٣٧↑
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المخطوطة (ب) في
(كتابخانه مركزي دانشگاه طهران)
↑صفحة ٣٨↑
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة المؤلِّف:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف حُجَجه محمّد وآله أجمعين.
أمَّا بعد..
فيقول المحتاج لرحمة الباري محمّد بن محمّد لوحي الحسيني الموسوي السبزواري الملقَّب بالمطهَّر والمتخلِّص بالنقيبي:
لا يخفى على الضمير المنير لأرباب المعرفة وأصحاب النظر أنَّ حديث: «مَنْ حَفِظَ على أُمَّتي أربعين حديثاً مِمَّا يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه الله (عزَّ وجلَّ) يومَ القيامةِ فقيهاً عالماً»(٤١)، من الأحاديث المشهورة والمستفيضة، ويزعم بعض العلماء أنَّه من الأخبار المتواترة، ولكن علماء الخاصَّة والعامَّة قد سجَّلوه وكتبوه في مصنَّفاتهم ومؤلَّفاتهم.
وقد اختلف في بعض ألفاظه؛ فقد ذكر بعض الرواة المؤالفين والنقلة المخالفين بدل [على أُمَّتي]: [عن أُمَّتي](٤٢)، وكما سطر في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة أنَّه ذكر [من أُمَّتي](٤٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤١) العمدة (ص ١٧)، معرفة علوم الحديث (ص ٢٥٣)، الأربعين البلدانيَّة (ص ٤٠)، الخصال (ص ٥٤١)، ومصادر أُخرى بألفاظ مختلفة.
(٤٢) مقتضب الأثر (ص ١٢)، الكامل لابن عدي (ج ٥/ ص ٥٦).
(٤٣) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٤١).
↑صفحة ٣٩↑
وقد روى السيِّد الجليل الحسن بن حمزة العلوي الطبري (عليه الرحمة) - وهو الملقَّب بمرعش، والذي ينتسب إليه السادة المرعشيُّون - في كتاب (الغيبة) بسند صحيح عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، عن الرسول المكِّي المدني(صلّى الله عليه وآله وسلّم): [لأُمَّتي](٤٤).
ويبدو أنَّ حرف [على] و[من] و[عن] التي دخلت في الروايات المذكورة على لفظة [أُمَّتي] أنَّها كانت جميعها بمعنى اللَّام الذي ورد في نقل السيِّد المذكور، وعليه فسوف يكون معنى الحديث: كلُّ من يهتمُّ ويحفظ لأُمَّتي أربعين حديثاً من الأحاديث التي يحتاجون إليها في أمر دينهم يبعثه الله تعالى الموصوف بالعزِّ والجلال يوم القيامة فقيهاً وعالماً، وهم حُجَج محمّد وآله أجمعين.
وقد روى جماعة من العلماء في هذا الحديث بدل (فيما يحتاجون إليه): (وفيما ينفعهم)، كما أنَّ شيخنا الشيخ بهاء الملَّة والدِّين محمّد العاملي (غفر الله له) قال في كتاب (الأربعين): (وفي بعض الروايات: فيما ينفعهم في أمر دينهم، وفي بعضها: أربعين حديثاً ينتفعون بها، من غير تقييد بأمر الدِّين)(٤٥).
وقد أورد عدَّة من علماء الشيعة والسُّنَّة المنسوبين إلى بيهق في كُتُبهم لفظة [بعثه الله] عوضاً للفظة [ينشره الله].
وقال أسعد بن إبراهيم بن عليٍّ الأربيلي - وهو من فضلاء علماء المخالفين -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤) كما ذكرنا سابقاً في المقدَّمة، فإنَّ المصدر هو من الكُتُب المفقودة حاليًّا، وكان موجوداً عند المؤلِّف (رحمه الله) كما نصَّ عليه خاتمة المحدِّثين في خاتمة المستدرك (ج ١/ ص ٣٢/ الطبعة الحديثة، وج ٣/ ص ٣٩٥/ الطبعة الحجريَّة). ومع ذلك فإنَّ معنى (على أُمَّتي) هو مؤدَّى معنى لأُمَّتي كما قاله العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٤/ ص ١٥٧) عندما شرح كلمة (على أُمَّتي) بقوله: (الظاهر أنَّ (على) بمعنى (اللَّام) أي حفظ لأجلهم كما قالوه في قوله: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥]، أي لأجل هدايته إيَّاكم)، انتهى كلامه (رحمه الله).
(٤٥) الأربعون للبهائي (ص ٨).
↑صفحة ٤٠↑
في أربعينه: (كنت سمعت من كثير من مشايخ الحديث أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «من حفظ على أُمَّتي أربعين حديثاً بعثه الله تعالى يوم القيامة فقيهاً عالماً، ومن روى عنِّي أربعين حديثاً كنت شفيعاً له يوم القيامة»)(٤٦).
وقد تقدَّم معنى هذا الحديث سابقاً، وأمَّا بقيَّته فهي: «من روى عنِّي أربعين حديثاً كنت شفيعه يوم القيامة»(٤٧).
وقال أسعد بن إبراهيم المذكور - بعد أنْ نقل الحديث المزبور -: (قد حفظت من الأحاديث ما شاء الله، ولم أعلم إلى أيٍّ من تلك الأحاديث هي التي أشار إليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أنِ التقيت بأبي الخطَّاب بن دحية بن خليفة الكلبي، وسألته، وقال لي في الجواب: أنَّ مراده هي الأحاديث الواردة في حقِّ أهل البيت (عليهم السلام).
وروى ابن دحية المذكور عن أحمد بن حنبل أنَّه قال: لم أعلم ولم أعرف أحد في زمان الشافعي أعظم منَّة على الإسلام من الشافعي، وأنا أطلب من الله تعالى في أوقات صلواتي أنْ يرحمه، فإنِّي قد سمعت منه من ذلك الحين أنَّه قال: أراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من هذه الأربعين المذكورة في هذا الحديث: أربعين حديثاً في مناقب أهل بيته.
ثمّ قال أحمد بن حنبل: فقلت في نفسي: من أين صحَّ عند الشافعي أنَّ مقصود النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من هذه الأربعين هي الواردة في مناقب أهل البيت الطاهرين؟ فرأيت النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المنام أنَّه قال: يا أحمد، لا تشكُّ في قول ابن إدريس، يعني الشافعي)(٤٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٦) مخطوط، وله نُسَخ عديدة، منها في مكتبة جامع طهران، المجاميع ذات الرقم (٢١٣٠) و(٢١١٧).
(٤٧) فردوس الأخبار (ج ٤/ ص ٩١/ ح ٥٧٧٨).
(٤٨) الأربعين للإربلي (مخطوط).
↑صفحة ٤١↑
فمع أنَّ الشافعي وأحمد بن حنبل من الأئمَّة الأربعة للنواصب فإنَّهما يقولان بهذا المعنى: أنَّ من حفظ أربعين حديثاً من أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي جاءت في مناقب الأئمَّة الطاهرين (صلوات الله عليهم)، فإنَّه يُبعَث يوم القيامة من الفقهاء والعلماء، ويُحشَر مع قوم مداد دواتهم مفضلة على دماء الشهداء.
وكلُّ من روى أربعين حديثاً ممَّا وردت في شأن أُولئك المنتجبين من المَلِك المنَّان، فإنَّه ينال شفاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في يوم القيامة.
ومن الطبيعي فإنَّه لا يوجد عند شيعة ومحبِّي أمير المؤمنين في هذا المعنى أيُّ شكٍّ أو شبهة.
وأوضح حجَّة عند البرايا * * * إذا كان الشهود هم الخصوم
ونجد كثيراً من مخالفي المعصومين (عليهم السلام) أنَّهم اتَّفقوا معهم في هذا المعنى، ومع ما عندهم من تمام عدم الإنصاف فإنَّهم قطعوا في هذا الباب عدَّة مراحل من مراحل الإنصاف.
وبالجملة فقد وصلت إلى مرأى هذا الأحقر الصغير رواية الحديث المذكور من طُرُق مختلفة، وأسانيد متنوِّعة، وهي موجودة في الكُتُب المعتبرة، وكذلك ما سمعه من مشايخه (رحمهم الله) بحيث لو سجَّلت جميعها فسوف يتعدَّى الكلام حدَّ الإطناب، فيُولد ملل للقُرَّاء والمستمعين.
ومن الواضح أنَّه لا يشكُّ أحد من شيعة إمام المتَّقين في أنَّ معرفة ومحبَّة الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام)، والاطِّلاع على فضائلهم ومناقبهم هي من أمر الدِّين. وأنَّ جميع أُمَّة سيِّد الأنبياء، بل جميع العالم محتاج إليهم وينتفع بهم.
وعلى كلِّ حالٍ، فعلى أيِّ عبارة كان نقل الحديث المذكور فإنَّه يرجع إلى المعنى المسفور، ولهذا فقد كان أوَّل أربعين أقدم هذا الضعيف على جمعها هو الأربعين حديث الموسومة بـ (زاد العقبى في مناقب الأئمَّة الأوصياء)، وقد جعلته ذخيرة للمعاد، وواسطة أمل يوم التناد.
↑صفحة ٤٢↑
ومع أنَّ ذلك الكتاب لم يخل من مناقب وفضائل وخصائص وخصال خاتم الأوصياء وآخر حُجَج الله تعالى عليه التحيَّة والثناء، فقد طُلِبَ منِّي حفظ وتأليف وترديف وترصيف أربعين مستقلَّة في صفات وسمات وبراهين ومعجزات وأحوال حسن المآل لمنتجب المَلِك المتعال، لتسُرَّ بمطالعته وقراءته وسماعه القلوب السليمة لمحبِّي أهل البيت، وهم من العامَّة الذين لم يدروا ولم يقسم لهم من علوِّ معرفة ذلك الإمام ذو المقام العالي، بحيث يتصوَّرون أنَّه (عليه السلام)...(٤٩) عند بعض الملالي؛ ليعرضوا حضرته (عليه السلام) ويقفوا على علوِّ رتبته وسموِّ درجة هذا السيِّد العظيم حتَّى لا يكون موتهم موتةً جاهليَّة، لأنَّ في المشهور بل المتواتر عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهليَّة»(٥٠)، يعني أنَّ حكمه حكم من لم يعاصر الإسلام وزمان الإسلام، ويُعَدُّ ضمن من مات كافراً.
فأوقعت هجومات علائق وعوائق الزمان ومصائب ونوائب الدهر غير الدائم تلك الإرادة في حيِّز التأخير إلى أنْ سألني في هذه الأيَّام الشريفة بعض من خواصِّ وعوامِّ الشيعة عن غيبة ورجعة ذلك المَلِك مركز الإمامة والخلافة(عليه السلام)، والتمس جمع من صلحاء المؤمنين، بل ألحُّوا بحروف الاقتراح على رقاع إلحاح من هذا الغريق في بحر الاضطراب عدد كلمات من مخزون ذهنه الخامل أو من بطون سواد الدفاتر فتصل بإعانة زبدة الخضاض إلى رياض البياض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٩) ذكر المؤلِّف (رحمه الله) كلمة وجدناها غير مناسبة لذكرها فحذفناها.
(٥٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٧/ ح ٣)، دعائم الإسلام (ج ١/ ص ٢٧)، مناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢١٢)، وروته مصادر العامَّة بألفاظ مختلفة، منها: «من مات - ولا طاعة عليه، ولا إمام، وليس عليه إمام، وليس في عنقه بيعة، وليس له إمام، لا يعرف إمامه - مات ميتة جاهليَّة»، راجع: مسند أحمد (ج ٣/ ص ٤٤٦)، صحيح مسلم (ج ٦/ ص ٢٢).
↑صفحة ٤٣↑
ولـمَّا كانت الموانع كثيرة فقد تأخَّر هذا الضعيف المنكسر في القيام بهذا الأمر، ومن جملة تلك الموانع أنَّ هذا الحقير معدم وفقير، وقد قال الحكماء: إذا كان الرجل عديم المال ومفلس الحال فلو أنَّه نثر الدُّرَّ عند تكلُّمه فسوف يحسب العوامُّ كلامه بلا فائدة ويعدُّون فضائله رذائل، بل يُعرِّفونها بأقبح الخصائل؛ بينما الغني له المرتبة العالية حتَّى ولو كان خالٍ من الغنا، وإنْ قال كلاماً لا معنى له فإنَّهم يُؤوِّلونه ويضعون له تعليلاً جميلاً ومقبولاً، ويرون عيوبه كمالاً وقبائحه مرغوباً فيها، وقالوا في هذا المقام تأكيداً للمرام:
إنْ سعل الموسر في مجلس * * * قيل له يرحمك الله
لو عطس المعسر في مجمع * * * سُبَّ وقيل فيه ما ساه
فمهما كان الغنيُّ جاهلاً فإنَّ كلامه مقبول ومعتبر عند الناس، فلو رأوا عند شخص الثروة والتفكُّر فبطريق أولى أنَّ كلامه عندهم سوف يكون ذا رتبة عالية، ومعتبراً.
وبالخصوص عندما يكون العامَّة معتقدين بمثل هذا الموسر، ومتنفِّرين عن مثل هذا الفقير المعسر لقوله الحقَّ، فسوف يكون من الصعب قبول كلام هذا الوضيع، والالتفات إلى تأليف هذا الضعيف.
وقال العرفاء: ولا يُغفَل أنَّ العامَّة تقول بقول من تُحِبُّ ولو كان قوله وعمله غير صائب، ويردُّون على كلِّ من يعرضون عنه كلَّما قال وفعل.
وقال هذا الضعيف المنكسر في هذا المعنى شعراً:
إذا مال العوامُّ إلى خطيب * * * فكلُّ سخيف قال قيل لطيف
ومن رغبوا عنه، كلُّ لطيف * * * روى قالوا هو قول سخيف
وقد اشتهر أنَّ جناب المرحوم المغفور له الملَّا خزاني (وهو من فصحاء الشعراء ومن مشاهير مدَّاحي مَلِك الأوَّلين) كان يبالغ بلا حدود في التجمُّل
↑صفحة ٤٤↑
وزينة الجسم ويهتمُّ بتزويق البدن، فكان إذا مشى في الأزقَّة والسوق فإنَّه يركب الدابَّة السريعة، وكان يُكثِر الالتفات إلى سائق الدابَّة ومرافقيه وأتباعه؛ فحينها قال له العالم الربَّاني - أعني المحقِّق المؤيَّد بتأييد حضرة ذي الجلال الشيخ عليّ ابن عبد العال (رحمه الله) -: حضرة مولانا، إنَّك تعلم أنَّ مولانا ومولاكم كان يلبس الثوب المرقَّع، ويساوي في لبس قميصه غلامه قنبر، ولا تظنُّ أنَّ مرادي من هذا الكلام أنَّ لبس الألبسة الفاخرة غير جائز، أبداً، وإنَّما موضوع التحقُّق هو: ألم يكن هذا التزيُّن خارجاً عن الحدِّ المعفوِّ عنه في الزينة، ومن التشبُّه بأهل التجبُّر والتعالي، فلماذا كلُّ هذا؟!
فقال الملَّا الموما إليه في جواب الشيخ المحترم: إنَّما هذا من أجل دفع شماتة أعداء الله، وهو ميزان التقدير والاهتمام في نظر الناس في باطنهم الأعمى؛ وأنشأ بديهةً هذين البيتين من الذهن المعطَّر بلسان البلاغة وأنشد على ذلك المقدَّم في محافل المعارف:
خلق ظاهر بين اگر بينند پشمين جامه ام * * * می نمايندم كه باب ساربانی آمده
با عصای نقره و با كش و فشهر جاروم * * * می جهند از جا كه مولانا خزانی آمده
ومن هذا كان رسم وعادة أكثر العالم أنْ ينظروا إلى الظاهر، فيتبع بعضهم البعض الآخر في الأوامر.
ولا شكَّ في هذا، والدليل عليه حكاية الشيخ محمّد عليّ المشهدي وعبد الله المتجنَّن، فإنَّها كافية للعاقل.
ففي الواقع أنَّه لم يكن في أصفهان أفضل، وأعبد، وأعلم، وأزهد، من الشيخ محمّد عليّ المذكور، فهذا التعلُّق للعامَّة به، لماذا لم يكن لأيِّ أحدٍ من فضلاء وعلماء وزُهَّاد وعُبَّاد عصره؟
وإنَّ جماعة من أهل الخبرة المطَّلعين على حال رائد قافلة الضلالة ويعلمون
↑صفحة ٤٥↑
أنَّ مركز ذلك مخرب الدِّين يقوم على الافتراء على الله تعالى والمصطفى والأئمَّة المعصومين، والغناء والإنشاد في المسجد.
ومع أنَّ مجموعة كبيرة من عدول المؤمنين وثقات أهل الدِّين قد نظَّموا ضبطاً في كفره، فإنَّه لم يرجع أحد من المخدوعين عنه، بل ازداد حبُّهم لذلك الشيطان الإنسي على المقدار السابق، فما هي علاقة العامَّة بأقوال علماء الدِّين والمضبطة؟
إنَّهم ينظرون إلى قطيع الإبل، وإسطبل الخيل والبغال.
چه توان كرد تا جهان بوده * * * اين طريق جهانيان بوده
إنَّهم أوقعوا أنواع الأذى على نوح النبيِّ (عليه السلام)، واعتقدوا وآمنوا بعجل السامري، ونسبوا حبيب الله للجنون وأنَّه شاعر وكذَّاب وساحر، وساووه مع مسيلمة الكذَّاب.
چه كنم ديده جهان كور است * * * چون زيم گوش روزگار كر است
شكر و قند را رواجی نيست * * * روز بازار شغلم و كزر است
وعندما رأى أهل الزمان ملًّا مكَّاراً، أو أحد العامَّة منحرف الفكر، ومنحرف العمل مالوا إلى عبد الله المتجنَّن، وارتضوا هذا الملعون صانع مقالات الكفر الذي هو أخسّ من الجيفة، والحيوانات الميتة، ومن كلب الكافر والتتار، لمقام الولاية والقطبيَّة، والعوامُّ ينخدعون كالأنعام، ولذلك فقد عدُّوا سيِّئ الحظِّ الفاسد العقيدة المحتال من الأولياء.
چه توان كرد قحط انسان است * * * عرصه دهر پر ز گاو و خر است
خر و گوهر شناختن هيهات * * * پيش خر كاه و جو به از گهر است
خر به تعليم می شود انسان؟ * * * لا نسلم خر كاه هميشه خر است
↑صفحة ٤٦↑
ما تريده الدنيا أنْ يكون يكون، فهو محتال خدَّاع مكَّار؛ وكلُّ ذكيٍّ يريد الاطِّلاع على حال ذلك الشيخ الشيطان فليطالع كتاب (نصيحة الكرام أو فضيحة اللئام) لسماحة المفيد المفيض واحد الأيَّام محمّد بن نظام الدِّين محمّد المشهور بعصام الذي انتخبه من كتاب جناب مرجع العدل والمؤيَّد بالتأييدات سماحة المقتدر الملَّا محمّد طاهر، وقد أضاف إليه مقدارا يسيراً.
وإذا أراد أحد أنْ يعرف هذا المتجنَّن الملحد فليراجع رسالة (إدراء العاقلين وإخزاء المجانين)، فإنَّها أقلّ ما كُتِبَ بما أراه النظر.
وبالإجمال فإنَّ العوامَّ كالأنعام بعدم تمييزهم بين الحنظل عن حلاوة العسل، وبين الأهداب والشوك، ومن الخفاش معرفة الشمس، ويقاس الماء بالغربال.
ولهذا تهاملت في كتابة هذه الرسالة إلى أنْ رأيت في ليلة الرابع عشر من شهر شعبان سنة ألف وواحد وثمانين رؤية حصلت على تأويلها في أوائل النهار المتَّصل بتلك الليلة، وأُمرت بكتابة هذه الرسالة؛ فكان أكثر توجُّهي منصبًّا على حفظ أربعين حديثاً، وألزمت نفسي على قدر الوسع والإمكان أنْ أنقل كلَّ حديث انفرد به الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) ولا يوجد له مؤيِّداً لذلك الحديث.
وسمَّيت هذه الأربعين بـ (كفاية المهتدي في معرفة المهدي).
والتوكُّل على الله المجيد.
* * *
↑صفحة ٤٧↑
الحديث الأوَّل: الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر
قال الشيخ الكامل العادل العابد الزاهد المتكلِّم الخبير الفقيه النحرير النبيل الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (برَّد الله مضجعه وجعل في الفردوس إلى الأئمَّة الطاهرين مرجعه) في كتابه الموسوم بـ (إثبات الرجعة):
حدَّثنا محمّد بن إسماعيل بن بزيع (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا حمَّاد بن عيسى، قال: حدَّثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدَّثنا أبان بن أبي عيَّاش، قال: حدَّثنا سُلَيم ابن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنِّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرٍّ شيئاً من تفسير القرآن والأحاديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعته منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنَّ ذلك كلَّه باطل، أفترى الناس يكذبون على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متعمِّدين، ويُفسِّرون القرآن بآرائهم؟
قال: فقال عليٌّ (عليه السلام): «قد سألتَ فافهم الجواب، إنَّ في أيدي الناس حقًّا وباطلاً، وصدقًا وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصًّا وعامًّا، ومحكماً ومتشابهاً، وتحفُّظًّا وتوهُّماً، وقد كُذِبَ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عهده حتَّى قام خطيباً فقال: أيُّها الناس قد كثر الكذب عليَّ، فمن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعده من النار، ثمّ كُذِبَ عليه من بعده أكثر ممَّا كُذِبَ عليه في زمانه، وإنَّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
↑صفحة ٤٩↑
رجل منافق يُظهِر للإيمان، متصنِّع بالإسلام، لا يتأثَّم ولا يتحرَّج أنْ يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متعمِّداً، فلو علم الناس أنَّه منافق كذَّاب لم يقبلوا منه ولم يُصدِّقوه، ولكنَّهم قالوا: هذا رجل من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رآه وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما وصف، فقال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون: ٤]، ثمّ تقرَّبوا بعده إلى الأئمَّة الضالَّة، والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولَّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنَّما الناس مع الملوك والدنيا إلَّا من عصمه الله تعالى، فهذا أحد الأربعة.
ورجل آخر سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شيئاً ولم يحفظه على وجهه، ووهم فيه، ولم يتعمَّد كذباً، فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلو علم المسلمون أنَّه وهمٌ لم يقبلوه، ولو علم هو أنَّه وهمٌ لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه، أو سمعه نهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم [يعلم](٥١) الناسخ، فلو علم أنَّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنَّه منسوخ لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو مبغض للكذب خوفاً من الله تعالى وتعظيماً لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) [لم ينسَ](٥٢)، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به لم يزد فيه ولم يُنقِص منه، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، ويعلم أنَّ أمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كأمر القرآن، وفيه كما في القرآن ناسخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥١) في بعض نُسَخ المصادر: (يحفظ).
(٥٢) في نهج البلاغة: (ولم يهمّ)، وفي الخصال: (لم يسه).
↑صفحة ٥٠↑
ومنسوخ، وخاصٌّ وعامٌّ، ومحكم ومتشابه، وقد كان يكون من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الكلام له وجهان، كلام عامٌّ وكلام خاصٌّ مثل القرآن، قال الله تبارك و تعالى: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، فاشتبه على من لم يعرف ولم يدرِ ما عنى الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وليس كلُّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يسأله عن الشيء، وكلُّ من يسأله عن الشيء فيفهم، وكلُّ من يفهم يستحفظ، وقد كان فيهم قوم لم يسألوه عن شيء قطُّ، وكانوا يُحِبُّون أنْ يجيء الأعرابي الطارئ أو غيره فيسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم يستمعون.
وكنت أدخل عليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كلِّ يوم دخلة، وفي كلِّ ليلة دخلة، فيُخليني فيها يجيبني بما أسأل، وأدور معه حيث دار، قد علم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، وربَّما كان يأتيني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله أخلاني وأقام عنِّي نساءه فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة لم يقم عنِّي فاطمة ولا أحد من بنيِّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتُّ ونفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) آية من القرآن إلَّا أقرأنيها وأملاها عليَّ، فكتبتها بخطِّي وعلَّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصَّها وعامَّها وظهرها وباطنها، ودعا الله أنْ يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليَّ، وما ترك شيئاً علَّمه الله من حلال أو حرام أو أمر أو نهي أو طاعة أو معصية أو شيء كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحدٍ من قبله إلَّا علَّمنيه، وحفظته فلم أنسَ حرفاً واحداً منها، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أخبرني بذلك كلِّه وضع يده على صدري ودعا الله لي أنْ يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، وكان يقول: اللَّهُمَّ علِّمه وحفِّظه ولا تُنسِه شيئاً ممَّا أخبرته وعلَّمته.
↑صفحة ٥١↑
فقلت له ذات يوم: بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله، منذ دعوت الله بما دعوت لم أنسَ شيئاً، ولم يفتني شيءٌ ممَّا علَّمتني، وكلَّما علَّمتني كتبته، أفتتخوَّف عليَّ النسيان؟
فقال: يا أخي، لست أتخوَّف عليك النسيان، إنِّي أُحِبُّ أنْ أدعو لك، وقد أخبرني الله تعالى أنَّه قد أجابني فيك وفي شركائك، الذين قرن الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم بطاعته وطاعتي، وقال فيهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩].
قلت: من هم، يا رسول الله؟
قال: الذين هم الأوصياء بعدي، والذين لا يضرُّهم خذلان من خذلهم، وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتَّى يردوا عليَّ الحوض، بهم تُنصَر أُمَّتي وبهم يُمطَرون، وبهم يُدفَع البلاء، وبهم يُستجاب الدعاء.
قلت: سمِّهم لي، يا رسول الله.
قال: أنت يا عليُّ أوَّلهم، ثمّ ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن -، ثمّ ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين -، ثمّ سميُّك ابنه عليٌّ زين العابدين، وسيُولَد في زمانك يا أخي فاقرأه منِّي السلام، ثمّ ابنه محمّد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى، ثمّ ابنه جعفر الصادق، ثمّ ابنه موسى الكاظم، ثمّ ابنه عليٌّ الرضا، ثمّ ابنه محمّد التقي، ثمّ ابنه عليٌّ النقي، ثمّ ابنه الحسن الزكي، ثمّ ابنه الحجَّة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي، والمنتقم من أعدائي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
ثمّ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله إنِّي لأعرفه يا سُلَيم حين يُبايَع بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم».
↑صفحة ٥٢↑
قال محمّد بن إسماعيل: ثمّ قال حمَّاد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله (عليه السلام)، فبكى وقال: «قد صدق سُلَيْمٌ، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه عليِّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليٍّ (عليهم السلام) أنَّه قال: قد سمعت هذا الحديث عن أبي أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سأله سُلَيم بن قيس»(٥٣).
روى الشيخ المذكور في الكتاب المزبور بسندٍ خالٍ عن الخلل الذي هو في الحقيقة سند صحيح عال، عن سُلَيم بن قيس الهلالي.
وروى أكثر هذا الحديث الشريف محمّد بن يعقوب الكليني (قدّس سرّه) في كتاب (الكافي)(٥٤)، كما رواه بتمامه ابن بابويه (رحمه الله) في أواخر كتاب (الاعتقادات)(٥٥) مع قليل من الزيادة والنقص والاختلاف في بعض عباراته.
وقد حصل لزمرة المؤمنين وكافَّة الموقنين من هذا الحديث الشريف فوائد، بل يمكن لسائر المذاهب أنْ يحصلوا على هذه الفوائد إذا توجَّهوا بالإنصاف وتركوا التعصُّب والباطل جانباً.
ومن تلك الفوائد: أنْ يصمَّ أهل الخلاف، ويزيدَ يقين أرباب اليقين بأنَّ خلفاء حضرة سيِّد المرسَلين منحصرون بالأئمَّة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).
والفائدة الثانية: أنَّ في القرآن وأحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ناسخ ومنسوخ، وخاصٌّ وعامٌّ ومحكم ومتشابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٣) وقريب منه رواه سُلَيم الهلالي في كتابه (ج ٢/ ص ٦٢٠ وما بعدها)؛ وتجده في: المسترشد (ص ٣٦)، والخصال (ص ٤/ ح ١٣١)، والغيبة للنعماني (ص ٤٩)، وتُحَف العقول (ص ١٣١)، وبصائر الدرجات (ص ١٩٨/ ح ٣)، وبحار الأنوار (ج ٢٧/ ص ٢١١).
(٥٤) الكافي (ج ١/ ص ٦٢/ ح ١).
(٥٥) الاعتقادات (الصفحة الأخيرة، المطبوع بالحجر مع النافع يوم الحشر وغيره).
↑صفحة ٥٣↑
والفائدة الثالثة: أنَّ للقرآن ظاهراً وباطناً، وليُعلَم أنَّه يقال للمعاني الباطنيَّة للقرآن: تأويل، وعلمه مخصوص بالله تبارك وتعالى والنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، ليس لغيرهم أنْ يطَّلع عليه، ويكفي شاهداً على هذا المدَّعى الآية الكريمة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧].
* * *
↑صفحة ٥٤↑
الحديث الثاني: مثل المهدي (عليه السلام) مثل الساعة
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (رحمة الله عليه وعلى والديه) في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة):
حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن عليٍّ الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا عليَّ بن موسى (عليه السلام) قصيدتي التي أوَّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومهبط وحي مقفر العرصاتِ
فلمَّا انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركاتِ
يُميِّز فينا كلَّ حقٍّ وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقماتِ
بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال [لي]: «يا خزاعي، نطق روح القُدُس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟».
فقلت: لا يا مولاي، إلَّا أنِّي سمعت بخروج إمام منكم يُطهِّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً.
فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليٌّ، وبعد عليٍّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجَّة القائم المنتظَر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم
↑صفحة ٥٥↑
يبقَ من الدنيا إلَّا يومٌ واحد لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يخرج فيملأها عدلاً كما مُلِئَت جوراً.
وأمَّا متى فإخبارٌ عن الوقت، وقد حدَّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذرّيَّتك؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مثله مثل الساعة التي ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧]»(٥٦).
وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى غير هذا الحديث؛ كما أنَّ ظهور حضرة صاحب الزمان (عليه السلام) لا يعلمه أحد إلَّا ربَّ العالمين (جلَّ جلاله)، وقد أورد محمّد ابن يعقوب الكليني (رحمة الله عليه) في كتاب (الكافي) باباً من هذا الموضوع بأنَّه لا يعلم وقت ظهور حضرة خاتم الأوصياء أحد إلَّا الله تعالى، وسمَّى هذا الباب (باب كراهية التوقيت)(٥٧).
وقد وضع ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في كتاب (إثبات الرجعة) باباً مشتملاً على هذا النحو من الأحاديث سمَّاه (باب شدَّة النهي عن التوقيت).
وأحد تلك الأحاديث التي رواها الشيخ الجليل القدر، قال: حدَّثنا محمّد ابن أبي عمير (رضي الله عنه)، عن حمَّاد بن عيسى، عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن عمِّه الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «سألت جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الأئمَّة بعده، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأئمَّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي، وأنت منهم يا حسن.
فقلت: يا رسول الله، فمتى يخرج قائمنا أهل البيت؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٦) كمال الدِّين (ص ٣٧٢ و٣٧٣/ الباب ٣٥/ ح ٦).
(٥٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٨) وفيه (٧) أحاديث.
↑صفحة ٥٦↑
قال: يا حسن، إنَّما مثله مثل الساعة أخفى الله علمها على أهل السماوات والأرض لا تأتي إلَّا بغتةً»(٥٨).
يعني كما أنَّه لا يعلم متى تقوم القيامة أحد إلَّا الله ربَّ العالمين، فكذلك لا يعلم أحد إلَّا المَلِك المنَّان متى سوف يكون وقت ظهور صاحب الزمان (عليه السلام).
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي (رضوان الله عليه) في كتاب (الغيبة): (أمَّا وقت خروجه فليس بمعلوم لنا على التفصيل، بل هو مغيَّب عنَّا إلى أنْ يأذن الله بالفرج)(٥٩).
ونقل عدَّة أحاديث في هذا الباب قد انتهت أسانيدها إلى ابن شاذان (رحمة الله عليه) المذكور.
وهي موجودة مع أحاديث أُخرى في هذا المعنى في كتاب (إثبات الرجعة)، ومن جملتها قال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمّد بن سفيان البزوفري، عن عليِّ بن محمّد، عن الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد وعبيس [بن هشام]، عن كرَّام، عن الفضيل، قال: سألنا أبا جعفر (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت؟
فقال (عليه السلام): «كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون»(٦٠).
وروى أيضاً عن ابن شاذان بهذا الطريق: الفضل بن شاذان، عن الحسين ابن يزيد الصحَّاف، عن منذر الجوَّاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كذب الموقِّتون، ما وقتنا فيما مضى، ولا نُوقِّت فيما يستقبل»(٦١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٨) رواه الخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص ١٦٨)، وعنه بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٣٤١)، بسند آخر. (المركز).
(٥٩) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٥).
(٦٠) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٥ و٤٢٦/ ح ٤١١).
(٦١) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٦/ ح ٤١٢).
↑صفحة ٥٧↑
وروى ابن شاذان هذا الحديث بعدَّة أسانيد صحيحة.
وقال الشيخ الطوسي بعد أنْ ذكر هذا الحديث: وبهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم الأسدي، فقال: أخبرني جُعلت فداك متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟
فقال: «يا مهزم، كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون، وإلينا يصيرون»(٦٢).
وقد روى الشيخ أبو محمّد ابن شاذان في هذا الباب عدَّة روايات.
كما وقع في توقيعين أنَّ حجَّة الرحمن (عليه السلام) نفسه قد قال بأنَّ التوقيت كذب:
أحدهما: قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا محمّد ابن إبراهيم بن إسحاق [الطالقاني] (رضي الله عنه)، قال: سمعت أبا عليٍّ [محمّد] بن همَّام، يقول: سمعت محمّد بن عثمان العمري (قدَّس الله روحه) يقول: خرج التوقيع بخطٍّ أعرفه يقول: «من سمَّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله».
قال أبو عليٍّ [محمّد] بن همَّام: وكتبت أسأله عن [ظهور] الفرج متى يكون؟
فخرج التوقيع: «كذب الوقَّاتون»(٦٣).
وقال سماحة سيِّد المجتهدين الأمير محمّد باقر الداماد (رحمه الله) بعد أنْ نقل هذا الحديث في كتاب (شرعة التسمية): (وهذه الرواية بعينها قد رواها شيخنا الإمام المفيد، وشيخنا الأعظم الطوسي، والشيخ المفسِّر الطبرسي (قدَّس الله أسرارهم) بأسانيدهم الصحيحة)(٦٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٢) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٦/ ح ٤١٣).
(٦٣) كمال الدِّين (ص ٤٨٣/ باب ٤٥/ ح ٣).
(٦٤) شرعة التسمية (ص ٦٠).
↑صفحة ٥٨↑
والمحلُّ الثاني الذي وقع فيه التوقيع ما رواه ابن شاذان وابن بابويه والشيخ الطوسي والشيخ الطرابلسي (رضوان الله عليهم أجمعين) بأسانيدهم، ونحن نكتفي بسندٍ واحدٍ ونقل فقرة منه رعايةً للاختصار هنا.
روى ابن بابويه (رحمة الله عليه) عن محمّد بن محمّد بن عصام الكليني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله)(٦٥) أنْ يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع(٦٦) الجواب، وبالإجمال فكان من جملة تلك المسائل أنَّه سأل عن وقت ظهوره (عليه السلام)، فكتب (عليه السلام) في جواب هذا السؤال: «وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله تعالى، وكذب الوقَّاتون»(٦٧).
يعني: أمَّا ظهور الفرج فإنَّه متعلِّق بإرادة ومشيئة الحقِّ تعالى، وكذب الوقَّاتون.
وقد ذكرنا قبل هذا أنَّ ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) قد روى أحاديثاً في هذا الباب غير تلك التي رواها الشيخ أبو جعفر الطوسي (قدّس سرّه).
وأحدها: قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران (رضي الله عنه)، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليُّ، إنْ قريشاً ستُظهِر عليك ما استبطنته، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإنْ وجدت أعواناً فجاهدهم، وإنْ لم تجد أعواناً فكفَّ يدك وأحقن دمك، فإنَّ الشهادة من ورائك، فاعلم أنَّ ابني ينتقم من ظالميك وظالمي أولادك وشيعتك في الدنيا، ويُعذِّبهم الله في الآخرة عذاباً شديداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٥) في المصدر المطبوع: (رضي الله عنه).
(٦٦) تكملة الحديث في المصدر: ([فورد [ت] في] التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)).
(٦٧) راجع: الغيبة للطوسي (ص ٢٩١/ ح ٢٤٧)، وكمال الدِّين (ص ٤٨٣/ باب ٤٥/ ح ٤)، والخرائج والجرائح (ج ٣/ ص ١١١٣/ ح ٣٠)، وكشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٥٣١).
↑صفحة ٥٩↑
فقال سلمان الفارسي: من هو، يا رسول الله؟
فقال: التاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيُعلِن أمر الله، ويُظهِر دين الله، وينتقم من أعداء الله، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً.
قال: متى يظهر، يا رسول الله؟
قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا يعلم ذلك إلَّا الله، ولكن لذلك علامات، منها: نداء من السماء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بالبيداء.
والسلام على من اتَّبع الهدى»(٦٨).
وقال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة): حدَّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطَّار، قال: حدَّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، عن حمدان بن سليمان، قال: حدَّثنا الصقر بن أبي دُلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهما السلام) يقول: «إنَّ الإمام بعدي ابني عليٌّ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه»، ثمّ سكت.
فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ قال: «إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظَر».
فقلت له: يا ابن رسول الله، لِـمَ سُمِّي القائم؟
قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذِكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته».
فقلت له: ولِـمَ سُمِّي المنتظَر؟
قال: «لأنَّ له غيبةً تكثر أيَّامُها، ويطول أمدُها، فينتظر خروجَه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٨) مختصر إثبات الرجعة، مطبوع في مجلَّة تراثنا (العدد ١٥/ ص ١٩٣).
↑صفحة ٦٠↑
المُخْلِصُون، ويُنْكِرُه المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحِدُون، ويكذب فيها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون»(٦٩).
ونقل ابن شاذان هذا الحديث بلا واسطة عن الإمام (عليه السلام) باختلاف قليل ببعض ألفاظه، مع أحاديث أُخرى، ثمّ قال:
قد تحقَّق من هذه الأخبار وأمثالها أنَّ وقت ظهوره مغَيَّب عن الخلق ولا يعلمه إلَّا الله.
وقال الحسن بن حمزة العلوي الطبري في كتاب (الغيبة): قال أبو عليٍّ محمّد بن همَّام (رضي الله عنه) في كتابه (نوادر الأنوار): حدَّثنا محمّد بن عثمان بن سعيد الزيَّات (رضي الله عنه)، قال: سمعت أبي يقول: سُئِلَ أبو محمّد (عليه السلام) عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله تعالى على خلقه إلى يوم القيامة، فإنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة.
فقال: «إنَّ هذا حقٌّ كما أنَّ النهار حقٌّ».
فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجَّة والإمام بعدك؟
قال: «ابني هو الإمام والحجَّة بعدي، مَنْ مات ولم يعرفه مات ميتةً جاهليَّة، أمَا إنَّ له غيبة يُحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون، ثمّ يخرج كأنِّي أنظر إلى الأعلام التي تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة»(٧٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٩) كمال الدِّين (ص ٣٧٨/ باب ٣٦/ ح ٣).
(٧٠) وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٤٠٩/ باب ٣٨/ ح ٩) بإسناده التالي: (حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدَّثني أبو عليّ بن همَّام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه، يقول: سمعت أبي يقول...) الحديث.
وقد رواه أيضاً الشيخ أبو القاسم عليُّ بن محمّد بن عليٍّ الخزَّاز القمِّي الرازي من علماء القرن الرابع الهجري في كتابه الشريف كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر (ص ٢٩٢/ باب ما جاء عن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار ونصِّه على ابنه الحجَّة (عليه السلام)/ ح ٦)، قال: (أخبرنا أبو المفضَّل (رحمه الله)، قال: حدَّثني أبو عليّ بن همَّام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول...) الحديث.
↑صفحة ٦١↑
فيُعلَم من هذه الأحاديث أنَّ الشيخ الطوسي وابن بابويه ومحمّد بن يعقوب الكليني والشيخ النيشابوري(٧١) (وهو متقدِّم عليهم لأنَّهم من العلماء المتأخِّرين عنه) والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) لم يدروا وقت ظهور صاحب الزمان (عليه السلام)، ولا يعلم به نفس صاحب الأمر (صلوات الله عليه) أيضاً.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧١) ويقصد به الفضل بن شاذان.
↑صفحة ٦٢↑
قال الصدوق (رحمه الله) في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة): حدَّثنا [محمّد ابن](٧٢) موسى بن المتوكِّل، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدَّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمِّه الحسين بن يزيد [النوفلي](٧٣)، عن الحسن بن عليِّ بن حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، [عن أبيه](٧٤)، عن آبائه [عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)](٧٥)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): حدَّثني جبرئيل، عن ربِّ العزَّة (جلَّ جلاله) أنَّه قال: «من علم أنْ لا إله إلَّا أنا وحدي، وأنَّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنَّ عليَّ بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمَّة من ولده حُجَجي، أدخلته(٧٦) الجنَّة برحمتي، ونجَّيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصَّتي وخالصتي، إنْ ناداني لبَّيته، وإنْ دعاني أجبته، وإنْ سألني أعطيته، وإنْ سكت ابتدأته، وإنْ أساء رحمته، وإنْ فرَّ منِّي دعوته، وإنْ رجع إليَّ قبلته، وإنْ قرع بابي فتحته.
ومن لم يشهد أنْ لا إله إلَّا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمّداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٢) سقطت من النسخة.
(٧٣) هذه الزيادة في النسخة.
(٧٤) هذه الزيادة في المصدر المطبوع.
(٧٥) سقطت من المصدر المطبوع.
(٧٦) في المصدر المطبوع: (أُدخله) بدل (أدخلته).
↑صفحة ٦٣↑
عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ عليَّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمَّة من ولده حُجَجي، فقد جحد نعمتي، وصغَّر عظمتي، وكفر بآياتي، وكُتُبي، ورُسُلي، إنْ قصدني حجبته، وإنْ سألني حرمته، وإنْ ناداني لم أسمع نداءه، وإنْ دعاني لم أستجب دعاءه، وإنْ رجاني خيَّبته، وذلك جزاؤه منِّي وما أنا بظلَّام للعبيد».
فقام جابر بن عبد الله الأنصاريُّ فقال: يا رسول الله، ومَنْ الأئمَّة من ولد عليِّ بن أبي طالب؟
قال: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة، ثمّ سيِّد العابدين في زمانه عليُّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليٍّ، وستُدرِكه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه منِّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر، ثمّ الرضا عليُّ بن موسى، ثمّ التقي محمّد بن عليٍّ، ثمّ النقي عليُّ بن محمّد، ثمّ الزكيُّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ ابنه القائم بالحقِّ مهديُّ أُمَّتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً.
هؤلاء يا جابر خلفائي، وأوصيائي، وأولادي، وعترتي، مَنْ أطاعهم فقد أطاعني، ومَنْ عصاهم فقد عصاني، ومَنْ أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يُمسِك اللهُ (عزَّ وجلَّ) السماءَ أنْ تقع على الأرض إلَّا بإذنه، وبهم يحفظ اللهُ الأرضَ أنْ تميد بأهلها»(٧٧).
وروى هذا الحديث الشيخ أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة) بسند صحيح عن الإمام الهمام حضرة الإمام جعفر (عليه السلام) وعدَّه من جملة نصوص الله على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٧) كمال الدِّين (ص ٢٥٨ و٢٥٩/ باب ٢٤/ ح ٣).
↑صفحة ٦٤↑
فائدة جليلة:
ويُستفاد من آخر هذا الحديث أنَّ السماء قائمة في هذا الزمان ببركة وجود فائض الجود حضرة صاحب الزمان (عليه السلام)، وأنَّ الأرض ثابتة وقائمة ولم تمد ببركته (عليه السلام).
وإذا أراد أحد النواصب لأهل الحقِّ أنْ يناقش في هذا المعنى، ويكابر في نقاشه الطائفة الناجية، فماذا سوف يعمل مع جملة الأحاديث التي ثبتت في كُتُب أهل الخلاف المعتبرة، ورُويت من طُرُقهم، والتي تدلُّ بمجموعها أنَّ بقاء هذا العالم متعلِّق ببقاء حضرة صاحب الزمان (عليه صلوات الله المَلِك المنَّان)؟ وسوف تُذكر بعضها بعد ذلك في أواخر هذه الأربعين إنْ شاء الله تعالى.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٦٥↑
الحديث الرابع: اللوح الذي أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
قال الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا صفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو أيُّوب إبراهيم بن أبي زياد الخزَّاز، قال: حدَّثنا أبو حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على مولاي عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فرأيت في يده صحيفة كان ينظر إليها ويبكي بكاءً شديداً.
فقلت: فداك أبي وأُمِّي يا ابن رسول الله، ما هذه الصحيفة؟
قال (عليه السلام): «هذه نسخة اللوح الذي أهداه الله تعالى إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي كان فيه اسم الله تعالى، ورسوله، وأمير المؤمنين، وعمِّي الحسن بن عليٍّ، وأبي (عليهم السلام)، واسمي، واسم ابني محمّد الباقر، وابنه جعفر الصادق، وابنه موسى الكاظم، وابنه عليٌّ الرضا، وابنه محمّد التقي، وابنه عليٌّ النقي، وابنه الحسن الزكي، وابنه حجَّة الله القائم بأمر الله، المنتقم من أعداء الله، الذي يغيب غيبة طويلة، ثمّ يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
ولهذا الحديث مؤيِّدات كثيرة، ولكنَّنا نقتصر على هذا الخبر المختصر طلباً للإيجاز في هذه الرسالة.
قال حضرة سيِّد المجتهدين الأمير محمّد باقر الداماد في كتابه (شرعة التسمية) في باب هذا الحديث الموسوم بـ (حديث اللوح): (هو ممَّا على روايته تواطؤ الخاصَّة والعامَّة من طُرُق متلوِّنة مختلفة، وأسانيد متشعِّبة متكثِّرة)(٧٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٨) شرعة التسمية (ص ٧٤).
↑صفحة ٦٦↑
وكان تأليف هذا الكتاب في زمن تتلمذ وتعلُّم هذا الضعيف عند النحريرين عديمي النظير، أعني الشيخ بهاء الملَّة والدِّين محمّد العاملي، والآية محمّد الداماد (عليهما الرحمة)، فجرت بينهما مناظرة وبحث حول جواز التسمية وحرمتها في زمن الغيبة، وطالت مدَّة المباحثة بينهما، ولهذا ألَّف السيِّد المشار إليه الكتاب المذكور، فرحمة الله عليهما.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٦٧↑
الحديث الخامس: الأئمَّة الاثنا عشر (عليهم السلام) هم أُولو الأمر
قال الصدوق (رضوان الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا غير واحد من أصحابنا، قالوا: حدَّثنا محمّد بن همَّام، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدَّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدَّثني أحمد بن الحارث، قال: حدَّثني المفضَّل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لـمَّا أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمَنْ أُولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال (عليه السلام): «هم خلفائي - يا جابر -، وأئمَّة المسلمين من بعدي، أوَّلهم عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ المعروف في التوراة بالباقر، وستُدرِكه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه منِّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليُّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ سميِّي وكنيِّي، حجَّة الله في أرضه، وبقيَّته في عباده، ابن الحسن بن عليٍّ، ذاك الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلَّا مَنْ امتحن الله قلبه للإيمان».
↑صفحة ٦٨↑
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، [فهل] تنتفع الشيعة به في غيبته؟
فقال (عليه السلام): «إي والذي بعثني بالنبوَّة، إنَّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإنْ تجلَّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرِّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلَّا عن أهله...» إلى آخر الحديث(٧٩).
وليُعلَم أنَّ لهذا الحديث تتمَّة إنَّما ترك هذا الترابي ذكره روماً للاختصار.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٩) كمال الدِّين (ص ٢٥٣/ باب ٢٣/ ح ٣).
↑صفحة ٦٩↑
الحديث السادس: رؤية إبراهيم الخليل (عليه السلام) أنوار الأئمَّة (عليهم السلام) إلى جنب العرش
قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن سعيد بن المسيَّب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا خلق الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام) كشف عن بصره، فرأى نوراً إلى جنب العرش.
فقال: إلهي، ما هذا النور؟
قال: يا إبراهيم، هذا نور محمّد، صفوتي مِنْ خلقي.
ورأى نوراً إلى جنبه، فقال: إلهي، ما هذا النور؟
قال: هذا نور عليٍّ، ناصر ديني.
ورأى في جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي، ما هذه الأنوار؟
فقال: نور فاطمة بنت محمّد، والحسن، والحسين ابنيها وابني عليٍّ.
قال: إلهي، إنِّي أرى تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة.
قال: هذه أنوار عليِّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليِّ بن موسى، ومحمّد بن عليٍّ، وعليِّ بن محمّد، والحسن بن عليٍّ، والحجَّة بن الحسن الذي يظهر بعد غيبته عن شيعته وأوليائه.
فقال إبراهيم: إلهي، إنِّي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يُحصي عددهم إلَّا أنت.
↑صفحة ٧٠↑
قال: يا إبراهيم، هذه أنوار شيعتهم، شيعة عليِّ بن أبي طالب أمير المؤمنين.
فقال إبراهيم: فبما تُعرَف شيعته؟
قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر بـ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، والقنوت قبل الركوع، وتعفير الجبين، والتختُّم باليمين.
فقال إبراهيم: اللَّهُمَّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب.
قال تبارك وتعالى: يا إبراهيم، قد جعلتك منهم.
فلهذا أنزل الله فيه في كتابه الكريم: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافَّات: ٨٣]».
قال المفضَّل بن عمر: قد روينا أنَّ إبراهيم (عليه السلام) لـمَّا أحسَّ بالموت روى هذا الخبر لأصحابه وسجد، فقُبِضَ في سجدته (صلوات الله وسلامه عليه).
الحمد لله الذي شَرَّف شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الفضيلة.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٧١↑
الحديث السابع: لا يُقبَل عمل أحد إلّا بولايتهم (عليهم السلام)
قال الشيخ الفقيه أبو الحسن ابن محمّد بن أحمد بن عليِّ بن الحسن بن شاذان القمِّي (رحمه الله) في المائة التي جمعها من العامَّة:
حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عبيد الله الحافظ، قال: حدَّثنا عليُّ بن سنان الموصلي، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن صالح، قال: حدَّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدَّثنا ريَّان بن مسلم، قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدَّثنا سلامة، عن أبي سليمان راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) [قال]: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل (جلَّ جلاله): ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾.
قلت: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٥].
قال: صدقت يا محمّد، مَنْ خلَّفت في أُمَّتك؟
قلت: خيرها.
قال: عليُّ بن أبي طالب؟
قلت: نعم، يا ربِّي.
قال: يا محمّد، إنِّي أطلعت على الأرض [اطِّلاعة] فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أُذكر في موضع إلَّا ذُكِرْتَ معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت ثانيةً فاخترت منها عليًّا، وشققت [له] اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو عليٌّ.
يا محمّد، إنِّي خلقتك وخلقت عليًّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمَّة من
↑صفحة ٧٢↑
ولد الحسين من سِنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان من الكافرين.
يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبيدي عبدني حتَّى ينقطع ويصير كالشنِّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً بولايتكم ما غفرت له حتَّى يقرَّ بولايتكم.
يا محمّد، تُحِبُّ أنْ تراهم؟
قلت: نعم، يا ربِّي.
فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفتُّ فإذا بعليٍّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليُّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليُّ بن موسى الرضا، ومحمّد بن عليٍّ، وعليُّ بن محمّد، والحسن بن عليٍّ، والمهدي في ضحضاح من نور قيامٌ يُصَلُّون، وفي وسطهم يضيء المهدي كأنَّه كوكب دُرِّي.
فقال: يا محمّد، هؤلاء الحُجَج، وهو الثائر من عترتك، وعزَّتي وجلالي إنَّه الحجَّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي».
وهذا الشيخ الجليل من كبار علماء الطائفة الناجية أيضاً، وروى بالسند المزبور من طُرُق العامَّة، عن أبي سليمان راعي سيِّد العالمين(٨٠).
ونقل ابن بابويه (رحمة الله عليه) هذا الحديث بسند آخر عن أبي سليمان الراعي في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة) مع اختلافٍ بالعبارات، وكان في آخره: «فيُخرِج اللَّات والعزَّى طريَّين فيُحرِقهما، فلفتنة الناس يومئذٍ بهما أشدّ من فتنة العجل والسامري»(٨١)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٠) مائة منقبة (ص ٣٧ - ٤٠/ المنقبة ١٧).
(٨١) كمال الدِّين (ص ٢٥٣/ باب ٢٣/ ح ٢).
↑صفحة ٧٣↑
والمقصود من اللَّات والعزَّى الواقعين في هذا الحديث هما: أبو بكر وعمر (عليهما ما عليهما).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٧٤↑
قال الشيخ الصدوق الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (قدّس سرّه): حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: حدَّثنا عاصم بن حميد، قال: حدَّثنا أبو حمزة الثمالي.
وقال (رحمه الله): حدَّثنا الحسن بن محبوب، قال: حدَّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدَّثنا سعيد بن جبير، قال: حدَّثنا عبد الله بن عبَّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا عُرِجَ بي إلى السماء بلغت سدرة المنتهى، ناداني ربِّي (جلَّ جلاله)، فقال: يا محمّد.
فقلت: لبَّيك لبَّيك ، يا ربِّي.
قال: ما أرسلت رسولاً فانقضت أيَّامه إلَّا أقام بالأمر بعده وصيُّه، فأنا جعلت عليَّ بن أبي طالب خليفتك وإمام أُمَّتك، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى الرضا، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليُّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ الحجَّة ابن الحسن. يا محمّد، ارفع رأسك.
فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليٍّ، والحسن، والحسين، وتسعة من أولاد الحسين، والحجَّة في وسطهم يتلألأ كأنَّه كوكب دُرِّي.
فقال الله تعالى: يا محمّد، هؤلاء خلفائي، وحُجَجي في الأرض، وأوصياءك من بعدك، فطوبى لمن أحبَّهم، والويل لمن أبغضهم».
وقد أشار الله ربُّ العالمين في غير هذين الحديثين المتقدِّمين، في عدَّة أحاديث من الأحاديث المعراجيَّة إلى سيِّد الإنس والجنِّ بخلافة العترة الطاهرة.
↑صفحة ٧٥↑
فإذا قال قائل: لماذا كان كلُّ هذه الأنواع من التنبُّأ والإخبار في ليلة واحدة؟
فجوابه: لعلَّ كلَّ ذلك لم يقع في ليلة واحدة، فهناك حديث ينصُّ على أنَّ قضيَّة المعراج قد وقعت مرَّتين، وهذا الحديث ذكره إبراهيم بن هاشم في تفسيره، وقد توقَّفنا عن ذكره لأنَّه لم يخل عن التطويل، فمن يريد الاطِّلاع فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب(٨٢).
وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (الخصال) حديثاً جاء فيه أنَّه وقع العروج برسول الله إلى السماء، والارتقاء إلى عرش الحقِّ تعالى مائة وعشرين مرَّة، وهذا الحديث هو:
«عُرِجَ بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مائة وعشرين مرَّة، ما من مرَّة إلَّا وقد أوصى الله تعالى فيها النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالولاية لعليِّ بن أبي طالب والأئمَّة (عليهم السلام) أكثر ممَّا أوصاه بالفرائض»(٨٣).
ويمكن أنْ يكون المقصود من الولاية في هذا الحديث هو تولية حضرت سلطان الولاية على الأُمَّة، وكان التكرار بالتوصية للتأكيد عليها، كما أنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد بيَّن كراراً في باب إمامته وخلافته بالنصوص الجليَّة والخفيَّة.
سبحان الله! مع كلِّ هذه التوصيات من الحقِّ تعالى والمصطفى في حقِّ عليٍّ المرتضى (صلوات الله عليهما وآلهما) فلم يتأثَّر المنافقون أولاد الحرام بها أبداً.
وأبدلوا المحبَّة بالعداوة، وامتنعوا قبول خلافته وولايته (عليه السلام)، ولم يكتفوا بذلك، بل استعلوا واستولوا على رئيس الدِّين ومعلمه، ولم يقتنعوا بذلك حتَّى أباحوا ظلمه (عليه السلام) وظلم أولاده (عليهم السلام)، ولم يعلموا أنَّ صاحب الزمان (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٢) تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ٣ - ١٦).
(٨٣) الخصال (ص ٦٠٠/ أبواب المائة فما فوق/ ح ٣).
↑صفحة ٧٦↑
سوف ينتقم منهم في هذه الدنيا، وأنَّهم سوف يحلُّ عليهم العذاب المخلَّد في العالم الآخر.
* * *
↑صفحة ٧٧↑
الحديث التاسع: النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُخبِر نعثل اليهودي بأوصيائه (عليهم السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (جعل الله الفردوس مثواه وحشره مع مَنْ تولَّاه): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمّد بن أبي نصر (رضي الله عنهما) جميعاً، عن أبان ابن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، قال: قَدِمَ يهودي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقال له: نعثل، فقال: يا محمّد، إنِّي أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، فإنْ أجبتني عنها أسلمت على يديك.
قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «سَلْ، يا أبا عمارة».
قال: يا محمّد، صف لي ربَّك.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ الخالق لا يُوصَف إلَّا بما وصف به نفسه، كيف يُوصَف الخالق الواحد الذي تعجز الحواسُّ أنْ تُدرِكه، والأوهام أنْ تناله، والخطرات أنْ تحدَّه، والبصائر أنْ تحيط قدرته؟! أجلُّ عمَّا يصفه الواصفون، نأى في قربه، وقَرُبَ في نأيه، كيَّف الكيف فلا يقال: كيف، أيَّن الأين فلا يقال: أين، تنقطع الأفكار عن معرفته، وليُعلَم أنَّ الكيفيَّة منه والأينونيَّة، وهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٣ و٤]».
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك: (إنَّه واحد لا شبه له)، أليس الله واحداً والإنسان واحد؟ ووحدانيَّته قد أشبهت وحدانيَّة الإنسان.
↑صفحة ٧٨↑
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الله واحد وأحديُّ المعنى، والإنسان واحد ثنوي، جسم عرض [وبدن](٨٤) وروح، وإنَّما التشبيه في المعاني لا غير».
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيِّك، من هو؟ فما من نبيٍّ إلَّا وله وصيٌّ، إنَّ نبيَّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.
فقال: «نعم، إنَّ وصيِّي والخليفة من بعدي عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، يتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمَّة أبرار».
قال: فسمِّهم لي، يا محمّد.
قال: «نعم، إذا مضى الحسين فابنه عليٌّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليٌّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليٌّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه الحسن، وبعد الحسن الحجَّة بن الحسن [بن] عليٍّ، فهذه اثنا عشر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل».
قال: فأين مكانهم في الجنَّة؟
قال: «معي، وفي درجتي».
قال: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّك رسول الله، وأنَّهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكُتُب المتقدِّمة، فأخبرني يا رسول الله عن الثاني عشر من أوصيائك.
قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يغيب حتَّى لا يُرى، ويأتي على أُمَّتي زمان لا يبقى من الإسلام إلَّا اسمه، ومن القرآن إلَّا رسمه، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج».
فانتفض نعثل، وقام من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويقول: صلوات الله عليك يا سيِّد المرسَلين، وعلى أوصيائك الطاهرين، والحمد لله ربِّ العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٤) ما بين المعقوفتين أثبتناه من كفاية الأثر (ص ١٣)، عنه بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٢٨٣). (المركز).
↑صفحة ٧٩↑
وفي بعض الروايات زيادة في أواخر هذا الحديث مع شعر أنشده نعثل في مدح خير البشر والأئمَّة الاثني عشر (عليهم صلوات الله المَلِك الأكبر).
وإذا كان في الأجل تأخير فسوف أكتب في شرح هذا الحديث كتاباً مستقلًّا إنْ شاء الله تعالى.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٨٠↑
الحديث العاشر: الأئمَّة (عليهم السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه رحمة الله المَلِك المنان): حدَّثنا فضالة بن أيُّوب (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبان بن عثمان، قال: حدَّثنا محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أنت يا عليُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ عليُّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ محمّد بن عليٍّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ جعفر بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ موسى بن جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ عليُّ بن موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ محمّد بن عليٍّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ عليُّ بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسن بن عليٍّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحجَّة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية، ويغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
الحمد لله الذي جعل أصفياءه موالينا.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٨١↑
الحديث الحادي عشر: النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُخبِر جندل اليهودي عن أوصيائه (عليهم السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا محمّد بن الحسن الواسطي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا زفر بن الهذيل، قال: حدَّثنا سليمان بن مهران الأعمش، قال: حدَّثنا مورِّق، قال: حدَّثنا جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا محمّد، أخبرني عمَّا ليس لله، وعمَّا ليس عند الله، وعمَّا لا يعلمه الله.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أمَّا ما ليس لله فليس لله شريك، وأمَّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم، وأمَّا ما لا يعلمه الله فذلكم قولكم معاشر اليهود: إنَّ عُزيراً ابن الله، والله لا يعلم له ولداً».
فقال جندل: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّك رسول الله حقًّا، ثمّ قال: يا رسول الله، إنِّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام) فقال لي: يا جندل، أسلم على يد محمّد، واستمسك بالأوصياء مِنْ بعده، فقد أسلَمْتُ ورزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء [مِنْ] بعدك لأستمسك بهم.
فقال: «يا جندل، أوصيائي مِنْ بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل».
فقال: يا رسول الله، إنَّهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة.
قال: «نعم، الذين هم أوصيائي من بعدي اثنا عشر».
فقال: يا رسول الله، كلُّهم في زمن واحد؟
قال: «لا، خلف بعد خلف، فإنَّك لن تُدرِك إلَّا ثلاثة».
↑صفحة ٨٢↑
قال: سمِّهم لي، يا رسول الله.
قال: «نعم، إنَّك تُدرِك سيِّد الأوصياء ووارث علم الأنبياء وأبا الأئمَّة الأتقياء عليَّ بن أبي طالب بعدي، ثمّ ابنيه الحسن والحسين، فاستمسك بهم بعدي، فلا يغرَّنَّك جهل الجاهلين، فإذا كان وقت ولادة ابني عليِّ بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه».
فقال: يا رسول الله، أسامي الأوصياء الذين يكونون أئمَّة المسلمين بعد عليِّ بن الحسين؟
قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فإذا انقضت مدَّة عليٍّ قام بالأمر محمّد ابنه، يُدعى بالباقر، فإذا انقضت مدَّةُ محمّد قام بالأمر بعده جعفر ابنه، يُدعى بالصادق، فإذا انقضت مدَّةُ جعفر قام بالأمر بعده موسى ابنه، يُدعى بالكاظم، فإذا انقضت مدَّةُ موسى قام بالأمر بعده عليٌّ ابنه، يُدعى بالرضا، فإذا انقضت مدَّةُ عليٍّ قام بالأمر بعده محمّد ابنه، يُدعى بالتقي، فإذا انقضت مدَّةُ محمّد قام بالأمر بعده عليٌّ ابنه، يُدعى بالنقي، فإذا انقضت مدَّةُ عليٍّ قام بالأمر بعده الحسن ابنه، يُدعى بالزكي، ثمّ يغيب عن الناس إمامهم».
قال: يا رسول الله، يغيب الحسن منهم؟
قال: «لا، ولكن ابنه الحجَّة يغيب عنهم غيبة طويلة».
قال: يا رسول الله، فما اسمه؟
قال: «لا يُسمَّى حتَّى يُظهِره الله».
فقال جندل: قد بشَّرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء من ذرّيَّتك.
ثمّ تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ [النور: ٥٥].
↑صفحة ٨٣↑
قال جندل: فممَّن خوفهم؟
قال: «يا جندل، في زمن كلِّ واحدٍ منهم شيطان يعتريه ويؤذيه، فإذا أذن الله للحجَّة خرج، وطهَّر الأرض من الظالمين، فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للسالكين في محجَّته والثابتين في موالاته ومحبَّته، أُولئك ممَّن وصفهم الله في كتابه، فقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، وقال: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: ٢٢]».
ثمّ قال جابر: عاش جندل بن جنادة إلى أيَّام الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، ثُمَّ خرج إلى الطائف، فمرَّ فدعا بشربة من لبن فشربه، وقال: كذا عهد إليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثمّ مات، ودُفِنَ بالطائف في الموضع المعروف بالكوداء، رحمه الله تعالى.
يقول المؤلِّف:
إنَّ حكاية جندل وسبب مجيئه من خيبر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضوره معه (عليه السلام) في حروبه في صفِّين وغيرها مع مخالفيه، طويلة، فمن أراد الاطِّلاع عليها فليرجع إلى (التاريخ الكبير) للثقفي (عليه الرحمة)، وإذا لم يحصل عليه فليُطالعها في كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتَّقين) من مؤلَّفات هذا الحقير.
اللَّهُمَّ ارزقنا جرعة من الكوثر من كفِّ وليِّك المرتضى.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٨٤↑
الحديث الثاني عشر: المهدي (عليه السلام) التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (أمطر الله عليه شآبيب الغفران): حدَّثنا الحسن ابن عليِّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله ابن عبَّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لـمَّا خلق الله الدنيا أطلع على الأرض اطِّلاعة فاختارني منها فجعلني نبيًّا، ثمّ أطلع ثانيةً فاختار منها عليًّا فجعله إماماً، ثُمَّ أمرني أنْ أتَّخذه أخاً ووصيًّا وخليفةً ووزيراً، فعليٌّ منِّي وأنا مِنْ عليٍّ، وهو زوج ابنتي، أبو سبطيَّ الحسن والحسين، ألَا إنَّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيَّاهم حُجَجاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمَّة يقومون بأمري ويحفظون وصيَّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أُمَّتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضِلَّة، فيُعلِن أمر الله، ويُظهِر دين الله، ويُؤيَّد بنصر الله، ويُنصَر بملائكة الله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
[وقد علَّق المؤلِّف (رحمه الله) على قول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي جاء في الحديث: «وجعل من صلب الحسين أئمَّة يقومون بأمري ويحفظون وصيَّتي»](٨٥).
يقول جامع هذه الأربعين: إنَّ هذا هو المعنى الذي أقلّ ما ذُكِرَ في كتاب (رياض المؤمنين) أنَّ كلَّما كان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقوم به فهو ما يقوم به الإمام (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٥) هذه الزيادة منَّا.
↑صفحة ٨٥↑
أيضاً، والفرق بينهما أنَّه لا واسطة من البشر بين النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين الله تعالى، بينما توجد واسطة من البشر وهو النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الإمام (عليه السلام) والله تعالى.
وهذا المعنى ظاهر وواضح في كثير من الأحاديث: أنَّ أمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتعلَّق من بعده بالأئمَّة الهداة (صلوات الله عليهم أجمعين).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٨٦↑
الحديث الثالث عشر: الأوصياء اثنا عشر، والمهدي (عليه السلام) التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا عليُّ بن الحَكَم (رضي الله عنه)، عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن سعيد بن طريف، عن الأصبغ ابن نباتة، عن سلمان الفارسي (رضوان الله عليه)، قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: «معاشر الناس، إنِّي راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب، أُوصيكم في عترتي خيراً، إيَّاكم والبِدَع، فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة، ولا محالة أهلها في النار.
معاشر الناس، مَنْ فقد الشمس فليستمسك بالقمر، ومَنْ فقد القمر فليستمسك بالفرقدين، فإذ فقدتم الفرقدين فتمسَّكوا بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول لكم فاعلموا أنَّ قولي قول الله فلا تخالفوه فيما آمركم به، والله يعلم أنِّي بلَّغت إليكم ما أمرني به، فأُشهد الله عليَّ وعليكم».
قال: فلمَّا نزل عن المنبر تبعته حتَّى دخل بيت عائشة، فدخلتُ عليه وقلت: بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله، سمعتك تقول: «إذا فقدتم الشمس فتمسَّكوا بالقمر، وإذا فقدتم القمر فتمسَّكوا بالفرقدين، وإذا فقدتم الفرقدين فتمسَّكوا بالنجوم»، فقد ظننت أنْ يكون في هذه الإبانة إشارة؟
قال: «قد أصبت، يا سلمان».
فقلتُ: بيِّن لي يا رسول الله، ما الشمس والقمر؟ وما الفرقدان؟ وما النجوم الزاهرة؟
↑صفحة ٨٧↑
فقال: «أنا الشمس، وعليٌّ القمر، فإذا فقدتموني فتمسَّكوا به بعدي، وأمَّا الفرقدان فالحسن والحسين، فإذا فقدتم القمر فتمسَّكوا بهما، وأمَّا النجوم الزاهرة فهم الأئمَّة التسعة من صلب الحسين، والتاسع مهديُّهم».
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمَّة أبرار، عدد أسباط يعقوب وحواريي عيسى».
فقلت: فسمِّهم لي، يا رسول الله.
قال: «أوَّلهم وسيِّدهم عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، وبعدهما عليُّ بن الحسين زين العابدين، وبعده محمّد بن عليٍّ باقر علم النبيِّين، وبعده الصادق جعفر بن محمّد، وبعده الكاظم موسى بن جعفر، وبعده الرضا عليُّ بن موسى الذي يُقتَل بأرض الغربة، ثمّ ابنه محمّد، ثمّ ابنه عليٌّ، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ ابنه الحجَّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فإنَّهم عترتي من لحمي ودمي، علمهم علمي وحكمهم حكمي، مَنْ آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي».
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٨٨↑
قال ابن شاذان (عليه رحمة الله المَلِك المنَّان): حدَّثنا عثمان بن عيسى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدَّثنا أسلم، قال: حدَّثنا أبو الطفيل، قال: حدَّثنا عمَّار بن ياسر، قال: لـمَّا حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الوفاة دعا بعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) فسارَّه طويلاً، ثمّ رفع صوته وقال: «يا عليُّ، أنت وصيِّي ووارثي، قد أعطاك الله تعالى علمي وفهمي، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغُصِبَ على حقِّك».
فبكت فاطمة (عليها السلام)، وبكى الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفاطمة: «يا سيِّدَةَ النساء، ممَّ بكاؤكِ؟
قالت: «يا أبتِ، أخشى الضيعة بعدك».
قال: «أبشري يا فاطمة فإنَّكِ أوَّل من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني، فإنَّكِ سيِّدة نساء أهل الجنَّة، أباكِ سيِّد الأنبياء، وابن عمِّكِ سيِّد الأوصياء، وابنيكِ سيِّدا شباب أهل الجنَّة، ومن صلب الحسين يُخرِج الله الأئمَّة التسعة المطهَّرين المعصومين، ومنَّا مهدي هذه الأُمَّة».
الحمد لله الذي جعل سادتي وقادتي هؤلاء الأصفياء.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٨٩↑
الحديث الخامس عشر: للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر خليفة
قال ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن فضَّال (رضي الله عنه)، عن عبد الله بن بكير، عن عبد المَلِك بن إسماعيل الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: قيل لعمَّار بن ياسر: ما حملك على حبِّ عليِّ بن أبي طالب؟
قال: قد حملني الله ورسوله، وقد أنزل الله تعالى فيه آيات جليلة، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه أحاديث كثيرة.
فقيل له: هلَّا تُحدِّثنا بشيء عمَّا قال فيه رسول الله؟
قال: ولِـمَ لا أُحدِّث، ولقد كنت بريئاً من الذين يكتمون الحقَّ ويُظهِرون الباطل، ثمّ قال: كنت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فرأيت عليًّا (عليه السلام) في بعض الغزوات قد قتل عدَّة من أصحاب ألوية قريش، فقلتُ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا رسول الله، إنَّ عليًّا قد جاهد في الله حقَّ جهاده.
فقال: «وما يمنعه عنه؟ إنَّه منِّي وأنا منه، إنَّه وارثي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، وخليفتي مِنْ بعدي، ولولاه لم يُعْرَف المؤمن المحض في حياتي وبعد وفاتي، حربه حربي، وحربي حرب الله، وسلمه سلمي، وسلمي سلم الله، ويُخرِج الله من صلبه الأئمَّة الراشدين، فاعلم يا عمَّار أنَّ الله تبارك وتعالى عهد إليَّ أنْ يُعطيني اثني عشر خليفة، منهم عليٌّ، وهو أوَّلهم وسيِّدهم».
↑صفحة ٩٠↑
فقلت: ومَنِ الآخرون، يا رسول الله؟
قال: «الثاني منهم الحسن بن عليِّ بن أبي طالب، والثالث منهم الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، والرابع منهم عليُّ بن الحسين زين العابدين، والخامس منهم محمّد بن عليٍّ، ثمّ ابنه جعفر، ثمّ ابنه موسى، ثمّ ابنه عليٌّ، ثمّ ابنه محمّد، ثمّ ابنه عليٌّ، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ ابنه الذي يغيب عن الناس غيبة طويلة، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]، ثمّ يخرج ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً.
يا عمَّار، سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتَّبع عليًّا وحزبه، فإنَّه مع الحقِّ والحقُّ معه، وإنَّك ستقاتل الناكثين والقاسطين معه، ثمّ تقتلك الفئة الباغية، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه».
قال سعيد بن جبير: فكان كما أخبره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم، وصلَّى الله عليه وآله النجباء.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٩١↑
الحديث السادس عشر: حديث إنِّي تارك فيكم الثقلين
قال أبو محمّد ابن شاذان (أسكنه الله في أعلى درجات الجنان): حدَّثنا محمّد ابن عمير (رضي الله عنه)، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ (عليه السلام)، قال: «سُئِلَ أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة؟
فقال: أنا، والحسن والحسين، والأئمَّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديُّهم، لا يفارقون كتاب الله (عزَّ وجلَّ) ولا يفارقهم حتَّى يردوا على رسول الله حوضه».
روى ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين) حديث: «إنِّي تارك فيكم الثقلين» بأسانيد كثيرة(٨٦)، وقد ضبط هذا الحديث الصحيح، وإنَّه من الأحاديث المتواترة في كُتُب أُخرى(٨٧).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٦) راجع: كمال الدِّين (باب ٢٢)، وفيه أحاديث كثيرة منها: الحديث (٤٤ و٤٥ و٤٦ و٤٨ و٤٩ و٥٠ و٥١ و٥٢ و٥٣ و٥٤ و٥٥ و٥٦ و٥٧ و٥٨ و٥٩ و٦٠ و٦١ و٦٢ و٦٤).
وذكر الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٢٤١) معنى العترة والآل والأهل والذرّيَّة والسلالة.
وذكر الحديث أيضاً في (ص ٢٤٤).
(٨٧) ومن أهمّها ما كتبه الإمام السيِّد حامد اللكهنوي في مجلَّدات (حديث الثقلين) في كتابه الشريف (عبقات الأنوار).
↑صفحة ٩٢↑
الحديث السابع عشر: الخضر (عليه السلام) يشهد أنَّهم (عليهم السلام) القائمون
قال أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا أبي ومحمّد بن الحسن (رحمهما الله)، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى العطَّار وأحمد بن إدريس جميعاً، قالوا: حدَّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدَّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام)، قال: «أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم ومعه الحسن بن عليٍّ، وسلمان الفارسي (رضي الله عنه)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) متَّكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيأة واللباس، فسلَّم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فردَّ عليه السلام فجلس.
ثُمَّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل إنْ أجبتني بهنَّ علمتُ أنَّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنَّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإنْ تكن الأُخرى علمتُ أنَّك وهم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سَلني عمَّا بدا لك.
فقال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟».
↑صفحة ٩٣↑
[قال](٨٨): «فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) [إلى أبي محمّد الحسن](٨٩) فقال: يا أبا محمّد، أجبه.
فقال: أمَّا ما سألْتَ عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنَّ روحه متعلِّقة بالريح، والريح متعلِّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرَّك صاحبها لليقظة، فإنْ أذن الله (عزَّ وجلَّ) بردِّ تلك الرُّوح إلى صاحبها جذبت الرُّوحُ الرِّيحَ، وجذبت تلك الرِّيح الهواء، فرجعت الرُّوح إلى صاحبها فأُسكنت في بدنه(٩٠)؛ وإنْ لم يأذن الله [(عزَّ وجلَّ)](٩١) بردِّ تلك الرُّوح إلى صاحبها جذب الهواءُ الرِّيحَ، وجذبت الرِّيحُ الرُّوحَ، فلم تردّ إلى صاحبها إلى وقت ما يُبعَث.
وأمَّا ما ذكرتَ مِنْ أمر الذِّكر والنسيان، فإنَّ قلب الرَّجل في حُقٍّ، وعلى الحُقِّ طبق، فإنْ صلَّى الرَّجل عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاةً تامَّةً انكشف ذلك الطَّبق عن ذلك الحُقِّ فأضاء القلب [ممَّا يلي القلب خ. ل]، وذكر الرَّجل ما كان نسيه. وإنْ هو لم يُصَلِّ على محمّد وآل محمّد، أو نقص من الصَّلاة عليهم انطبق ذلك الطَّبق على ذلك الحُقِّ فأظلم القلب، ونسي الرَّجل ما كان ذكر.
وأمَّا ما ذكرت من أمر المولود الَّذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنَّ الرَّجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن، وعروق هادئة، وبدن غير مضطرب، فأسكنت تلك النطفة في جوف الرَّحم خرج الولد يُشبه أباه وأُمَّه. وإنْ هو أتاها بقلب غير ساكن، وعروق غير هادئة، وبدن مضطرب، اضطربت تلك النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق. فإنْ وقعت على عرق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٨) سقطت من المصدر المطبوع.
(٨٩) سقطت من النسخة.
(٩٠) في المصدر المطبوع: (بدن صاحبها) بدل (بدنه).
(٩١) سقطت من النسخة.
↑صفحة ٩٤↑
من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإنْ وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الرجل أخواله.
فقال الرَّجل: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّك وصيُّه، والقائم بحجَّته [بعده]، وأشار [بيده] إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّك وصيُّه، والقائم بحجَّته، وأشار [بيده] إلى الحسن (عليه السلام)، وأشهد أنَّ الحسين بن عليٍّ وصيُّ أبيك، والقائم بحجَّته بعدك، وأشهد على عليِّ بن الحسين أنَّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن عليٍّ أنَّه القائم بأمر عليِّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن عليٍّ، وأشهد على موسى بن جعفر أنَّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليِّ بن موسى أنَّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمّد بن عليٍّ أنَّه القائم بأمر عليِّ بن موسى، وأشهد على عليِّ ابن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن عليٍّ، وأشهد على الحسن بن عليٍّ أنَّه القائم بأمر عليِّ بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن بن عليٍّ لا يُكنَّى، ولا يُسمَّى حتَّى يُظهِر أمره فيملأ الأرض [قسطاً خ.ل] وعدلاً، كما مُلِئَت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثُمَّ قام، فمضى.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا محمّد، اتبعه، فانظر أين يقصد.
فخرج الحسن (عليه السلام) في أثره، قال: فما كان إلَّا أنْ وضع رجله خارج المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله (عزَّ وجلَّ).
فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأعلمتُه، فقال: يا أبا محمّد، أتعرفه؟
فقلت: الله، ورسوله، وأمير المؤمنين أعلم.
فقال: هو الخضر (عليه السلام)»(٩٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٢) كمال الدِّين (ص ٣١٤ و٣١٥/ باب ٢٩/ ح ١).
↑صفحة ٩٥↑
وقد روى هذا الحديث الشريف عماد الدِّين محمّد بن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام))(٩٣)، وفي عدَّة كُتُب أُخرى من مؤلَّفاته(٩٤). وثبَّته ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه) في كتاب (الكافي)(٩٥)، والشيخ الطبرسي (طيَّب الله رمسه) في كتاب (الاحتجاج)(٩٦)، كما سجَّل عدَّة آخرين من أكابر علماء الإماميَّة هذا الخبر المعتبر بأسانيد صحيحة في مؤلَّفاتهم، كما هو ظاهر للمتتبِّع الماهر(٩٧).
وقد نثر شيخنا الشيخ بهاء الدِّين محمّد العاملي (غفر الله له) عند شرحه هذا الحديث جواهر عجيبة.
وعدَّ سيِّدنا الأمير محمّد باقر الداماد (روَّح الله روحه) في كتاب (شرعة التسمية) هذا الحديث من مؤيِّدات النهي عن التسمية وتكنية الإمام الحجَّة (عليه السلام) في زمان الغيبة، وقد أفاد عدَّة كلمات عاليات في شرح هذا الحديث إلَّا أنَّه لم يُبيِّن علاقة الأعمام والأخوال(٩٨).
أمَّا من النكات الموجودة في هذا الحديث وقد تُرِكَت مغطَّاة لم يكشف عنها، فقد ذكر هذا الفقير - الذي هو من أقلّ قطاف عناقيد محصول هذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٦٥ - ٦٨/ باب ٦/ ح ٣٥).
(٩٤) علل الشرائع (ص ٩٦/ ح ٦).
(٩٥) راجع: الكافي (ج ١/ ص ٥٢٥/ ح ١).
(٩٦) راجع: الاحتجاج (ج ١/ ص ٣٩٥).
(٩٧) راجع: الغيبة للطوسي (ص ١٥٤ و١٥٥/ ح ١١٤)، المحاسن (ج ٢/ ص ٣٣٢/ ح ٩٩)، الغيبة للنعماني (ص ٥٨/ ح ٢)، الإمامة والتبصرة (ص ١٠٦/ ح ٩٣)، دلائل الإمامة (ص ٦٨)، إثبات الهداة (ج ٢/ ص ٢٨٣/ ح ٧٢)، إثبات الوصيَّة (ص ١٣٦)، تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ٤٤) باختلاف، وغيرها.
(٩٨) راجع: شرعة التسمية (ص ٢٥ - ٤٤).
↑صفحة ٩٦↑
النحريرين عديمي النظير - في تعريف الروح كلمة وجيزة في رسالة (إدراء العاقلين وإخزاء المجانين)، وقد توسَّع في تعريف الروح في كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتَّقين).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٩٧↑
الحديث الثامن عشر: الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر عدد أسباط يعقوب
قال ابن شاذان (عامله الله بالفضل والإحسان): حدَّثنا عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن المستنير، عن المفضَّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عبد الله بن العبَّاس، قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحسن على عاتقه، والحسين على فخذه، يلثمهما ويُقبِّلهما ويقول: «اللَّهُمَّ والِ مَنْ والاهما، وعادِ مَنْ عادهما».
ثمّ قال: «يا ابن عبَّاس، كأنِّي أنظر إلى شيبة ابني الحسين تُخضَب من دمه، يدعو فلا يُجاب، فيستنصر فلا يُنصَر».
قلت: ومَنْ يعمل ذلك؟
قال: «أشرار أُمَّتي، لا أنالهم الله شفاعتي».
ثمّ قال: «يا ابن عبَّاس، من زاره عارفاً بحقِّه كتب الله له ثواب ألف حجَّة وألف عمرة، ألَا ومن زاره فقد زارني، ومن زارني فكأنَّما قد زار الله، وحقُّ الزائر على الله أنْ لا يُعذِّبه بالنار، ألَا وإنَّ الإجابة تحت قُبَّته، والشفاء في تربته، والأئمَّة من ولده».
قال: قلت: يا رسول الله، فكم الأئمَّة بعدك؟
قال: «بعدد أسباط يعقوب، ونقباء بني إسرائيل، وحواري عيسى».
قال: قلت: يا رسول الله، فكم كانوا؟
↑صفحة ٩٨↑
قال: «كانوا اثني عشر، والأئمَّة [بعدي] اثنا عشر، أوَّلهم عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه عليٌّ، فإذا انقضى عليٌّ فابنه محمّد، فإذا انقضى محمّد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه عليٌّ، فإذا انقضى عليٌّ فابنه محمّد، فإذا انقضى محمّد فابنه عليٌّ، فإذا انقضى عليٌّ فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجَّة».
قال: قلت: يا رسول الله، أساميٌّ لم أسمع بهنَّ قطُّ.
قال: «هم الأئمَّة بعدي وإنْ قُهِرُوا، أُمناء، معصومون، نجباء، أخيار.
يا ابن عبَّاس، مَنْ أتى يوم القيامة عارفاً بحقِّهم أخذت بيده فأدخلته الجنَّة.
يا ابن عبَّاس، مَنْ أنكرهم أو ردَّ واحداً منهم فكأنَّما قد أنكرني وردَّني، ومن أنكرني وردَّني فكأنَّما قد أنكر الله وردَّه.
يا ابن عبَّاس، سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا كان ذلك فاتَّبع عليًّا وحزبه، فإنَّه مع الحقِّ والحقُّ معه، فلا يتفرَّقان حتَّى يردا عليَّ الحوض.
يا ابن عبَّاس، ولايتهم ولايتي، وولايتي ولاية الله، وحربهم حربي، وحربي حرب الله، وسلمهم سلمي، وسلمي سلم الله».
ثمّ تلا (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٣٢].
اللَّهُمَّ احشرنا مع أحبَّائهم بحرمة حبيبك المصطفى وآله الأئمَّة النجباء.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٩٩↑
الحديث التاسع عشر: الحسين (عليه السلام) يُخبِر أصحابه ليلة عاشوراء عن الأئمَّة (عليهم السلام)
قال ابن شاذان (نوَّر الله مرقده): حدَّثنا الحسن بن محبوب (رضي الله عنه)، عن مالك بن عطيَّة، عن أبي صفيَّة ثابت بن دينار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) لأصحابه قبل أنْ يُقتَل بليلة واحدة: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لي: يا بُنَيَّ، إنَّك ستُساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها: عمورا، وكربلا، وإنَّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة. وقد قرب ما عهد إليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإنِّي راحل إليه غداً، فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإنِّي قد أذنتُ له وهو منِّي في حلٍّ.
وأكَّد فيما قاله تأكيداً بليغاً، فلم يرضوا، وقالوا: واللهِ ما نفارقك أبداً حتَّى نَرِدَ موردك.
فلمَّا رأى ذلك قال: فأبشروا بالجنَّة، فوَالله إنَّما نمكث ما شاء الله تعالى بعدما يجري علينا، ثُمَّ يُخرِجنا الله وإيَّاكم حين يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين، وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب والنكال.
فقيل له: مَنْ قائمكم، يا ابن رسول الله؟
قال: السابع من ولد ابني محمّد بن عليٍّ الباقر، وهو الحجَّة بن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليٍّ ابني، وهو الذي يغيب مدَّة طويلة، ثُمَّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ١٠٠↑
قال أبو محمّد ابن شاذان (طيَّب الله مضجعه): حدَّثنا صفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، عن إبراهيم بن أبي زياد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على سيِّدي عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فقلت: يا ابن رسول الله، أخبرني بالذين فرض الله تعالى طاعتهم، ومودَّتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقال: «يا كابلي، إنَّ أُولي الأمر الذين جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) أئمَّة الناس، وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، ثُمَّ الحسن عمِّي، ثُمَّ الحسين أبي، ثُمَّ انتهى الأمر إلينا» وسَكَتَ.
فقلتُ له: يا سيِّدي، روي لنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله (عزَّ وجلَّ) على عباده، فمن الحجَّةُ والإمام بعدك؟
فقال: «ابني محمّد، واسمه في الصُّحُف الأُولى باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجَّة بعدي، ومِنْ بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق».
قلتُ: يا سيِّدي، وكيف صار اسمه الصادق وكلُّكم صادقون؟
قال: «حدَّثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: إذا وُلِدَ ابني جعفر ابن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فسمُّوه الصادق، فإنَّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدَّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله جعفر الكذَّاب المفتري على الله (جلَّ جلاله)، والمدَّعي ما ليس له بأهل،
↑صفحة ١٠١↑
المخالف لأبيه، والحاسد لأخيه، وذلك الذي يروم كشف سرِّ الله (عزَّ وجلَّ) عند غيبة وليِّ الله».
ثمّ بكى عليُّ بن الحسين بكاءً شديداً، ثمّ قال: «كأنِّي بجعفر الكذَّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليِّ الله، والمغيَّب في حفظ الله، والتوكيل بحرم الله، جهلاً منه برتبته، وحرصاً على قتله إنْ ظفر به، وطمعاً في ميراث أخيه، حتَّى يأخذه بغير حقٍّ».
فقال أبو خالد: فقلتُ: يا ابن رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟
فقال: «إي وربِّي، إنَّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فقال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله، ثُمَّ يكون ماذا؟
قال: «ثُمَّ تمتدُّ الغيبة بوليِّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة بعده.
يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل مِنْ أهل كلِّ زمان، فإنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة [عندهم] بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف، أُولئك المخلصون حقًّا، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله (عزَّ وجلَّ) سرًّا وجهراً».
وقال (عليه السلام): «انتظار الفرج من أفضل الفرج».
نرجو الحقَّ تعالى أنْ يُكرم جميع الشيعة الأجر العظيم في هذا الانتظار.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ١٠٢↑
الحديث الحادي والعشرون: ثواب من ثبت على ولاية القائم (عليه السلام) في الغيبة
قال الشيخ الفقيه عماد الدِّين أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني [(رضي الله عنه)](٩٩)، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مُرَّة، عن عمرو بن ثابت، قال: قال عليُّ بن الحسين سيِّد العابدين [(عليهما السلام)](١٠٠): «مَنْ ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأُحُد»(١٠١).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٩) ثبتت في المصدر المطبوع.
(١٠٠) ثبتت في المصدر المطبوع.
(١٠١) كمال الدِّين (ص ٣٢٣/ باب ٣١/ ح ٧).
↑صفحة ١٠٣↑
الحديث الثاني والعشرون: ثواب من ثبت على ولاية القائم (عليه السلام) في الغيبة
قال الشيخ المذكور (عليه رحمة الله المَلِك الغفور) في الكتاب المزبور: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد [(رضي الله عنه)](١٠٢)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفَّار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيِّ، عن أبيه، عن المغيرة، عن المفضَّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فطوبى(١٠٣) للثابتين على أمرنا في ذلك الزَّمان، إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أنْ يناديهم البارئ (جلَّ جلاله)، فيقول: عبادي وإمائي، آمنتم بسرِّي، وصدَّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منِّي، فأنتم عبادي وإمائي حقًّا، منكم أتقبَّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي».
قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟
قال: «حفظ اللِّسان، ولزوم البيت»(١٠٤).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٢) سقطت من النسخة.
(١٠٣) في المصدر المطبوع: (فيا طوبى) بدل (فطوبى).
(١٠٤) كمال الدِّين (ص ٣٣٠/ باب ٣٢/ ح ١٥).
↑صفحة ١٠٤↑
الحديث الثالث والعشرون: الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر
قال أبو محمّد ابن شاذان (أسكنه الله في أعلى درجات الجنان): حدَّثنا عليُّ ابن الحَكَم (رضي الله عنه)، عن سيف بن عميرة، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «الأئمَّة اثنا عشر».
قلت: يا ابن رسول الله، فسمِّهم لي فداك أبي وأُمِّي.
قال: «من الماضين عليُّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعليُّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ، ثمّ أنا».
قلت: مَنْ بَعْدك، يا ابن رسول الله؟
فقال: «إنِّي أوصيت إلى ولدي موسى، وهو الإمام [مِنْ] بعدي».
قلت: فمَنْ بعد موسى؟
قال: «عليٌّ ابنه يُدعى الرِّضا، يُدفَن في أرض الغربة مِنْ خراسان، ثمّ مِنْ بَعْدِ عليٍّ ابنه محمّد، وبَعْدَ محمّد ابنه عليٌّ، وبَعْدَ عليٍّ الحسن ابنه، وبَعْدَ الحسن المهديُّ ابنه، وإنَّه إذا خرج يجتمع عليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر، وإذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود خرج مِنْ غمده، فناداه: قم يا وليَّ الله، اُقتل أعداء الله».
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ١٠٥↑
الحديث الرابع والعشرون: القائم (عليه السلام) هو الخامس من ولد الكاظم (عليه السلام)
قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلتُ على موسى بن جعفر (عليهم السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحقِّ؟
فقال: «أنا القائم بالحقِّ، لكن القائم الذي يُطهِّر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملؤها عدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، وهو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدُّ فيها قوم، ويثبت فيها آخرون».
ثمّ قال (عليه السلام): «طوبى لشيعتنا، المتمسِّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أُولئك منَّا، ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمَّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، والله إنَّهم معنا في درجتنا يوم القيامة»(١٠٥).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٥) كمال الدِّين (ص ٣٦١/ باب ٣٤/ ح ٥).
↑صفحة ١٠٦↑
الحديث الخامس والعشرون: القائم (عليه السلام) هو الرابع من ولد الرضا (عليه السلام)
قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني (رحمه الله)، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليِّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قال عليُّ بن موسى الرِّضا (عليه السلام): «لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيَّة له، وإنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيَّة».
فقيل له: يا ابن رسول الله، إلى متى؟
قال: «إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فَمَنْ ترك التقيَّة قبل خروج قائمنا فليس منَّا».
فقيل له: يا ابن رسول الله، ومَنِ القائم منكم أهل البيت؟
قال: «الرابع مِنْ ولدي، ابن سيِّدة الإماء، يُطهِّر الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من كلِّ جور، ويُقدِّسها من كلِّ ظلم، وهو الذي يشكُّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين النَّاس، فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الَّذي تُطوى له الأرض، ولا يكون له ظلٌّ، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدُّعاء إليه، يقول: ألَا إنَّ حجَّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبِعوه، فإنَّ الحقَّ معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]»(١٠٦).
اللَّهُمَّ ارزقنا لقاء حجَّتك خاتم الأوصياء.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٦) كمال الدِّين (ص ٣٧١/ باب ٣٥/ ح ٥).
↑صفحة ١٠٧↑
قال الشيخ الصدوق عماد الدِّين أبو جعفر ابن بابويه (رحمة الله عليه): حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيباني، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهيل بن زياد الآدميِّ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ، قال: قلتُ لمحمّد بن عليِّ بن موسى (عليهم السلام): إنِّي لأرجو أنْ تكون القائم من أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً.
فقال (عليه السلام): «يا أبا القاسم، ما منَّا إلَّا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهادٍ إلى دين الله تعالى، ولكنَّ القائم بأمر الله الذي يُطهِّر الله تبارك وتعالى به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سَمِيُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيُّه، وهو الذي تُطوى له الأرض، ويذلُّ له كلُّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدَّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٤٨].
فإذا اجتمعت له هذه العدَّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتَّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)».
↑صفحة ١٠٨↑
قال عبد العظيم: فقلتُ: يا سيِّدي، وكيف يعلم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟
قال: «يُلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللَّات والعزَّى فأحرقهما»(١٠٧).
والمقصود من اللَّات والعزَّى أبا بكر وعمر (عليهما...).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٧) كمال الدِّين (ص ٣٧٧ و٣٧٨/ باب ٣٦/ ح ٢).
↑صفحة ١٠٩↑
الحديث السابع والعشرون: عبد العظيم الحسني يعرض دينه على الإمام الهادي (عليه السلام)
ما رواه أيضاً أبو محمّد ابن شاذان، عن سهل بن زياد الآدميِّ، عن عبد العظيم المشار إليه (سلام الله عليه)، قال: دخلتُ على سيِّدي عليِّ بن محمّد (عليه السلام)، فلمَّا بصرني قال لي: «مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليُّنا حقًّا».
فقلت له: يا ابن رسول الله، إنِّي أُريد أنْ أعرض عليك ديني، فإنْ كان مرضيًّا ثبتُّ عليه حتَّى ألقى الله (عزَّ وجلَّ).
فقال: «هات، يا أبا القاسم».
فقلتُ: إنِّي أقول: إنَّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدَّين: حدَّ الإبطال، وحدَّ التشبيه، وإنَّه ليس بجسم، ولا صورة، ولا عرض، ولا جوهر، بل هو مجسِّم الأجسام، ومصوِّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربُّ كلِّ شيء، ومالكه، وجاعله، ومحدِثه.
وإنَّ محمَّداً عبده ورسوله خاتم النبيِّين، فلا نبيَّ بعده إلى يوم القيامة، [وإنَّ شريعته خاتمة الشرائع، فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة].
وأقول: إنَّ الإمام والخليفة ووليَّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ بعده ولداه الحسن والحسين، ثمّ عليُّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ أنت يا مولاي.
↑صفحة ١١٠↑
فقال (عليه السلام): «ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟».
قال: فقلت: وكيف ذاك، يا مولاي؟
قال: «لأنَّه لا يُرى شخصه، ولا يحلُّ ذكره باسمه حتَّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
قال: فقلتُ: أقررت، إنَّ وليَّهم وليُّ الله، وعدوَّهم عدوُّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.
وأقول: إنَّ المعراج حقٌّ، والمساءلة في القبر حقٌّ، وإنَّ الجنَّة حقٌّ، وإنَّ النار حقٌّ، والصراط حقٌّ، والميزان حقٌّ، وإنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وإنَّ الله يبعث من في القبور.
وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجُّ، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال عليُّ بن محمّد (عليهما السلام): «يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فأثبت عليه ثبَّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة»(١٠٨).
لهذا الحديث شرح مفصل إذا أُخِّر بالأجل وأعانني الله تعالى فسوف أكتب كتاباً مفصَّلاً في شرح هذا الحديث إنْ شاء الله تعالى.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٨) أقول: ورواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٣٧٩ و٣٨٠/ باب ٣٧/ ح ١) بالإسناد التالي: (حدَّثنا عليُّ بن محمّد بن موسى الدقَّاق وعليُّ بن عبد الله الورَّاق (رضي الله عنهما)، قالا: حدَّثنا محمّد ابن هارون الصوفي، قال: حدَّثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني...) الحديث.
↑صفحة ١١١↑
الحديث الثامن والعشرون: المهدي (عليه السلام) ولد ابنة قيصر مَلِك الروم
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا محمّد بن عبد الجبَّار (رضي الله عنه)، قال: قلت لسيِّدي الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام): يا بن رسول الله، جعلني الله فداك، أُحِبُّ أنْ أعلم مَنِ الإمام وحجَّة الله على عباده مِنْ بعدك.
قال (عليه السلام): «إنَّ الإمام والحجَّة بعدي ابني سميُّ رسول الله، وكنيُّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي هو خاتم حُجَج الله، وآخر خلفائه».
فقلت: ممَّنْ [يتولَّد] هو، يا ابن رسول الله؟
قال: «من ابنة ابن قيصر مَلِك الروم، ألَا إنَّه سيُولَد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، ويقتل الدجَّال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، فلا يحلُّ لأحد أنْ يُسمِّيه أو يُكنِّيه باسمه وكنيته قبل خروجه (صلوات الله عليه)».
يقول المترجم(١٠٩): إنِّي أتعجَّب من كلام صاحب كتاب (كشف الغمَّة) للشيخ الفاضل العادل عليِّ بن عيسى الإربلي (عليه الرحمة) حيث يقول: (من العجيب أنَّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد (رحمهما الله) قالا: إنَّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثمّ يقولان: اسمه اسم النبيِّ، وكنيته كنيته (عليهما الصلاة والسلام)، وهما يظنَّان أنَّهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته، وهذا عجيب)(١١٠)، انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٩) هذا الكلام لمؤلِّف أصل الكتاب (رحمه الله) وليس لي أنا الأحقر مترجم هذا الكتاب ومختصره.
(١١٠) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٥١٩ و٥٢٠).
↑صفحة ١١٢↑
ومن العجيب جدًّا أنَّ هذا الرجل العالم مع كمال وسع معرفته فإنَّه قد غفل أنَّ الإشارة إلى الاسم والكنية شيء، والتلفُّظ بالاسم والكنية شيء آخر.
والحال أنَّ عدَّة من الأحاديث من تلك الأحاديث المشتملة على النهي عن التسمية والتكنية مثل الحديث السادس والعشرين من أحاديث هذه الأربعين، قد ذُكِرَ فيها أنَّ خاتم الأوصياء يشترك مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالاسم والكنية مثل الحديث المذكور.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
وليُعلَم أنَّه وبسبب طولانيَّة حديث والدة صاحب الأمر (عليه السلام) الماجدة فإنَّنا نقتصر في هذا المقام على ترجمته رعايةً للاختصار(١١١).
روى الفضل بن شاذان(١١٢)، وابن بابويه(١١٣)، والشيخ الطوسي(١١٤)، والشيخ الطبرسي(١١٥)، والشيخ الطرابلسي(١١٦)، وغيرهم كثيراً جدًّا من علماء الإماميَّة (رضي الله عنهم جميعاً) في كُتُبهم بعباراتٍ مختلفة ومعاني متَّفقة.
أمَّا الشيخ الطوسي (عليه الرحمة) فقد نقل على النحو التالي بسنده عن بشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١١) ونحن ننقل الرواية عن أصلها العربي.
(١١٢) مع الأسف الشديد أنَّنا فقدنا كتاب الشيخ الفضل بن شاذان، ولعلَّه موجود في زوايا الإهمال من المكتبات الخاصَّة، أو أنَّه موجود في المكتبات الأُوروبيَّة التي سرقت كُتُبنا ولم تسمح للناس بالتعرُّف عليها وعلى ما فيها، وأنا على يقين أنَّه سوف يأتي الزمان الذي تنكشف به تلك الموانع والحُجُب عن تلكم الأسفار النفيسة.
ومن المهمِّ أنَّ السيِّد المير لوحي ينقل قصَّة السيِّدة نرجس (عليها السلام) مباشرةً عن كتاب الفضل، وربَّما لو حصلنا على هذا الكتاب لانحلَّ به لغز الإشكال الذي يقول به البعض في سنده.
(١١٣) كمال الدِّين (ص ٤١٧ - ٤٢٣/ باب ٤١/ ح ١).
(١١٤) الغيبة للطوسي (ص ٢٠٨ - ٢١٤/ ح ١٧٨).
(١١٥) دلائل الإمامة (ص ٢٦٢).
(١١٦) نأسف شديداً فهو كان موجوداً عند المؤلِّف (رحمه الله)، ولكنَّه اليوم يُعَدُّ من الكُتُب المفقودة.
↑صفحة ١١٣↑
ابن سليمان النخَّاس، وهو من ولد أبي أيُّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام)، وجارهما بسُرَّ من رأى:
أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن عليُّ بن محمّد العسكري (عليهما السلام) يدعوك إليه، فأتيته، فلمَّا جلست بين يديه قال لي: «يا بشر، إنَّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنِّي مزكِّيك ومشرِّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرٍّ أُطلعك عليه، وأُنفذك في ابتياع أَمَة».
فكتب كتاباً لطيفاً بخطٍّ روميٍّ، ولغة روميَّة، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: «خذها، وتوجَّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وَصَلَتْ إلى جانبك زواريق السبايا، وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قُوَّاد بني العبَّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البُعْد على المسمَّى عمر ابن يزيد النخَّاس عامَّة نهارك إلى أنْ تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنعُ من العرض، ولمس المعترض، والانقياد لِمَنْ يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميَّة من وراء ستر رقيق، فاعلم أنَّها تقول: وا هتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين: عليَّ ثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبةً. فتقول له بالعربيَّة: لو برزت في زيِّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك. فيقول النخَّاس: فما الحيلة ولا بدَّ من بيعكِ؟ فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بدَّ من اختيار مبتاعٍ يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه، وأمانته. فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخَّاس وقل له: إنَّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميَّة، وخطٍّ رومي، ووصف فيه كرمه، ووفاءه، ونبله، وسخاءه، فناولها لتتأمَّل منه أخلاق صاحبه، فإنْ مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك».
↑صفحة ١١٤↑
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلمَّا نَظَرَتْ في الكتاب بَكَتْ بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد: بِعْني من صاحب هذا الكتاب. وحَلَفَتْ بالمحرِّجة، والمغلَّظة أنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلتُ أُشاحُّه في ثمنها حتَّى استقرَّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير، فاستوفاه (منِّي) وتسلَّمتُ الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفتُ إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتَّى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدِّها وتمسحه على بدنها.
فقلت تعجُّباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟
فقالت: أيُّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلِّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرِّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر مَلِك الروم، وأُمِّي من ولد الحواريِّين تُنسَب إلى وصيِّ المسيح شمعون، أُنبئك بالعجب:
إنَّ جدِّي قيصر أراد أنْ يُزوِّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاثة عشرة سنَّة، فجمع في قصره من نسل الحواريِّين من القسِّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أُمراء الأجناد، وقُوَّاد العسكر، ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز مِنْ بهيِّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر (إلى صحن القصر)، ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلمَّا صعد ابن أخيه، وأحدَقَتْ الصُّلُب، وقامت الأساقفة عُكَّفاً، ونُشِرَت أسفار الإنجيل، تسافلت الصُّلُب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوَّضت أعمدة العرش، فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشيًّا عليه.
فتَغَيَّرَتْ ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم (لجدِّي): أيُّها
↑صفحة ١١٥↑
المَلِك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدالَّة على زوال دولة هذا الدِّين المسيحي، والمذهب الملكاني.
فتطيَّر جدِّي من ذلك تطيُّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر، المنكوس جدُّه لأُزوِّجه هذه الصبيَّة، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلمَّا فعلوا ذلك حدث على الثاني (مثل) ما حدث على الأوَّل، وتفرَّق الناس.
وقام جدِّي قيصر مغتمًّا فدخل منزل النساء، وأُرْخِيَتْ الستور، وأُرِيتُ في تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعدَّة من الحواريِّين قد اجتمعوا في قصر جدِّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علوًّا وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدِّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وختنه ووصيُّه (عليه السلام) وعدَّة من أبنائه (عليهم السلام).
فتقدَّم المسيح إليه، فاعتنقه، فيقول له محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا روح الله، إنِّي جئتك خاطباً من وصيِّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد (عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون وقال (له): قد أتاك الشرف، فصِلْ رحمك رحم آل محمّد (عليهم السلام).
قال: قد فَعَلْتُ.
فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وزوَّجني من ابنه، وشهد المسيح (عليه السلام)، وشهد أبناء محمّد (عليهم السلام)، والحواريُّون.
فلمَّا استيقظت أشْفَقْتُ أنْ أقصَّ هذه الرؤيا على أبي وجدِّي مخافة القتل، فكنت أسرُّها ولا أُبديها لهم، وضرب صدري [بمحبَّة] أبي محمّد (عليه السلام) حتَّى امتنعت من الطعام والشراب، فَضَعُفَتْ نفسي، ودقَّ شخصي، ومَرِضْتُ مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلَّا أحضره جدِّي، وسأله عن دوائي.
↑صفحة ١١٦↑
فلمَّا برح به اليأس قال: يا قرَّة عيني، وهل يخطر ببالكِ شهوة فأُزودكِها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدِّي، أرى أبواب [الفرج] عليَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمَّن في سجنك من أُسارى المسلمين، وفككتَ عنهم الأغلال، وتصدَّقتَ عليهم، ومَنَّيْتَهُم الخلاص رجوتُ أنْ يهب (لي) المسيح وأُمُّه عافية.
فلمَّا فعل ذلك تجلَّدتُ في إظهار الصحَّة من بدني قليلاً، وتناولتُ يسيراً من الطعام، فسرَّ بذلك، وأقبل على إكرام الأُسارى وإعزازهم.
فأُريت (أيضاً) بعد أربع عشرة ليلة كأنَّ سيِّدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيِّدة نساء العالمين أُمُّ زوجكِ أبي محمّد (عليه السلام).
فأتعلَّق بها، وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد (عليه السلام) من زيارتي.
فقالت سيِّدة النساء (عليها السلام): إنَّ ابني أبا محمّد لا يزوركِ، وأنتِ مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينكِ، فإنْ مِلْتِ إلى رضى الله ورضى المسيح ومريم (عليهما السلام) وزيارة أبي محمّد إيَّاكِ فقولي: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ أبي محمّداً رسول الله.
فلمَّا تكلَّمت بهذه الكلمة ضَمَّتني إلى صدرها سيِّدة نساء العالمين (عليها السلام)، وطيَّبت نفسي وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي محمّد، فإنِّي منفذته إليكِ.
فانتبهت وأنا أنول(١١٧)، أتوقَّع لقاء أبي محمّد (عليه السلام).
فلمَّا كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمّد (عليه السلام)، وكأنِّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أنْ أتلفت نفسي معالجة حبِّك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٧) أنول: يعني أهمّ، فنالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالاً بمعنى سمحت أو همَّت. كما في (لسان العرب) لابن منظور. وتحتمل العبارة: (أقول)، كما هو مثبت في نُسَخ بدل أيضاً.
↑صفحة ١١٧↑
فقال: ما كان تأخُّري عنكِ إلَّا لشرككِ، فقد أسْلَمْتِ وأنا زائركِ في كلِّ ليلة إلى أنْ يجمع الله تعالى شملنا في العيان.
فما قطع عنِّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعتِ في الأُسارى؟
فقالت: أخبرني أبو محمّد (عليه السلام) ليلة من الليالي أنَّ جدَّكِ سيُسيِّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليكِ باللحاق بهم متنكِّرةً في زيِّ الخدم مع عدَّة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلتُ ذلك، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتَّى كان من أمري ما رأيْتَ، وشاهَدْتَ، وما شعر بأنِّي ابنة مَلِك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطِّلاعي إيَّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
قلت: العجب أنَّكِ روميَّة، ولسانكِ عربي؟
قالت: نعم، من ولوع جدِّي وحمله إيَّاي على تعلُّم الآداب أنْ أوعز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليَّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربيَّة حتَّى استمرَّ لساني عليها واستقام.
قال بشر: فلمَّا انكفأتُ بها إلى سُرَّ مَنْ رأى دخلتُ على مولاي أبي الحسن (عليه السلام).
فقال: «كيف أراكِ اللهُ عزَّ الإسلام، وذلَّ النصرانيَّة، وشرف محمّد وأهل بيته (عليهم السلام)؟».
قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منِّي؟!
قال: «فإنِّي أحببتُ أنْ أُكرمكِ، فما أحبُّ إليكِ، عشرة آلاف دينار، أم بشرى لكِ بشرف الأبد؟».
↑صفحة ١١٨↑
قالت: بشرى بولد لي.
قال لها: «أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً».
قلت: مِمَّنْ؟
قال: «مِمَّنْ خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له ليلة كذا، في شهر كذا، مِنْ سنة كذا بالروميَّة».
قالت: مِنْ المسيح ووصيِّه.
قال لها: «مِمَّنْ زوَّجكِ المسيح (عليه السلام) ووصيُّه؟».
قالت: من ابنك أبي محمّد (عليه السلام).
فقال: «هل تعرفينه؟».
قالت: وهل خلت ليلة لم يرَني فيها منذ الليلة التي أسلمتُ على يد سيِّدة النساء (صلوات الله عليها)؟
قال: فقال مولانا: «يا كافور، اُدْعُ أُختي حكيمة».
فلمَّا دَخَلَتْ قال لها: «ها هيه»، فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت بها كثيراً.
فقال لها أبو الحسن (عليه السلام): «يا بنت رسول الله، خذيها إلى منزلكِ، وعلِّميها الفرائض والسُّنَن، فإنَّها زوجة أبي محمّد، وأُمُّ القائم (عليه السلام)»(١١٨).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٨) الغيبة للطوسي (ص ٢٠٨ - ٢١٤/ ح ١٧٨)؛ ونقلها ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) (ج ٤/ ص ٤٤٠) باختصار، والفتَّال النيشابوري في روضة الواعظين (ص ٢٥٢)، والسيِّد النيلي في منتخب الأنوار المضيئة (ص ٥١ - ٦٠)، والسيِّد هاشم البحراني في حلية الأبرار (ج ٢/ ص ٥١٥)، والحرُّ العاملي في إثبات الهداة (ج ٣/ ص ٣٦٣/ ح ١٧)، والمجلسي في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٦/ ح ١٢)، وغيرهم كثير.
↑صفحة ١١٩↑
الحديث التاسع والعشرون: ولادة المهدي (عليه السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه رحمة الله المَلِك المنَّان): حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري (رضي الله عنه)، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهما السلام) يقول: «الحمد لله الذي لم يُخرِجني من الدنيا حتَّى أراني الخلف بعدي، أشبه الناس برسول الله خَلْقاً وخُلُقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثمّ يُظهِره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(١١٩).
وبما أنَّ حديث ولادة صاحب الأمر (عليه السلام) طويل أيضاً فسوف نقتصر على ذكر الترجمة إنْ شاء الله تعالى(١٢٠).
روى كثير من محدِّثينا، ونقل ابن بابويه (رحمة الله عليه) بسنده عن موسى ابن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: حدَّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت: بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فقال: «يا عمَّة، اجعلي إفطاركِ [هذه] الليلة عندنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٩) أقول: ورواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) أيضاً في كمال الدِّين (ص ٤٠٨ و٤٠٩)، بإسناده التالي: (حدَّثنا المظفَّر بن جعفر بن المظفَّر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العيَّاشي، عن أبيه، عن أحمد بن عليِّ بن كلثوم، عن عليِّ بن أحمد الرازي، عن أحمد بن إسحاق...) الحديث.
(١٢٠) ونحن ننقل أصل هذه الرواية العربي إنْ شاء الله تعالى.
↑صفحة ١٢٠↑
فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تبارك وتعالى سيُظهِر في هذه الليلة الحجَّة، وهو حجَّته في أرضه».
قالت: فقلت له: ومَنْ أُمُّه؟
قال لي: «نرجس».
قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر؟
فقال: «هو ما أقول لكِ»(١٢١).
ونقل ابن شاذان (عليه الرحمة) في هذا المقام عن لسان السيِّدة حكيمة هذه العبارات: (فجئت إليها) يعني جئت إلى نرجس، وقد رأيت كلمة (إليها) في بعض نُسَخ (كمال الدِّين)، ولكنِّي لم أرَها في أكثر نُسَخ هذا الكتاب.
وعلى الإجمال: تقول السيِّدة حكيمة: فلمَّا سَلَّمتُ وجلستُ جاءتْ تنزع خفِّي، وقالت لي: يا سيِّدتي [وسيِّدة أهلي]، كيف أمسيتِ؟
فقلت: بل أنتِ سيِّدتي وسيِّدة أهلي.
قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا، يا عمَّة؟
قالت: فقلت لها: يا بنيَّة، إنَّ الله تعالى سيهب لكِ في ليلتكِ هذه غلاماً سيِّداً في الدنيا والآخرة.
قالت: فَخَجَلَتْ واستحيت.
فلمَّا أنْ فرغتُ من صلاة العشاء الآخرة أفطرتُ وأخذتُ مضجعي، فرقدتُ، فلمَّا أنْ كان في جوف الليل قمتُ إلى الصلاة، ففرغتُ من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثُمَّ جلستُ معقِّبة، ثمَّ اضطجعتُ، ثُمَّ انتبهتُ فزعةً وهي راقدة، ثمّ قامَتْ فصلَّتْ ونامتْ.
قالت حكيمة: وخَرَجْتُ أتفقَّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوَّل كذنب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢١) كمال الدِّين (ص ٤٢٤).
↑صفحة ١٢١↑
السرحان وهي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس فقال: «لا تعجلي يا عمَّة، فهاكِ الأمر قد قرب».
قالت: فجلست وقرأت (ألم السجدة) و(يس)، فبينما أنا كذلك إذ انْتَبَهَتْ فزعةً، فَوَثَبْتُ إليها فقلتُ: اسم الله عليكِ، ثمَّ قلتُ لها: أتحسِّين شيئاً؟
قالت: نعم، يا عمَّة.
فقلتُ لها: اجمعي نفسكِ، واجمعي قلبكِ، فهو ما قلتُ لكِ.
قالت [حكيمة](١٢٢): فأخذتني فترة، وأخَذَتْها فترة، فانتبهتُ بحسِّ سيِّدي، فكشفتُ الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقَّى الأرض بمساجده، فضممتُه إليَّ، فإذا أنا به نظيف متنظِّف(١٢٣).
ويُفهَم من بعض الأحاديث أنَّه كلَّما كانت تقرأ السيِّدة حكيمة من القرآن حين الولادة فكان (عليه السلام) يقرأ مثلها وهو في بطن أُمِّه(١٢٤).
ويُعلَم من حديث آخر أنَّه (عليه السلام) قد وُلِدَ مختوناً(١٢٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٢) هذه الزيادة وردت في بعض النُّسَخ، ونقلها السيِّد هاشم البحراني (رحمه الله) في كتابه (تبصرة الوليِّ في من رأى القائم المهدي (عليه السلام))، النسخة المخطوطة في مكتبة آية الله العظمى السيِّد المرعشي النجفي في قم.
(١٢٣) في النسخة المذكورة في الهامش السابق: (منظَّف) بدل (متنظِّف).
(١٢٤) كمال الدِّين (ص ٤٢٨/ باب ٤٢/ ح ٢)، عن السيِّدة حكيمة (عليها السلام) أنَّها قالت: (فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) وقال: «اقرئي عليها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾»، فأقبلتُ أقرأ عليها، وقلتُ لها: ما حالكِ؟ قالَتْ: ظهر بي الأمر الذي أخبركِ به مولاي. فأقْبَلْتُ أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنينُ من بَطْنِها يقرأ مثل ما أقرأ، وسلَّمَ عليَّ. قالت حكيمة: ففزعت لما سَمِعْتُ، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): «لا تعجبي مِنْ أمرِ الله (عزَّ وجلَّ)، إنَّ الله تبارك وتعالى يُنطِقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجَّةً في أرضه كباراً». فلم يستتمَّ الكلام حتَّى غُيِّبَتْ نرجس، فلم أرَها، كأنَّه ضُرِبَ بيني وبينها حجاب...) الحديث.
(١٢٥) راجع: كمال الدِّين (ص ٤٣٣/ باب ٤٢/ ح ١٤)، بإسناده عن محمّد بن عثمان العَمْرِيّ (قدَّس الله روحه) أنَّه قال: وُلِدَ السَّيِّدُ (عليه السلام) مختوناً. وسمعت حكيمة تقول: لم يُرَ بأُمِّه دمٌ في نفاسها، وهكذا سبيل أُمَّهات الأئمَّة (عليهم السلام).
↑صفحة ١٢٢↑
ويُستفاد من هذا الحديث، ومن حديث آخر أنَّ الملائكة قد غسَّلته بماء الكوثر والسلسبيل ليكون طاهراً مطهَّراً(١٢٦).
تقول السيِّدة حكيمة (عليها السلام): فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): «هلمِّي إليَّ ابني، يا عمَّة».
فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثمَّ أدلى لسانه في فيه، وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمَّ قال: «تكلَّم يا بنيَّ».
فقال: «أشهد أنْ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، ثمَّ صلَّى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمَّة (عليهم السلام) إلى أنْ وقف على أبيه، ثمَّ أحجم.
ثمَّ قال أبو محمّد (عليه السلام): «يا عمَّة، اذهبي به إلى أُمِّه ليُسلِّم عليها، وائتني به».
فذهبتُ به، فسلَّم عليها، ورددتُه، فوضعته في المجلس، ثمَّ قال: «يا عمَّة، إذا كان يوم السابع فأتينا».
قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت جئت لأُسلِّم على أبي محمّد (عليه السلام)، وكشفت الستر لأتفقَّد سيِّدي (عليه السلام) فلم أرَه، فقلت: جُعِلْتُ فداك، ما فعل سيِّدي؟
فقال: «يا عمَّة، استودعناه الذي استودعَتْهُ أُمُّ موسى موسى (عليه السلام)».
قالت حكيمة: فلمَّا كان في اليوم السابع جئتُ فسلَّمتُ وجلستُ.
فقال: «هلمِّي إليَّ ابني»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦) كما سوف يرويه المؤلِّف (رحمه الله) عن كتاب الشيخ الفضل بن شاذان في الحديث الثلاثين عن الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: «وكان أوَّل من غسَّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرَّبين بماء الكوثر، والسلسبيل...»..
↑صفحة ١٢٣↑
فجئت بسيِّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأُولى، ثمَّ أدلى لسانه في فيه كأنَّه يُغذِّيه لبناً أو عسلاً، ثمَّ قال: «تكلَّم يا بنيَّ».
فقال: «أشهد أنْ لا إله إلَّا الله»، وثنَّى بالصلاة على محمّد، وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمَّة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) حتَّى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثمَّ تلا هذه الآية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: ٥ و٦](١٢٧).
ونقل القطب الراوندي (رحمه الله) مسنداً، كما هو موجود أيضاً في الكُتُب المعتبرة أنَّه (عليه السلام) قال بعد أنْ قرأ الآية: «وصلَّى الله على محمّد المصطفى، وعليٍّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين، وعليِّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ، وجعفر ابن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليِّ بن موسى، ومحمّد بن عليٍّ، وعليِّ بن محمّد، والحسن بن عليٍّ، وأبي»(١٢٨).
وموسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) هو من مشاهير أولاد الحمزة بن الإمام موسى (عليه السلام).
وقال راوي هذا الخبر المعتبر: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقالت: صدقت حكيمة(١٢٩).
رحمة الله عليها، ورحمة الله عليهما.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٧) كمال الدِّين (ص ٤٢٤ - ٤٢٦/ باب ٤٢/ ح ١).
(١٢٨) الخرائج والجرائح (ج ١/ ٤٥٦/ باب ١٢/ ح ١).
(١٢٩) كمال الدِّين (ص ٤٢٤ - ٤٢٦/ باب ٤٢/ ح ١).
↑صفحة ١٢٤↑
الحديث الثلاثون: رضوان خازن الجنان يُغسِّل المهدي (عليه السلام) حين ولادته
قال أبو محمّد ابن شاذان (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن عليِّ بن حمزة بن الحسين بن عبيد الله بن عبَّاس بن عليِّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: «قد وُلِدَ وليُّ الله وحجَّته على عباده وخليفتي من بعدي مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر.
وكان أوَّل من غسَّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرَّبين بماء الكوثر والسلسبيل، ثمّ غسَّلته عمَّتي حكيمة بنت محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهما السلام)».
فسُئِلَ محمّد بن عليِّ بن حمزة (رضي الله عنه) عن أُمِّه (عليها السلام)، قال: أُمُّه مليكة التي يقال لها في بعض الأيَّام: (سوسن)، وفي بعضها: (ريحانة)، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها (سلام الله عليها).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
وقال ابن بابويه (رحمة الله عليه): حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني [(رضي الله عنه)](١٣٠)، قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن زكريَّا بمدينة السلام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن جليلان(١٣١)، قال: حدَّثنا أبي، عن أبيه، عن جدِّه، عن غياث بن أسيد، قال: سمعتُ محمّد بن عثمان العمري (قدَّس الله روحه) يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٠) سقطت من النسخة.
(١٣١) في المصدر المطبوع: (خليلان) بدل (جليلان).
↑صفحة ١٢٥↑
لـمَّا وُلِدَ الخَلَفُ المهديُّ (صلوات الله عليه) سطع نورٌ مِنْ فوق رأسه إلى عنان السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربِّه (عزَّ وجلَّ)، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨].
قال: وكان مولده يوم الجمعة(١٣٢).
وقال ابن بابويه (رحمه الله) أيضاً: حدَّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطَّار، قال: حدَّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمّد بن الحسين بن زيد، عن أبي أحمد [محمّد] بن زياد الأزديِّ، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول لـمَّا وُلِدَ الرضا (عليه السلام): «إنَّ ابني هذا وُلِدَ مختوناً طاهراً مطهَّراً، وليس من الأئمَّة أحد إلَّا ويُولَد مختوناً طاهراً مطهَّراً، ولكنَّا سنمرُّ الموُسى عليه لإصابة السُّنَّة واتِّباع الحنيفيَّة»(١٣٣).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٢) كمال الدِّين (ص ٤٣٣/ باب ٤٢/ ح ١٣).
(١٣٣) كمال الدِّين (ص ٤٣٣/ باب ٤٢/ ح ١٥).
↑صفحة ١٢٦↑
الحديث الحادي والثلاثون: أُمُّ المهدي (عليه السلام) تُخبِر عمَّا حدث حين ولادته (عليه السلام)
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه (رحمة الله عليه وعلى أبويه): حدَّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطَّار، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ الخيزرانيُّ، عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عليه السلام)، فلمَّا أغار جعفر الكذَّاب على الدار جاءته فارَّة من جعفر، فتزوَّج بها.
قال أبو عليٍّ: حدَّثتني أنَّها حضرت ولادة السيِّد (عليه السلام)، وأنَّ اسم أُمِّ السيِّد (عليه السلام) صقيل، وأنَّ أبا محمّد (عليه السلام) حدَّثها بما يجري على عياله، فسألته أنْ يسأل(١٣٤) الله (عزَّ وجلَّ) أنْ يجعل ميتتها(١٣٥) قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عليه السلام)، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: (هذا قبر أُمِّ محمّد).
قال أبو عليٍّ: وسمعت هذه الجارية تقول(١٣٦): إنَّه لـمَّا وُلِدَ السيِّد (عليه السلام) رأت له(١٣٧) نوراً ساطعاً قد ظهر منه، وبلغ أُفُق السماء، ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثمّ تطير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٤) في المصدر المطبوع: (يدعو) بدل (يسأل).
(١٣٥) في المصدر المطبوع: (منيَّتها) بدل (ميتتها).
(١٣٦) في المصدر المطبوع: (تذكر) بدل (تقول).
(١٣٧) في المصدر المطبوع: (لها) بدل (له).
↑صفحة ١٢٧↑
فأخبرنا أبا محمّد (عليه السلام) بذلك، فضحك، فقال: «تلك الملائكة نزلت [من السماء](١٣٨) للتبرُّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج»(١٣٩).
عليه وعلى آبائه المعصومين صلوات الله تبارك وتعالى.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٨) سقطت من المصدر المطبوع.
(١٣٩) كمال الدِّين (ص ٤٣١/ باب ٤٢/ ح ٧).
↑صفحة ١٢٨↑
الحديث الثاني والثلاثون: حديث نسيم ومارية الخادمتين عن ولادته (عليه السلام)
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن عليِّ بن الحسين (قدَّس الله سرَّهما): حدَّثنا محمّد بن عليٍّ ماجليويه وأحمد بن محمّد بن يحيى العطَّار (رضي الله عنهما)، قالا: حدَّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدَّثنا الحسن بن عليٍّ النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمّد (عليه السلام)، عن السيَّاري، قال: حدَّثتني نسيم ومارية، قالتا: لـمَّا سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أُمِّه، [سقط](١٤٠) جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبَّابته(١٤١) إلى السماء، ثمّ عطس، فقال: «الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمّدٍ وآله، زَعَمَتْ الظلمة أنَّ حجَّة الله داحضة، لو أذن الله لي في الكلام لزال الشكُّ».
قال إبراهيم بن محمّد بن عبد الله: وحدَّثتني نسيم خادمة(١٤٢) أبي محمّد(عليه السلام)، قالت: قال لي صاحب الزمان (عليه السلام) وقد دَخَلْتُ عليه بَعْدَ مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: «يرحمكِ الله».
قالت نسيم: ففرحت بذلك.
فقال [لي](١٤٣) (عليه السلام): «ألَا أُبشِّركِ في العطاس؟».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٠) سقطت من المصدر المطبوع.
(١٤١) في المصدر المطبوع: (سبَّابتيه).
(١٤٢) في المصدر المطبوع: (خادم).
(١٤٣) سقطت من النسخة.
↑صفحة ١٢٩↑
فقلت: بلى، [يا مولاي](١٤٤).
فقال: «هو أمان من الموت ثلاثة أيَّام»(١٤٥).
وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) هذا الحديث في كتابه في محلٍّ ثانٍ عن إبراهيم بن محمّد العلويِّ، حيث قال هناك: وبهذا الإسناد، عن إبراهيم بن محمّد العلويِّ، قال: حدَّثني طريف أبو نصر، قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) [وهو في المهد](١٤٦)، فقال: «عليَّ بالصندل الأحمر»، فأتيته به.
ثمّ قال: «أتعرفني؟».
قلت: نعم.
فقال: «مَنْ أنا؟».
فقلت: أنت سيِّدي، وابن سيِّدي.
فقال: «ليس عن هذا سألتُك».
قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك، فبيِّن لي.
قال: «أنا خاتم الأوصياء، بي يدفع الله (عزَّ وجلَّ) البلاء عن أهلي وشيعتي»(١٤٧).
وقال الشيخ الجليل محمّد بن الحسن الطوسي (نوَّر الله مرقده): وفي رواية أُخرى عن جماعة من الشيوخ: أنَّ حكيمة حدَّثت بهذا الحديث (أي حديث ولادة الصاحب (عليه السلام))، وذكرت أنَّه كان ليلة النصف من شعبان، وأنَّ أُمَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤) سقطت من النسخة.
(١٤٥) كمال الدِّين (ص ٤٣٠/ باب ٤٢/ ح ٥)؛ أقول: ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة (ص ٢٣٢/ ح ٢٠٠، وص ٢٤٥/ ح ٢١١)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص ٢٦١)، والطبرسي في إعلام الورى (ج ٢/ ص ٢١٧)، والراوندي في الخرائج والجرائح (ج ٢/ ص ٦٩٣ و٦٩٤)، وابن حمزة في الثاقب في المناقب (ص ٢٠٣/ ح ١٨٠/ فصل ١١/ ح ٩).
(١٤٦) سقطت من المصدر المطبوع.
(١٤٧) كمال الدِّين (ص ٤٤١/ باب ٤٣/ ح ١٢).
↑صفحة ١٣٠↑
نرجس، وساقت الحديث إلى قولها: فإذا أنا بحسِّ سيِّدي، وبصوت أبي محمّد (عليه السلام) وهو يقول: «يا عمَّتي، هاتي ابني إليَّ».
فكشفت عن سيِّدي، فإذا هو ساجد متلقّياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: ٨١].
فضممتُه إليَّ، فوجدتُه مفروغاً منه، فلففته في ثوب، وحملتُه إلى أبي محمّد (عليه السلام).
وذكروا الحديث إلى قوله: «أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله، وأنَّ عليًّا أمير المؤمنين حقًّا»، ثُمَّ لم يزل يعدُّ السادة والأوصياء إلى أنْ بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه بالفرج على يديه، ثُمَّ أحجم.
وقالت: ثمّ رُفِعَ بيني وبين أبي محمّد (عليه السلام) كالحجاب، فلم أرَ سيِّدي، فقلتُ لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيِّدي، أين مولاي؟
فقال: «أخذه من هو أحقّ منكِ ومنَّا».
[ثمّ](١٤٨) وذكروا الحديث بتمامه وزادوا فيه: فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلتُ على أبي محمّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته، فقال أبو محمّد (عليه السلام): «هذا المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ)».
فقلتُ: سيِّدي، أرى مِنْ أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟!
فتبسَّم وقال: «يا عمَّتي، أمَا علمتِ أنَّا معاشرُ الأئمَّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة؟!».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٨) هذه الزيادة في المصدر.
↑صفحة ١٣١↑
فقمتُ وقَبَّلْتُ رأسه، وانصرفتُ، ثُمَّ عُدْتُّ وتفقَّدتُه فلم أرَه، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟
فقال: «يا عمَّة، استودعناه الذي استودعت أُمُّ موسى (عليه السلام)»(١٤٩).
وكان الهدف من كتابة هذا الحديث شيئين:
أوَّلهما: أنَّه عندما وُلِدَ (عليه السلام) فكان مكتوباً على ذراعه بقلم القدرة: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: ٨١].
ثانيهما: أنَّ السيِّدة حكيمة قالت: فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته، فقال أبو محمّد (عليه السلام): «هذا المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ)».
فقلت: سيِّدي، أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟!
فتبسَّم، وقال: «يا عمَّتي، أمَا علمتِ أنَّا معاشر الأئمَّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة؟».
فقمتُ، وقبَّلتُ رأسه، وانصرفت، ثُمَّ عُدْتُ وتفقَّدتُه فلم أرَه، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟
فقال: «يا عمَّة، استودعناه الذي استودعت أُمُّ موسى (عليه السلام)».
وجاء في رواية أُخرى ما خلاصته: أنَّ الإمام الحادي عشر أمر روح القُدُس الذي ظهر على صورة الطير أنْ يأخذه (عليه السلام)، وكان باقي الملائكة تَنَزَّلَتْ على صورة الطيور، فاتَّبعته، فبكت السيِّدة نرجس، فسلَّاها الإمام (عليه السلام) فقال لها: «اُسكتي، فإنَّ الرضاع [محرَّم] عليه إلَّا من ثدييكِ، وسيُعاد إليكِ كما رُدَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٩) الغيبة للطوسي (ص ٢٣٩ و٢٤٠/ ح ٢٠٧).
↑صفحة ١٣٢↑
موسى (عليه السلام) إلى أُمِّه، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ [القَصص: ١٣]».
ومن أراد تفصيل هذا الحديث فليرجع إلى كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة)، وكتاب (الفرج الكبير)(١٥٠).
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن عليٍّ ماجليويه ومحمّد بن موسى المتوكِّل وأحمد بن محمّد بن يحيى العطَّار (رضي الله عنهم)، قالوا: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطَّار، قال: حدَّثني إسحاق بن روح البصري، عن أبي جعفر العَمْرِي، قال: لـمَّا وُلِدَ السيِّد (عليه السلام) قال أبو محمّد (صلوات الله عليه): «ابعثوا إليَّ بأبي عمرو(١٥١)».
فبُعِثَ إليه، فصار إليه، فقال له: «اشترِ عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً، وفرِّقه».
قال: أحسبه قال: «على بني هاشم، وعقَّ عنه بكذا وكذا شاة»(١٥٢).
قال الفضل بن شاذان: حدَّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال: لـمَّا همَّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، وهو رجل شديد النصب، وكان مولعاً بقتل الشيعة، فأُخْبِرْتُ بذلك، وغَلَبَ عليَّ خوف عظيم، فَوَدَّعْتُ أهلي، وأحبَّائي، وتوجَّهتُ إلى دار أبي محمّد (عليه السلام) لأُودِّعه، وكنت أردت الهرب، فلمَّا دخلتُ عليه رأيتُ غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيَّرتُ من نوره وضيائه، وكاد أنْ أنسى ما كنت فيه من الخوف والهرب، فقال: «يا إبراهيم، لا تهرب، فإنَّ الله تبارك وتعالى سيكفيك شرَّه».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٠) كمال الدِّين (ص ٤٢٦ - ٤٣٠/ باب ٤٢/ ح ٢). وكما قدَّمنا فإنَّ كتاب (الفرج الكبير) قد فُجعنا بفقده، وأنَّه كان موجوداً عند المؤلِّف (رحمه الله).
(١٥١) في المصدر المطبوع: (ابعثوا إلى أبي عمرو).
(١٥٢) كمال الدِّين (ص ٤٣٠ و٤٣١/ باب ٤٢/ ح ٦).
↑صفحة ١٣٣↑
فازداد تحيُّري، فقلتُ لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيِّدي، جعلني الله فداك، مَنْ هو، وقد أخبرني بما كان في ضميري؟
فقال: «هو ابني وخليفتي مِنْ بعدي، وهو الذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها عدلاً وقسطاً».
فسألته عن اسمه، قال: «هو سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكنيُّه، لا يحلُّ لأحد أنْ يُسمِّيه باسمه، أو يُكنِّيه بكنيته إلى أنْ يُظهِر الله دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيتَ وسمعتَ عنَّا اليوم إلَّا عن أهله».
فصلَّيتُ عليهما وآبائهما، وخرجتُ مستظهراً بفضل الله تعالى، واثقاً بما سمعتُه من الصاحب (عليه السلام)، فبشَّرني عمِّي عليُّ بن فارس بأنَّ المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه، وأمره بقتل عمرو بن عوف، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطَّعه عضواً عضواً، والحمد لله ربِّ العالمين.
وبما أنَّه أُشير في الحديث العشرين والحادي والثلاثين إلى قبائح جعفر الكذَّاب، فلذلك نذكر في هذا المقام بعد حديث وفاة الإمام الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهما السلام) نبذة من الصفات الذميمة لجعفر المذكور.
نقل الشيخ أبو عبد الله محمّد بن هبة الله الطرابلسي في كتاب (الفرج الكبير)، وروى بسنده عن أبي الأديان وكان خادم الإمام (عليه السلام) أنَّه قال(١٥٣):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٣) نظراً لضياع كتاب الفرج الكبير للطرابلسي، وعدم وجود نسخة له كحال الكُتُب الثمينة التي ضاعت ولم تصل إلينا، فلذلك ارتأينا أنْ نترجم النصَّ ونرجعه إلى لغته الأصليَّة العربيَّة؛ وبما أنَّ الأقرب لها هي الرواية التي نقلها الشيخ الصدوق في (كمال الدِّين) فنحن ننقل الترجمة عن النصِّ الموجود في (كمال الدِّين) ونُسقِط منه الأشياء التي هي غير موجودة في الترجمة، ليكون النصُّ الجديد أقرب إلى ما في الفرج الكبير، والله تعالى أعلم. ولأنَّنا وجدنا المؤلِّف (رحمه الله) لا يلتزم بالترجمة الحرفيَّة، فلذلك احتملنا أنْ تكون بعض الزيادات هنا ناتجة لتسامحه في الترجمة، فلذلك احتطنا فنقلنا النصَّ كما في كمال الدِّين (ص ٤٧٥ و٤٧٦): ←
↑صفحة ١٣٤↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ وحدَّثنا أبو الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن عليِّ بن محمّد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وأحمل كُتُبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علَّته التي تُوفِّي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتاباً وقال: «امض بها إلى المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل»، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيِّدي، فإذا كان ذلك فمن؟ قال: «مَنْ طالبك بجوابات كُتُبي فهو القائم مِنْ بعدي»، فقلت: زدني، فقال: «مَنْ يُصلِّي عليَّ فهو القائم من بعدي»، فقلت: زدني، فقال: «مَنْ أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي»، ثمّ منعتني هيبته أنْ أسأله عمَّا في الهميان. وخرجت بالكُتُب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن عليٍّ أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يُعَزُّونه ويُهَنُّونه، فقلت في نفسي: إنْ يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأنِّي كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنَّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيِّدي، قد كُفِّن أخوك فقم وصلِّ عليه، فدخل جعفر ابن عليٍّ والشيعة من حوله يقدمهم السمَّان والحسن بن عليٍّ قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلمَّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن عليٍّ (صلوات الله عليه) على نعشه مكفَّناً، فتقدَّم جعفر بن عليٍّ ليُصلِّي على أخيه، فلمَّا همَّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن عليٍّ وقال: «تأخَّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي»، فتأخَّر جعفر، وقد أربدَّ وجهه واصفرَّ. فتقدَّم الصبيُّ وصلَّى عليه ودُفِنَ إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام). ثمَّ قال: «يا بصريُّ، هات جوابات الكُتُب التي معك»، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيِّنتان، بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن عليٍّ وهو يزفر، فقال له حاجز الوشَّاء: يا سيِّدي، من الصبيُّ؟ لنقيم الحجَّة عليه، فقال: والله ما رأيته قطُّ ولا أعرفه. فنحن جلوس، فقَدِمَ نفر من قم فسألوا عن الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فعرفوا موته، فقالوا: فمن [نُعزِّي]؟ فأشار الناس إلى جعفر بن عليٍّ، فسلَّموا عليه وعزَّوه وهنَّوه وقالوا: إنَّ معنا كُتُباً ومالاً، فتقول ممَّن الكُتُب، وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منَّا أنْ نعلم الغيب، قال: فخرج الخادم فقال: معكم كُتُب فلان وفلان [وفلان]، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير فيها مطليَّة، فدفعوا إليه الكُتُب والمال وقالوا: الذي وجَّه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن عليٍّ على المعتمد وكشف له ذلك، فوجَّه المعتمد بخَدَمه فقبضوا على صقيل الجارية، فطالبوها بالصبيِّ، فأنكرته وادَّعت حبلاً بها لتُغطِّي حال الصبيِّ، فسُلِّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأةً، وخروج صاحب الزَّنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربِّ العالمين.
↑صفحة ١٣٥↑
... دخلت [على الإمام (عليه السلام)] في علَّته التي توفَّى فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كُتُباً وقال: «امض بها إلى فلان وفلان وكثير من أصحابنا، واعلم أنَّك ستصل إلى هذه البلدة بعد خمسة عشر يوماً، وتسمع الناعية في داري، وتجدني على المغتسل».
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيِّدي ومولاي، فإذا كان هذا الحدث العظيم فمن هو حجَّة الله وإمامنا؟
قال: «من طالبك بجوابات كُتُبي».
فقلت: زدني.
فقال: «مَنْ يُصلِّي عليَّ فهو حجَّة الله، والإمام، والمهدي القائم بعدي».
فطلبت منه (عليه السلام) علامة أزيد على ذلك، فقال: «مَنْ أخبر بما في الهميان»، ثُمَّ منعتني هيبتُه أنْ أسأله عمَّا في الهميان.
فخرجت من سُرَّ من رأى، ووصلتُ إلى المدائن، وأخذتُ جوابات تلك الكُتُب، ورجعتُ إلى سُرَّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام) على نحو الإعجاز، وسَمِعْتُ الناعية من داره، ورأيتُ نعش حجَّة الله على المغتسل، فرأيت جعفر أخاه بباب الدار والناس حوله يعزُّونه.
فقلتُ في نفسي: إنْ يكن هذا الإمام بعد الإمام الحسن (عليه السلام) فقد بطلت الإمامة، لأنِّي كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويلعب بالطنبور، ويقامر في الجوسق.
فتقدَّمتُ وعزَّيته، فلم يسألني عن شيء، ولم يطالبني بجوابات الكُتُب.
ثمّ خرج عقيد الخادم وقال: يا سيِّدي، قد كُفِّن أخوك، فقم وصلِّ عليه.
فقام ودخل الدار، ودخل الشيعة وهم يبكون، وكان الإمام قد كُفِّن وقد وُضِعَ على النعش، فتقدَّم جعفر ليُصلِّي، فلمَّا همَّ بالتكبير رأيت صبيًّا قد خرج أسمر بشعره قطط (صلوات الله عليه)، فأخذ رداءه وجذبه وقال: «تأخَّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي»، فتأخَّر جعفر وقد أربدَّ وجهه.
↑صفحة ١٣٦↑
وقد صلَّى منتخب المَلِك الغفَّار على أبيه ذي الشأن العالي.
ودُفِنَ (عليه السلام) إلى جنب قبر أبيه الإمام عليٍّ النقي (عليهما السلام).
ثمّ خاطبني ذلك الصبيُّ الصغير بالسنِّ، ووليُّ الله المتعال: «يا بصري، هات جوابات الكُتُب».
فدفعت إليه جوابات الكُتُب، فقلتُ في نفسي: هذه بيِّنتان، بقي الهميان وعلامة الهميان.
ثمّ خرجت إلى جعفر وهو يزفر، فقال له حاجز الوشَّاء - وكان أحد الحضَّار -: يا سيِّدي، مَنْ هذا الصبيُّ؟ وكان هذا السؤال لإقامة الحجَّة على جعفر.
فقال جعفر في الجواب: والله ما رأيتُه قطُّ، ولا أعرفه.
ونحن جلوس إذ قَدِمَ نفر من قم، فسألوا عن الإمام (عليه السلام)، فعرفوا موته (عليه السلام)، فقالوا: فمَنْ هو خليفته؟ فأشاروا إلى جعفر، فسلَّموا عليه وعزَّوه، وقالوا: إنَّ معنا كُتُب ومالاً قالوا لنا أنْ نوصلها إليه (عليه السلام)، فما نفعل؟
فقال جعفر: أعطوها لخدمي.
فقالوا: فقل لنا ممَّن الكُتُب، وكم المال.
فقام جعفر غاضباً ينفض أثوابه ويقول: تريدون منَّا أنْ نعلم الغيب؟!
وكانت الجماعة قد تحيَّرت، فخرج خادم فقال: يا أهل قم، وسمَّانا واحداً واحداً، معكم كُتُب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار وعشرة منها مطليَّة.
فدفعوا إليه مع ذلك الهميان إلى الخادم، وقالوا: الذي وجَّه به هو الإمام.
وأمَّا جعفر، فدخل على المعتمد بالله العبَّاسي - وهو أحد خلفاء بني العبَّاس - وكشف له ذلك، فبعث المعتمد جماعة، فدخلوا الدار، فلم يجدوا صبيًّا، ولم تكن السيِّدة نرجس في الحياة، فقبضوا على جارية تُسمَّى مارية لتدلَّهم على الصبيِّ، فأنكرت مارية وجود صبيٍّ في الدار.
↑صفحة ١٣٧↑
وبغتهم موتُ عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بتلك الأخبار عن الجارية فخرجت من أيديهم، ولم يُفكِّر بها أحد.
الحمد لله تبارك وتعالى.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
وذكر هذا الحديث المتقدِّم ابن بابويه (رحمه الله) في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة) مع اختلافات قليلة.
وروى بعد هذا الحديث الرواية التالية: لـمَّا قُبِضَ سيِّدنا أبو محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (صلوات الله عليهما) وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تُحمَل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام)، فلمَّا أنْ وصلوا إلى سُرَّ مَنْ رأى سألوا عن سيِّدنا الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فقيل لهم: إنَّه قد فُقِدَ.
فقالوا: ومَنْ وارثه؟
قالوا: أخوه جعفر بن عليٍّ.
فسألوا عنه، فقيل لهم: إنَّه قد خرج متنزِّهاً، وركب زورقاً في الدجلة، يشرب، ومعه المغنُّون.
قال: فتشاور القوم، فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام.
وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتَّى نردَّ هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العبَّاس محمّد بن جعفر الحميري القمِّي: قفوا بنا حتَّى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره بالصحَّة.
قال: فلمَّا انصرف دخلوا عليه، فسلَّموا عليه، وقالوا: يا سيِّدنا، نحن من أهل قم، ومعنا جماعة من الشيعة، وغيرها، وكنَّا نحمل إلى سيِّدنا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ الأموال.
↑صفحة ١٣٨↑
فقال: وأين هي؟
قالوا: معنا.
قال: احملوها إليَّ.
قالوا: لا، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً.
فقال: وما هو؟
قالوا: إنَّ هذه الأموال تُجمَع، ويكون فيها من عامَّة الشيعة الدينار والديناران، ثمَّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنَّا إذا وردنا بالمال على سيِّدنا أبي محمّد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً، من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا حتَّى يأتي على أسماء الناس كلِّهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش.
فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب، ولا يعلمه إلَّا الله.
قال: فلمَّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض.
فقال لهم: احملوا هذا المال إليَّ.
قالوا: إنَّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال، ولا نُسلِّم المال إلَّا بالعلامات التي كنَّا نعرفها من سيِّدنا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فإنْ كنت الإمام فبرهن لنا، وإلَّا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر على الخليفة - وكان بسُرَّ مَنْ رأى - فاستعدى عليهم، فلمَّا أُحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر.
قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين، إنَّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهي وداعة لجماعة، وأمرونا بأنْ لا نُسلِّمها إلَّا بعلامة ودلالة، وقد جرت هذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام).
فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد؟
↑صفحة ١٣٩↑
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، وأصحابها، والأموال، وكم هي، فإذا فعل ذلك سلَّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً، فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإنْ يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلَّا رددناها إلى أصحابها.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، إنَّ هؤلاء القوم كذَّابون، ويكذبون على أخي، وهذا علم الغيب.
فقال الخليفة: القوم رُسُل، ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٥٤].
قال: فبهت جعفر، ولم يرد جواباً.
فقال القوم: يتطوَّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يُبدرقنا(١٥٤) حتَّى نخرج من هذه البلدة.
قال: فأمر لهم بنقيب، فأخرجهم منها، فلمَّا أنْ خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنَّه خادم، فنادى: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم.
قال: فقالوا: أنت مولانا؟
قال: معاذ الله، أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه.
قالوا: فسرنا [إليه] معه حتَّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فإذا ولده القائم سيِّدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنَّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلَّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثمّ قال: «جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، [وحمل] فلان كذا»، ولم يزل يصف حتَّى وصف الجميع.
ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٤) يبدرقنا: أي يحرسهم حتَّى يوصلهم خارج البلدة.
↑صفحة ١٤٠↑
فخررنا سُجَّداً لله (عزَّ وجلَّ) شكراً لما عرَّفنا، وقبَّلنا الأرض بين يديه، وسألناه عمَّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم (عليه السلام) أنْ لا نحمل إلى سُرَّ مَنْ رأى بعدها شيئاً من المال، فإنَّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال، ويخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العبَّاس محمّد بن جعفر القمِّي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: «أعظم الله أجرك في نفسك».
قال: فما بلغ أبو العبَّاس عقبة همدان حتَّى تُوفِّي (رحمه الله).
وكان بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النوَّاب المنصوبين بها، ويخرج من عندهم التوقيعات(١٥٥).
ثمّ قال ابن بابويه بعد نقل هذا الحديث: هذا الخبر يدلُّ على أنَّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو، [وأين هو]، وأين موضعه، فلهذا كفَّ عن القوم عمَّا معهم من الأموال، ودفع جعفراً الكذَّاب عن مطالبتهم، ولم يأمرهم بتسليمها إليه، إلَّا أنَّه كان يُحِبُّ أنْ يخفى هذا الأمر ولا يُنشَر، لئلَّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه.
وقد كان جعفر الكذَّاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لـمَّا تُوفِّي الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، وقال: يا أمير المؤمنين، تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته.
فقال الخليفة: اعلم أنَّ منزلة أخيك لم تكن بنا، إنَّما كانت بالله (عزَّ وجلَّ)، ونحن كنَّا نجتهد في حطِّ منزلته، والوضع منه، وكان الله (عزَّ وجلَّ) يأبى إلَّا أنْ يزيده كلَّ يوم رفعةً لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة، فإنْ كنت عند
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٥) كمال الدِّين (ص ٤٧٦ - ٤٧٩/ باب ٤٣/ ح ٢٦).
↑صفحة ١٤١↑
شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإنْ لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئاً(١٥٦).
يقول هذا المنكسر الحزين، يعني محرِّر [جامع] ومترجم هذه الأربعين: إنَّ ما يُستفاد من بعض الأخبار أنَّ جعفراً جهد لطلب هذا الأمر قبل هذه القضيَّة، ولكن سهمه اصطدم بالصخرة حينما سمع ذلك الجواب، ومع ذلك استمرَّ لسوء عاقبته في طلبه.
ولمناسبة قُدِحَتْ في ذهن القاصر أنَّ من الأحسن عدم خلو هذا المختصر من هذا الخبر: قد ذُكِرَ في كتاب (كشف الغمَّة) وعدَّة كُتُب أُخرى من الكُتُب المعتبرة ما مضمونه:
قال أحمد بن عبيد الله بن خاقان: ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ مَنْ رأى رجلاً من العلويَّة مثل الحسن بن عليِّ بن محمّد بن الرضا في هديه، وسكونه، وعفافه، ونبله، وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافَّة، وتقديمهم إيَّاه على ذوي السنِّ منهم والخطر، وكذلك كانت حاله عند القوَّاد، والوزراء، وعامَّة الناس، فأذكر أنِّي كنتُ يوماً قائماً على رأس أبي وهو يوم(١٥٧) مجلسه للناس، إذ دخل حُجَّابه فقالوا: أبو محمّد ابن الرضا بالباب.
فقال بصوتٍ عالٍ: ائذنوا له.
فعجبتُ ممَّا سمعت منهم، ومن جسارتهم أنْ يكنُّوا رجلاً بحضرة أبي، ولم يكن يُكنَّى عنده إلَّا خليفة، أو وليَّ عهد، أو من أمر السلطان أنْ يُكنَّى عنده.
فدخل رجل أسمر اللون، حسن القامة، جميل الوجه، جيِّد البدن، حديث السنِّ، له جلالة، وهيبة حسنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٦) كمال الدِّين (ص ٤٧٩).
(١٥٧) يعني اليوم الذي يجلس فيه للناس؛ فيظهر أنَّه كان قد خصَّص يوماً من أيَّام الأُسبوع ليستقبل فيه عامَّة الناس والرعيَّة.
↑صفحة ١٤٢↑
فلمَّا نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات، ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقُوَّاد، فلمَّا دنا منه عانقه، وقبَّل وجهه وصدره، وأخذ بيده، وأجلسه على مصلَّاه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه، مقبلاً عليه بوجهه يُكلِّمه ويُفَدِّيه بنفسه، وأنا متعجِّب ممَّا أرى منه، إذ دخل الحاجب فقال: الموفَّق قد جاء، وكان الموفَّق إذا دخل على أبي يقدمه حُجَّابه وخاصَّة قُوَّاده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أنْ يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمّد يُحدِّثه حتَّى نظر إلى غلمانه الخاصَّة، فقال حينئذٍ: إذا شئت جعلني الله فداك.
ثمّ قال لحُجَّابه: خذوا به من خلف السماطين لا يراه هذا - يعني الموفَّق -، فقام، وقام أبي، وعانقه، ومضى.
فقلتُ لحُجَّاب أبي وغلمانه: ويلكم مَنْ هذا الذي كنَّيتموه بحضرة أبي، وفعل به هذا الفعل؟
فقال: هذا علوي يقال له: الحسن بن عليٍّ، يُعرَف بابن الرضا.
فازددتُ تعجُّباً، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكِّراً في أمره، وأمر أبي وما رأيته منه، حتَّى كان الليل، وكانت عادتُه أنْ يُصلِّي العتمة ثمّ يجلس فينظر ما يحتاج إليه من المؤامرات، وما يرفعه إلى السلطان.
فلمَّا صلَّى وجلس جئتُ فجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال: يا أحمد، ألك حاجة؟
قلتُ: نعم يا أبه، فإنْ أذنت سألتُك عنها.
قال: قد أذِنْتُ.
قلت: يا أبه، مَنْ الرَّجل الذي رأيتك الغداة فعلتَ به ما فعلتَ مِنَ الإجلال والكرامة والتبجيل، وفَدَّيْتَهُ بنفسك وأبويك؟
فقال: يا بنيَّ، ذاك إمام الرافضة الحسن بن عليٍّ المعروف بابن الرضا.
↑صفحة ١٤٣↑
ثمّ سَكَتَ ساعة وأنا ساكت، ثمّ قال: يا بُنَيَّ، لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبَّاس ما استحقَّها أحد من بني هاشم غيره، لفضله، وعفافه، وهديه، وصيانته، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه، ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً، نبيلاً، فاضلاً.
فازددتُ قلقاً، وغيضاً، وتفكُّراً على أبي، وما سمعت منه فيه، ورأيته مِنْ فِعْلِهِ، فلم تكن لي همَّة بعد ذلك إلَّا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألتُ أحداً من بني هاشم والقُوَّاد، والكُتَّاب، والقضاة، والفقهاء، وسائر الناس إلَّا وجدته عنده في غاية الإجلال، والإعظام، والمحلِّ الرفيع، والقول الجميل، والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه، فعظم قدره عندي، ولم أرَ له وليًّا ولا عدوًّا إلَّا وهو يُحسِن القول فيه والثناء عليه.
فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريِّين: فما خبر أخيه جعفر، وكيف كان في المحلِّ؟
فقال: ومَنْ جعفر، فيُسئَل عن خبره، أوَ يُقرَنْ إلى الحسن؟! جعفر معلن بالفسق، فاجر، شرِّيب للخمور، أقلُّ مَنْ رأيته من الرجال، وأهتكهم لنفسه، خفيف، قليل في نفسه، ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن ابن عليٍّ ما تعجَّبت منه، وما ظننت أنَّه يكون منه، وذلك أنَّه لـمَّا اعتلَّ بُعِثَ إلى أبي أنَّ ابن الرضا قد اعتلَّ، فركب من ساعته إلى دار الخلافة، ثُمَّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلُّهم من ثقاته وخاصَّته، وفيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن، وتعرُّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطبِّبين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعهُّده صباحاً ومساءً، فلمَّا كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أُخبر أنَّه قد ضعف، فركب حتَّى بكَّر إليه، فأمر المتطبِّبين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه، وأمره أنْ يختار عشرة ممَّن يوثق به
↑صفحة ١٤٤↑
وبدينه وورعه وأمانته، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم لزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا حتَّى تُوفِّي (عليه السلام).
فلمَّا ذاع خبر وفاته صارت سُرَّ مَنْ رأى ضجةً واحدةً، وعُطِّلت الأسواق، وركب بنو هاشم، والقُوَّاد، والكُتَّاب، والقضاة، والمعدَّلون وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سُرَّ مَنْ رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة، فلمَّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى ابن المتوكِّل فأمره بالصلاة عليه، فلمَّا وُضِعَتْ الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويَّة، والعبَّاسيَّة، والقُوَّاد، والكُتَّاب، والقضاة، والمعدَّلين، وقال: هذا الحسن ابن عليِّ بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومِنَ القضاة فلان وفلان، ومِنَ المتطبِّبين فلان وفلان، ثُمَّ غطَّى وجهه وصلَّى عليه، وأمر بحمله.
ولـمَّا دُفِنَ جاء جعفر أخوه إلى أبي، فقال له: اجعل لي مرتبة أخي وأنا أُوصل إليك في كلِّ سنة عشرين ألف دينار.
فزبره أبي وأسمعه ما كَرِهَ، وقال له: يا أحمق، السلطان - أطال الله بقاءه - جرَّد سيفه في الذين يزعمون أنَّ أباك وأخاك أئمَّة ليردُّوهم عن ذلك، فما تهيَّأ له ذلك، فإنْ كُنْتَ عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى سلطان يُرتِّبَك مراتبهم، ولا غير سلطان، وإنْ لن تكن عندهم بهذه المنزلة لا تنالها بنا.
فاستقلَّه أبي عن ذلك، واستضعفه، وأمر أنْ يُحْجَب عنه، فلم يأذن له في الدخول عليه حتَّى مات أبي(١٥٨).
ويُعلَم من مضمون هذا الخبر: أنَّه مع ما كان يتمتَّع به جعفر من عظيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٨) كشف الغمَّة (ص ٤٠٧ و٤٠٩)، يبدو أنَّ المؤلِّف (رحمه الله) قد اختصر في ترجمته بعض مواضع الحديث.
↑صفحة ١٤٥↑
النسب فإنَّه كان خالياً من شرف الأدب والحسب، كما يُستفاد أيضاً من الحديث العشرين أنَّ سيِّد الساجدين عليَّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) أخبر أبا خالد الكابلي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسوء جعفر وأعماله الرديئة(١٥٩).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٩) ولكن يمكن أنْ تكون جميع هذه الروايات متعرِّضة لحال جعفر ممَّا كان من أعماله قبل توبته، وبالخصوص يمكننا الاعتماد على التوقيع الشريف الذي رواه الأصحاب بإسنادهم إلى إسحاق بن يعقوب الذي خرج له التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) وبواسطة محمّد بن عثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه)؛ حيث جاء فيه: «وأمَّا سبيل عمِّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام)».
راجع: كمال الدِّين (ص ٤٨٣/ ح ٤)، إعلام الورى (ج ٢/ ص ٢٧٠)، الغيبة للطوسي (ص ٢٩٠)، الاحتجاج (ج ٢/ ص ٢٨٣)، الخرائج والجرائح (ج ٣/ ص ١١١).
↑صفحة ١٤٦↑
قال الصدوق (عليه رحمة الله المَلِك الغفور) في كتابه المزبور: حدَّثنا عليُّ ابن عبد الله الورَّاق، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وأنا أُريد أنْ أسأله عن الخلف من بعده.
فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أنْ تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزِّل الغيث، وبه يُخْرجُ بركات الأرض».
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فَمَنِ الخليفة والإمام بعدك؟
فنهض (عليه السلام) مسرعاً، فدخل البيت، ثُمَّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: «يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حُجَجه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيُّه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مَثَلُهُ في هذه الأُمَّة كمثل الخضر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلَّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفَّقه للدُّعاء بتعجيل فرجه».
↑صفحة ١٤٧↑
قال(١٦٠) أحمد بن إسحاق: قلت(١٦١): يا مولاي، هل(١٦٢) من علامة يطمئنُّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح، فقال: «أنا بقيَّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق».
[فقال أحمد بن إسحاق](١٦٣): فخرجت فرحاً مسروراً(١٦٤)، فلمَّا كان من الغد عدتُ إليه، فقلت(١٦٥): يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت [به] عليَّ، فما السُّنَّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟
فقال: «طول الغيبة، يا أحمد».
فقلت [له](١٦٦): يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟
قال: «إي وربِّي، حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلَّا من أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من [أمر] الله (جلَّت عظمته)، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا [غداً] في علِّيِّين»(١٦٧).
اللَّهُمَّ ارزقنا جوار أصفيائك الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٦٠) في المصدر: (فقال).
(١٦١) في المصدر: (فقال له).
(١٦٢) في المصدر: (فهل).
(١٦٣) سقطت من النسخة.
(١٦٤) في المصدر: (فخرجت مسروراً فرحاً).
(١٦٥) في المصدر: (فقلت له).
(١٦٦) سقطت من المصدر.
(١٦٧) كمال الدِّين (ص ٣٨٤ و٣٨٥/ باب ٣٨/ ح ١).
↑صفحة ١٤٨↑
الحديث الرابع والثلاثون: رشيق المادرائي يهجم على بيت الإمام (عليه السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه رحمة الله المَلِك المنَّان): حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن الحسين بن سعد الكاتب (رضي الله عنه)، قال: قال أبو محمّد (عليه السلام): «قد وضع بنو أُميَّة وبنو العبَّاس سيوفهم علينا لعلَّتين:
إحداهما: أنَّهم كانوا يعلمون أنَّه ليس لهم في الخلافة حقٌّ، فيخافون من ادِّعائنا إيَّاها وتستقرّ في مركزها.
وثانيتهما: أنَّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أنَّ زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منَّا، وكانوا لا يشكُّون أنَّهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولُّد القائم (عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أنْ يكشف أمره لواحد منهم إلَّا أنْ يُتِمَّ نوره ولو كره المشركون».
ومِنْ مؤيِّدات هذا الحديث ما نقله الشيخ الطوسي(١٦٨)، والشيخ الطرابلسي، والشيخ الراوندي(١٦٩)، وكثير غيرهم(١٧٠)، عن رشيق المادرائي ما مضمونه بما يوافق نقل بعضهم أنَّه حدَّث رشيق حاجب المادرائي قال: بعث إلينا المعتضد وأمرنا أنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٦٨) الغيبة للطوسي (ص ٢٤٨ و٢٤٩/ ح ٢١٨).
(١٦٩) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦٠/ ح ٥).
(١٧٠) فرج المهموم (ص ٢٤٨)، منتخب الأنوار المضيئة (ص ١٤٠)، إثبات الهداة (ج ٣/ ص ٦٨٣/ ح ٩٢).
↑صفحة ١٤٩↑
نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفِّين على السروج ونجنب أُخرى، وقال: الحقوا بسامرَّاء، واكبسوا دار الحسن بن عليٍّ فإنَّه تُوفِّي، ومن رأيتم في داره فأتوني برأسه.
فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدناها داراً سرّيَّة كأنَّ الأيدي رُفِعَت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأُخرى، فدخلناها وكأنَّ بحراً فيها وفي أقصاه حصير، وقد علمنا أنَّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيأةً قائمٌ يُصلِّي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطَّى، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتَّى مددت يدي إليه فخلَّصته وأخرجته، فغشي عليه وبقي ساعة.
وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك، فناله مثل ذلك.
فبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوَالله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجيء، وأنا تائب إلى الله.
فما التفت إليَّ بشيء ممَّا قلت، فانصرفنا إلى المعتضد، فقال: اكتموه وإلَّا ضربت رقابكم(١٧١).
فما جسرنا أنْ نُحدِّث به إلَّا بعد موته(١٧٢).
الحمد لله الذي يصون حجَّته من شرِّ الأعداء.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧١) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٩٩ و٥٠٠).
(١٧٢) الغيبة للطوسي (ص ٢٥٠).
↑صفحة ١٥٠↑
الحديث الخامس والثلاثون: رؤية الأودي للمهدي (عليه السلام) في الطواف
قال عماد الدِّين أبو جعفر ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أبو القاسم عليُّ بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدَّثنا الأودي، قال: بينا أنا في الطواف وقد طفت ستًّا وأنا أُريد أنْ أطوف السابع، فإذا بحلقة عن يمين الكعبة وشابٌّ حسن الوجه، طيِّب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرِّبٌ إلى الناس يتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه، وحسن جلوسه، فذهبت أُكلِّمه، فزبرني الناس، فسألتُ بعضهم: مَنْ هذا؟
فقالوا: هذا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يظهر للناس في كلِّ سنة يوماً لخواصِّه يُحدِّثهم.
فقلت: يا سيِّدي، أتيتك مسترشداً، فأرشدني هداك الله (عزَّ وجلَّ).
فناولني (عليه السلام) حصاةً، فحوَّلتُ وجهي، فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك؟
فقلت: حصاة.
وكشفت يدي عنها، فإذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت، فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني، فقال لي: «ثبتت عليك الحجَّة، وظهر لك الحقُّ، وذهب عنك العمى، أتعرفني؟».
قلت: لا.
↑صفحة ١٥١↑
فقال (عليه السلام): «أنا المهدي، وأنا قائم الزمان، أنا الَّذي أملأها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، ولا يبقى الناس في فترة، فهذه أمانة تُحدِّث بها إخوانك(١٧٣) من أهل الحقِّ»(١٧٤).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧٣) في المصدر: (لا تُحدِّث بها إلَّا إخوانك).
(١٧٤) كمال الدِّين (ص ٤٤٠ و٤٤٥/ باب ٤٣/ ح ١٨).
↑صفحة ١٥٢↑
الحديث السادس والثلاثون: المهدي (عليه السلام) يغيث رجلاً من الشيعة
قال الحسن بن حمزة العلوي الطبري (قدّس سرّه) في كتابه الموسوم بكتاب (الغيبة): حدَّثنا رجل صالح من أصحابنا، قال: خرجت سنة من السنين حاجًّا إلى بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحرِّ، كثيرة السموم، فانقطعت عن القافلة، وضللت الطريق، فغلب عليَّ العطش حتَّى سقطت، وأشرفتُ على الموت، فسمعتُ صهيلاً، ففتحتُ عيني، فإذا بشابٍّ حسن الوجه، حسن الرائحة، راكب على دابَّة شهباء، فسقاني ماءً أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، ونجَّاني من الهلاك.
فقلت: يا سيِّدي، مَنْ أنت؟
قال: «أنا حجَّة الله على عباده، وبقيَّة الله في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً.
أنا ابن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)».
ثمّ قال: «أخفض عينيك»، فخفضتهما.
ثمّ قال: «افتحهما»، ففتحتهما، فرأيت نفسي في قُدَّام القافلة، ثمّ غاب عن نظري.
صلوات الله عليه وعلى جميع الأنبياء والأوصياء.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ١٥٣↑
الحديث السابع والثلاثون: بعض من رأى الإمام المهدي (عليه السلام)
قال أبو محمّد ابن شاذان (رفع الله رتبه في الجنان): حدَّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا حمَّاد بن عيسى، قال: حدَّثنا عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام): «ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلَّا يُظهِر الله تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا لإتمام الحجَّة على الأعداء».
والسلام على من اتَّبع الهدى.
انقدح في ذهن القاصر أنْ أذكر في ضمن هذا الحديث بعض من وُفِّق بشرف رؤية الحجَّة (عجَّل الله فرجه) مع قليل من المعجزات الباهرات لمنتجب خالق الأرض والسماوات.
[رؤية محمّد بن إسماعيل للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]:
قال الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان الملقَّب بالمفيد (عليه رحمة الله المَلِك المجيد) في كتاب الإرشاد (باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر (عليه السلام) وطرف من دلائله وبيِّناته):
وبعد ذكر سند روايته عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعراق.
ثمّ نقل قوله أنَّه قال: رأيت ابن الحسن بن عليِّ بن محمّد (عليهم السلام) بين المسجدين وهو غلام(١٧٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧٥) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥١).
↑صفحة ١٥٤↑
[رؤية حكيمة عمَّة العسكري (عليه السلام) للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]:
وقال الشيخ (رحمة الله عليه) أيضاً ما ملخَّصه: أنَّ حكيمة بنت محمّد بن عليٍّ قد رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك(١٧٦).
وعن عليِّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي أنَّه قال: قلت لأبي عمرو العمري: قد مَضى أبو محمّد؟
فقال لي: قد مَضى، ولكن قد خلَّف فيكم مَنْ رقبته مثل هذه - وأشار بيده -(١٧٧).
وقال فتح مولى الزراري: سمعت أبا عليٍّ ابن مطهَّر يذكر أنَّه رآه، ووصف له قَدَّه(١٧٨).
وروى محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري، عن خادمةٍ لإبراهيم بن عبدة النيشابوري - وكانت من الصالحات - أنَّها قالت: كنت واقفةً مع إبراهيم على الصفا، فجاء صاحب الأمر (عليه السلام) حتَّى وقف معه وقبض على كتاب مناسكه، وحدَّثه بأشياء(١٧٩).
وروى عن أبي عبد الله بن صالح: أنَّه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه، وهو يقول: «ما بهذا أُمروا»(١٨٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥١)، قال: (أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن رزق الله، قال: حدَّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر، قال: حدَّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليٍّ - وهي عمَّة الحسن (عليه السلام) - أنَّها رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك).
(١٧٧) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥١ و٣٥٢).
(١٧٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٢).
(١٧٩) المصدر السابق.
(١٨٠) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٢ و٣٥٣).
↑صفحة ١٥٥↑
وروى عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنَّه قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضيِّ أبي محمّد حين أيفع، وقبَّلتُ يده ورأسه(١٨١).
وروى عن القنبري، قال: جرى حديث جعفر بن عليٍّ، فذَّمه، فقلت: فليس غيره؟
قال: بلى.
قلت: فهل رأيته؟
قال: لم أرَه، ولكن غيري رآه.
قلت: مَنْ غيرك؟
قال: قد رآه جعفر مرَّتين(١٨٢).
ورآه (عليه السلام) أبو نصر طريف الخادم أيضاً.
وأمثال هذه الأخبار في هذا المعنى كثيرة، وهو كافٍ لما رمناه من الاختصار، لأنَّنا ذكرنا قبل هذا أهمّ المطالب في باب وجوده وإمامته (عليه السلام)، وما سوف يأتي بعد هذا فهو زيادة في التأكيد.
ثمّ ذكر الشيخ (رحمة الله عليه) بعد ذلك بعض معجزاته (عليه السلام)، ومن جملة معاجزه (عليه السلام)، التي رواها الشيخ (عليه الرحمة) وغيره:
أنَّ محمّد بن أبي عبد الله السياري قال: أوصلت أشياءً للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقُبِلَتْ ورُدَّ عليَّ السوار، وأُمرتُ بكسره، فَكَسَرْتُهُ، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، فأخرجتُه وأنفذتُ الذهب بعد ذلك فقُبِلَ(١٨٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٣).
(١٨٢) المصدر السابق.
(١٨٣) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٦).
↑صفحة ١٥٦↑
والرواية الأُخرى: أوصل رجل من أهل السواد مالاً، فرُدَّ عليه، وقيل له: «أخرج حقَّ ولد عمِّك منه، وهو أربعمائة درهم».
وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمِّه، فيها شركة قد حبسها عنهم، فنظر فإذا الذي لولد عمِّه من ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها، وأنفذ الباقي فقُبِلَ(١٨٤).
والرواية الأُخرى: عن القاسم بن العلاء، قال: وُلِدَ لي عدَّة بنين، فكنتُ أكتب وأسأل الدَّعاء لهم فلا يكتب إليَّ بشيء من أمرهم، فماتوا كلُّهم، فلمَّا وُلِدَ لي الحسين - ابني - كتبت أسأل الدعاء له، فأُجبت، فبقي والحمد لله(١٨٥).
والرواية الأُخرى: عن أبي عبد الله بن صالح، قال: خرجت سنة من السنين إلى بغداد، واستأذنت في الخروج، فلم يُؤذَن لي، فأقمت اثنين وعشرين يوماً بعد خروج القافلة إلى النهروان، ثمّ أُذِنَ لي بالخروج يوم الأربعاء، وقيل لي: «اُخرج فيه»، فخرجت وأنا آيس من القافلة أنْ ألحقها، فوافيتُ النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلَّا أنْ علفتُ جملي حتَّى رَحَلَتْ القافلة فَرَحَلْتُ، وقد دُعِيَ لي بالسلامة، فلم ألقَ سوءاً، والحمد لله(١٨٦).
والرواية الأُخرى: عن محمّد بن يوسف الشاشي، قال: خرج بي ناسور، فأريته الأطبَّاء، وأنفقت عليه مالاً عظيماً، فلم يصنع الدواء فيه شيئاً، فكتبتُ رُقعةً أسأل الدعاء، فوقَّع إليَّ: «ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة».
فما أتت عليَّ جمعةٌ حتَّى عوفيت وصار الموضع مثل راحتي، فدعوت طبيباً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨٤) المصدر السابق.
(١٨٥) المصدر السابق.
(١٨٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٧).
↑صفحة ١٥٧↑
من أصحابنا وأريته إيَّاه، فقال: ما عرفنا لهذا دواءً، وما جاءتك العافية إلَّا من قِبَل الله بغير احتساب(١٨٧).
والرواية الأُخرى: عن عليِّ بن الحسين اليماني، قال: كنت ببغداد، فتهيَّأت قافلة لليمانيِّين، فأردتُ الخروج معهم، فكتبتُ ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: «لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرةٌ، وأقم بالكوفة».
قال: فأقمتُ، وخَرَجَتْ القافلة، فَخَرَجَتْ عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.
قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء، فلم يُؤذَن لي، فسألتُ عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر، فعرفت أنَّه لم يسلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم: البوارج، فقطعوا عليها(١٨٨).
والرواية الأُخرى: عن عليِّ بن الحسين أيضاً، قال: وردتُ العسكر، فأتيت الدرب مع المغيب، ولم أُكلِّم أحداً ولم أتعرَّف إلى أحد، فأنا أُصلِّي في المسجد بعد فراغي مِنَ الزيارة، فإذا بخادم قد جاءني فقال لي: قُمْ.
فقلتُ له: إلى أين؟
فقال: إلى المنزل.
قلتُ: ومَنْ أنا؟ لعلَّك أُرسلت إلى غيري.
فقال: لا، ما أُرسلت إلا إليك، (أنت عليُّ بن الحسين، وكان معه غلام فسارَّه)، فلم أدرِ ما قال حتَّى أتاني بجميع ما أحتاج إليه، وجلست عنده ثلاثة أيَّام، واستأذنته في الزيارة مِنَ داخل الدار، فأذن لي، فزرت ليلاً(١٨٩).
والرواية الأُخرى: عن الحسين بن الفضل أيضاً أنَّه قال: كتب أبي بخطِّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨٧) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٧ و٣٥٨).
(١٨٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٨).
(١٨٩) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٨ و٣٥٩).
↑صفحة ١٥٨↑
كتاباً، فورد جوابه، ثمّ كتب بخطِّي، فورد جوابه، ثمّ كتب بخطِّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا ذلك الرجل قد تحوَّل قرمطيًّا(١٩٠).
والرواية الأُخرى: عن الحسين بن الفضل أيضاً أنَّه قال: وردت العراق، وعملت على ألَّا أخرج إلَّا عن بَيِّنَةٍ مَنْ أمري، ونجاح من حوائجي، ولو أحتجتُ أنْ أُقيم بها حتَّى أتصدَّق.
قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أنْ يفوتني الحجُّ، قال: فجئتُ يوماً إلى محمّد بن أحمد - وكان السفير يومئذٍ - أتقاضاه، فقال لي: صِر إلى مسجد كذا وكذا، فإنَّه يلقاك رجل.
قال: فصرتُ إليه، فدخل عليَّ رجلٌ، فلمَّا نظر إليَّ ضحك وقال لي: لا تَغْتَمْ، فإنَّك ستحجُّ في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالماً.
قال: فاطمأننت وسكن قلبي، وقلتُ: هذا مصداق ذلك.
قال: ثُمَّ وردت العسكر، فَخَرَجَتْ إليَّ صُرَّةٌ فيها دنانير وثوب، فاغتممتُ وقلتُ في نفسي: جَدِّي(١٩١) عند القوم هذا! واسْتعْمَلْتُ الجَهْلَ فَرَدَدْتُها، ثُمَّ نَدِمْتُ بعد ذلك ندامةً شديدةً، وقلت في نفسي: كَفَرْتُ بِرَدِّي على مولاي، وكَتَبْتُ رقعةً أعتذر مِنْ فعلي، وأبوءُ بالإثمِ، وأسْتَغْفِرُ مِنْ زللي، وأنْفَذْتُها، وقُمْتُ أتطهَّر للصلاة وأنا إذ ذاك أُفكِّر في نفسي وأقول: إنْ رُدَّتْ عليَّ الدنانير [لم] أحْلُلْ شَدَّها، ولم أُحْدِثْ فيها شيئاً حتَّى أحْمِلها إلى أبي فإنَّه أعْلَمُ منِّي.
فخرج إليَّ الرسولُ الذي حمل الصُّرَّة وقال: قيل لي: «أسَأتَ إذ لم تُعْلم الرجلَ، إنَّا رُبَّما فَعَلْنا ذلك بموالينا ابتداءً، ورُبَّما سألونا ذلك يتبرَّكون به».
وخرج إليَّ: «أخْطَأتَ في ردِّك برِّنا، فإذا استغفرت اللهَ فاللهُ يَغْفِرُ لك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩٠) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٩).
(١٩١) جدِّي: أي حظي ونصيبي. فهو قد استصغر ما أُعْطِي.
↑صفحة ١٥٩↑
وإذا كانت عزيمتُك وعَقْدُ نِيَّتَك فيما حملناه إليك ألَّا تُحْدِثَ فيه حَدَثاً إذا رَدَدْناه إليك، ولا تَنْتَفِعُ به في طريقك، فقد صَرَفْناه عنك، فأمَّا الثوبُ فُخْذُه لتُحرِمَ فيه»(١٩٢).
وروى عنه أيضاً أنَّه قال: وكتبت في معنيين، وأردت أنْ أكْتُبَ في الثالث فامتنعتُ منه، مخافَةَ أنْ يَكْرَهَ ذلك، فَوَرَدَ جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسَّراً(١٩٣).
وروى عنه أيضاً أنَّه قال: وكنت واقَفْتُ جعفر بن إبراهيم النيسابوري - بنيسابور - على أنْ أركَبَ معه إلى الحجِّ وأُزامِلَهُ، فلمَّا وافيتُ بغداد بدا لي وذهبتُ أطلُبُ عديلاً، فلقيني ابنُ الوجناء وكُنْتُ قد صِرْتُ إليه وسألتَهُ أنْ يَكْتَرِي لي فوجدتُه كارهاً، فلمَّا لقيني قال لي: أنا في طلبك، وقد قيل لي: «إنَّه يَصْحَبُكَ فأحْسِنْ عِشْرَتَه واطلُبْ له عديلاً واكترِ له»(١٩٤).
وروى أيضاً: عن الحسن بن عبد الحميد أنَّه قال: شَكَكْتُ في أمْر حاجز، فجمعتُ شيئاً ثمّ صرتُ إلى العسكر، فخرج إليَّ: «ليس فينا شكِّ ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، فرُدَّ ما معك إلى حاجز بن يزيد»(١٩٥).
وروى عن محمّد بن صالح أنَّه قال: لـمَّا مات أبي وصار الأمر إليَّ، وكان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم - يعني صاحب الأمر (عليه السلام)(١٩٦) -.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): وهذا رمز كانت الشيعة تَعْرفُه قديماً بينها، ويكون خطابُها عليه للتقيَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩٢) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٠ و٣٦١).
(١٩٣) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦١).
(١٩٤) المصدر السابق.
(١٩٥) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦١ و٣٦٢).
(١٩٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٢).
↑صفحة ١٦٠↑
قال محمّد بن صالح: فكتبت إليه أُعْلِمُهُ؛ فكَتَبَ إليَّ: «طالِبْهم واستقْضِ عليهم».
فقضاني الناسُ إلَّا رجلاً واحداً، وكانت عليه سُفتجةٌ بأربعمائة دينار، فجئتُ إليه أطْلبُهُ، فمَطَلَنِي واسْتَخَفَّ بي ابنه وسَفِهَ عليَّ، فشكوتُه إلى أبيه، فقال: وكان ماذا؟!
فَقَبَضْتُ على لحيته وأخَذْتُ بِرِجْلِهِ، وسَحِبْتُهُ إلى وسط الدار، فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد وهو يقول: قُمِّيٌّ رافضيٌّ قد قتل والدي.
فاجْتَمَعَ عليَّ منهم خلقُ كثير، فَرَكَبْتُ دابَّتِي وقلتُ: أحْسَنْتُم - يا أهلَ بغداد - تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همذان من أهل السُّنَّة، وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرَّفض لِيَذْهَبَ بحقِّي ومالي.
قال: فمالُوا عليه وأرادُوا أنْ يَدْخُلوا إلى حانوته حتَّى سكَّنتهم، وطلب إلَيَّ صاحبُ السُّفتَجَة أنْ آخُذَ مالَها، وحَلَفَ بالطلاق أنْ يُوفِّني مالي في الحال، فاستوفيتُهُ منه(١٩٧).
وروى أيضاً عن أحمد بن الحسن أنَّه قال: وردتُ الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أُحِبُّهم جملةً، إلى أنْ مات يزيد بن عبد الله، فأوصى في عِلَّتِهِ أنْ يُدْفَعَ (الشهري السمند) وسَيْفَهُ ومِنْطَقَتَهُ إلى مولاه، فخِفْتُ إنْ لم أدْفَعْ الشهري إلى أذكوتكين نالني منه استخفاف، فقوَّمتُ الدَّابَّةَ والسيفَ والمِنْطَقَة سبعمائة دينار في نفسي، ولَمْ أُطْلِعْ عليه أحداً ، ودَفَعْتُ الشهري إلى أذكوتكين، وإذا الكتابُ قد وَرَدَ عليَّ من العراق أنْ «وَجِّه السبع مائة دينار التي لنا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَنِ الشهري والسيف والمِنْطَقَة»(١٩٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩٧) الإرشاد (ج ٢/ ص٣٦٢ و٣٦٣).
(١٩٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٣).
↑صفحة ١٦١↑
وروى أيضاً عن عليِّ بن محمّد، قال: حدَّثني بعضُ أصحابنا، قال: وُلِدَ لِي وَلَدٌ، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورَدَ: «لا تفعل»، فمات يوم السابع، أو الثامن.
ثمّ كتبتُ بموته، فورد: «سَتُخْلَفُ غيره وغيره، فسمِّ الأوَّل أحمد، ومن بعد أحمد جعفراً»، فجاء كما قال(١٩٩).
وروى أيضاً أنَّه قال: وتهيَّأتُ للحجِّ، وودَّعْتُ الناس، وكُنْتُ على الخروج، فورد: «نحن لذلك كارهون، والأمْرُ إليك».
فضاقَ صدري، واغتممتُ وكتبتُ: أنا مقيمٌ على السمع والطاعة، غير أنِّي مغتمٌّ بتخلُّفي عن الحجِّ، فوقَّع: «لا يضيقَنَّ صَدْرُك، فإنَّك ستحجُّ قابلاً إنْ شاء الله».
قال: فلمَّا كان مِنْ قابل كَتَبْتُ أستأذن، فورد الإذن، وكَتَبْتُ: إنِّي قد عادَلْتُ محمّد بن العبَّاس، وأنا واثق بديانته وصيانته، فورَدَ: «الأسدي نِعْمَ العديل، فإنْ قَدِمَ فلا تَخْتَرْ عليه».
فَقَدِمَ الأسدي وعادَلْتَهُ...(٢٠٠).
والرواية الأُخرى: عن الحسن بن عيسى العُريضي، قال: لـمَّا مضى أبو محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وَرَدَ رجلٌ مِنْ مصر بمالٍ إلى مكَّة لصاحب الأمر، فاختُلِفَ عليه، وقال بعض الناس: إنَّ أبا محمّد قد مضى عن غير خلف، وقال آخرون: الخلف من بعده جعفر، وقال آخرون: الخلف من بعده ولده. فبعث رجلاً يُكنَّى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر وصحَّته ومعه كتابٌ، فصار الرَّجُلُ إلى جعفر وسأله عن برهان، فقال له جعفر: لا يتهيَّأ لي في هذا الوقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩٩) المصدر السابق.
(٢٠٠) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٤).
↑صفحة ١٦٢↑
فصار الرجل إلى الباب، وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا المرسومين بالسفارة، فَخَرَج إليه: «آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يجب»، وأُجيب عن كتابه.
وكان الأمر كما قيل له(٢٠١).
والرواية الأُخرى: عن عليِّ بن محمّد، قال: حمل رجل من أهل آبة(٢٠٢) شيئاً يوصله، ونسي سيفاً كان أراد حمله، فلمَّا وصل الشيء كتب إليه بوصوله، وقيل في الكتاب: «ما خبر السيف الذي أُنْسِيَته؟»(٢٠٣).
والرواية الأُخرى: عن الحسن بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد كتاب أبي محمّد (عليه السلام) في الإجراء على الجنيد - قاتل فارس بن حاتم بن ماهويه - وأبي الحسن، وأخي، فلمَّا مضى أبو محمّد (عليه السلام) ورد استئنافٌ مِنَ الصَّاحب (عليه السلام) بالإجراء لأبي الحسن وصاحبه، ولم يَرِدْ في أمْرِ الجنيد شيءٌ.
قال: فاغْتَمَمْتُ لذلك، فوَرَدَ نَعْيُ الجنيد بَعْدَ ذلك(٢٠٤).
وقال صاحب كتاب (كفاية المؤمنين) وهو ترجمة (الخرائج والجرائح)(٢٠٥):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٤ و٣٦٥).
(٢٠٢) آبة: بلدة من نواحي ساوة القريبة من قم في إيران.
(٢٠٣) وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) بين الرواية السابقة والرواية الآتية هذه الرواية: وبهذا الإسناد، عن عليِّ ابن محمّد، عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً، فلم أُحِبّ أنْ أُنفذها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثت بها إلى الأسدي ولم أكتب ما ليَّ فيها، فورد الجواب: «وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً».
(٢٠٤) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٥ و٣٦٦).
(٢٠٥) نقل الراوندي القضيَّة في الخرائج والجرائح (ج ٢/ ص ٦٩٥ و٦٩٦)، ونقله عنه السيِّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز (ج ٨/ ص ١٦٦ و١٦٧)، ولكن في الترجمة اختلافات، وبما أنَّا نحتمل أنَّ الزيادة قد تكون من نسخة بدل لذلك فقد ترجمنا الرواية في الأصل ونقلنا الرواية التي نقلها الشيخ الراوندي في الخرائج في الهامش، كما أنَّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) روى هذه الرواية بشكل مختصر في كتابه الغيبة (ص ٤١٥).
قال الراوندي في الخرائج والجرائح: (قال محمّد بن يوسف الشاشي: إنَّني لـمَّا انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له: محمّد بن الحصين الكاتب، وقد جمع مالاً للغريم، فسألني عن أمر الغريم، فأخبرته بما رأيته من الدلائل، فقال: عندي مال للغريم، فأيش تأمرني؟ فقلت: وجِّهه إلى حاجز. فقال لي: فوق حاجز أحد؟ فقلت: نعم، الشيخ. فقال: فخرجت من عنده، فلقيته بعد سنين، فقال: هو ذا أخرج إلى العراق ومعي مال الغريم، وأُعلمك أنِّي وجَّهت إليه بمائتي دينار لأنِّي شككت، وأنَّ الباقي له عندي، فكان كما وصف، وقال: إنْ أردت أنْ تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالريِّ. فقلت: أفكان كما كتب إليك؟ قال: نعم وجَّهت بمائتي دينار لأنِّي شككت، فأزال الله عنِّي ذلك، فورد موت حاجز بعد يومين أو ثلاثة، فصرت إليه، فأخبرته بموت حاجز، فاغتمَّ. فقلت: لا تغتم، فإنَّ ذلك دلالة لك في توقيعه إليك، وإعلامه أنَّ المال ألف دينار. والثانية: أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز).
↑صفحة ١٦٣↑
وقد روى عن محمّد بن يوسف الشاشي أنَّه قال: إنِّي لـمَّا انصرفت إلى العراق ووصلت إلى مرو، فرأيت رجلاً يقال له: محمّد بن الحصين الكاتب، وكنت أعرفه قبل أنْ أراه، كثير الاعتناء بزينته وغنيًّا جدًّا، وقد جمع مالاً للإمام (عليه السلام) من أمواله، فعندما رآني سألني: هل تعرف طريقة لأُبرأ ذمَّتي؟
فقلت: نعم، شابٌّ علوي ابن الإمام الحسن العسكري، وقد رأيت وسمعت عنه كثيراً من الدلائل الباهرات، والمعجزات الظاهرات، وإنِّي على يقين أنَّه هو الإمام وخليفة الرحمن في هذا الزمان.
قال محمّد بن الحصين: هل أقدر أنْ أصل إليه؟
فقلت: إنَّه لا يمكن أنْ يراه أحد، فقد اختفى خوفاً من الأعداء، ولكن حاجز يقوم بشؤونه، وتخرج توقيعاته (عليه السلام) أيضاً إلى الشيخ أبي القاسم ابن روح، وتحلُّ في تلك الرسائل مشكلات الخلق.
قلت: أنا لا أعرف به (عليه السلام)، وأثق بكلامك، فإذا كنت قد قلت خلاف الواقع فسوف ألزمك يوم القيامة.
↑صفحة ١٦٤↑
فقلت: ليكون ذلك ما تقول، فليس عندي شكٌّ أنَّ الإمام بالحقِّ والخليفة المطلق هو ابن الحسن (عليهما السلام).
وافترقنا بعد هذا الحديث، وعندما انقضت سنتان من هذا التاريخ التقيت مرَّةً أُخرى بمحمّد بن الحصين حينما كنت متوجِّهاً إلى العراق.
فقلت: كيف حالك؟ وما عملت بذلك المال؟
فقال: بعثت بمائتي دينار على يد عابد بن كعكي الفارسي وأحمد بن عليٍّ الكشوفي، وكتبت إليه بذلك وسألته الدعاء، فخرج الجواب: «إنَّه وصلت المائتي دينار التي أرسلتها، من الألف دينار الذي في ذمَّتك من حقِّنا».
فعندما قرأت توقيعه الشريف (عليه السلام) هذا فتذكَّرت أنَّه كان له قِبَلي ألف دينار، وكنت قد نسيته.
وكان قد كتب (عليه السلام) أيضاً: «إنْ أردت أنْ تُؤدِّي الباقي فلا تخرج عن رأي أبي الحسن الأزدي الذي يسكن حاليًّا في الريِّ».
وبعد ورود هذا التوقيع عليَّ تيقَّنت أنَّه إمام الزمان وخليفة الرحمن.
يقول الراوي: قلت لمحمّد بن الحصين الكاتب: هل كان صحيحاً أنَّك أرشدته إلى ذلك الطريق؟
قال: إي والله.
وفي أثناء هذه الحكاية جاءنا من يُخبِرنا بموت حاجز.
فاغتمَّ محمّد بن الحصين لموت حاجز كثيراً.
فقلت: لا تغتمّ كثيراً، فإنَّ موت حاجز كان معلوماً له (عليه السلام)، ولذلك فوَّضَك بالاسترشاد وبهذا الأمر إلى أبي الحسن الأزدي.
وقال أيضاً صاحب (الكفاية): روي أنَّ مسرور الطبَّاخ قال: كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقةٍ أصابتني رجاء مساعدته في هذا الاضطراب، وقبل أنْ
↑صفحة ١٦٥↑
أُرسل هذا الكتاب صرت في الرحبة، فإذا بي أرى شابًّا أسمر لم أرَ أحداً بحسنه وصورته، فقبض على يدي ودسَّ فيها صُرَّة بيضاء، فإذا عليها كتابة فيها: اثنا عشر دينار، وكُتِبَ على الجانب الآخر: «مسرور الطبَّاخ»(٢٠٦).
وقال الشيخ الطرابلسي في كتاب (الفرج الكبير): إنَّه كان دائماً كلَّما يصل إليه (عليه السلام) من الخُمُس والهدية وغيرها فإنَّه كان (عليه السلام) يصرفه.
وقال صاحب (الكفاية) أيضاً: روي عن جعفر بن حمدان، عن حسن بن حسين الأسترآبادي، قال: كنت في الطواف، فشككت فيما بيني وبين نفسي في الطواف [هل أتممت طوافي أم لا؟](٢٠٧)، فإذا شابٌّ قد استقبلني، حسن الوجه، قال: «طف أُسبوعاً آخر»، [وغاب عن ناظري، فعلمت أنَّ طوافي كان تامًّا، وكنت قد شككت بعدما أكملت الشوط السابع].
وقال أيضاً: وقد روي عن الراوي السابق: حدَّثنا علاء بن أحمد أنَّه روى عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد كبار الصالحين وقد وُلِدَ بالمدائن ونشأ بمصر -، قال: خرجت في طلب وصيِّه (عليه السلام) بعد مضيِّ أبي محمّد - يعني الإمام الحسن العسكري -، وقد بحثت في البلاد والأمصار لمعرفة خليفته، وعلمت أنَّ خلفه الصدق هو الحجَّة بن الحسن (عليهما السلام)، ولكنِّي قلت: إنَّني ما لم أرَه فلا يطمئنُّ قلبي، فقلت في نفسي يوماً: إنَّه من المحتمل أنْ يظهر أثر لمطلوبي بعد سنتين أو ثلاث سنوات، فإذا بي أسمع صوتاً ولم أرَ شخصاً: «يا نصر بن عبد ربِّه، قل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٦) ولكن في الخرائج والجرائح (ج ٢/ ص ٦٩٧/ ح ١٢) الرواية هكذا: (إنَّ مسروراً الطبَّاخ قال: كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقةٍ أصابتني، فلم أجده في البيت، فانصرفت، فدخلت مدينة أبي جعفر، فلمَّا صرت في الرحبة، حاذاني رجل لم أرَ وجهه، وقبض على يدي ودسَّ فيها صرَّة بيضاء، فنظرت فإذا عليها كتابة فيها اثنا عشر ديناراً وعلى الصرَّة مكتوب: «مسرور الطبَّاخ»).
(٢٠٧) ما بين المعقوفتين زيادة في الترجمة، ولم تكن في المصدر المطبوع ولا في غيره في الكُتُب المتقدِّمة التي نقلت عن المصدر كمدينة المعاجز والبحار وغيرهما؛ وكذلك ما يأتي.
↑صفحة ١٦٦↑
لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فآمنتم به؟ أم أنَّكم أوقفتم إيمانكم به إلى أنْ تروه؟».
قال: فتعجَّبت كثيراً من سماع هذا الكلام، وقلت: من أين علم هذا أنَّ اسم أبي عبد ربِّه مع أنَّ أبي تُوفِّي في المدائن وقد كنت رضيعاً، وجاء بي إلى مصر أبو عبد الله النوفلي وكنت صغيراً، حتَّى عرفني الجميع بأنِّي ابنه، فعلمت أنَّ هذا الصوت كان لشكِّي بالحجَّة بن الحسن (عليهما السلام)، فارتفع منِّي، فتوجَّهت من ساعتي إلى مصر، فأخبرت أهل تلك الديار بذلك، فأقرَّ جمع كثير بإمامته (عليه السلام)(٢٠٨).
وقال صاحب الكفاية أيضاً: روي عن عليِّ بن محمّد الرازي المشهور بالكليني أنَّه قال: حدَّثنا جماعة من أصحابنا أنَّه بعث صاحب الزمان (عليه صلوات الرحمن) إلى أبي عبد الله بن الجنيد غلاماً لثمن بعض الأمتعة التي كانت عند أبي عبد الله، وكان أبو عبد الله قد باع المتاع وقد نقصت ثمانية عشر قيراطاً وحبَّة، فوزن أبو عبد الله ذلك المقدار من ماله، فأنفذ جميع ذلك المال بتمامه وكماله مع الغلام إليه (عليه السلام)، فحينما سلَّم الغلام ذلك المال لأحد خدمته (عليه السلام) وأحضر الخادم المال إليه (عليه السلام)، وأشار (عليه السلام) إلى دينار وقال: «ابعث بهذا الدينار إلى أبي عبد الله، لأنَّه أكمله من ماله بثمانية عشر قيراطاً وحبَّة»، فعندما وزن ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٨) وأمَّا الرواية في المصدر فهي: (ومنها ما قال: وحدَّثنا علَّان الكليني: حدَّثنا الأعلم المصري، عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد الصالحين -، قال: خرجت في الطلب بعد مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام) فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين. فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً: «يا نصر بن عبد ربِّه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فآمنتم به؟!». قال أبو الرجاء: ولم أعلم أنَّ اسم أبي (عبد ربِّه) وذلك أنِّي وُلِدْتُ بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر، فنشأت بها، فلمَّا سمعت الصوت لم أُعرِّج على شيء وخرجت). (الخرائج والجرائح: ج ٢/ ص ٦٩٨ و٦٩٩/ ح ١٦).
↑صفحة ١٦٧↑
الدينار، فكان ثمانية عشر قيراطاً وحبَّة، وأُرجع بأمره (عليه السلام) إلى أبي عبد الله الجنيد(٢٠٩).
وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) حديثاً أورده في كتابه، وقد ترجمه أحد علماء الإماميَّة، وأنا أنقله على الوجه الذي رواه هذا العالم الشيعي رعايةً للاختصار:
قد ترجم هذا المرجع الدِّيني الحديث على هذا النحو الذي ثبَّته في كتابه:
قال سعد بن عبد الله ابن أبي خلف الأشعري القمِّي (عليه الرحمة): اتَّفق يوماً أنْ جرى الحديث بيني وبين أحد المخالفين حول الإمامة، ووصلت المناظرة إلى أنْ قال ذلك المخالف: أسلم أبو بكر وعمر في الإسلام طوعاً أو كرهاً؟
ففكَّرت في ذلك، فقلت: إنْ قلت: كرهاً، فقد كذبت [خفت خ ل] إذ لم يكن حينئذٍ سيف مسلول، وإنْ قلت: طوعاً، فالمؤمن لا يكفر بعد إيمانه، فدفعته عنِّي دفعاً بالراح لطيفاً، وخرجت من ساعتي إلى دار أحمد بن إسحاق أسأله عن ذلك، فقيل لي: إنَّه خرج إلى سُرَّ من رأى اليوم [للقاء الإمام (عليه السلام)]. فانصرفت إلى بيتي وركبت دابَّتي وخرجت خلفه حتَّى وصلت إليه في المنزل، فسألني عن حالي، فقلت: أجيء إلى حضرة أبي محمّد (عليه السلام)، فعندي أربعون مسألة قد أشكلت عليَّ.
فقال: خير صاحب ورفيق.
فمضينا حتَّى دخلنا سُرَّ من رأى، وأخذنا بيتين في خان وسكن كلُّ واحدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٩) وأمَّا الرواية في المصدر فهي: (ومنها: ما قال الكليني هذا: حدَّثنا جماعة من أصحابنا أنَّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط - غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمَّا عيَّر الدنانير نقصت ثمانية عشر قيراطاً وحبَّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبَّة، وأنفذ المال، فردَّ عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبَّة). (الخرائج والجرائح: ج ٢/ ص ٧٠٤/ ح ٢٠).
↑صفحة ١٦٨↑
منَّا في بيت، وخرجنا إلى الحمَّام واغتسلنا غسل الزيارة والتوبة، فلمَّا رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جراباً ولفَّه بكساء طبري، وجعله على كتفه، ومشينا وكنَّا نُسبِّح الله ونُكبِّره ونُهلِّله ونستغفره ونُصلِّي على محمّدٍ وآله الطاهرين إلى أنْ وصلنا إلى باب الدار، واستأذن أحمد بن إسحاق، فأُذِنَ له بالدخول، فلمَّا دخلنا فإذا أبو محمّد (عليه السلام) على طرف الصفة قاعد، وكان على يمينه غلام قائم كأنَّه فلقة قمر، فسلَّمنا فأحسن الجواب وأكرمنا وأقعدنا، فجعل أحمد الجراب بين يديه، وكان أبو محمّد (عليه السلام) ينظر في درج طويل في الاستفتاء قد وردَّ عليه من ولاية، فجعل يقرأ ويكتب تحت كلِّ مسألة جوابها، فالتفت إلى الغلام وقال: هذه هدايا موالينا، وأشار إلى الجراب.
فقال الغلام: هذا لا يصلح لنا لأنَّ الحلال مختلط بالحرام.
فقال أبو محمّد (عليه السلام): «أنت صاحب الإلهام، أفرق بين الحلال والحرام».
ففتح أحمد الجراب وأخرج صُرَّة، فنظر إليها الغلام وقال: «هذا بعثه فلان بن فلان، [وفيه ثلاثة دنانير ذهب أحدها من فلان بن فلان وهو معيب، والآخر سرقه فلان بن فلان]»(٢١٠).
وذكر على هذا المنوال أسماء الأشياء الباقية في الكيس وميَّز حلالها عن حرامها، وهكذا أخرج أحمد الصُّرَر واحدة واحدة وذكر (عليه السلام) عيب كلِّ واحدة منها، إلى أنْ قال في الأخير: «احملها إلى أصحابها»(٢١١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٠) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (من محلَّة كذا، وكان باع حنطة خاف على الزرَّاع في مقاسمتها، وهي كذا ديناراً، وفي وسطها خطٌّ مكتوب عليه كميَّته، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأُخرى ليس عليها السكَّة، والأُخرى فلاني أخذها من نسَّاج غرامة من غزل سُرِقَ من عنده).
(٢١١) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (ثمّ أخرج صرَّة فصرَّة وجعل يتكلَّم على كلِّ وحدة بقريب من ذلك. ثمّ قال: اُشدد الجراب على الصدر حتَّى توصلها عند وصولك إلى أصحابها).
↑صفحة ١٦٩↑
ثمّ قال: هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة، وكانت امرأة بقم قد غزلته بيدها ونسجته.
[فأخرجه أحمد، وقبل ذلك الثوب، فنظر الإمام (عليه السلام) إليَّ وقال: «سَلْ ولدي عن مسائلك فإنَّه يجيبك بالصواب».
فعندما أردت أنْ أقولها](٢١٢)، فقال لي الغلام ابتداءً: «هلَّا قلت للسائل: ما أسلما طوعاً ولا كرهاً، وإنَّما أسلما طمعاً، فقد كانا يسمعان من أهل الكتاب منهم من يقول: [إنَّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سوف](٢١٣) يملك المشرق والمغرب وتبقى نبوَّته إلى يوم القيامة، ومنهم من يقول: يملك الدنيا كلَّها ملكاً عظيماً وتنقاد له الأرض، فدخلا كلاهما في الإسلام طمعاً في أنْ يجعل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلَّ واحدٍ منهما والي ولاية، فلمَّا آيسا من ذلك دبَّرا مع جماعة في قتل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة، فكمنوا له، وجاء جبرئيل (عليه السلام) وأخبر محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك، فوقف على العقبة وقال: يا فلان، يا فلان، يا فلان، اُخرجوا فإنِّي لا أمرُّ حتَّى أراكم كلَّكم قد خرجتم، وقد سمع ذلك حذيفة. ومثلهما طلحة والزبير، فهما بايعا عليًّا بعد قتل عثمان طمعاً في أنْ يجعلهما كليهما عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) والياً على ولاية، لا طوعاً ولا رغبةً ولا إكراهاً ولا إجباراً، فلمَّا آيسا من ذلك من عليٍّ (عليه السلام) نكثا العهد وخرجا عليه وفعلا ما فعلا»، وأجاب عن مسائلي الأربعين.
قال: ولـمَّا أردنا الانصراف، قال أبو محمّد (عليه السلام) لأحمد بن إسحاق: «إنَّك تموت السنة».
فطلب منه الكفن، فقال (عليه السلام): «يصل إليك عند الحاجة».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٢) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (فخرج أحمد ليجيء بالثوب، فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): ما فعلت مسائلك الأربعون؟ سَلْ الغلام عنها يجيبك).
(٢١٣) هذه الزيادة في الترجمة، وبدلها في المصدر: (نبيٌّ يملك المشرق والمغرب، وتبقى نبوَّته إلى يوم القيامة).
↑صفحة ١٧٠↑
[فعندما وصل أحمد إلى حلوان حمَّ، وفي الليلة التي مات فيها أحمد](٢١٤) فجاء اثنان من عند أبي محمّد (عليه السلام) ومعهما أكفانه، فغسَّلاه وكفَّناه وصلَّيا عليه(٢١٥).
وقال هذا المرجع الدِّيني بعد أنْ نقل هذا الخبر: إنَّ هذه الحكاية طويلة، وقد اختصرناها.
يقول مترجم هذه الأربعين: إنَّ الذي دعا هذا الرجل الدِّيني على الاكتفاء بهذا المقدار القليل والاختصار بالنقل هو أنَّ جناب الآخوند قد ذكر تفصيل ترجمة هذا الحديث في كتابه الذي ألَّفه عن الرجعة.
إذن فلا يذهب بفكر بعض الأحباب إلى أنَّ سبب الإجمال هو ما ذكره بعض علماء الرجال في باب هذا الحديث(٢١٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٤) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (قال سعد بن عبد الله: فخرجنا حتَّى وصلنا حلوان، فحمَّ أحمد بن إسحاق ومات بالليل في حلوان).
(٢١٥) في المصدر اختلاف في بعض العبارات راجعها في: الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٨١/ ح ٢٢)، ورواه عنه البحراني في مدينة المعاجز (ج ٢/ ص ١٥٩ - ١٦٣)، وقد رواها الشيخ الصدوق (رحمه الله) بشكل أكثر تفصيلاً في كمال الدِّين (ص ٤٥٤).
(٢١٦) قد وقع الكلام عند علماء الرجال في لقاء سعد بن عبد الله الأشعري للإمام العسكري (عليه السلام)، وذلك لما قاله النجاشي (رحمه الله) في رجاله: (... ولقي أبا محمّد (عليه السلام). ورأيت بعض أصحابنا يُضعِّفون لقاءه لأبي محمّد (عليه السلام) ويقولون: هذه حكاية موضوعة عليه. والله أعلم) انتهى كلامه رُفِعَ مقامه.
ولكنَّك خبير بأنَّ الشيخ النجاشي قد صرَّح بلقاء سعد لأبي محمّد العسكري (عليه السلام) وذكر ذلك جازماً حيث قال: (ولقي أبا محمّد (عليه السلام))، ولكنَّه شكَّك في قول من ضعَّف لقاء سعد بأبي محمّد (عليه السلام) وختم مقالته بقوله: (والله أعلم).
وما جاء في معجم الرجال لسيِّدنا (قدّس سرّه) من تضعيف اللقاء بتضعيف الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في كمال الدِّين سنداً لما احتواه السند من متَّهم بالغلوِّ وهو محمّد بن بحر بن سهل الشيباني وأنَّه لم يُوثَّق، بالإضافة إلى احتواء السند على مجاهيل.
وبما جاء في متن الرواية ممَّا أشكل عليه سيِّدنا بإشكالين يمكن معالجتهما بالرجوع إلى الرواية التي نقلها غير الصدوق ولم تحتو على هذين المشكلتين متناً.
وكذلك يمكن الرجوع إليها لأنَّها خالية من الإشكالات السنديَّة؛ ولو أنَّنا يمكننا أنْ نعالج سند رواية الصدوق بتفصيل ليس هنا محلُّه.
وعلى كلِّ حالٍ فإنَّ الإشكال في رواية الصدوق لا يصلح ردَّ دعوى لقاء سعد بأبي محمّد (عليه السلام)، لاحتمال وجود روايةٍ بمتنٍ وسندٍ آخر لم يذكر.
مع قطع النجاشي بصحَّة لقاءه بالإمام (عليه السلام).
↑صفحة ١٧١↑
والسلام على من اتَّبع الهدى.
[ملاقاة أبي محمّد العجلي للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]:
وكان ممَّن رآه أيضاً أبو محمّد العجلي، حيث دفع إليه أحد الشيعة ذهباً ليحجَّ عن صاحب الأمر (عليه السلام)، وكانت هذه عادة الشيعة، وكان أبو محمّد هذا شيخاً كبير السنِّ من صلحاء الشيعة، وكان له ولدان، أحدهما عابد صالح، والآخر فاسق وفاجر، فأعطى أبو محمّد شيئاً من ذلك الذهب لولده الفاسق أيضاً.
فحكى قائلاً: عندما وصلت إلى عرفات رأيت شابًّا حسن الوجه، أسمر اللون، مقبلاً على شأنه في الابتهال والدعاء والتضرُّع، فلمَّا قرب نفر الناس التفت إليِّ وقال: «يا شيخ، أمَا تستحي من الله؟».
قلت: من أيِّ شيء، يا سيِّدي ومولاي؟
قال: «يُدفَع إليك حجَّة عمَّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر فينصرف ذلك الذهب في الفسق، ولا تخاف أنْ تذهب عينك - وأومأ إلى أحد عيني -».
↑صفحة ١٧٢↑
فخجلت وجريت، وعندما رجعت إلى نفسي فأطلت النظر فلم أرَه، وأنا من ذلك اليوم إلى الآن على وجل ومخافة على عيني.
روى الأُستاذ شيخ الطائفة - أعني محمّد بن محمّد بن النعمان - الملقَّب بالمفيد أنَّه قال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتَّى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت.
فعلم أنَّه كان ذلك الشابُّ هو الصاحب (عليه السلام) ولم يعرفه(٢١٧).
والرواية الأُخرى: عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إليَّ امرأة من أهل دينور، فأتيتها، فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق مَنْ في ناحيتنا ديناً وورعاً، وإنِّي أُريد أنْ أُودعك أمانة أجعلها في رقبتك تُؤدِّيها وتقوم بها.
فقلت: أفعل إنْ شاء الله تعالى.
فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحلّه، ولا تنظر فيه حتَّى تُؤدِّيه إلى من يُخبِرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبَّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان حاجة أُريد أنْ يُخبِرني بها قبل أنْ أسأله عنها.
فقلت: وما الحاجة؟
قالت: عشرة دنانير استقرضتها أُمِّي في عرسي لا أدري ممَّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإنْ أخبرك بها، فادفعها إلى من يأمرك بها.
قال: وكنت أقول بجعفر بن عليٍّ، فقلَّت هذه المحبَّة بيني وبين جعفر.
فحملت المال وخرجت حتَّى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشَّاء، فسلَّمت عليه وجلست، فقال: ألك حاجة؟
قلت: هذا مال دُفِعَ إليَّ، لا أدفعه إليك حتَّى تُخبِرني كم هو، ومن دفع إليَّ، فإنْ أخبرتني دفعته إليك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٧) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٨٠/ ح ٢١) مع اختلاف بعض الألفاظ.
↑صفحة ١٧٣↑
قال: لم أُؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك، فإذا فيها: «لا تقبل من أحمد بن أبي روح، توجَّه به إلينا إلى سُرَّ مَن رأى».
فقلت: لا إله إلَّا الله، هذا أجلُّ شيء أردته.
فخرجت ووافيت سامرَّاء، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكَّرت فقلت: أبدأ بهم، فإنْ كانت المحبَّة من عندهم وإلَّا مضيت إلى جعفر.
فدنوت من دار أبي محمّد (عليه السلام)، فخرج إليَّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟
قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة اقرأها.
فقرأتها، فإذا فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح، أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظنُّ، وقد أدَّيت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاح، ومعك قرط زعمت المرأة أنَّه يساوي عشرة دنانير، صدقت، مع الفصَّين اللَّذين فيه، وفيه ثلاث حبَّات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفع ذلك إلى جاريتنا فلانة فإنَّا قد وهبناه لها، وصِر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.
وأمَّا العشرة دنانير التي زعمت أنَّ أُمَّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري مَنْ صاحبها، بل هي تعلم لمن، وهي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبيَّة، فتحيَّرت أنْ تعطيها إيَّاها، وأوجبت أنْ تقسمها في إخوانها، فاستأذنتنا في ذلك، فلتُفرِّقها في ضعفاء إخوانها.
ولا تعودنَّ يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحبَّة له، وارجع إلى منزلك فإنَّ عدوَّك قد مات، وقد ورَّثك الله أهله وماله».
↑صفحة ١٧٤↑
فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أُمرت بدفعها إليك لنفقتك.
فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، (فإذا أنا بفيج وقد جاءني من منزلي يُخبِرني بأنَّ حموي) قد مات وأهلي يأمرونني بالانصراف إليهم.
فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار، ومائة ألف درهم(٢١٨).
[ملاقاة ابن مهزيار للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]:
ونقل أيضاً شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر الطوسي (نوَّر الله مرقده) في كتاب (الغيبة) بإسناده إلى حبيب بن يونس بن شاذان الصنعاني أنَّه قال: دخلت إلى عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، فسألته عن آل أبي محمّد (عليه السلام)، فقال: يا أخي، لقد سألت عن أمرٍ عظيم، حججت عشرين حجَّة كلَّا أطلب به عيان الإمام فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فبينا أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول: يا عليَّ بن إبراهيم، قد أذن الله لك في الحجِّ.
فلم أعقل ليلتي حتَّى أصبحت، فأنا مفكِّر في أمري أرقب الموسم ليلي ونهاري، فلمَّا كان وقت الموسم أصلحت أمري، وخرجت متوجِّهاً نحو المدينة، فما زلت كذلك حتَّى دخلت يثرب، فسألت عن آل أبي محمّد (عليه السلام)، فلم أجد له أثراً ولا سمعت له خبراً، فأقمت مفكِّراً في أمري حتَّى خرجت من المدينة أُريد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٨) في الترجمة اختلافات يسيرة، ويبدو أنَّها بسبب الترجمة وليست عندي نسخة بدل، فلذلك اكتفينا بنقل الرواية عن ما في المصدر.
ولكن في الترجمة في ذيل الحديث زيادة بعد أنِ استلم الراوي ما أعطاه حاجزاً: (فأخذتها وودَّعته وتوجَّهت إلى بلادي، فوصل إليَّ في نفس الساعة من يُخبرني أنَّ عدوَّك عمر قد مات؛ وبعد أربعة أشهر تزوَّجت بزوجة عمر وكانت جميلة جدًّا وذات مال وفير، وقد وصلني بعد زواجي بهذه المرأة ثلاثة آلاف ديناراً ومائة ألف درهم). (الخرائج والجرائح: ج ٢/ ص ٦٩٩ - ٧٠٢/ ح ١٦).
↑صفحة ١٧٥↑
مكَّة، فدخلت الجحفة وأقمت بها يوماً، وخرجت منها متوجِّهاً نحو الغدير، وهو على أربعة أميال من الجحفة، فلمَّا دخلت المسجد وعفَّرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم، وخرجت أُريد عسفان، فما زلت كذلك حتَّى دخلت مكَّة، فأقمت بها أيَّاماً أطوف البيت واعتكفت، فبينا أنا ليلة في الطواف، إذ أنا بفتى حسن الوجه، طيِّب الرائحة، يتبختر في مشيته، طائف حول البيت، فحسَّ قلبي به، فقمت نحوه، فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟
فقلت: من أهل العراق.
فقال: من أيِّ العراق؟
قلت: من الأهواز.
فقال لي: تعرف بها الخصيب؟
فقلت: رحمه الله، دُعِيَ فأجاب.
فقال: رحمه الله، فما كان أطول ليلته وأكثر تبتُّله وأغزر دمعته، أفتعرف عليَّ ابن إبراهيم بن المازيار؟
فقلت: أنا عليُّ بن إبراهيم.
فقال: حيَّاك الله أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)؟
فقلت: معي.
قال: أخرجها.
فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلمَّا أنْ رآها لم يتمالك أنْ تغرغرت عيناه بالدموع، وبكى منتحباً حتَّى بلَّ أطماره، ثمّ قال: أُذِنَ لك الآن يا بن مازيار، صُر إلى رحلك وكن على أُهبة من أمرك، حتَّى إذا لبس الليل جلبابه، وغمر الناس ظلامه، سِرْ إلى شِعب بني عامر، فإنَّك ستلقاني هناك.
↑صفحة ١٧٦↑
فسرت إلى منزلي، فلمَّا أنْ أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدَّمت راحلتي وعكمته شديداً، وحملت وصرت في متنه، وأقبلت مجدًّا في السير حتَّى وردت الشِّعب، فإذا أنا بالفتى قائم ينادي: يا أبا الحسن إليَّ.
فما زلت نحوه، فلمَّا قربت بدأني بالسلام وقال لي: سِرْ بنا يا أخ.
فما زال يُحدِّثني وأُحدِّثه حتَّى تخرَّقنا جبال عرفات، وسرنا إلى جبال منى، وانفجر الفجر الأوَّل ونحن قد توسَّطنا جبال الطائف.
فلمَّا أنْ كان هناك أمرني بالنزول، وقال لي: انزل فصلِّ صلاة الليل، فصلَّيت، وأمرني بالوتر، فأوترت، وكانت فائدة منه، ثمّ أمرني بالسجود والتعقيب، ثمّ فرغ من صلاته وركب، وأمرني بالركوب، وسار وسرت معه حتَّى علا ذروة الطائف، فقال: هل ترى شيئاً؟
قلت: نعم، أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقَّد البيت نوراً.
فلمَّا أنْ رأيته طابت نفسي، فقال لي: هناك الأمل والرجاء.
ثمْ قال: سِرْ بنا يا أخ.
فسار وسرت بمسيره إلى أنِ انحدر من الذروة وسار في أسفله، فقال: انزل، فهاهنا يذلُّ كلُّ صعب، ويخضع كلُّ جبَّار، ثمّ قال: خلِّ عن زمام الناقة.
قلت: فعلى من أُخلِّفها؟
فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلَّا مؤمن، ولا يخرج منه إلَّا مؤمن.
فخلَّيت من زمام راحلتي، وسار وسرت معه إلى أنْ دنا من باب الخباء، فسبقني بالدخول وأمرني أنْ أقف حتَّى يخرج إليَّ.
ثمّ قال لي: اُدخل، هنَّأك السلامة.
فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتَّشح ببردة، واتَّزر بأُخرى، وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كأُقحوانة أُرجوان قد تكاثف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصن بان، أو قضيب ريحان، سمحٌ سخيٌّ تقيٌّ نقيٌّ، ليس بالطويل
↑صفحة ١٧٧↑
الشامخ، ولا بالقصير اللَّازق، بل مربوع القامة، مدوَّر الهامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدَّين، على خدِّه الأيمن خال كأنَّه فتات مسك على رضراضة عنبر.
فلمَّا أنْ رأيته بادرته بالسلام، فردَّ عليَّ أحسن ما سلَّمت عليه، وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت: سيِّدي، قد أُلبسوا جلباب الذلَّة، وهم بين القوم أذلَّاء.
فقال لي: «يا ابن المازيار، لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذٍ أذلَّاء».
فقلت: سيِّدي، لقد بعد الوطن وطال المطلب.
فقال: «يا ابن المازيار، أبي أبو محمّد عهد إليَّ أنْ لا أُجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم.
وأمرني أنْ لا أسكن من الجبال إلَّا وعرها، ومن البلاد إلَّا عفرها، والله مولاكم أظهر التقيَّة فوكلها بي، فأنا في التقيَّة إلى يوم يُؤذَن لي فأخرج».
فقلت: يا سيِّدي، متى يكون هذا الأمر؟
فقال: «إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم».
فقلت: متى، يا ابن رسول الله؟
فقال لي: «في سنة كذا وكذا تخرج دابَّة الأرض من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق الناس إلى المحشر».
قال: فأقمت عنده أيَّاماً، وأذن لي بالخروج بعد أنِ استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي، والله لقد سرت من مكَّة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني، فلم أرَ إلَّا خيراً(٢١٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٩) الغيبة للطوسي (ص ٢٦٣ - ٢٦٧).
↑صفحة ١٧٨↑
وهذا الحديث يُؤيِّد المعنى الذي يقول بأنَّ وقت ظهور صاحب الأمر(عليه السلام) لا يعلمه إلَّا الله تعالى، فإنَّه قد ذكر (عليه السلام) في جواب عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار: متى يكون هذا الأمر؟ عدَّة علامات، مع أنَّه لا يعلم وقت ظهور تلك العلامات أيضاً، بل إنَّ وقت تلك العلامات مخفيَّة عليه (عليه السلام) أيضاً.
وهناك الكثير ممَّن سعى لذلك في حياة والد الإمام الحجَّة (عليه السلام) للحصول على هذه السعادة، يعني أنْ يتشرَّف برؤية رئيس الأخيار، مثل يعقوب بن منقوش، فقد روى ابن بابويه بإسناده عن يعقوب المذكور أنَّه قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكَّان في الدار، وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيِّدي، من صاحب هذا الأمر؟
فقال: «ارفع الستر».
فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسيٌّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دُرِّيُّ المقلتين، شثن الكفَّين، معطوف الركبتين، في خدِّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: «هذا هو صاحبكم».
ثمّ وثب، فقال له: «يا بنيَّ، اُدخل إلى الوقت المعلوم».
فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: «يا يعقوب، اُنظر إلى من في البيت».
فدخلت، فما رأيت أحداً(٢٢٠).
وروى أيضاً عن [محمّد بن](٢٢١) معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيُّوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري أنَّهم قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٠) كمال الدِّين (ص ٤٣٧/ باب ٤٣/ ح ٥).
(٢٢١) هكذا في الترجمة، ولا توجد هذه الزيادة في المصدر.
↑صفحة ١٧٩↑
[ابنه] ونحن في منزله، وكنَّا أربعين رجلاً، فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أمَا إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا»(٢٢٢).
وأمَّا معجزاته (عليه السلام) التي ظهرت من حين ولادته إلى هذا اليوم فهي كثيرة، سوى ما سوف تظهر من زماننا إلى حين ظهوره (عليه السلام)، ومن ذلك الوقت إلى أوان وفاته (عليه السلام).
ونحن نكتفي في هذا المختصر بنقل القليل من معجزاته التي قد ظهرت منه (عليه السلام) من قبل، وقد رواها قطب الملَّة والدِّين الراوندي (عليه الرحمة) في كتاب (الخرائج والجرائح)، وقد نقل مضمون عباراتها صاحب (كفاية المؤمنين)، كما ذكرها الشيخ المفيد وغيره في كُتُبهم.
[حكاية يعقوب الغسَّاني]:
قال صاحب كتاب (الخرائج): روي عن يعقوب بن يوسف الضرَّاب الغسَّاني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا، فلمَّا قَدِمنا مكَّة نزلنا داراً في سوق الليل تُسمَّى دار الرضا (عليه السلام)، وفيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟
قالت: أنا من مواليهم [وعبيدهم]، أسكننيها الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام).
فكنَّا إذا انصرفنا من الطواف تُغلِق الباب.
فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة أسمر يميل إلى الصفرة، ما هو قليل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٢) كمال الدِّين (ص ٣٣٥).
↑صفحة ١٨٠↑
اللحم، يصعد إلى غرفة في الدار حيث تكون العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لي في الغرفة ابنة لا تَدَعوا أحداً يصعد إليها.
فأحببت أنْ أقف على خبر الرجل، فقلت للعجوز: إنِّي أُحِبُّ أنْ أسألكِ.
قالت: وأنا أُريد أنْ أُسِرَّ إليك، فلم يتهيَّأ من أجل أصحابك.
فقلت: ما أردتِ أنْ تقولي؟
فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر أحداً [باسمه]: «لا تخاشننَّ أصحابك وشركاءك، ولا تلاحّهم، فإنَّهم أعداؤك، ودارِهم».
فلم أجسر أنْ أُراجعها، فقلت: أيُّ أصحابي؟
قالت: شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك.
وقد كان جرى بيني وبين من معي في الدار عنت في الدِّين، فسعوا بي حتَّى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنَّها عنت أُولئك.
وكنت نذرت أنْ ألقي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها من أراد الله، فأخذت عشرة دراهم فيها ستَّة رضويَّة وقلت لها: ادفعي هذه إلى الرجل.
فأخذت [الدراهم] وصعدت، وبقيت ساعة ثمّ نزلت، فقالت: يقول لك: «ليس لنا فيها حقٌّ، اجعلها في الموضع الذي نذرت ونويت، ولكن هذه الرضويَّة خذ منَّا بدلها وألقها في الموضع الذي نويت».
ففعلت(٢٢٣).
[ملاقاة يوسف الجعفري للحجَّة (عجَّل الله فرجه)]:
وروى أيضاً عن يوسف بن أحمد الجعفري أنَّه قال: حججت سنة ستّ وثلاثمائة، ثمّ جاورت بمكَّة ثلاث سنين، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلى الشام،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٣) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦١/ ح ٦). والرواية مرويَّة بشكل أكثر تفصيلاً في الغيبة للطوسي (ص ٢٧٣/ ح ٥٣٨).
↑صفحة ١٨١↑
فبينا أنا في بعض الطريق، وقد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقعت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: ممَّ تعجب؟ تركت صلاتك.
فقلت: وما علمك بذلك منِّي؟
فقال: تُحِبُّ أنْ ترى صاحب زمانك؟
قلت: نعم، فأومأ إلى أحد الأربعة، فقلت: إنَّ له دلائل وعلامات؟
فقال: أيّما أحبُّ إليك: أنْ ترى الجمل صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل صاعداً؟
فقلت: أيُّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، ولكن الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، وكأنَّ لونه الذهب، بين عينيه سجَّادة(٢٢٤).
[حكاية محمّد بن إبراهيم بن مهران]:
وروى أيضاً عن محمّد بن إبراهيم بن مهران أنَّه قال: أعطى جماعة من الشيعة إلى أبي عدَّة بدرات من الدنانير والدراهم ليوصلها إلى الإمام أبي محمّد العسكري (صلوات الله عليه)، فخرجت معه مشيِّعاً له عدَّة مراحل حتَّى بعدنا عن وطننا منزلين أو ثلاثة، فإذا به ليلاً يتغيَّر تغيُّراً شديداً وتظهر على وجهه علامات الموت، فطلبني وأوصاني وقال: عندي دنانير ودراهم كثيرة، وهي أمانات من شيعة أهل البيت، فسلِّمها لوكلاء الإمام الحسن العسكري، وأنا أرى الموت يحوم حولي، وأنا أعلم أنَّه لا يبرئ ذمَّتي أحد غيرك من هذه الأمانات، ووصيَّتي إليك أنْ تأخذ هذا المال وتوصله إلى الإمام (عليه السلام) فتطيب خاطري من هذا الغمِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٤) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦٦ و٤٦٧/ ح ١٣).
↑صفحة ١٨٢↑
فاستجبت لأمر أبي في أنْ أُوصل هذا المال لوكلاء الإمام الحسن العسكري (صلوات الله عليه)، فمات أبي بعد أنْ أدَّى الوصيَّة.
فتوجَّهت إلى العراق بعد موت أبي، وبعد أنْ قطعت المنازل وطويت المراحل فإذا بي يوماً أسمع أثناء سفري خبر المحنة، وهو وفاة صاحب العسكر والإمام الحادي عشر (عليه صلوات الله المَلِك الأكبر)، ففكَّرت في نفسي: أنَّ أبي أوصى أنْ أُوصل هذا المال إليه (عليه السلام) وقد توفَّى ولا أعرف من هو خليفته ووصيُّه، ولم يوصني أبي بشيء غير ذلك، فما هو الحلُّ لهذا؟ فانقدح في ذهني أخيراً أنْ أحمل هذا المال إلى العراق، ولا أُخبر أحداً، فإنْ وضح لي شيء أنفذته، وإلَّا أنفقته وتصدَّقت به وقصفت به.
فقَدِمت العراق، فاكتريت داراً على الشطِّ وبقيت أيَّاماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: «يا محمّد بن إبراهيم، معك عدَّة صُرَر ذهباً عددها كذا، وفي جوف كلِّ واحدة من تلك الصرار العدد الفلاني من الدنانير والدراهم، فإذا أردت أنْ تُؤدِّي وصيَّة أبيك فعليك أنْ تُسلِّم جميع ذلك المال إلى رسولنا».
فعندما سمعت هذا الخبر الصحيح، والدليل الصريح، فلم أجد بُدًّا غير تسليم ذلك المال وكلَّ ما كان معي إلى رسول مجمع المفاخر والمحامد (عليه السلام).
وبقيت منتظراً أنْ أحصل على خبر منه بوصول المال، كما كنت أرجو أنْ أصل إليه، وأطلب منه أنْ أقوم بما كان يقوم به أبي ببعض أُموره.
وبعد عدَّة أيَّام من إرسال ذلك المال جاءتني رقعة مضمونها: «يا محمّد، قد وصل جميع ما كنت قد أرسلته، وقد أقمناك مقام أبيك، فعليك ألَّا تخرج عن جادَّة الشريعة الغرَّاء، وطريق الملَّة البيضاء».
↑صفحة ١٨٣↑
وحينما قرأت هذا التوقيع ابتهجت وفرحت كثيراً، ورجعت عن دار السلام بغداد إلى بيتي(٢٢٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٥) أقول: هذا ملخَّص ترجمة الحديث الذي نقله المؤلِّف (رحمه الله) مترجماً من كفاية المؤمنين والذي هو ترجمة الخرائج، ولكن فيه اختلافات مع ما هو موجود في المصدر المطبوع، وكذلك مع ما هو موجود في المصادر الأُخرى التي روت الخبر، فقد رواه الكليني في الكافي (ج ١/ ص ٥١٨/ ح ٥)، والطوسي في الغيبة (ص ١٨٢ - ٢٣٩)، والمفيد في الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٥)، والراوندي في الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦٢ و٤٦٣)، والطبرسي في إعلام الورى (ص ٤١٧).
وبما أنَّ المؤلِّف (رحمه الله) قد نقل الخبر عن الخرائج والجرائح فإليك ما فيه، قال:
(ما روي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: شككت عند مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام)، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيِّعاً له، فوعك.
فقال: ردَّني فهو الموت، واتَّقِ الله في هذا المال. وأوصى إليَّ، ومات.
وقلت: لا يُوصي أبي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق ولا أُخبر أحداً، فإنْ وضح لي شيء أنفذته وإلَّا أنفقته، فاكتريت داراً على الشطِّ وبقيت أيَّاماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها:
«يا محمّد معك كذا وكذا»، حتَّى قصَّ عليَّ جميع ما معي، وما لم أحط به علماً ممَّا كان معي، فسلَّمت المال إلى الرسول، وبقيت أيَّاماً لا يُرفَع لي رأس، فاغتممت، فخرج إليَّ: «قد أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله تعالى»). (الخرائج والجرائح: ج ١/ ص ٤٦٢ و٤٦٣/ ح ٧).
ولكن الشيخ الصدوق (رحمه الله) قد نقل القضيَّة بشكل آخر في كتاب كمال الدِّين (ص ٤٨٦ و٤٨٧/ ح ٨)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن (رضي الله عنه)، عن سعد بن عبد الله، عن عليِّ بن محمّد الرازي المعروف بعلَّان الكليني، قال: حدَّثني محمّد بن جبرئيل الأهوازي، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار أنَّه ورد العراق شاكًّا مرتداً، فخرج إليه: «قل للمهزياري قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم: أمَا سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، هل أمر إلَّا بما هو كائن إلى يوم القيامة، أو لم تروا أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل لكم معاقل تأوون إليها وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أنْ ظهر الماضي أبو محمّد (صلوات الله عليه)، كلَّما غاب عَلَم بدا عَلَم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلَّما قبضه الله إليه ظننتم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلَّا ما كان ذلك ولا يكون حتَّى تقوم الساعة ويظهر أمر الله (عزَّ وجلَّ) وهم كارهون. يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلنَّك الشكُّ فيما قَدِمْتَ له، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يُخلي الأرض من حجَّة، أليس قال لك أبوك قبل وفاته: أحضر الساعة من يُعيِّر هذه الدنانير التي عندي، فلمَّا أبطئ ذلك عليه وخاف الشيخ على نفسه الوحا قال لك: عيِّرها على نفسك، وأخرج إليك كيساً كبيراً وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرَّة فيها دنانير مختلفة النقد فعيَّرتها، وختم الشيخ بخاتمه وقال لك: اختم مع خاتمي، فإنْ أعش فأنا أحقّ بها، وإنْ أمت فاتَّقِ الله في نفسك أوَّلاً ثمَّ فيَّ، فخلِّصني وكن عند ظنِّي بك. أخرج رحمك الله الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا وهي بضعة عشر ديناراً واستردَّ من قِبَلك، فإنَّ الزمان أصعب ممَّا كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل». قال محمّد بن إبراهيم: وقَدِمْتُ العسكر زائراً فقصدت الناحية، فلقيتني امرأة وقالت: أنت محمّد بن إبراهيم؟ فقلت: نعم. فقالت لي: انصرف فإنَّك لا تصل في هذا الوقت، وارجع الليلة فإنَّ الباب مفتوح لك فادخل الدار واقصد البيت الذي فيه السراج، ففعلت وقصدت الباب فإذا هو مفتوح، فدخلت الدار وقصدت البيت الذي وصفته، فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي إذ سمعت صوتاً وهو يقول: يا محمّد، اتَّقِ الله وتب من كلِّ ما أنت عليه فقد قُلِّدت أمراً عظيماً.
↑صفحة ١٨٤↑
وروى أيضاً أبو عقيل عيسى بن نصر: أنَّ علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفناً.
فكتب: «إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين».
فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(٢٢٦).
وقد ذُكِرَ في الدفاتر الصحيحة، وفي كُتُب الآثار الصريحة، أنَّه قد خرجت التوقيعات في زمن الغيبة الصغرى من عند صاحب الزمان (عليه صلوات المَلِك المنَّان)، وقد اختصَّ جماعة بإظهار تلك التوقيعات، وكان يتمُّ إعلان تلك التوقيعات العظيمة البركات بأمره (عليه السلام) إلى كثير من شيعته، فيُحذِّر الخلق من المنهيَّات ويُحرِّضهم على الأوامر، وتعلم جميع مصالح العباد من توقيعاته كعبة أرباب السداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٦) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦٣/ ح ٨).
↑صفحة ١٨٥↑
ويُعَدُّ كلُّ توقيع من تلك التوقيعات بنفسه معجزة، وهي كثيرة لا يسع مجموعها هذا المختصر، وقد تقدَّم قليل منها في هذه السطور، وسوف يأتي بعضها إنْ شاء الله تعالى في هذا السِّفر.
روي عن محمّد بن يعقوب بن عليِّ بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش [والمقصود من مقابر قريش مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) المنوَّر]، وقبر الحسين (عليه السلام)، فلمَّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة، فدعاهما] الوزير الباقطاني وزجرهما، فقال [لخادمه]: لاقِ بني الفرات والبرسيِّين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أنْ يُقبَض على كلِّ من زار(٢٢٧).
وبعد حدوث هذه الواقعة عُلِمَ سبب منعه لزيارة مقابر قريش الذي ورد في توقيعه (عليه السلام).
[حكاية القاسم بن العلاء]:
والرواية الأُخرى: روى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمَّر مائة سنة، وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينيين، لقى العسكريَّين (عليهما السلام) وحُجِبَ بعد الثمانين، ورُدَّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيَّام، وذلك أنِّي كنت بمدينة (أرَّان) من أرض آذربيجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) عنه على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم ابن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، وقلق لذلك.
فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوَّاب مستبشراً، فقال له: فيج العراق ورد - ولا يُسمَّى بغيره -، فسجد القاسم، ثمّ دخل كهل قصير يُرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبَّة مضرَّبة، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٧) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦٥/ ح ١٠).
↑صفحة ١٨٦↑
فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يده، وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فأخذه وقبَّله ودفعه إلى كاتب له يقال له: أبو عبد الله بن أبي سَلَمة، ففضَّه وقرأه وبكى حتَّى أحسَّ القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله، خيرٌ، خرج فيَّ شيء ممَّا يُكرَه؟
قال: لا.
قال: فما هو؟
قال: يُنعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وأنَّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأنَّ الله يردُّ عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.
فقال القاسم: على سلامة من ديني؟
قال: في سلامة من دينك.
فضحك وقال: وما أُؤمِّل بعد هذا العمر؟!
فقام الرجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أُزُر، وحبرة يمانيَّة حمراء، وعمامة، وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم، وكان عنده قميص خلعه عليه عليٌّ النقي (عليه السلام).
وكان للقاسم صديق في أُمور الدنيا، شديد النصب، يقال له: عبد الرحمن ابن محمّد الشيزي، وافى إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤوا الكتاب عليه، فإنِّي أُحِبُّ هدايته.
قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!
فأخرج إليه القاسم الكتاب وقال: اقرأه.
فقرأه عبد الرحمن إلى موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد الله، اتَّقِ الله،
↑صفحة ١٨٧↑
فإنَّك رجل فاضل في دينك، والله يقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَا ذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]، وقال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً﴾ [الجنّ: ٢٦].
قال القاسم: فأتمَّ الآية: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجنّ: ٢٧]، مولاي هو المرضيُّ من الرسول.
ثمّ قال: أعلم أنَّك تقول هذا، ولكن أرِّخ اليوم، فإنْ أنا متُّ بعد هذا اليوم، أو متُّ قبله، فاعلم أنِّي لست على شيء، وإنْ أنا متُّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.
فورَّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحُمَّ القاسم يوم السابع، واشتدَّت العلَّة به إلى مدَّة، ونحن مجتمعون يوماً عنده، إذ مسح بكمِّه عينيه، وخرج من عينه شبه ماء اللحم، ثم مدَّ بطرفه إلى ابنه، فقال: يا حسن، إليَّ، ويا فلان، إليَّ.
فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.
وشاع الخبر في الناس، فانتابه الناس من العامَّة ينظرون إليه.
وركب القاضي إليه وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي، وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه وقال له: يا أبا محمّد، ما هذا الذي بيدي؟ وأراه خاتماً فصُّه فيروزج فقرَّبه منه.
فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها.
وقد قال لـمَّا رأى ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً: (اللَّهُمَّ ألهم الحسن طاعتك، وجنِّبه معصيتك)، قالها ثلاثاً، ثمّ كتب وصيَّته بيده.
وكانت الضياع التي بيده لصاحب الأمر (عليه السلام)، كان أبوه وقفها عليه.
وكان فيما أوصى ابنه: إنْ أُهِّلت إلى الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بـ (فرجيدة)، وسائرها ملك لمولانا (عليه السلام).
↑صفحة ١٨٨↑
فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: يا سيداه، فاستعظم الناس ذلك منه، فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا.
وتشيَّع، ورجع عمَّا كان عليه.
فلمَّا كان بعده مدَّة يسيرة ورد كتاب على الحسن ابنه من صاحب الزمان يقول فيه: «ألهمك الله طاعته، وجنَّبك معصيته، وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك»(٢٢٨).
[حكاية ابن أبي سورة عن أبيه الزيدي]:
ومن معجزاته (عليه السلام) ما رواه ابن أبي سورة عن أبيه [أنَّه قال: كان أبي من مشايخ الزيديَّة في الكوفة، وقد اشتهر عنه في الخبر تشيُّعه، فسألت يوماً أبي عن سبب ترك الزيديَّة](٢٢٩).
قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أُعرِّف عنده، فلمَّا كان وقت العشاء الآخرة صلَّيت، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد، وإذا شابٌّ حسن الوجه عليه جبَّة سيفيَّة، فابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي.
فلمَّا كان الغداة خرجنا جميعاً من باب الحائر، فلمَّا صرنا إلى شاطئ الفرات قال لي الشابُّ: «أنت تريد الكوفة، فامض».
فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشابُّ طريق البرِّ.
قال أبو سورة: ثمّ أسفت على فراقه، فاتَّبعته، فقال لي: «تعالَ».
فجئنا جميعاً إلى أصل حصن المسناة، فنمنا جميعاً، وانتبهنا، وإذا نحن على الغريِّ على جبل الخندق، فقال لي: «أنت مضيَّق، ولك عيال، فامض إلى أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٨) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٦٧ - ٤٧٠/ ح ١٤).
(٢٢٩) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.
↑صفحة ١٨٩↑
طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، وفي يده الدم من الأُضحية، فقل له: شابٌّ من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صُرَّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة».
قال: فلمَّا دخلت الكوفة مضيت إليه، وقلت ما ذكر لي الشابُّ.
فقال: سمعاً وطاعة. وعلى يده دم الأُضحية(٢٣٠).
[وبعدما اطَّلعت على أحوال هذا الشابِّ ازدادت محبَّته في قلبي يوماً بعد يوم، ولم أعرف من يكون، إلَّا أنْ قال لي أخيراً: أُحدِّثك أنَّ هذا الشابَّ الذي تتحدَّث عنه إنَّه الحجَّة بن الحسن (عليه السلام)، ومن بعد ذلك اخترت مذهب أهل البيت (عليهم السلام)](٢٣١).
وروى نحو هذه الرواية أبو ذرٍّ أحمد بن محمّد بن أبي سورة، وهو أحمد بن محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي، قال: [ضعت ليلة في برِّ العرب، فإذا بي أرى شابًّا، فاتَّبعت أثره، فمشيت أقداماً، فرأيت نفسي](٢٣٢) على مقابر مسجد السهلة، فقال: هو ذا منزلي.
ثمّ قال لي: «تمرُّ أنت إلى ابن الزراري عليِّ بن يحيى فتقول له يعطيك المال بعلامة أنَّه كذا وكذا، وفي موضع كذا، ومغطَّى بكذا».
فقلت: من أنت؟
قال: «أنا محمّد بن الحسن».
ثمّ مشينا حتَّى انتهينا إلى النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد خرج، وتوضَّأ ثمّ صلَّى ثلاث عشرة ركعة.
فمضيت إلى الزراري، فدققت الباب، فقال: من أنت؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٠) الخرائج الجرائح (ج ١/ ص ٤٧٠ و٤٧١/ ح ١٥).
(٢٣١) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.
(٢٣٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.
↑صفحة ١٩٠↑
فقلت: أبو سورة.
فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة؟!
فلمَّا خرج وقصصت عليه القصَّة صافحني، وقبَّل وجهي، ووضع يده بيدي، ومسح بها وجهه، ثمّ أدخلني الدار، وأخرج الصُّرَّة من عند رجل السرير، فدفعها إليَّ.
فاستبصر أبو سورة، وبرئ من الزيديَّة(٢٣٣).
وقال مترجم (الخرائج) بعد نقل هذه المعجزة: الحاصل أنَّ هذه الرواية، والرواية التي قبلها واحدة، ولكن فيها بعض الزيادات.
[حكاية محمّد بن هارون]:
والرواية الأُخرى عن محمّد بن هارون الهمداني، قال: كان للناحية عليَّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً، ثمّ قلت في نفسي [ليلة](٢٣٤): لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينار قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار، [يعني أُؤدِّيها وأُسلِّمها إلى وكلاء صاحب الزمان (عليه السلام) فأُؤدِّي ديني، فخرجت صباحاً من الدار قبل أنْ أُحدِّث أحداً بما أردت في نفسي، فرأيت محمّد بن جعفر، فقال: هل قرَّرت الليلة في نفسك أنْ تُعطي الحوانيت؟
قلت: نعم، فمن أين علمت؟
قال: لقد وصل اليوم توقيع صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه صلوات الرحمن) وفيه](٢٣٥): «اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه»(٢٣٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٣) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٧١ و٤٧٢/ ح ١٥).
(٢٣٤) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.
(٢٣٥) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع، وبدل الجملة الثانية: (ولا والله ما نطقت بذلك. فكتب (عليه السلام) إلى محمّد بن جعفر: اقبض...) الحديث.
(٢٣٦) راجع القصَّة في الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٧٢/ ح ١٦).
↑صفحة ١٩١↑
[فعندما سمعت هذا الكلام من محمّد بن جعفر أجريت معه البيع الشرعي](٢٣٧).
[حكاية أبي الحسن المسترقِّ]:
والرواية الأُخرى عن أبي الحسن المسترقِّ، قال: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري عليها، إلى أنْ حضرت مجلس عمِّي الحسين يوماً، فأخذت أتكلَّم في ذلك، فقال: يا بنيَّ، قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أنْ ندبت لولاية قم حين استصعبت على السلطان، وكان كلُّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلَّم إليَّ جيشاً وخرجت نحوها.
فلمَّا بلغت إلى ناحية طزر، خرجت إلى الصيد، ففاتتني طريدة، فاتَّبعتها، وأوغلت في أثرها، حتَّى بلغت إلى نهر، فسرت فيه، وكلَّما أسير يتَّسع النهر، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليَّ فارس تحته شهباء، وهو متعمّمٌ بعمامة خزٍّ خضراء، لا أرى منه إلَّا عينيه، وفي رجليه خفَّان أحمران، فقال لي: «يا حسين».
فلا هو أمَّرني ولا كنَّاني، فقلت: ماذا تريد؟
قال: «لِـمَ تزري على الناحية؟ ولِـمَ تمنع أصحابي خُمُس مالك؟».
وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت منه وتهيَّبته، وقلت له: أفعل يا سيِّدي ما تأمر به.
فقال: «إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجِّه إليه، فدخلته عفواً، وكسبت ما كسبته، تحمل خُمُسه إلى مستحقِّه».
فقلت: السمع والطاعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٧) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.
↑صفحة ١٩٢↑
فقال: «امض راشداً».
ولوى عنان دابَّته، وانصرف، فلم أدرِ أيَّ طريق سلك، وطلبته يميناً وشمالاً فخفي عليَّ أمره، وازددت رعباً، وانكفأت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث.
فلمَّا بلغت قم، وعندي أنِّي أُريد محاربة القوم، خرج إليَّ أهلها وقالوا: كنَّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا، فأمَّا إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك، اُدخل البلدة، فدبِّرها كما ترى.
فأقمت فيها زماناً، وكسبت أموالاً زائدة على ما كنت أُقدِّر، ثمّ وشى القُوَّاد بي إلى السلطان، وحُسِدْتُ على طول مقامي، وكثرة ما اكتسبت، فَعُزِلْتُ، ورجعت إلى بغداد، فابتدأت بدار السلطان وسلَّمت عليه، وأتيت إلى منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمري، فتخطَّى الناس حتَّى اتَّكأ على تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح، والناس داخلون وخارجون، وأنا أزداد غيظاً.
فلمَّا تصرَّم الناس وخلا المجلس، دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرٌّ فاسمعه.
فقلت: قل.
فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: «قد وفينا بما وعدنا».
فذكرت الحديث [وارتعدت](٢٣٨) من ذلك، وقلت: السمع والطاعة.
فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يُخمِّسها، إلى أنْ خمَّس شيئاً كنت قد أنسيته ممَّا كنت قد جمعته، وانصرف ولم أشكّ بعد ذلك، وتحقَّقت الأمر.
فأنا منذ سمعت هذا من عمِّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شكٍّ(٢٣٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٨) في المصدر: (وارتعت). (المركز).
(٢٣٩) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٧٢ - ٤٧٥/ ح ١٧).
↑صفحة ١٩٣↑
[حكاية أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه]:
وروى أيضاً عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: لـمَّا وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة للحجِّ - وهي السنة التي ردَّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت -، كان أكبر همِّي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنَّه يمضي في أثناء الكُتُب قصَّة أخذه وأنَّه ينصبه في مكانه الحجَّة في الزمان، كما في زمان الحجَّاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقرَّ.
فاعتللت علَّة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدَّة عمري، وهل تكون المنيَّة في هذه العلَّة، أم لا؟
وقلت: همِّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنَّما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لـمَّا حصلت بمكَّة وعُزِمَ على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكَّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عنِّي ازدحام الناس، فكلَّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنَّه لم يزل عنه.
وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنِّي يميناً وشمالاً، حتَّى ظُنَّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتَّى انقطع عن الناس، فكنت أُسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤده ولا أُدركه.
فلمَّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليَّ، فقال: «هات ما معك».
↑صفحة ١٩٤↑
فناولته الرقعة، فقال من غير أنْ ينظر فيها: «قل له: لا خوف عليك في هذه العلَّة، ويكون ما لا بدَّ منه بعد ثلاثين سنة».
قال: فوقع عليَّ الزمع حتَّى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.
فلمَّا كان سنة تسع وستِّين اعتلَّ أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيَّته، واستعمل الجدَّ في ذلك، فقيل له: ما هذا الخوف، ونرجو أنْ يتفضَّل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة؟
فقال: هذه السنة التي خُوِّفت فيها.
فمات في علَّته(٢٤٠).
[وأجاب داعي الحقِّ بعد ثلاثة أيَّام من وصيَّته (عليه رحمة الله المَلِك العبود)](٢٤١).
[حكاية الزراري]:
والرواية الأُخرى عن أبي غالب الزراري، قال: تزوَّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: بنو هلال، خزَّازون، وحصلت لها منزلة من قلبي، فجرى بيننا كلام اقتضى خروجها من بيتي غضباً، ورمت ردَّها، فامتنعت عليَّ، لأنَّها كانت في أهلها في عزٍّ وعشيرة، فضاق لذلك صدري، وتجهَّزت إلى السفر، فخرجت إلى بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقَدِمناها وقضينا الحقَّ في واجب الزيارة، وتوجَّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم ابن روح، وكان مستتراً من السلطان، فدخلنا وسلَّمنا، فقال: إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا، وطرح إليَّ مدرجة كانت بين يديه، فكتبت فيها اسمي واسم أبي، وجلسنا قليلاً، ثمّ ودَّعناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٠) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٧٥ - ٤٧٨/ ح ١٨).
(٢٤١) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.
↑صفحة ١٩٥↑
وخرجت إلى سُرَّ من رأى للزيارة، وزرنا وعدنا، وأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي وجعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها إلى أنِ انتهى إلى موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق: «أمَّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة فسيُصلِح الله - أو فأصلح الله - بينهما».
وكنت عندما كتبت اسمي أردت أنْ أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أنْ أذكره.
ثمّ ودَّعنا الشيخ وخرجنا من بغداد حتَّى قَدِمنا الكوفة، فيوم قدومي أو من غده أتاني إخوة المرأة، فسلَّموا عليَّ واعتذروا إليَّ ممَّا كان بيني وبينهم من الخلاف والكلام، وعادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي، ولم يجرِ بيني وبينها خلاف ولا كلام مدَّة صحبتي لها، ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلَّا بإذني حتَّى ماتت(٢٤٢).
يقول أحد علماء الإماميَّة في كتابه الذي ألَّفه في مناقب العترة الطاهرة (عليهم السلام): نقل المعتقدون ببقاء الإمام المهدي (عليه السلام) قَصصاً في شمول فيضه (عليه السلام) شيعته، وشفاء مرضاهم، وانتفاع الخلق به، وقضاء حوائج المحتاجين لو جُمِعَت لكانت كتابا كبيراً، ومنها حكايتان نقلهما صاحب (كشف الغمَّة)، وهما مشهورتان، وإنَّه قال: إنَّني أنقل هاتين الحكايتين لقرب زمانهما إلينا، ولأنِّي سمعتها من إخواني الثقات صحيحي القول، وإنَّ هذين الشخصين الذين وقعت الحكايتين لهما قد توفّيا، وإنِّي وإنْ لم أكن أراهما ولكنِّي رأيت أبناءهما، وليس عندي شكٌّ في وقوع هاتين الحكايتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٢) الخرائج والجرائح (ج ١/ ص ٤٧٩ و٤٨٠/ ح ٢٠).
↑صفحة ١٩٦↑
وقد نقل الجاني هاتين الحكايتين في كتاب (شواهد النبوَّة)، وإحدى هاتين الحكايتين(٢٤٣):
[حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي]:
كان في البلاد الحلّيَّة شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي، من قرية يقال لها: هرقل، مات في زماني وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدِّين، قال: حكى لي والدي أنَّه خرج فيه - وهو شباب - على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كلِّ ربيع تشقَّق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلَّة يوماً، ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدِّين عليِّ بن طاوس (رحمه الله)، وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أُريد أنْ أُداويها.
فأُحضر له أطبَّاء الحلَّة، وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل، وعلاجها خطر، ومتى قُطِعَت خيف أنْ ينقطع العرق فيموت.
فقال له السعيد رضي الدِّين (قُدِّست روحه): أنا متوجِّه إلى بغداد، وربَّما كان أطبَّاؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني.
فأصعد معه، وأحضر الأطبَّاء، فقالوا كما قال أُولئك.
فضاق صدره، فقال له السعيد: إنَّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تُغرِّر بنفسك، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٣) هكذا النصُّ في الترجمة، وأمَّا في كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٩٣)، النصُّ على النحو التالي: (وأنا أذكر من ذلك قصَّتين قرب عهدهما من زماني، وحدَّثني بها جماعة من ثقات إخواني: كان في البلاد الحلية...) إلخ، وسوف نقتصر في الأصل على ذكر القصَّتين كما جاء في كشف الغمَّة دون الإشارة إلى فوارق الترجمة.
↑صفحة ١٩٧↑
فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجَّه إلى زيارة المشهد الشريف بسُرَّ من رأى (على مشرِّفه السلام)، ثمّ أنحدر إلى أهلي.
فحسَّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدِّين، وتوجَّه.
قال: فلمَّا دخلت المشهد، وزرت الأئمَّة (عليهم السلام)، ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام)، وقضيت بعض الليل في السرداب، وبتُّ في المشهد إلى الخميس، ثمّ مضيت إلى دجلة، واغتسلت، ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أُريد المشهد.
فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم، فحسبتهم منهم، فالتقينا، فرأيت شابَّين أحدهما: عبدٌ مخطوط، وكلُّ واحدٍ منهم متقلِّد بسيف، وشيخاً منقَّباً بيده رمح، والآخر متقلِّد بسيف، وعليه فرجية ملوَّنة فوق السيف، وهو متحنِّك بعذبته.
فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق، ووضع كعب الرمح في الأرض.
ووقف الشابَّان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثمّ سلَّموا عليه، فردَّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: «أنت غداً تروح إلى أهلك؟».
فقال: نعم.
فقال له: «تقدَّم حتَّى أبصر ما يوجعك».
قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثمّ إنِّي بعد ذلك تقدَّمت إليه، فلزمني بيده، ومدَّني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أنْ أصابت يده التوثة، فعصرها بيده، فأوجعني، ثمّ استوى في سرجه كما كان.
↑صفحة ١٩٨↑
فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.
فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إنْ شاء الله.
قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.
قال: فتقدَّمت إليه فاحتضنته، وقبَّلت فخذه.
ثمّ إنَّه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: «ارجع».
فقلت: لا أُفارقك أبداً.
فقال: «المصلحة رجوعك».
فأعدت عليه مثل القول الأوَّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل، ما تستحي يقول لك الإمام مرَّتين: ارجع، وتخالفه؟!
فجبهني بهذا القول، فوقفت، فتقدَّم خطوات، والتفت إليَّ، وقال: «إذا وصلت بغداد فلا بدَّ أنْ يطلبك أبو جعفر (يعني الخليفة المستنصر (رحمه الله))، فإذا حضرت عنده، وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى عليِّ بن عوض، فإنَّني أُوصيه يُعطيك الذي تريد».
ثمّ سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أنْ غابوا عنِّي، وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلى الأرض ساعة، ثمّ مشيت إلى المشهد، فاجتمع القُوَّام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيِّراً، أوجعك شيء؟
قلت: لا.
قالوا: أخاصمك أحد؟
قلت: لا، ليس عندي ممَّا تقولون خبر، لكن أسألكم: هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟
فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.
فقلت: لا، بل هو الإمام (عليه السلام).
↑صفحة ١٩٩↑
فقالوا: الإمام هو الشيخ، أو صاحب الفرجية؟
فقلت: هو صاحب الفرجية.
فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟
فقلت: هو قبضه بيده، وأوجعني.
ثمّ كشفت رجلي فلم أرَ لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشكُّ من الدهش، فأخرجت رجلي الأُخرى فلم أرَ شيئاً، فانطبق الناس عليَّ ومزَّقوا قميصي، فأدخلني القُوَّام خزانة، ومنعوا الناس عنِّي.
وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجَّة وسأل عن الخبر، فعرَّفوه، فجاء إلى الخزانة، وسألني عن اسمي، وسألني منذ كم خرجت من بغداد، فعرَّفته أنِّي خرجت في أوَّل الأُسبوع.
فمشى عنِّي، وبتُّ في المشهد وصلَّيت الصبح وخرجت، وخرج الناس معي إلى أنْ بعدت عن المشهد، ورجعوا عنِّي، ووصلت إلى أوانا، فبتُّ بها، وبكَّرت منها أُريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون مَنْ ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرَّفتهم، فاجتمعوا عليَّ، ومزَّقوا ثيابي، ولم يبقَ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد، وعرَّفهم الحال، ثمّ حملوني إلى بغداد، وازدحم الناس عليَّ، وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمِّي(٢٤٤) (رحمه الله) قد طلب السعيد رضي الدِّين (رحمه الله) وتقدَّم أنْ يُعرِّفه صحَّة هذا الخبر.
قال: فخرج رضي الدِّين، ومعه جماعة، فوافينا باب النوبي، فردَّ أصحابه الناس عنِّي، فلمَّا رآني قال: أعنك يقولون؟
قلت: نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٤) لعلَّه المقصود به الوزير ابن العلقمي.
↑صفحة ٢٠٠↑
فنزل عن دابَّته، وكشف عن فخذي، فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة، وأخذ بيدي، وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا، هذا أخي، وأقرب الناس إلى قلبي.
فسألني الوزير عن القصَّة، فحكيت له، فأحضر الأطبَّاء الذين أشرفوا عليها، وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دواؤها إلَّا القطع بالحديد، ومتى قطعها مات.
فقال لهم الوزير: فبتقدير أنْ تُقطَع ولا يموت، في كم تبرأ؟
فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.
فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟
قالوا: منذ عشرة أيَّام.
فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أُختها ليس فيها أثر أصلاً، وصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.
فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها.
ثمّ إنَّه أُحضر عند الخليفة المستنصر (رحمه الله)، فسأله عن القصَّة، فعرَّفه بها كما جرى، فتقدَّم له بألف دينار، فلمَّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها.
فقال: ما أجسر آخذ منه حبَّة واحدة.
فقال الخليفة: ممَّن تخاف؟
فقال: من الذي فعل معي هذا، قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً.
فبكى الخليفة وتكدَّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.
قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عليُّ بن عيسى (عفا الله عنه): كنت في بعض الأيَّام أحكي هذه القصَّة لجماعة عندي، وكان هذا شمس الدِّين محمّد ولده عندي، وأنا لا أعرفه، فلمَّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه.
↑صفحة ٢٠١↑
فعجبت من هذا الاتِّفاق، وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟
فقال: لا، لأنِّي أصبوا عن ذلك، ولكنِّي رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر.
وسألت السيِّد صفي الدِّين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدِّين حيدر بن الأيسر (رحمهما الله)، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيآت منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحَّة هذه القصَّة، وأنَّهما رأياها في حال مرضها وحال صحَّتها.
وحكى لي ولده هذا أنَّه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام)، حتَّى إنَّه جاء إلى بغداد، وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كلَّ يوم يزور سامرَّاء، ويعود إلى بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرَّة طمعاً أنْ يعود له الوقت الذي مضى ويقضي له الحظُّ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضاء، فمات (رحمه الله) بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغصَّته، والله يتولَّاه وإيَّانا برحمته بمنِّه وكرامته(٢٤٥).
[حكاية عطوة]:
والحكاية الثانية: قال صاحب (كشف الغمَّة) (رحمه الله): وحكى إليَّ السيِّد باقي ابن عطوة العلوي الحسيني أنَّ أبي عطوة كان به أدرة، وكان زيدي المذهب، وكان يُنكِر على بنيه الميل إلى مذهب الإماميَّة ويقول: لا أُصدِّقكم، ولا أقول بمذهبكم حتَّى يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرأني من هذا المرض.
فتكرَّر هذا القول منه، فبينما نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً، فقال: الحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٥) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٩٣ - ٤٩٧).
↑صفحة ٢٠٢↑
فخرجنا، فلم نرَ أحداً، فعدنا إليه، وسألناه، فقال: إنَّه دخل إليَّ شخص، وقال: «يا عطوة».
فقلت: من أنت؟
فقال: «أنا صاحب بنيك، قد جئت لأُبرئك ممَّا بك».
ثمّ مدَّ يده، فعصر قروتي، ومشى؛ ومددت يدي، فلم أرَ لها أثراً.
قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبة.
واشتهرت هذه القصَّة، وسألت عنها غير ابنه، فأخبر عنها، فأقرَّ بها(٢٤٦).
وقال صاحب (كشف الغمَّة) بعد نقله هاتين الحكايتين: وإنَّه (عليه السلام) رآه جماعة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها، فخلَّصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا، ولولا التطويل لذكرت منها جملة(٢٤٧).
يقول مؤلِّف هذه الأربعين: إنِّي أعرف ما بيني وبين الله تعالى من رآه (عليه السلام) كراراً، وقد ابتُلِيَ في بعض الأزمنة بمرض مهلك فتفضَّل (عليه السلام) بالشفاء الكامل.
وذُكِرَ بالخبر أنَّه (عليه السلام) ليحضر الموسم كلَّ سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(٢٤٨).
كما أنَّ حديث غانم الهندي له (عليه السلام) مشهور جدًّا عند رواة الحديث.
[حكاية بني راشد وسبب تشيُّعهم]:
نقل ابن بابويه في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة) حكاية، قال: سمعنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٦) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٩٧).
(٢٤٧) المصدر السابق.
(٢٤٨) أقول: راجع: كمال الدِّين (ص ٤٤٠/ باب ٤٤/ ح ٨)، قال: (حدَّثنا محمّد بن موسى المتوكِّل (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، قال: سمعته يقول: والله إنَّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم...) الحديث.
↑صفحة ٢٠٣↑
شيخاً من أصحاب الحديث يقال له: أحمد بن فارس الأديب يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أنْ أُثبتها له بخطِّي، ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها على من حكاها، وذلك:
أنَّ بهمدان ناساً يُعرَفون ببني راشد، وهم كلُّهم يتشيَّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيُّعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم - رأيت فيه صلاحاً وسمتاً -: إنَّ سبب ذلك أنَّ جدَّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجًّا، فقال: إنَّه لـمَّا صدر من الحجِّ، وساروا منازل في البادية، قال: فنشطت في النزول، والمشي، فمشيت طويلاً حتَّى أعييت، ونعست، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.
قال: فما انتبهت إلَّا بحرِّ الشمس ولم أرَ أحداً، فتوحَّشت، ولم أرَ طريقاً، ولا أثراً، فتوكَّلت على الله (عزَّ وجلَّ)، وقلت: أسير حيث وجَّهني الله، ومشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنَّها قريبة عهد من غيث، وإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنَّه سيف، فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده، ولم أسمع به؟
فقصدته، فلمَّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلَّمت عليهما، فردَّا ردًّا جميلاً وقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيراً.
فقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد، ثمَّ خرج فقال: قم فادخل.
فدخلت قصراً لم أرَ بناءً أحسن من بنائه، ولا أضوء منه، فتقدَّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه، ثمّ قال لي: اُدخل.
فدخلت البيت، فإذا فتى جالس في وسط البيت، وقد علَّق فوق رأسه من السقف سيفٌ طويلٌ تكاد ظبَّته تمسُّ رأسه، والفتى كأنَّه بدر يلوح في ظلام؛ فسلَّمت، فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثمّ قال لي: «أتدري من أنا؟».
↑صفحة ٢٠٤↑
فقلت: لا، والله.
فقال: «أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
فسقطت على وجهي، وتعفَّرت، فقال: «لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همدان».
فقلت: صدقت، يا سيِّدي ومولاي.
قال: «أفتُحِبّ أنْ تؤوب إلى أهلك؟».
فقلت: نعم، يا سيِّدي، وأُبشِّرهم بما أتاح الله (عزَّ وجلَّ) لي.
فأومأ إلى الخادم، فأخذ بيدي وناولني صُرَّة، وخرج، ومشى معي خطوات، فنظرت إلى طلال، وأشجار، ومنارة مسجد.
فقال: أتعرف هذا البلد؟
فقلت: إنَّ بقرب بلدنا بلدة تُعرَف بأسدآباد، وهي تشبهها.
قال: فقال: هذه أسدآباد، امض راشداً؛ فالتفتُّ فلم أرَه.
فدخلت أسدآباد، وإذا في الصُّرَّة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همدان، وجمعت أهلي، وبشَّرتهم بما يسَّره الله (عزَّ وجلَّ) لي، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير(٢٤٩).
وقال الشيخ السديد السعيد محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي الملقَّب بالمفيد (عليه رحمة الله المَلِك المجيد) في كتاب (الإرشاد): (فمن الدلائل على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٩) كمال الدِّين (ص ٤٥٣ و٤٥٤/ باب ٤٣/ ح ٢٠).
في الترجمة زيادة: (وقد بقي التشيُّع في عقبنا ببركة وجوده، وسوف يبقى قائماً فينا إلى يوم القيامة)، ولا يخفى عليك أنَّ هناك بعض الاختلافات البسيطة في الترجمة، آثرنا أنْ نعتمد على الأصل مقتصرين عليه.
↑صفحة ٢٠٥↑
[إمامته (عليه السلام)](٢٥٠) ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود إمام معصوم، كامل، غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كلِّ زمان، لاستحالة خلو المكلَّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وحاجة الكلِّ من ذوي النقصان إلى مؤدِّبٍ للجناة، مقوِّم للعصاة، رادع للغواة، مُعلِّم للجُهَّال، مُنبِّهٍ للغافلين، محذِّر من الضلال، مُقيم للحدود، منفِّذٍ للأحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأُمراء، شادٍّ للثغور، حافظٍ للأموال، حام عن بيضة الإسلام، جامع للناس في الجمعات والأعياد.
وقيام الأدلَّة على أنَّه معصوم من الزلَّات، لغناه عن الإمام بالاتِّفاق، واقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب، ووجوب النصِّ على من هذه سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه، لتميُّزه ممَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلِّ أحدٍ سوى من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو ابنه المهدي (عليه السلام)، على ما بيَّنَّاه، وهذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضيَّة العقول وصحَّته بثابت الاستدلال.
ثمّ قد جاءت روايات في النصِّ على ابن الحسن (عليه السلام) من طُرُق ينقطع بها الأعذار)(٢٥١).
وليُعلَم أنَّ لصاحب الأمر (عليه السلام) غيبتان: الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى.
وأنَّ أكثر الحكايات التي ذُكِرَت إنَّما كانت في الغيبة الكبرى.
وأمَّا الغيبة الصغرى فقد كانت مدَّتها أربع وسبعين سنة، وكان بعض خُلَّص شيعته يصلون بخدمته (عليه السلام) ويُرسِلون إليه (عليه السلام) مسائلهم التي تشكل عليهم، وكان البعض لا يقدر أنْ يصل إليه فكان يصل إلى وكلائه (عليه السلام)، ويُقدِّم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٠) هذه الزيادة في الترجمة وليست في المصدر.
(٢٥١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٤٢ و٣٤٣).
↑صفحة ٢٠٦↑
لهم مسائله وحاجاته ومشكلاته إليهم، وهم يُقدِّمونها للإمام (عليه السلام)، ثمّ يأخذون الجواب.
وكان يُعبَّر في تلك المدَّة الزمنية عنه (عليه السلام) أحياناً بـ (م ح م د)، وأحياناً بالصاحب، والحجَّة، والقائم، والمهدي، وهو كذلك، ولا يُسمَح بتسميته قبل ظهوره (عليه السلام)، ويقال لمكان ولادة الإمام (عليه السلام): الناحية المقدَّسة، وقد وقع في الأحاديث المنع من التصريح باسمه وكنيته (عليه السلام) قبل ظهوره في كلِّ وقتٍ أُريد وقصد حضرة وليِّ المعبود.
وأمَّا أسماء وكلائه (عليه السلام) وتوقيعاته (عليه السلام) التي كتبها لخواصِّه فهي مذكورة في الكُتُب المعتبرة، وقد ظهرت منه (عليه السلام) معجزات عطيَّة من يوم ولادته (عليه السلام) حتَّى آخر يوم من غيبته الأُولى، وهكذا بعدها إلى هذا الزمان، وكلُّ واحدٍ منها شاهد عدل على وجوده (عليه السلام)، وهي مسطورة في دفاتر روايات الثقات، كما أنَّ هناك روايات صحيحة وصريحة مرويَّة عن الطرفين تُؤيِّد هذا المعنى، مثل حكاية البحر الأبيض والجزيرة الخضراء، وحكاية مدينة الشيعة، والبلد الذي في أقصى أرض المغرب، ولم نذكرها خوف الإطناب في هذا المختصر.
وهناك الكثير من الشيعة والموالين الذين تشرَّفوا بالحضور في خدمته (عليه السلام) في زمان الغيبة الكبرى، وقد كُتِبَ في (كشف الغمَّة) و(الفصول المهمَّة) و(كمال الدِّين) و(الخرائج) وغيرها بعض ما وصل لأصحاب هذه الكُتُب، ولا يوجد تعارض بين الحديث القائل: «من يدَّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب» وهذه الأخبار، كما هو ظاهر لمقتفي آثار الأئمَّة الأطهار، ولمن يريد بيان وتوضيح هذا المعنى فعليه الرجوع إلى قاطف عناقيد محصول المحدِّثين في كتاب (رياض المؤمنين).
↑صفحة ٢٠٧↑
[أسماء من رأى المهدي (عجَّل الله فرجه)]:
وأمَّا أسماء من رأى الصاحب (صلوات الله عليه)، ووصل إلى خدمته من وكلائه وخرجت إليهم التوقيعات، فهي مذكورة في أكثر الكُتُب، بالخصوص كتاب (كمال الدِّين)، وكتاب (كشف الغمَّة).
أوَّلاً: من الوكلاء:
ببغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطَّار.
ومن الكوفة: العاصميُّ.
ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.
ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.
ومن أهل الريِّ: البسَّامي، والأسدي.
ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.
ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان(٢٥٢).
وثانياً: من غير الوكلاء:
من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزَّاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله بن فرُّوخ، ومسرور الطبَّاخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمّد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصُّرَّة المختومة.
ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٢) كمال الدِّين (ص ٤٤٢/ باب ٤٣/ ح ١٦).
↑صفحة ٢٠٨↑
ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخيَّة، وأبو الحسن.
ومن أصفهان: ابن باذشالة.
ومن الصيمرة: زيدان.
ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، وعليُّ بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.
ومن أهل الريِّ: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمّد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعليُّ بن محمّد، ومحمّد بن محمّد الكليني، وأبو جعفر الرفَّاء.
ومن قزوين: مرداس، وعليُّ بن أحمد.
ومن فاقتر: رجلان.
ومن شهرزور: ابن الخال.
ومن فارس: المحروج.
ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.
ومن نيسابور: محمّد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي.
ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكَّة، وأبو رجاء.
ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.
ومن الأهواز: الحصيني(٢٥٣).
وهؤلاء ليسوا من الوكلاء، ولكنَّهم رأوه (عليه السلام) على التحقيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٣) كمال الدِّين (ص ٤٤٢ و٤٤٣/ باب ٤٣/ ح ١٦).
↑صفحة ٢٠٩↑
ونقل في (كشف الغمَّة) كثير من الوكلاء والسفراء وغيرهم، وغير هؤلاء الجماعة المذكورين، لم نوردهم خوفاً من التطويل، وقد ظهرت له معجزات (عليه السلام) لكلِّ واحدٍ من هذه الجماعة تفوق الحصر.
ومن جملة التوقيعات ما روى محمّد بن شاذان بن نعيم النيشابوري أنَّه قال: اجتمع عندي مال للغريم (عليه السلام) خمسمائة درهم، ينقص منها عشرون درهماً، فأنفت أنْ أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد ابن جعفر، ولم أكتب مالي فيها، فأنفذ إليَّ محمّد بن جعفر القبض، وفيه: «وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً»(٢٥٤).
وروى أيضاً عن نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز، وكتب رقعة، وغيَّر فيها اسمه، فخرج إليه الموصول باسمه ونسبه والدعاء له(٢٥٥).
وروى أيضاً عن سعد بن عبد الله بن صالح(٢٥٦) أنَّه قال: كتبت أسأله الدعاء لباداشاله(٢٥٧) وقد حبسه ابن عبد العزيز، وأستأذن في جارية لي أستولدها، فخرج: «استولدها، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يُخلِّصه الله».
فاستولدت الجارية، فولدت فماتت، وخُلِّي عن المحبوس (يوم خرج إليَّ التوقيع)(٢٥٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٤) كمال الدِّين (ص ٤٨٥ و٤٨٦/ باب ٤٥/ ح ٥).
(٢٥٥) كمال الدِّين (ص ٤٨٨/ باب ٤٥/ ح ١٠).
(٢٥٦) هكذا في الترجمة، وفي المصدر المطبوع: (سعد بن عبد الله بن محمّد بن صالح، قال:...) الحديث.
(٢٥٧) لم يُذكر في الترجمة اسم المحبوس.
(٢٥٨) سقطت هذه الزيادة من الترجمة، والرواية في كمال الدِّين (ص ٤٨٩/ باب ٤٥/ ح ١٢).
↑صفحة ٢١٠↑
[دعاء الحجَّة (عجَّل الله فرجه) لعليِّ بن الحسين بن بابويه]:
وروى أيضاً أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود (رضي الله عنه)، قال: سألني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) أنْ أسأل أبا القاسم الروحي، أنْ يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أنْ يدعو الله (عزَّ وجلَّ) أنْ يرزقه ولداً ذَكَراً.
قال: فسألته، فأنهى ذلك، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيَّام أنَّه: قد دعا لعليِّ ابن الحسين، وأنَّه سيُولَد له ولد مبارك ينفع الله (عزَّ وجلَّ) به وبعده أولاده(٢٥٩).
وقد وُلِدَ بهذا الدعاء محمّد بن عليِّ بن بابويه المشهور، وهو من أعظم مجتهدي الإماميَّة، وقد كتب (عليه السلام) في حقِّ أبي جعفر: «ليس إلى هذا سبيل»، يعني سوف لا يُولَد لك ولد؛ ولم يُولَد لأبي جعفر ولد(٢٦٠).
وقال ابن طاوس والشيخ الطبرسي (رحمه الله) الأوَّل في كتاب (ربيع الشيعة)، والآخر في كتاب (إعلام الورى)، بعد أنْ ذكرا بعض النصوص: وإنَّ لصاحب الزمان (عليه السلام) غيبتان: فانظر كيف حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمَّنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده (عليهم السلام)، أمَّا غيبته الصغرى منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه (عليه السلام) موجودين، وأبوابه معروفين، لا تختلف الإماميَّة القائلون بإمامة الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) فيهم، فمنهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن عليِّ بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمَّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم، وجماعة أُخَر ربَّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٩) كمال الدِّين (ص ٥٠٢/ باب ٤٥/ ح ٣١).
(٢٦٠) في كمال الدِّين (ص ٥٠٢ و٥٠٣/ باب ٤٥/ ح ٣١)، بعد أنْ نقل الرواية المتقدِّمة: (قال أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود (رضي الله عنه): وسألته في أمر نفسي أنْ يدعوَ لي أنْ يرزقني ولداً ذَكَراً، فلم يجبني إليه. وقال: ليس...) الحديث.
↑صفحة ٢١١↑
كانت مدَّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدَّس الله روحه) باباً لأبيه وجدِّه (عليهما السلام) من قبل، وثقةً لهما، ثمّ تولَّى الباقية من قِبَله، وظهرت المعجزات على يده، ولـمَّا مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر مقامه (رحمهما الله) بنصِّه عليه، ومضى على منهاج أبيه (رضي الله عنه) في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة، وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصِّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه، ومات (رضي الله عنه) في شعبان سنة ستٍّ وعشرين وثلاثمائة، وقام مقامه أبو الحسن السمري بنصِّ أبي القاسم عليه، وتوفَّى في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة(٢٦١).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦١) إعلام الورى (ج ٢/ ص ٢٥٩ و٢٦٠).
↑صفحة ٢١٢↑
الحديث الثامن والثلاثون: علامات الساعة
قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا الحسن بن محبوب (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عليُّ بن رئاب، قال: حدَّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدَّثنا سعيد بن جبير، قال: حدَّثنا عبد الله بن العبَّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ للساعة علامات، منها: السفياني، والدجَّال، والدخان، وخروج القائم (عليه السلام)، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر».
وروى الفضل (رحمه الله) هذا الحديث بطريق آخر، وهو هذا، حيث قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن فضَّال، عن حمَّاد، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «عشر قبل الساعة لا بدَّ منها: السفياني، والدجَّال، والدخان، والدابَّة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر».
وقد نقله الشيخ الطوسي (رحمة الله عليه) في كتاب (الغيبة) بهذا الطريق: عن أحمد بن إدريس، عن عليِّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان(٢٦٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٢) أقول: راجع: الغيبة للطوسي (ص ٤٣٦/ ح ٤٢٦).
↑صفحة ٢١٣↑
وقد ذكره ابن بابويه (رضي الله عنه) في كتاب (الخصال) بطريق آخر(٢٦٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٣) أقول: روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الخصال (باب العشرة) ثلاثة أخبار تقرب من مضمون هذا الخبر الذي أشار إليه المؤلِّف (رحمه الله) في الأصل، ولم يذكر مقصود الخبر من هذه الثلاثة، وهي:
في الخصال (ص ٤٣١/ باب العشرة/ ح ١٣): عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، قال: أطلع علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غرفة له ونحن نتذاكر الساعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تقوم الساعة حتَّى تكون عشر آيات: الدجَّال، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، ودابَّة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تنزل معهم إذا نزلوا، وتقيل معهم إذا قالوا».
وفي الخصال (ص ٤٤٦/ باب العشرة/ ح ٤٦)، قال: حدَّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن حكيم القاضي، قال: حدَّثنا الحسين بن عبد الله بن شاكر، قال: حدَّثنا إسحاق بن حمزة البخاري، وعمِّي قالا: حدَّثنا عيسى بن موسى غُنجار، عن أبي حمزة، عن رقبة وهو ابن مصقلة الشيباني، عن الحَكَم بن عتيبة، عمَّن سمع حذيفة بن أسيد يقول: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «عشر آيات بين يدي الساعة: خمس بالمشرق، وخمس بالمغرب»، فذكر الدابَّة والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وعيسى بن مريم (عليه السلام) ويأجوج ومأجوج، وأنَّه يغلبهم ويُغرقهم في البحر، ولم يذكر تمام الآيات.
وفي الخصال (ص ٤٤٩/ باب العشرة/ ح ٥٢)، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، قال: حدَّثنا أبو عبد الله الورَّاق محمّد بن عبد الله بن الفرج، قال: حدَّثنا أبو الحسن عليُّ بن بيان المقرئ، قال: حدَّثنا محمّد بن سابق، قال: حدَّثنا زائدة، عن الأعمش، قال: حدَّثنا فرات القزَّاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: كنَّا جلوساً في المدينة في ظلِّ حائط، قال: وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غرفة فأطلع علينا، فقال: «فيم أنتم؟»، فقلنا: نتحدَّث، قال: «عمَّ ذا؟»، قلنا: عن الساعة، فقال: «إنَّكم لا ترون الساعة حتَّى ترون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدجَّال، ودابَّة الأرض، وثلاثة خسوف في الأرض: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج عيسى بن مريم (عليه السلام)، وخروج يأجوج ومأجوج، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً، تسوق النار إلى المحشر، كلَّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر».
ولعلَّ مقصوده (رحمه الله) هذا الحديث الأخير، والله تعالى العالم.
↑صفحة ٢١٤↑
وقد روى هذا الحديث جماعة من علماء الإماميَّة وكثير من فضلاء العامَّة ولكن باختلاف الترتيب والعلامات، فقد أُضيف في بعضها (يأجوج ومأجوج) أيضاً، وقد يكون سبب الاختلاف بالترتيب والعلامات لإمكان أنَّ سيِّد البشر قد تكلَّم بهذا الكلام المعجز مرَّات متكرِّرة، وكان قد ذكر في كلِّ مرَّة بعضاً من تلك العلامات، فإنَّ علامات القيامة كثيرة.
فاعلم أيُّها العزيز أنَّه لا بدَّ لك في باب هذا الحديث الشريف من معرفة عدَّة أشياء:
الأوَّل: أنَّه لا يُشترَط في هذه العلامات المذكورة في الحديث أنْ تظهر على النحو الترتيبي.
الثاني: أنَّ العلامات غير محصورة في هذه المجموعة من العلامات التي ذُكِرَت. ويُستفاد هذا أيضاً من لفظة (منها) التي جاءت في الحديث الأوَّل.
الثالث: أنَّ المقصود من ذكر هذا الحديث في هذا المقام هو التذكير بخروج صاحب الأمر (عليه السلام).
الرابع: أنَّ الوليَّ والعدوَّ متَّفقون على القول بأنَّ ظهوره (عليه السلام) إنَّما هو من علامات القيامة. وعليه فلا يُعوَّل على الحديث الذي نقله العلَّامة المجلسي في حكومة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين والإمام الحسين (عليهما السلام) ألفاً وأربعة وتسعين سنة ومدَّة قليلة، وسوف تكون وسطاً بين القيامة وعلامات القيامة.
وسوف تعلم بعد هذا أنَّ زمان إمامة وخلافة وحكومة وسلطنة الحجَّة (صلوات الله علية) سوف تتَّصل بالقيامة، وهذا لا يتنافى مع ما جاء في مواضع كثيرة من الروايات في أنَّه سوف يكون بين وفاته (عليه السلام) وقيام القيامة أربعون يوماً؛ لأنَّ هذه الأربعين يوماً إنَّما هي من مقدَّمات القيامة.
ولذلك نرى بعض علماء الإماميَّة الذين غفلوا عن هذا المعنى لم يقولوا
↑صفحة ٢١٥↑
بوجود الفاصل الأربعين يوماً بين وفاة الحجَّة (عليه السلام) والقيامة، ومن أُولئك الشيخ إبراهيم (عليه الرحمة)، فإنَّه قد أصرَّ جدًّا على هذا في كتاب (بيان الفرق)، واستدلَّ على هذا المطلب في رسالة (الفرقة الناجية) بالأحاديث المنقولة من طُرُق العامَّة.
وليُعلَم أيضاً أنَّ لكلِّ علامة من هذه العلامات شرح مفصَّل لا يسع هذا المختصر لتلك الشروح، ومن أراد استيفاء ذلك فعليه أنْ يرجع إلى كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتَّقين) الذي ألَّفته في أيَّام شباب هذا الحقير.
وهناك حديث طويل لابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في ذكر علامات آخر الزمان نقله في كتاب (إثبات الرجعة) عن أبي عبد الله (عليه صلوات الله)، وقد رواه صاحب (الكافي) في روضته بدون زيادة ولا نقصان(٢٦٤)، وقد أورده هذا المنكسر الحزين في (رياض المؤمنين)، ومن أراد الاطِّلاع عليه فعليه بالرجوع إلى ذلك الكتاب.
وأطلب من قارئ هذه الرسالة وذلك الكتاب وغيرهما من مؤلَّفات هذا الفقير أنْ يطلبوا للمؤلِّف العفو من غفَّار الخطايا.
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٤) راجع: الكافي (ج ٨/ ص ٣٦ - ٤٢).
↑صفحة ٢١٦↑
الحديث التاسع والثلاثون: أحداث تكون قبل ظهوره (عليه السلام)
قال الشيخ الجليل الفاضل ابن شاذان بن الخليل (طيَّب الله مرقده): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا جميل بن درَّاج، قال: حدَّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: «استعيذوا بالله من شرِّ السفياني والدجَّال وغيرهما من أصحاب الفتن».
قيل له: يا ابن رسول الله، أمَّا الدجال فعرفناه، وقد بيَّن من مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني وغيره من أصحاب الفتن، وما يصنعون؟
قال (عليه السلام): «أوَّل من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس، يخرج من بلاد الجزيرة، له نكاية شديدة في الناس، وجور عظيم.
ثمّ يخرج الجرهمي من بلاد الشام.
ويخرج القحطاني من بلاد اليمن.
ولكلِّ واحدٍ من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم.
فبينا هم كذلك إذ يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يُظهِر الزهد قبل خروجه، ويتقشَّف، ويتقنَّع بخبز الشعير، والملح الجريش، ويبذل الأموال، فيجلب بذلك قلوب الجُهَّال والأرذال، ثمّ يدَّعي الخلافة، فيبايعونه، ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحقَّ ويُظهِرون
↑صفحة ٢١٧↑
الباطل، فيقولون: إنَّه خير أهل الأرض، وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد، وفي شهر واحد، وسنة واحدة.
فأوَّل من يقاتل السفياني القحطاني، فينهزم، ويرجع إلى اليمن، فيقتله اليماني، ثمّ يفرُّ الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما، ويقهرهما، ويقهر كلَّ من ينازعه ويحاربه إلَّا اليماني، ثمّ يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف ويسخر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع المَلِك الخراساني، ويرجع منها منتصراً في عنقه صليب.
ثمّ يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شرِّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة، ومقاتلات شديدة، فيتبعه اليماني، فتكثر الحروب، وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في آخر الأمر مع ابنه في الأُسارى، فيُقطِّعهما إرباً إرباً.
ثمّ يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثمّ يُفوِّض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكَّة، وينتظر ظهور قائمنا حتَّى يتوفَّى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في مكَّة، وسلطانه قريباً من أربعين سنة.
وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا (عليه السلام)».
قال زرارة: فسألته عن مدَّة ملك السفياني.
قال (عليه السلام): «تُمَدُّ إلى عشرين سنة».
ويُستفاد من هذا الحديث الشريف أنَّ السمرقندي سوف يحتلُّ في ذلك الزمان بلاد الروم، ولكنَّه ليس من الواضح والمعلوم أنَّه هل سوف يقع القتال بين هذين المضلَّين والضالَيْنِ أم أنَّهما سوف يتصالحان، أم أنَّ السفياني سوف ينصرف ويرجع بدون التقاء هاتين الفئتين ووقوع أحد الأمرين؟
وليُعلَم أنَّ من مؤيِّدات هذا الحديث ما رواه الشيخ عالي الشأن أعني الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في كتاب (إثبات الرجعة)، ونقله
↑صفحة ٢١٨↑
الشيخ رفيع الدرجة والمؤيَّد بالتأييدات القدُّوسيَّة الشيخ أبو جعفر الطوسي (عليه الرحمة) عنه في كتاب (الغيبة) بهذا الطريق: عنه، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خروج الثلاثة: الخراساني، والسفياني، واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، فليس فيها راية بأهدى من راية اليماني تهدي إلى الحقِّ»(٢٦٥).
فاعلم يا محبَّ سلطان الرجال أنَّ الأحاديث في باب علامات ظهور صاحب الزمان (عليه صلوات الله الرحمن) كثيرة، وقد ذكر بعضها الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان (رحمه الله) في كتاب (الإرشاد)، ولنكتفِ بها.
قال الشيخ: من بعض علامات زمان قيام القائم (عليه السلام)(٢٦٦): خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبَّاس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيَّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قِبَل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملُّكه للشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتَّى يكاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٥) الغيبة للطوسي (ص ٤٤٦ و٤٤٧/ ح ٤٤٣).
(٢٦٦) يبدو أنَّ المؤلِّف (رحمه الله) قد اختصر عبارة الشيخ المفيد (رحمه الله)، بينما النصُّ هو كما يلي: (باب ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام)، ومدَّة أيَّام ظهوره، وشرح سيرته، وطريقة أحكامه، وطرف ممَّا يظهر في دولته، وأيَّامه (صلوات الله عليه): قد جاءت الأخبار (الآثار خ. ل) بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه وآيات ودلالات، فمنها: خروج السفياني...) إلخ. (الإرشاد: ج ٢/ ص ٣٦٨).
↑صفحة ٢١٩↑
يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيَّام أو سبعة أيَّام، وخلع العرب أعنَّتها وتملُّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قِبَل المغرب حتَّى تُربَط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سودٍ من المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتَّى يدخل الماء أزقَّة الكوفة، وخروج ستِّين كذَّاباً كلُّهم يدَّعي النبوَّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلُّهم يدَّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبَّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوَّل النهار، وزلزلة حتَّى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتَّى يأتي على الزرع والغلَّات، وقلَّة ريعٍ لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البِدَع حتَّى يصيروا قردةً وخنازير، وغلبةُ العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتَّى يسمعه أهل الأرض كلُّ أهل لغةٍ بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات يُنشَرون من القبور حتَّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون. ثمّ يُختَم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتحيى بها الأرض من بعد موتها وتُعرَف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهةٍ عن معتقدي الحقِّ من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكَّة فيتوجَّهون نحوه لنصرته، كما جاءت بذلك الأخبار.
ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون،
↑صفحة ٢٢٠↑
وإنَّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأُصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين، وإيَّاه نسأل التوفيق(٢٦٧).
وقد ذكر مؤلِّف كتاب (كشف الغمَّة) (رحمه الله) هذه العلامات أيضاً نقلاً عن الشيخ المفيد (عليه رحمة المَلِك المجيد)، ثمّ قال بعد ذلك: لا ريب أنَّ هذه الحوادث فيها ما يحيله العقل، وفيها ما يحيله المنجِّمون، ولهذا اعتذر الشيخ المفيد (رحمه الله) في آخر إيراده لها.
والذي أراه أنَّه إذا صحَّت طُرُقات نقلها، وكانت منقولة عن النبيِّ أو الإمام (عليهما السلام)، فحقُّها أنْ تتلقَّى بالقبول لأنَّها معجزات، والمعجزات خوارق للعادات كانشقاق القمر وانقلاب العصا ثعباناً، والله أعلم.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): أخبرني أبو الحسن عليُّ بن بلال المهلبي، يرفعه إلى إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخاً من أصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند أبي جعفر المنصور، فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة، لا بدَّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.
فقلت: جُعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا؟
فقال: إي والذي نفسي بيده، لسماع أُذُني له.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنَّ هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا.
فقال: يا سيف، إنَّه لحقٌّ، فإذا كان فنحن أوَّل من يجيبه، أمَا إنَّ النداء إلى رجل من بني عمِّنا.
فقلت: إلى رجل من ولد فاطمة؟
فقال: نعم يا سيف، لولا أنَّني سمعت أبا جعفر محمّد بن عليٍّ يُحدِّثني به وحدَّثني به أهل الأرض كلُّهم ما قبلته منهم، ولكنَّه محمّد بن عليٍّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٧) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٠).
↑صفحة ٢٢١↑
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تقوم الساعة حتَّى يخرج القائم المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتَّى يخرج ستُّون كذَّاباً كلُّهم يقول: أنا نبيٌّ».
وعن أبي حمزة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): خروج السفياني من المحتوم؟
قال: «نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها محتوم، واختلاف بني العبَّاس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكيَّة محتوم، وخروج القائم من آل محمّد محتوم».
قلت: وكيف يكون النداء؟
قال: «ينادي منادٍ من السماء في أوَّل النهار: ألَا إنَّ الحقَّ مع عليٍّ وشيعته، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألَا إنَّ الحقَّ مع عثمان وشيعته، فعندئذ يرتاب المبطلون»(٢٦٨).
ثمّ قال صاحب (كشف الغمَّة) بعد أنْ نقل هذا الحديث: لا يرتاب إلَّا جاهل؛ لأنَّ منادي السماء أولى أنْ يُقبَل من منادي الأرض.
وعن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا يخرج القائم حتَّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلُّهم يدعو إلى نفسه».
عن عليِّ بن محمّد الأزدي، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «بين يدي القائم موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه كألوان الدم؛ فأمَّا الموت الأحمر فالسيف، وأمَّا الموت الأبيض فالطاعون».
وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الزم الأرض، ولا تُحرِّك يداً ولا رجلاً حتَّى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تُدرِك ذلك: اختلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٨) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٥٨ و٤٥٩).
↑صفحة ٢٢٢↑
بني العبَّاس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام تُسمَّى: الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كلِّ أرض حتَّى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني».
وعن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في قوله (عزَّ اسمه): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلت: ٥٣]، قال: «الفتن في آفاق الأرض، والمسخ في أعداء الحقِّ».
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، قال: «سيفعل الله ذلك بهم».
قلت: من هم؟
قال: «بنو أُميَّة وشيعتهم».
قلت: وما الآية؟
قال: «ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر، وخروج صدر ووجه في عين الشمس يُعرَف بحسبه ونسبه، وذلك في زمان السفياني، وعنده يكون بواره وبوار قومه».
وعن سعيد بن جبير: إنَّ السنة التي يقوم فيها القائم (عليه السلام) تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، وتُرى آثارها وبركاتها.
عن ثعلبة الأزدي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «آيتان تكونان قبل قيام القائم: كسوف الشمس في النصف من رمضان، والقمر في آخره».
قال: قلت: يا ابن رسول الله، القمر في آخر الشهر، والشمس في النصف؟!
↑صفحة ٢٢٣↑
فقال أبو جعفر: «أنا أعلم بما قلت، إنَّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام)».
وعن صالح بن ميثم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «ليس بين قيام القائم وقتل النفس الزكيَّة أكثر من خمس عشرة ليلة»(٢٦٩).
وقال مؤلِّف كتاب (كشف الغمَّة) (رحمه الله) بعد أنْ نقل هذه الرواية عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه): يُنظَر في هذا، فإمَّا أنْ يُراد بالنفس الزكيَّة غير محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقُتِلَ في رمضان من سنة خمس وأربعين ومائة، وإمَّا أنْ يتطرَّق الطعن إلى هذا الخبر(٢٧٠).
يقول جامع ومترجم هذا الأربعين: سوف يُذكر بعض الكلام في المستقبل حول التردُّد لهذا الشيخ الجليل.
وروي عن جابر أنَّه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى يكون هذا الأمر؟
فقال: «أنَّى يكون ذلك يا جابر ولـمَّا تكثر القتلى بين الحيرة والكوفة؟!».
عن محمّد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا هدم حائط مسجد الكوفة ممَّا يلي دار عبد الله بن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم (عليه السلام)».
وسيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خروج الثلاثة: السفياني، والخراساني، واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني؛ لأنَّه يدعو إلى الحقِّ».
والفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: «لا يكون ما تمدُّون أعناقكم إليه حتَّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا، فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٩) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٥٩ و٤٦٠).
(٢٧٠) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٦٠).
↑صفحة ٢٢٤↑
يبقى منكم إلَّا القليل»، ثمّ قرأ: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ١ و٢].
ثمّ قال: «إنَّ من علامات الفرج حدثاً يكون بين المسجدين، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب».
والفضل بن شاذان، عن ميمون بن خلَّاد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «كأنِّي برايات من مصر مقبلات خضر مصبَّغات، حتَّى تأتي الشامات فتُهدى إلى ابن صاحب الوصيَّات».
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا يذهب ملك هؤلاء حتَّى يستعرضوا الناس بالكوفة في يوم الجمعة، لكأنِّي أنظر إلى رؤوس تندر فيما بين باب الفيل وأصحاب الصابون».
وعليُّ بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج؟
فقال: «تريد الإكثار، أم أُجمل لك؟».
فقال: بل تجمل.
قال: «إذا أُركزت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان».
والحسين بن أبي العلاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ لولد فلان عند مسجدكم - يعني مسجد الكوفة - لوقعة في يوم عروبة، يُقتَل فيها أربعة آلاف من باب الفيل إلى أصحاب الصابون، فإيَّاكم وهذا الطريق فاجتنبوه، وأحسنهم حالاً من أخذ في درب الأنصار».
وعليُّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عنه (عليه السلام)، قال: «إنَّ قُدَّام القائم (عليه السلام) لسنة غيداقة(٢٧١) يفسد فيها الثمر في النخل، فلا تشكُّوا في ذلك».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧١) أي كثيرة الأمطار.
↑صفحة ٢٢٥↑
عن إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن سعد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سنة الفتح تنبثق الفرات حتَّى تدخل أزقَّة الكوفة».
وفي حديث محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ قُدَّام القائم بلوى من الله».
قلت: وما هو جُعلت فداك؟
فقرأ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥].
ثمّ قال: «الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص الأموال من كساد التجارات، وقلَّة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلَّة ريع الزرع وقلَّة بركة الثمار»، ثمّ قال: «وبشِّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام)».
وعن الحسين بن يزيد، عن منذر الخوزي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تُجلِّل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تُسفَك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار»(٢٧٢).
[سنة ظهور القائم (عجَّل الله فرجه)]:
وقال الشيخ (عليه الرحمة) أيضاً: فأمَّا السنة التي يقوم فيها (عليه السلام) واليوم بعينه، فقد جاءت فيه آثار عن الصادقين (عليهم السلام).
روى الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٢) كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٦٠ - ٤٦٢).
↑صفحة ٢٢٦↑
الله (عليه السلام)، قال: «لا يخرج القائم (عليه السلام) إلَّا في وترِ من السنين: سنة إحدى، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع».
الفضل بن شاذان، عن محمّد بن عليٍّ الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يُنادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قُتِلَ فيه الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، لكأنِّي به في يوم السبت العاشر من المحرَّم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل (عليه السلام) على يده اليمنى ينادي: البيعة لله، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تُطوى لهم طيًّا حتَّى يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً»(٢٧٣).
يقول كاتب هذا الموجز: يُعلَم من عدَّة أخبار أنَّه سوف يكون النداء باسم الإمام القائم (عليه السلام) في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك كما سوف يُذكر ذلك إنْ شاء الله تعالى، ومن الممكن أنَّ عبارة (شهر رمضان) كانت مذكورة في هذا الحديث، وقد سقطت سهواً من لسان الراوي، أو من قلم الكاتب.
وقال الشيخ المفيد (عليه الرحمة) أيضاً: وقد جاء الأثر بأنَّه (عليه السلام) يسير من مكَّة حتَّى يأتي الكوفة فينزل على نجفها، ثمّ يُفرِّق الجنود منها في الأمصار.
وروى الحجَّال، عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «كأنِّي بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة، قد سار إليها من مكَّة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يُفرِّق الجنود في البلاد».
وفي رواية عمرو بن شمر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ذكر المهدي فقال: «يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت؛ فتصفو له. ويدخل حتَّى يأتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٣) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٨ و٣٧٩).
↑صفحة ٢٢٧↑
المنبر، فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أنْ يُصلِّي بهم الجمعة، فيأمر أنْ يُخَطَّ له مسجد على الغريِّ ويُصلِّي بهم هناك، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى الغريَّين حتَّى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكتل فيه بُرٌّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء»(٢٧٤).
يقول هذا المنكسر الحزين - وأعني جامع ومترجم هذا الأربعين -: إنَّه ذُكِرَ في هذا الحديث: «فإذا كان الجمعة الثانية سأله الناس أنْ يُصلِّي بهم الجمعة»، فيه نكتة لا يقف عليها إلَّا العارف بالحديث(٢٧٥).
وفي رواية صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ذكر مسجد السهلة فقال: «أمَا إنَّه منزل صاحبنا إذا قَدِمَ بأهله».
وفي رواية المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف بابٍ، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء»(٢٧٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٤) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٩ و٣٨٠).
(٢٧٥) يقصد بها: أنَّ صلاة الجمعة لا تشرع إلَّا في عصر ظهوره (عليه السلام)، ولذلك يطلب الناس منه (عليه السلام) أنْ يقيمها. ولكنَّك خبير بأنَّ الخبر لو خُلِّي وظاهره فإنَّه لا يدلُّ على هذا المعنى إلَّا بتكلُّفٍ شديدٍ لا يستقيم مع ظهور الكلام؛ فهو لا يدلُّ على أكثر من طلب إقامة الجمعة بإمامته (عليه السلام) التي هي أمل كلِّ مؤمن. وليس معنى ذلك أنَّ الجمعة لم تكن قائمةً بإمامة غيره (عليه السلام) من أئمَّة الجمعة من نوَّابه الخاصِّين في زمن حضوره، وبعد ظهوره (عجَّل الله فرجه).
وأمَّا سبب عدم ذكر المؤلِّف (رحمه الله) تفصيل النكتة واكتفى بالإشارة إليها، لأنَّه قد ألَّف هذا الكتاب في زمن الدولة الصفويَّة، حيث كانت صلاة الجمعة من شعائر الدِّين والدولة، وكانت تُقام بأمر شيوخ الإسلام ومراجع الدِّين كالعلَّامة المجلسي (رحمه الله) الذي كان معاصراً للمؤلِّف (رحمه الله) وغيره.
فيبدو أنَّه ترك التفصيل تقيَّةً، أو لأسباب أُخرى، والله تعالى أعلم.
(٢٧٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٨٠).
↑صفحة ٢٢٨↑
قال الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا أحمد بن عليٍّ الأنصاري، عن أبي الصلت الهرويِّ، قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامات القائم منكم إذا خرج؟
قال: «علامته أنْ يكون شيخ السنِّ، شابَّ المنظر حتَّى إنَّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإنَّ من علاماته أنْ لا يهرم بمرور الأيَّام والليالي حتَّى يأتيه أجله»(٢٧٧).
ومن علامات ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) ما ذُكِرَ فيما روي في حديث الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) على هذا النحو: حدَّثنا صفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): «إنَّ القائم منَّا (عليه السلام) منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز كلُّها، ويُظهِر الله تعالى به دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، فلا يبقى في الأرض خراب إلَّا عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلَّى خلفه».
قال ابن حمران: قيل له: يا بن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟
قال: «إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقُبِلَت شهادة الزور، ورُدَّت شهادة العدل، واستخفَّ الناس بالدماء، وارتكاب الزنا، وأكل الربا والرشى، واستيلاء الأشرار على الأبرار، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلامٍ من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن، ولقبه النفس الزكيَّة، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقَّ مع عليٍّ وشيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٧) كمال الدِّين (ص ٦٥٢/ باب ٥٧/ ح ١٢).
↑صفحة ٢٢٩↑
الكعبة، واجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوَّل ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٨٦]، ثمّ يقول: أنا بقيَّة الله، وحجَّته، وخليفته عليكم.
فلا يُسلِّم عليه مسلِّم إلَّا قال: السلام عليك يا بقيَّة الله في أرضه.
فإذا اجتمع العقد - وهو عشرة آلاف رجل - خرج من مكَّة، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله (عزَّ وجلَّ)، وصنم، ووثن، وغيرها إلَّا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبةٍ طويلةٍ».
وروى هذا الشيخ الفاضل عن محمّد بن إسماعيل بن بزيغ، عن محمّد بن مسلم الثقفي، عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام)، حديثاً مثل هذا الحديث.
كما روى هذا الحديث الشيخ أبو جعفر ابن بابويه (رحمة الله عليه) بسند آخر عن أبي جعفر (صلوات الله عليه) في كتاب (كمال الدِّين)(٢٧٨).
يقول هذا الضعيف النحيف - أعني ناقل ومترجم هذا الحديث الشريف -: إنِّي أتعجَّب من الشيخ الإربلي (عليه الرحمة)، فمع كمال فضله وعقله غفل عن هذا المعنى: أنَّ المقصود من محمّد الملقَّب بالنفس الزكيَّة، والذي يكون مقتله من علامات ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) وأنَّه غير محمّد بن الحسن المثنَّى قطعاً، وذلك لعدَّة أدلَّة:
أُولاها: أنَّ قتله قد وقع قبل صدور هذا الحديث.
ثانيها: لو كان ذلك مراده لكان الإمام (عليه السلام) أطلق عليه عبارة (رجل) بدل لفظة (غلام).
ثالثها: أنَّ قتله لم يكن بين الركن والمقام.
رابعها: أنَّ اسم أبيه لا بدَّ وأنْ يكون محمّداً كما نطق بذلك الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٨) أقول: روى هذا الخبر الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦).
↑صفحة ٢٣٠↑
الصحيح(٢٧٩)، ويكون اسم أبي هذا الحسن كما جاء في بعض الأخبار أنَّ اسم ذي النفس الزكيَّة هذا هو محمّد بن الحسن(٢٨٠)، ولعلَّه يكون اسم جدِّه الحسن، أو يُسمَّى باسم جدِّه الأعلى الإمام الحسن (عليه السلام)، كما قال بذلك الشيخ أبو جعفر ابن بابويه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٩) وهي الرواية المتقدِّمة التي نقلها المؤلِّف (رحمه الله) عن الشيخ الفضل بن شاذان (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: «اسمه محمّد بن محمّد، ولقبه النفس الزكيَّة...».
ولا يخفى قرب هذه الرواية مع الرواية التي رواها الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٣٣١) عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وفيها: «اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيَّة»؛ فهل الروايتان روايةً واحدةً، ولا فرق بينهما إلَّا ببعض ألفاظهما الذي يمكن أنْ يكون قد نشأ من النُّسَّاخ، أو الرواة؟
ولكن يبقى الإشكال قائماً من حيث تعدُّد إسناديهما، فالأُولى أُسندت إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، بينما أُسندت الثانية إلى الإمام الباقر (عليه السلام)؟
ولكن الإشكال يندفع بالقاعدة التي تجيز إسناد الرواية إلى أيٍّ منهم (عليهم السلام) كما هو منصوص.
وقد يقال بأنَّهما روايتان وليست واحدة، وربَّما يُستشهَد لهذا الاحتمال بتعدُّد الإسناد كما تقدَّم.
ولكن قد يشكل بوحدة ألفاظ المحاورة التي جرت بين الإمام (عليه السلام) والراوي؛ فمن المستبعد عادةً بما يقرب من الامتناع العادي أنْ يتكرَّر مثل هذا الحوار بين الإمام والراوي بنفس الألفاظ والمعاني؛ خصوصاً من مثل محمّد بن مسلم الثقفي، وحمران.
(٢٨٠) كما ورد ذلك في الخبر الذي رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦) بإسناده إلى الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: «وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيَّة».
وهكذا روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص ٤٦٤/ ح ٤٨٠) بإسناده إلى سفيان بن إبراهيم الجريري أنَّه سمع أباه يقول: «النفس الزكيَّة غلامٌ من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسمه محمّد بن الحسن، يُقتَل بلا جرم، ولا ذنبٍ، فإذا قتلوه فلم يبقَ لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمّد في عصبةٍ، لهم أدقّ في أعين الناس من الكحل، إذا خرجوا بكى لهم الناس، لا يرون إلَّا أنّهم يختطفون، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، ألَا وهم المؤمنون حقًّا، ألَا إنَّ خير الجهاد في آخر الزمان».
↑صفحة ٢٣١↑
ومن الممكن أنْ يكون هذا الحديث لم يصل إلى الشيخ عليِّ بن عيسى (رحمه الله)، وكان هذا هو سبب تردُّده بين الطعن وصحَّة الحديث المتقدِّم حول قتل النفس الزكيَّة.
واعلم أيُّها العزيز أنَّ ما نقله الشيخ المفيد (عليه الرحمة): «وأموات يُنشَرون من القبور حتَّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها»(٢٨١)، أنَّ المراد منه: أنَّ هناك بعض الأموات سوف يُبعَثون من القبور ويرجعون إلى الدنيا ويعرف بعضهم البعض الآخر، كما دلَّت على هذا بعض الأحاديث.
وقد يتخيَّل أحياناً من هذه العبارة أنَّه سوف يُحيى جميع الأموات كما نقل ذلك الآخوند في ضمن الحديث الثالث عشر، وغفل في هذا المقام عن الآية الكريمة التي ذكرها الناطقة بتضعيف تلك الرواية وتكذيب الراوي، كما سوف يُذكر إنْ شاء الله تعالى.
قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (رحمه الله): حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «المفقودون عن فُرُشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدَّة أهل بدر، فيصبحون بمكَّة، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]، وهم أصحاب القائم (عليه السلام)».
وهذه من إحدى معجزاته (عليه السلام).
وأمَّا من أين سوف يأتي كلُّ واحدٍ من هؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر، فقد جاءت فيه روايات مختلفة: أحدها ما رواه الشيخ محمّد بن هبة الله الطرابلسي (رحمه الله) في كتاب (الفرج الكبير) بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنَّه سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن كلِّ واحدٍ من هؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر نفراً، من أيِّ البلاد هو؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٦٩ و٣٧٠).
↑صفحة ٢٣٢↑
فقال (عليه السلام): «أربعةٌ من مكَّة، وأربعةٌ من المدينة، وأربعةٌ من بيت المقدس، وسبعةٌ من اليمن، وثمانيةٌ من مصر، وثلاثةٌ من حلب، واثنا عشر من أهل البادية، وثلاثةٌ من آذربيجان، وأربعةٌ من خوارزم، واثنا عشر من طالقان، وسبعةٌ من ديلجان، وثلاثةٌ من البصرة، وثلاثةٌ من بورسا الروم، وسبعةٌ من جرجان، وسبعةٌ من جيلان، وسبعةٌ من طبرستان (يعني مازندران)، وأربعةٌ من خوزستان، وأربعةٌ من ريّ، واثنا عشر من قم، وواحدٌ من أصفهان، وثلاثة عشر من سبزوار، وثلاثةٌ من همدان، وأربعةٌ من كرمان، وواحدٌ من مكران، وثلاثةٌ من غزنين، وثلاثةٌ من قاشان (يعني كاشان)، وثلاثةٌ من قزوين، وعشرةٌ من الهند، وثلاثةٌ من ما وراء النهر، وسبعةٌ من فارس، وسبعةٌ من نيشابور، وسبعةٌ من طوس، وثلاثةٌ من دامغان، وثلاثةٌ من الحبشة، وسبعةٌ من بغداد، واثنان من المدائن، واثنا عشر من بلاد المغرب، واثنا عشر من الحلَّة، واثنا عشر من مدفني (يعني نجف الكوفة)، وخمسةٌ من مشهد ولدي الحسين (يعني كربلاء)، وخمسةٌ من طرطوس، وثلاثةٌ من طبريَّا، وثلاثةٌ من بدخشان، وأربعةٌ من بلخ، واثنان من بخارى، واثنان من سمرقند، وثلاثةٌ من سيستان، واثنان من كاشقر، وسبعةٌ من القيروان، وخمسةٌ من قشمير، وأربعةٌ من بوشيخ، وستَّةٌ من طبس، وأربعةٌ من كنام، واثنان من كابل، وخمسةٌ من بفراج، واثنان من مراغة، وأربعةٌ من جوين، وثلاثةٌ من بروجرد، وستَّةٌ من قومس، وثلاثةٌ من نسا، واثنان من أبيورد، ويحضر في تلك الأيَّام أربعة من الأنبياء وهم عيسى وإدريس، والخضر، وإلياس (عليهم السلام)»(٢٨٢).
وقد وردت أحاديث متعدِّدة في نزول عيسى (عليه السلام) كما سوف نذكر بعضها إنْ شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٢) بما أنَّ الكتاب مفقود فقد قمنا بترجمة النصِّ الشريف ومحاولة إرجاعه إلى أصله العربي.
↑صفحة ٢٣٣↑
كما أنَّ هناك رواية تقول: «إنَّ الله تعالى سوف يُحيي له (عليه السلام) سبعةً وعشرين نفراً فيكونوا له أنصاراً، منهم: خمسة عشر الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩]، وسبعة نفر منهم أصحاب الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان الفارسي، وأبو ذرٍّ الغفاري، والمقداد بن الأسود الكندي، ومالك الأشتر النخعي».
وأمَّا ما وقع في بعض الروايات اسم أبي دجانة الأنصاري بدلاً عن أبي ذرٍّ فهي ضعيفة السند.
وليُعلَم أنَّ في تقديم وتأخير ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) وخروج الدجَّال اللعين خلاف، والمعتبر عند هذا الضعيف هو: أنَّه سوف يظهر صاحب الأمر (عليه السلام) بعد خروج الدجَّال (عليه اللعنة)، كما روى ذلك ابن شاذان (عليه الرحمة) بهذا الطريق، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عاصم بن حميد، قال: حدَّثنا محمّد بن مسلم، قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام): متى يظهر قائمكم؟
قال: «إذا كثر الغواية، وقلَّ الهداية، وكثر الجور والفساد، وقلَّ الصلاح والسداد، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ومال الفقهاء إلى الدنيا، وأكثر الناس إلى الأشعار والشعراء، ومُسِخَ قوم من أهل البِدَع حتَّى يصيروا قردة وخنازير، وقُتِلَ السفياني، ثمّ خرج الدجَّال، وبالغ في الإغواء والإضلال، فعند ذلك ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء؛ فكأنِّي أنظر إليه قائماً بين الركن والمقام، وينادي جبريل بين يديه: البيعة لله. فيقبل شيعته إليه من أطراف الأرض، تُطوى لهم طيًّا، حتَّى يبايعوا، ثمّ يسير إلى الكوفة فينزل على نجفها، ثمّ يُفرِّق الجنود منها إلى الأمصار لدفع عُمَّال الدجَّال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً».
↑صفحة ٢٣٤↑
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فداك أبي وأُمِّي، أيعلم أحدٌ من أهل مكَّة من أين يجيء قائمكم إليها؟
قال: «لا»، ثمّ قال: «لا يظهر إلَّا بغتة بين الركن والمقام».
ويقول ابن شاذان (رضي الله عنه) أيضاً: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى (عليهما السلام)، قال: «إنَّ القائم يُنادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم يوم عاشوراء، فلا يبقى راقد إلَّا قام، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل (عليه السلام). ويقال للمؤمن في قبره: يا هذا، قد ظهر صاحبك، فإنْ تشأ أنْ تلحق به فالحق، وإنْ تشأ أنْ تقيم فأقم».
ومثل هذا الحديث الحديث الذي رواه ابن شاذان عن الإمام جعفر (عليه السلام)، وقد نقله الشيخ الطوسي في آخر كتاب (الغيبة)(٢٨٣).
وقال ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) أيضاً: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا المفضَّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «سُئِلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الدجَّال، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٣) الغيبة للطوسي (ص ٤٥٢/ ح ٤٥٨): عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن عليٍّ الكوفي، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنَّ القائم (صلوات الله عليه) يُنادى باسمه يوم ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، يوم قُتِلَ فيه الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)».
وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص ٤٥٤/ ح ٤٦٢): عن الفضل، عن ابن محبوب، عن أبي أيُّوب، عن محمّد بن مسلم، قال: «ينادي منادٍ باسم القائم (عليه السلام)، فيُسمَع ما بين المشرق والمغرب، فلا يبقى راقد إلَّا قام، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرائيل الروح الأمين».
أقول: لعلَّ في السند سقط يُخرِج الحديث من الإضمار، فقد تقدَّمت مثل هذه الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام)، إضافةً إلى نقل المتَّقي الهندي لها في كتابه البرهان عن الإمام الباقر (عليه السلام).
وقد يكون في سند الرواية سقوط كلمة (قال) الثانية بعد (محمّد بن مسلم قال)، والله تعالى أعلم.
↑صفحة ٢٣٥↑
إنَّه يخرج في قحط شديد من بلدة يقال لها: أصفهان، من قرية تُعرَف باليهوديَّة، عينه اليمنى ممسوحة، والأُخرى في جبهته، تضيء كأنَّها كوكب الصبح، فيها علقة، ينادي بأعلى صوته يسمع كلُّ من كان ما بين الخافقين من الجنِّ والإنس، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، أنا ربُّكم الأعلى.
ففي أوَّل يوم من خروجه يتبعه سبعون ألفاً من اليهود، والأعراب، والنساء، وأولاد الزنا، والمدمنين بالخمر، والمغنِّين، وأصحاب اللهو، ويجتمع عنده سحرة الجنِّ والإنس، ويكون معه إبليس ومردة الشياطين، وكلُّ شيء من الأطعمة والأشربة، ويُذبَح له ولأصحابه من البقر والغنم والجداء والحملان، ويحلب لهم ألبان البقر والغنم في أيِّ وقت يريدون، وهو في كلِّ يوم يقتل أحداً من أصحابه أو غيرهم، فيواريه أحد من الشياطين، ويُري الناس نفسه بصورته، فيُخيِّلهم الدجَّال: أنَّه يُحيي ويميت، وبذلك يغويهم أشدَّ الإغواء، فيطوف البلدان راكباً على حمار أقمر، والشياطين معه مع الطبول والمزامير والبوقات وكلِّ آلة من آلات اللهو، فيبيح الزنا واللواط وسائر المناهي حتَّى يباشر الرجال النساء والغلمان في أطراف الشوارع عرياً وعلانيةً، ويفرط أصحابه في أكل الخنزير، وشرب الخمور، وارتكاب أنواع الفسوق والفجور، ويُسخِّر آفاق الأرض إلَّا مكَّة والمدينة ومراقد الأئمَّة (عليهم السلام).
فإذا بالغ في طغيانه وملأ الأرض من جوره وجور أعوانه، يقتله من يُصلِّي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام)».
وهناك أحاديث متعدِّدة قد ذكرت نزول عيسى (عليه السلام) واقتدائه بصلاته خلف خاتم الأوصياء:
قال الفضل (رحمه الله): حدَّثنا فضالة بن أيُّوب (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عبد الله بن
↑صفحة ٢٣٦↑
سنان، قال: سأل (أبي عن)(٢٨٤) أبي عبد الله (عليه السلام) عن السلطان العادل، قال: «هو من افترض الله طاعته بعد الأنبياء والمرسَلين على الجنِّ والإنس أجمعين، وهو سلطان بعد سلطان إلى أنْ ينتهي إلى السلطان الثاني عشر».
فقال رجل من أصحابه: فصف لنا من هم، يا ابن رسول الله؟
قال: «هم الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، والذين خاتمهم الذي ينزل في زمن دولته عيسى (عليه السلام) من السماء ويُصلِّي خلفه، وهو الذي يقتل الدجَّال، ويفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ويمتدُّ سلطانه إلى يوم القيامة».
قال الفضل بن شاذان: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، قالا: حدَّثنا جميل بن درَّاج، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «الإسلام والسلطان العادل أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلَّا بصاحبه، الإسلام أُسٌّ، والسلطان العادل حارس، ما لا أُسَّ له فمنهدم، وما لا حارس له فضائع، فلذلك إذا رحل قائمنا لم يبقَ أثر من الإسلام، وإذا لم يبقَ أثر من الإسلام لم يبقَ أثر من الدنيا».
والهدف من نقل هذا الحديث الصحيح العالي الإسناد في هذا المقام مع رعاية المناسبة مع الحديث السابق شيئان:
أحدهما: ذكر السلطان العادل.
وثانيهما: ما يُفهَم من هذا الحديث أيضاً أنَّ انتهاء دولة صاحب الأمر(عليه السلام) متَّصل بنهاية العالم، كما عُلِمَ هذا من حديث متقدِّم.
وليُعلَم أنَّه كما كان المقصود من السلطان العادل الواقع في الحديث هو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٤) توجد عبارة (أبي عن) خارج السطر في النسخة المخطوطة، ولكن العبارة أُدرجت في السند في النسخة المطبوعة.
↑صفحة ٢٣٧↑
الإمام المفترض الطاعة، فكذلك المراد من الإمام العادل هو الإمام المعصوم(عليه السلام) أيضاً.
قال الشيخ الهمام، ثقة الإسلام، مرغم القرام، رئيس المحدِّثين، مرشد المؤمنين، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (نوَّر الله مرقده)، في كتاب (الكافي)، باب (إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة): محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ الله أجلُّ وأعظمُ مِنْ أنْ يترك الأرض بغير إمام عادل»(٢٨٥).
قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليٍّ (عليهما الرحمة) في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة): حدَّثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ الله أجلُّ وأعظم من أنْ يترك الأرض بغير إمام عادل»(٢٨٦).
وروى ابن شاذان (رحمه الله) هذا الحديث عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن الإمام جعفر (عليه السلام) مع عدَّة أحاديث أُخرى، كلُّها تفيد هذا المعنى.
قال الفضل (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا جميل بن درَّاج، قال: حدَّثنا ميسر بن عبد العزيز النخعي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج، وصعد المنبر، فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقِّه، وأنْ يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويعمل فيهم بعمله. فبعث الله (عزَّ وجلَّ) جبرئيل (عليه السلام) يأتيه، فنزل الحطيم، فيقول له: إلى أيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٥) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ ح ٦).
(٢٨٦) كمال الدِّين (ص ٢٢٩/ باب ٢٢/ ح ٢٦).
↑صفحة ٢٣٨↑
شيء تدعو؟ فيُخبره القائم (عليه السلام). فيقول جبرائيل: أنا أوَّل من يبايعك، اُبسط يدك، فيمسح على يده وقد وافاه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فيبايعونه. ويقيم بمكَّة حتَّى يتمَّ أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمّ يسير بها إلى المدينة».
وقال أيضاً في الكتاب المزبور: حدَّثنا صفوان بن يحيى ومحمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمَّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا خرج القائم (عليه السلام) من مكَّة ينادي مناديه: ألَا لا يحملنَّ أحدٌ طعاماً ولا شراباً. وحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام)، وهو وِقر بعير، لا ينزل منزلاً إلَّا انفجرت منه عيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي، ورويت دوابُّهم حتَّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة».
ثمّ قال: وحدَّثنا محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله سواء.
وقال في الكتاب المذكور: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عمر بن أُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا».
فقيل له: يا ابن رسول الله، مَن الأربعة عشر؟
فقال: «محمّد، وعليٌّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمَّة من ولد الحسين الذين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبة طويلة، فيقتل الدجَّال، ويُطهِّر الأرض من كلِّ جور وظلم».
وروى هذا الحديث ابن بابويه (رحمة الله عليه) أيضاً بسنده عن الإمام جعفر (عليه السلام)(٢٨٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٧) كمال الدِّين (ص ٣٣٥ و٣٣٦/ باب ٣٣/ ح ٧)، بالسند التالي: (حدَّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن يزيد الزيَّات، عن الحسن بن موسى الخشَّاب، عن ابن سماعة (وفي بعض النسخ: عليّ ابن سماعة)، عن عليِّ بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن المفضَّل بن عمر، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)...) الحديث.
↑صفحة ٢٣٩↑
وقال بعد ذلك: حدَّثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، قال: حدَّثنا الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ [الأنعام: ١٥٨]: «الآيات(٢٨٨) هم الأئمَّة، والآية المنتظرة القائم (عليه السلام)، فيومئذٍ ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ قيامه بالسيف، وإنْ آمنت بمن تقدَّمه من الأئمَّة (عليهم السلام)»(٢٨٩).
قال ابن شاذان (رضوان الله عليه): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن جميل ابن درَّاج، عن أُسامة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم من آل محمّد (عليهم السلام) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة أُخرى، حتَّى يفعل ذلك خمس مرَّات».
فقيل له: يا ابن رسول الله، يبلغ عدد هؤلاء هذا؟
قال : «نعم، منهم ومن مواليهم».
وقال (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درَّاج، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم سار إلى الكوفة، فيخرج منها قوم يقال لهم: اليزيديَّة، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا إلى بني فاطمة. فيضع فيهم السيف حتَّى يأتي إلى آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلَّ منافق مرتاب، ويهدم قصورهم، ويقتل مقاتليها حتَّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)».
ويُستفاد من حديث آخر أنَّ الكوفة سوف تعمر قبل ظهوره (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٨) في بعض النُّسَخ: (فقال (عليه السلام): الآيات...) إلخ.
(٢٨٩) كمال الدِّين (ص ٣٣٦/ باب ٣٣/ ح ٨).
↑صفحة ٢٤٠↑
وقال (رحمه الله): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يُعطي الله تعالى لكلِّ واحدٍ من أصحاب قائمنا قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد».
وقال (قدّس سرّه): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحَكَم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيَّامه الجور، وآمنت به السُّبُل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردَّ كلَّ حقٍّ إلى أهله، ولم يبقَ أهل دين حتَّى يُظهِروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أمَا سمعت الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣]، وحكم في الناس بحكم داود (عليه السلام)، وحكم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فحينئذٍ تُظهِر الأرض كنوزها، وتُبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته، ولا لبرِّه، لشمول الغنى جميع المؤمنين».
ثمّ قال: «إنَّ دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلَّا حكموا قبلنا، لئلَّا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨]».
وقد ضبط بعض الفضلاء من العلماء (رُدَّ كلُّ حقٍّ) على المبنيِّ للمجهول، وحينئذٍ فسوف يكون هناك تفاوت على التقديرين.
وقال: حدَّثنا عبد الله بن جبلة، عن علاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بيِّنة، يُلهِمه الله تعالى ليحكم بعلمه، ويُخبِر كلَّ قوم بما استنبطوه، ويعرف وليَّه من عدوِّه بالتوسُّم، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ [الحجر: ٧٥ و٧٦]».
وقال (نوَّر الله مرقده): حدَّثنا صفوان بن يحيى، عن القاسم بن الفضيل،
↑صفحة ٢٤١↑
عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) ضرب فساطيط لمن يُعلِّم الناس القرآن على ما أنزل الله تعالى، فأصعب ما يكون على من حفظه، لأنَّه يخالف في التأليف».
وقال (روَّح الله روحه): حدَّثنا محمّد بن أبي عمير، عن حمَّاد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنوره، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويُعمَّر الرجل في ملكه حتَّى يُولَد له ألف ذَكَر، لا يُولَد له فيها أُنثى، وتُظهِر الأرض كنوزها حتَّى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل ذلك منه، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله».
وقال (عليه الرحمة والغفران): حدَّثنا صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلا».
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
↑صفحة ٢٤٢↑
الحديث الأربعون: المهدي (عليه السلام) يملك ثلاثمائة وتسع سنين
قال الشيخ الثقة الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (قدَّس الله روحه، وزاد فتوحه): حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حمَّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «يملك المهدي ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، وتكون الكوفة دار ملكه، ويمضي قبل يوم القيامة بأربعين يوماً».
وقال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إنَّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتَّى لا يبقى إلَّا دين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يسير بسيرة سليمان بن داود».
ثمّ قال الفضل: الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
وروى الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) حديثاً آخر في باب مدَّة ملك وحكم صاحب الزمان (صلوات الله عليه)، وقال بعده: هذا حديث مأوَّل.
ونقل الشيخ الطوسي (رحمة الله عليه) هذا الحديث عنه في آخر كتاب (الغيبة)(٢٩٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩٠) الغيبة للطوسي (ص ٤٧٤/ ج ٤٩٧): عن الفضل بن شاذان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم؟ قال: «سبع سنين، يكون سبعين سنةً من سنيكم هذه».
وقال (رحمه الله) في (ص ٤٧٥/ ح ٤٩٨): عن الفضل بن شاذان، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر في حديث اختصرناه، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) دخل الكوفة، وأمر بهدم المساجد الأربعة حتَّى يبلغ أساسها، ويُصيِّرها عريشاً كعريش موسى، وتكون المساجد كلُّها جمَّاء لا شُرَف لها كما كانت على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويُوسِّع الطريق الأعظم فيصير ستِّين ذراعاً، ويهدم كلَّ مسجد على الطريق، ويسدُّ كلَّ كوَّة إلى الطريق، وكلَّ جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق، ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتَّى يكون اليوم في أيَّامه كعشرة من أيَّامكم، والشهر كعشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيكم. ثمّ لا يلبث إلَّا قليلاً حتَّى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف، شعارهم: يا عثمان! يا عثمان! فيدعو رجلاً من الموالي فيُقلِّده سيفه، فيخرج إليهم، فيقتلهم حتَّى لا يبقى منهم أحداً، ثمّ يتوجَّه إلى كابل شاه، وهي مدينة لم يفتحها أحد قطُّ غيره فيفتحها، ثمّ يتوجَّه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب».
ونقل (رحمه الله) في (ص ٤٧٦ و٤٧٧/ ح ٥٠٢): عن الفضل، عن أحمد بن عمر بن مسلم، عن الحسن بن عقبة النهميِّ، عن أبي إسحاق البنَّاء، عن جابر الجعفيِّ، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيِّف، عدَّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أنْ يقيم».
ونقل (رحمه الله) في (ص ٤٧٨ و٤٧٩/ ح ٥٠٥): عن الفضل بن شاذان، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفيِّ، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «والله ليملكنَّ منَّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً»، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: «بعد القائم (عليه السلام)»، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: «تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفَّاح».
↑صفحة ٢٤٣↑
وليُعلَم أنَّ في مدَّة خلافته الظاهريَّة (عليه السلام) أقوال وأحاديث مختلفة في كُتُب علماء الإماميَّة، ففي بعض الروايات أنَّ مدَّة حكومته (عليه السلام) سوف تكون سبعة سنوات، كلُّ سنة منها تعادل سبع سنوات، وفي البعض الآخر من الأخبار أنَّ مدَّة ملكه (عليه السلام) تسع سنوات، كلُّ سنة بمقدار عشر سنوات.
قال الشيخ المفيد (عليه الرحمة): قد روي أنَّ مدَّة دولة القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة، يطول أيَّامها وشهورها على ما قدَّمناه(٢٩١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٨٦ و٣٨٧)، وتتمَّة كلامه (رحمه الله): (وهذا أمر يغيب عنَّا، وإنَّما أُلقي إلينا منه ما يفعله الله (جلَّ وعزَّ) بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له (جلَّ اسمه)، ولسنا نقطع على أحد الأمرين، وإنْ كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر).
وكان (رحمه الله) قد ذكر قبل ذلك رواية السبع سنين حيث قال: روى عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم (عليه السلام)؟ قال: «سبع سنين، تطول له الأيَّام والليالي حتَّى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم...».
↑صفحة ٢٤٤↑
وأمَّا عند جامع هذه الأربعين: فإنَّ ما رواه الفضل بن شاذان عن زرارة ومحمّد بن مسلم الذي ذكر فيها عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «إنَّ الإمام القائم (عليه السلام) سوف يملك ثلاثمائة وتسع سنين» هو المعتبر(٢٩٢).
قال الشيخ الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (طيَّب الله مرقده): حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن فضَّال وابن أبي نجران، عن حمَّاد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سُلَيم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ألَا أُبَشِّركم أيُّها الناس بالمهدي؟».
قالوا: بلى.
قال: «فاعلموا أنَّ الله تعالى يبعث في أُمَّتي سلطاناً عادلاً، وإماماً قاسطاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، وهو التاسع من وُلْدِ وَلَدِي الحسين، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، ألَا ولا خير في الحياة بعده، ولا يكون انتهاء دولته إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً».
وليُعلَم أنَّ هذا الحديث وعدَّة من الأحاديث الأُخرى التي تقدَّم بعضها تُؤيِّد قول الشيخ المفيد (رضي الله عنه) في كتاب (الإرشاد) فيما قال في وصفه السلطان العادل.
وقد روى الشيخ المذكور حديث «لا خير في الحياة بعد المهدي» عن أمير المؤمنين والإمام الباقر والإمام جعفر الصادق (عليهم السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩٢) وهي الرواية التي نقلها تحت عنوان (الحديث الأربعون).
↑صفحة ٢٤٥↑
وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني - المعروف في هذا الزمان عند أهل أصفهان بـ (خواجة حافظ)، ويقع قبره في الجهة الغربيَّة خارج البلدة المذكورة - في الأربعين التي جمعها في تعريف صاحب الأمر (عليه السلام)، والتي نقلها صاحب (كشف الغمَّة) في كتابه بحذف إسنادها: الخامس والثلاثون في قوله (عليه السلام): «لا خير في العيش بعد المهدي»(٢٩٣).
ونقل من كتاب محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، الحديث الذي جاء فيه: «ثمّ لا خير في العيش بعده - أو قال: ثمّ لا خير في الحياة بعده -»(٢٩٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩٣) راجع: كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٧٤)، قال: (الخامس والثلاثون: في قوله: «لا خير في العيش بعد المهدي»، وبإسناده عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لو لم يبق من الدنيا إلَّا ليلة لطوَّل اللهُ تلك الليلة حتَّى يملك رجلٌ مِنْ أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، ويقسم المال بالسويَّة، ويجعل الله الغنى في قلوب هذه الأُمَّة، فيملك سبعاً، أو تسعاً، لا خير في عيش الحياة بعد المهدي»).
(٢٩٤) راجع: البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي المطبوع مع كتابه كفاية الطالب (ص ٥٠٥)، قال: (قرأت على الحافظ أبي عبَّاس أحمد بن أبي المجد الحربي، أخبرنا الحسن بن عليٍّ المذهَّب، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدَّثني أبي، حدَّثنا عبد الرزَّاق، حدَّثنا جعفر بن سليمان، عن المعلَّى بن زياد، عن العلا بن بشير، عن أبي الصدِّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُبشِّركم بالمهدي يُبعَث في أُمَّتي على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلِئَت جوراً وظلماً؛ يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض؛ يقسم المال صحاحاً»، فقال له رجل: ما صحاح؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «بالسويَّة بين الناس»، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ويملأ الله قلوب أُمَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غنى، ويسعهم عدله، حتَّى يأمر منادياً فينادي، فيقول: مَنْ له في المال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلَّا رجلٌ واحدٌ، فيقول: أنا. فيقول: ائت السدَّان - يعني الخازن - وقل له: إنَّ المهدي يأمرك أنْ تعطيني مالاً. فيقول له: احث. حتَّى إذا جعله في حجره، وأبرزه ندم، فيقول: كنتُ أجشع أُمَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفساً، أوَ عَجَزَ عَنِّي ما وسعهم؟!»، قال: «فيردُّه، فلا يقبل منه. فيقول: إنَّا لا نأخذ شيئاً أعطيناه. فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين؛ ثمّ لا خير في العيش بعده - أو قال: لا خير في الحياة بعده -») انتهى.
↑صفحة ٢٤٦↑
وروى ابن بابويه (عليه الرحمة) في كتاب (كمال الدِّين) بإسناده عن الإمام جعفر (عليه السلام) أنَّه قال (عليه السلام): «ما زالت الأرض إلَّا ولله (تعالى ذكره) فيها حجَّة يعرف الحلال والحرام، ويدعو إلى سبيل الله (جلَّ وعزَّ)، ولا ينقطع الحجَّة من الأرض إلَّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة...» إلى آخر الحديث(٢٩٥).
وهناك الحديث الذي رواه الشيخ أبو جعفر [محمّد] بن يعقوب الكليني(٢٩٦)، والشيخ الطوسي(٢٩٧)، وكثير من أكابر محدِّثي الشيعة (رضوان الله عليهم أجمعين)(٢٩٨) كما رواه سماحة أُستاذي ومن عليه اعتمادي الأمير محمّد باقر الداماد (رحمة الله عليه) في كتاب (شرعة التسمية)، قال:
في (الكافي) لرئيس المحدِّثين أبي جعفر الكليني، وفي كتاب (مفرد في أخبار الغيبة) لشيخنا الإمام أبي عبد الله المفيد، وفي كتاب (إعلام الورى) لثقة الإسلام أبي عليٍّ الطبرسي المفسِّر، وفي غيرها من كُتُب الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بالأسانيد المعتبرة المصحَّحة:
أنَّ أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري الوكيل (رضي الله عنه) سُئِلَ عند أحمد بن إسحاق عن القائم، والسائل عبد الله بن جعفر الحميري شيخ القمِّيِّين ووجههم، قال له: يا أبا عمرو، إنِّي أُريد أنْ أسألك عن شيء، وما أنا بشاكٍّ فيما أُريد أنْ أسألك عنه، فإنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة إلَّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رُفِعَت الحجَّة وأُغلق باب التوبة... إلى آخره(٢٩٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩٥) راجع: كمال الدِّين (ص ٢٢٩/ باب ٢٢/ ح ٢٤).
(٢٩٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٢٩ و٣٣٠/ باب في تسمية مَنْ رآه (عليه السلام)/ ح ١).
(٢٩٧) الغيبة للطوسي (ص ٢٤٣ و٢٤٤/ ح ٢٠٩).
(٢٩٨) إعلام الورى (ج ٢/ ص ٢١٨)، حلية الأبرار (ج ٢/ ص ٦٨٧).
(٢٩٩) شرعة التسمية (ص ٧٠).
↑صفحة ٢٤٧↑
وبما أنَّ المقصود من نقل هذا الحديث أنْ يعرف الأحبَّة بأنَّ الحجَّة (عليه السلام) سوف يتوفَّى قبل قيام القيامة بأربعين يوماً، فإنَّ هذا الحديث يكفي لذلك، خصوصاً إذا كان الاعتقاد والدِّين هو من مثل عبد الله بن جعفر الحميري الذي كان من أكابر الشيعة، ومن أصحاب الإمام عليٍّ النقي، والإمام العسكري (عليهم السلام)، وكان قوله في حضور مثل أحمد بن إسحاق الذي هو من أصحاب، ومن رواة حديث الإمام محمّد التقي، والإمام عليٍّ النقي، ومن خواصِّ الإمام الحسن العسكري (عليهم السلام)، وممَّن رأى صاحب الزمان (عليه السلام).
وأمَّا أبو عمرو فقد كان من أكابر أصحاب الأئمَّة، وقد خدم الإمام عليٍّ النقي، كما كان وكيلاً للإمام الحسن (عليه السلام)، وقد نال بعده شرف الوكالة لصاحب الزمان (عليه السلام): (إنَّ اعتقادي وديني أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة إلَّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً).
ومن المعلوم أنَّه إذا لم يكن اعتقاد ودين المسؤول (أعني أبا عمرو)، والحاضر (أعني أحمد بن إسحاق) هو كذلك أيضاً، إذن لأنكرا عليه ذلك الاعتقاد والدِّين.
يقول ابن بابويه (رحمه الله) في كتاب (كمال الدِّين): حدَّثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، عن عبد الله بن محمّد الحجَّال، عن حمَّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ﴾ [النساء: ٥٩]، قال: «الأئمَّة من ولد عليٍّ وفاطمة (عليهم السلام) إلى أنْ تقوم الساعة»(٣٠٠).
وروى أيضاً أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠٠) كمال الدِّين (ص ٢٢٢ و٢٢٣/ باب ٢٢/ ح ٨).
↑صفحة ٢٤٨↑
وعترتي أهل بيتي، فإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وضمَّ بين سبَّابتيه -».
فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، وقال: يا رسول الله، ومن عترتك؟
قال: «عليٌّ، والحسن، والحسين، والأئمَّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة»(٣٠١).
وقد ذُكِرَ في آخر الحديث الموسوم بـ (حديث خواتيم الذهب) والمنقول بعدَّة أسانيد، كما قد نقله ابن بابويه أيضاً: «يدفعها مَنْ بعده إلى مَنْ بعده إلى يوم القيامة»(٣٠٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠١) كمال الدِّين (ص ٢٤٤ و٢٤٥/ باب ٢٢).
(٣٠٢) فيه روايات كثيرة، منها ما رواه الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع (ص ١٧١ و١٧٢/ باب ١٣٥/ ح ١)، وكمال الدِّين (ص ٢٣١ و٢٣٢/ باب ٢٢/ ح ٣٥).
قال في الأخير: (حدَّثنا محمّد بن الحسن (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفَّار وسعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، قالوا: حدَّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، قال: حدَّثنا أبو القاسم الهاشميُّ، قال: حدَّثني عبيد بن نفيس الأنصاريُّ، قال: أخبرنا الحسن بن سماعة، عن جعفر بن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصحيفة من السَّماء لم يُنزِل الله تبارك وتعالى من السَّماء كتاباً مثلها قطُّ قبلها ولا بعدها؛ مختوماً، فيه خواتيم من ذهب. فقال له: يا محمّد! هذه وصيُّتك إلى النَّجيب مِنْ أهلك. قال: يا جبرئيل، ومَنْ النَّجيب مِنْ أهلي؟ قال: عليُّ بن أبي طالب. مُرْهُ إذا توفَّيت أنْ يفكَّ خاتماً منها، ويعمل بما فيه. فلمَّا قُبِضَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكَّ عليٌّ (عليه السلام) خاتماً، ثُمَّ عمل بما فيه ما تعدَّاهُ. ثُمَّ دفع الصَّحيفة إلى الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، ففكَّ خاتماً، وعمل بما فيه ما تعدَّاه. ثُمَّ دفعها إلى الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أنِ اخرج بقوم إلى الشَّهادة، لا شهادة لهم إلَّا معك، واشر نفسك لله (عزَّ وجلَّ)، فعمل بما فيه ما تعدَّاه. ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أطرق، واصمت، والزم منزلك، واعبد ربَّك حتَّى يأتيك اليقين. ثمّ دفعها إلى رجل بعده، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أنْ حدِّث النَّاس وافتهم، وانشر علم آبائك، ولا تخافنَّ أحداً إلَّا الله، فإنَّك في حرز الله وضمانه [في حرز من الله وأمان خ. ل] وأمر بدفعها؛ فدفعها إلى مَنْ بعده، ويدفعها مَنْ بعده إلى مَنْ بعده إلى يوم القيامة»).
↑صفحة ٢٤٩↑
والأحاديث التي ذُكِرَ فيها هذا المعنى كثيرة، وبعضها مطوَّلة وبعضها مختصرة، وإذا أراد أحد أنْ يجمع كلَّ هذه الأحاديث لكان كتاباً مستقلًّا في هذا الباب(٣٠٣).
والظاهر أنَّ كلمة (إلى) لانتهاء الغاية.
وقال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في أحد أبواب (كمال الدِّين) الذي روى فيه حديث: «إنِّي تارك فيكم الثقلين» بأسانيد كثيرة: وكان مرادنا بإيرادنا قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض» في هذا الباب إثبات اتِّصال أمر حُججَ الله (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، وأنَّ القرآن لا يخلو من حجَّة مقترن إليه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠٣) وعلى نحو المثال يمكنك أنْ تراجع: كمال الدِّين (ص ٦٦٩/ باب ٥٨/ ح ١٥) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل على نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتاباً قبل أنْ يأتيه الموت، فقال: يا محمّد! هذا الكتاب وصيَّتك إلى النجيب من أهلك، فقال: ومن النجيب من أهلي يا جبرئيل؟ فقال: عليُّ بن أبي طالب، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب...» الحديث.
ورواه الصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص ٤٨٦/ المجلس ٦٣/ ح ٦٦٠/٢).
ورواه الطوسي (رحمه الله) في أماليه (ص ٤٤١/ المجلس ١٥/ ح ٩٩٠/٤٧).
ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج ١/ ص ٢٨٠ و٢٨١/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً، ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله (عزَّ وجلَّ)، وأَمْرٍ منه لا يتجاوزونه/ ح ٢): (عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمري، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي عبد الله...) الحديث.
وروى الكليني (رحمه الله) بنفس المعنى واختلاف اللفظ في نفس الباب (ح ١ و٤).
وروى الشيخ الأقدم محمّد بن الحسن الصفَّار القمِّي (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص ١٤٦/ ج ٣/ باب ١٢/ ح ٢٤)، قال: (حدَّثنا محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن قاسم، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنَّ جبرئيل أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصحيفة مختومة بسبع خواتيم من ذهب، وأمر إذا حضره أجلُه أنْ يدفعها إلى عليِّ بن أبي طالب فيعمل بما فيه، ولا يجوزه إلى غيره، وأنْ يأمر كلَّ وصيٍّ مِنْ بعده أنْ يفكَّ خاتمه، ويعمل بما فيه، ولا يجوز غيره»).
وبهذا المقدار كفاية، وإلَّا فهناك روايات كثيرة غيرها كما قال المؤلِّف (رحمه الله).
↑صفحة ٢٥٠↑
الأئمَّة الذين هم العترة (صلوات الله عليهم) يعلم حكمه إلى يوم القيامة، لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض»، وهكذا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ مثلهم كمثل النجوم كلَّما غاب نجمٌ طلع نجمٌ إلى يوم القيامة» تصديقٌ لقولنا: إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله على خلقه، ظاهر مشهور، أو خاف مغمور، لئلَّا تبطل حُجَج الله (عزَّ وجلَّ) وبيِّناته، وقد بيَّن النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَن العترة المقرونة إلى كتاب الله (جلَّ وعزَّ) في الخبر الذي حدَّثنا به أحمد بن الحسن القطَّان، قال: حدَّثنا الحسن ابن عليٍّ السكري، عن محمّد بن زكريَّا الجوهري، عن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنِّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وضمَّ بين سبَّابتيه -»، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله، ومَنْ عترتك؟ قال: «عليٌّ، والحسن، والحسين، والأئمَّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة»(٣٠٤).
ولهذا الشيخ الجليل إفادات كثيرة من هذا القبيل في كتابه المذكور، وقد روى أخباراً كثيرة، ولكن لا يسع لهذا المختصر نقل جميعها.
كما أنَّه روى العلماء المخالفون أحاديثاً كثيرة كلُّها تفيد هذا المدَّعى.
واعلم أيُّها المؤمن صاحب اليقين، بما أنَّه لم يقع بين أيدينا حين تحرير هذا الأربعين شيءٌ من كُتُب حديث المخالفين، لذلك قد نقلنا فيما سبق عن أحد التصانيف القديمة لقدماء علماء الشيعة الذي نقل أحاديث في هذا الباب من الكُتُب المعتبرة عند المخالفين، ومع أنَّ مؤلِّف ذلك الكتاب لم يذكر اسمه(٣٠٥)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠٤) كمال الدِّين (ص ٢٤٤ و٢٤٥/ باب ٢٢).
(٣٠٥) ولكنَّنا عند تتبُّعنا لنقولاته وجدناه ينقل من كتاب (العمدة) للشيخ ابن بطريق (رضي الله عنه) على الظاهر.
↑صفحة ٢٥١↑
ولكنِّي اعتمد على قول الشيخ الثقة صاحب الدرجة العالية عليِّ بن عيسى الإربلي (عليه الرحمة) في نقل ما ثبَّته من تلك الأحاديث طبق ترتيبه في كتاب (كشف الغمَّة).
قال الشيخ المذكور في الكتاب المزبور عن (الجمع بين الصحيحين)، نقل عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «يكون بعدي اثنا عشر أميراً»، فقال كلمةً لم أسمعها، فقال أبي: إنَّه قال: «كلُّهم من قريش»(٣٠٦).
كذا في حديث شعبة.
وفي حديث ابن عيينة، قال: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما ولَّاهم اثنا عشر رجلاً»، ثمّ تكلَّم النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: قال: «كلُّهم من قريش»(٣٠٧).
وفي رواية مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أنْ أخبرني بشيء سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكتب إليَّ: إنِّي سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم جمعة عشيَّة رجم الأسلمي قال: «لا يزال الدِّين قائماً حتَّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلُّهم من قريش»(٣٠٨).
وعن عامر الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: انطلقت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعي أبي، فسمعته يقول: «لا يزال هذا الدِّين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة»، فقال كلمة صمَّنيِها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلُّهم من قريش»(٣٠٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠٦) صحيح البخاري (ج ٨/ ص ١٢٧).
(٣٠٧) صحيح مسلم (ج ٦/ ص ٣).
(٣٠٨) صحيح مسلم (ج ٦/ ص ٤).
(٣٠٩) المصدر السابق.
↑صفحة ٢٥٢↑
ومثله عن حصين بن عبد الرحمن، عن جابر، قال: دخلت مع أبي إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: «إنَّ هذا الأمر لا ينقضي حتَّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، ثمّ تكلَّم بكلام خفي عليَّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلُّهم من قريش»(٣١٠).
وفي حديث سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عنه (عليه السلام): «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، ثمّ ذكر مثله(٣١١).
ونقلت عن مسند أحمد بن حنبل (رحمه الله)، عن مسروق، قال: كنَّا مع عبد الله جلوساً في المسجد يقرأنا، فأتاه رجل، فقال: يا ابن مسعود، هل حدَّثكم نبيُّكم كم يكون بعده خليفة؟
قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، فقال: «اثنا عشر، كعدَّة نقباء بني إسرائيل»(٣١٢).
نقلته من المجلَّد الثالث من مسند عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه).
وإنَّ مضمون جميع هذه الأحاديث هو: أنَّ خلفاء النبيِّ اثنا عشر.
كما أنَّ مضمون بعض هذه الأحاديث، وكثير من الأحاديث التي لم يذكرها وقد نقلها غيره من المخالفين هو: أنَّ خلافة هؤلاء الأئمَّة العظماء ممتدَّة إلى يوم القيامة.
ومن تلك: حديث أحمد بن حنبل الذي رواه في مسنده عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهبوا، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»(٣١٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١٠) المصدر السابق.
(٣١١) المصدر السابق.
(٣١٢) مسند أحمد (ج ٢/ ص ٥٥/ ح ٣٧٨١).
(٣١٣) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (ج ٢/ ص ٦٧١/ ح ١١٤٥)، وليس الحديث في مسند أحمد كما اشتبه المؤلِّف (رحمه الله) بالنقل.
↑صفحة ٢٥٣↑
ويقول السُّدِّي في تفسير قول الحقِّ تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨]: تلك العقبة آل محمّد (عليهم السلام)(٣١٤).
وهذا التفسير موافق تفسير أهل البيت (عليهم السلام) الذي نقله ابن بابويه في (باب ما أخبر به سيِّد العابدين عليُّ بن الحسين (عليهما السلام)) بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «فينا نزلت هذه الآية: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾، والإمامة في عقب الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى يوم القيامة»(٣١٥).
وروى في أواخر (باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)) أنَّ الإمام جعفر (عليه السلام) قال في جواب المفضَّل بن عمر عندما سأله عن تفسير هذه الآية: «يعني بذلك الإمامة، جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة»(٣١٦).
وجاءت في هذا الباب أحاديث كثيرةٌ عن الطرفين دلَّت على أنَّ المقصود من (الكلمة الباقية) هو نفس هذا المعنى.
فعُلِمَ أنَّ الشيعة والسُّنَّة متَّفقون على اتِّصال زمان إمامة وخلافة الحجَّة (عليه السلام) بيوم القيامة.
وليُعْلَمْ أنَّ جماعة من علماء الإماميَّة قد أوردوا الدليل العقلي المستنبط من الدليل النقلي في هذا الباب، من أنَّ القيامة سوف تظهر مباشرةً وبلا فاصل بعد وفاة الإمام الحجَّة (عليه السلام)، ومن أُولئك صاحب كتاب (أنيس المؤمنين) حيث قال: بمقتضى «لولاك لما خلقت الأفلاك»، فإنَّه يمتنع خلو زمانه من النور المحمّدي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّ العالم قائم ببركة هذا النور، كما قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١٤) التبيان (ج ٩/ ص ١٩٢)، مجمع البيان (ج ٩/ ص ٨٦)، وتفسير الطبري (ج ٢٥/ ص ٨٢/ ح ٢٣٨٣٢).
(٣١٥) كمال الدِّين (ص ٣٢٣/ باب ٣١/ ح ٨)، ولكن الإسناد في المصدر عن الإمام عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وليس عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولعلَّه من سهو قلم المؤلِّف (رحمه الله).
(٣١٦) كمال الدِّين (ص ٣٥٩/ باب ٣٣/ ح ٥٧).
↑صفحة ٢٥٤↑
الأمر لا ينقضي حتَّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش»، وبما أنَّ الدنيا قد انتقلت من فيض نور محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المهدي (عليه السلام) فعند الانسلاخ بموجب قوله: «فلا خير في العيش بعد المهدي (عليه السلام)» تنقطع سلسلة انتظام الدنيا.
وقد روى هذا الشيخ الجليل بسند صحيح عن الحسن بن عليٍّ الخزَّاز أنَّه قال: دخل عليُّ بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال: أنت إمام؟
قال: «نعم».
فقال له: إنِّي سمعت جدَّك جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول: «لا يكون الإمام إلَّا وله عقب».
فقال (عليه السلام): «أنسيت يا شيخ(٣١٧) أم تناسيت؟! ليس هكذا قال [جدِّي](٣١٨)، إنَّما قال [جعفر (عليه السلام)](٣١٩): لا يكون الإمام إلَّا وله عقب، إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فإنَّه لا عقب له».
فقال [له](٣٢٠): صدقت جُعلت فداك، هكذا سمعت جدَّك يقول(٣٢١).
يقول مؤلِّف هذا الأربعين: إنَّ هذا الحقير قد جمع بين خبر مدينة الشيعة المعتبر والجزيرة الخضراء والبحر الأبيض، والذي ذُكِرَ فيه أنَّ لصاحب الزمان (عليه السلام) عدَّة أولاد، مع هذا الحديث الصحيح، في كتاب (رياض المؤمنين)، ومن أراد الاطِّلاع عليه فليرجع إلى الكتاب المذكور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١٧) هكذا في المصدر. وفي النسخة: (أنسيت أم تناسيت يا شيخ).
(٣١٨) في المصدر: (جعفر (عليه السلام)) بدل (جدِّي).
(٣١٩) ليست في النسخة، وثبتت في المصدر.
(٣٢٠) ليست في النسخة، وثبتت في المصدر.
(٣٢١) راجع: الغيبة للطوسي (ص ٢٢٤/ ح ١٨٨).
↑صفحة ٢٥٥↑
وليُعلَم أنَّ هذا الحديث قد رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في أواسط كتاب (الغيبة) مع قليل اختلاف في بعض عباراته(٣٢٢).
وكما أنَّه قد ورد في غير هذا الحديث، وفي عدَّة أحاديث صحيحة: أنَّه ليس له (عليه السلام) ولد.
ولا تخفى القضيَّة على الشيعة السعداء أنَّ السُّنَّة قائلون بأنَّ المهدي (عليه السلام) من نسل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وأنَّه سوف يظهر في آخر الزمان، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً(٣٢٣)، ومع ذلك فهناك الكثير منهم لا يقولون بوجوده (عليه السلام) في هذا الزمان ويستبعدون عمره الطويل (عليه السلام).
ولكنَّك تعلم أيُّها العزيز أنَّ الملاحدة لا يقولون بوجود الحقِّ تعالى، ومع ذلك فإنَّهم لا يضرُّون ديننا، فكذلك عدم قول هؤلاء بوجود الحجَّة (عليه السلام)، فإنَّه لا يُدخِل النقص على مذهبنا.
ويكفي للإجابة على الاستبعاد بطول عمره (عليه السلام) في هذا المختصر من قول علمائهم كابن طلحة الشافعي(٣٢٤)، وصاحب (الفصول المهمَّة) المالكي(٣٢٥)، وهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢٢) لقد أشرنا إلى الفوارق.
(٣٢٣) عدَّ الشيخ النوري (رحمه الله) مجموعة منهم في كتابه النجم الثاقب (ج ١/ ص ٣٧٦ - ٤١٧).
(٣٢٤) قال عمر كحالة في معجم المؤلِّفين (ج ١٠/ ص ١٠٤): (محمّد بن طلحة بن الحسن القرشي، العدوي، النَّصيبي، الشافعي؛ كمال الدِّين، أبو سالم. محدِّث، فقيه، أُصولي، عارف بعلم الحروف والأوفاق)، نقل ترجمته عن: طبقات الشافعيَّة للسبكي (ج ٥/ ص ٢٦)، وعن شذرات الذَّهب لابن العماد الحنبلي (ج ٥/ ص ٢٥٩ و٢٦٠).
وقال اليافعي في مرآة الجنان (ج ٤/ ص ٩٩) في حوادث سنة اثنتين وخمسين وستّ مائة: (وفيها تُوفِّي الكمال محمّد بن طلحة النصيبي المفتي الشافعي، وكان رئيساً، محتشماً، بارعاً في الفقه والخلاف).
(٣٢٥) قال عمر كحالة في معجم المؤلِّفين (ج ٧/ ص ١٧٨): (عليُّ بن محمّد بن أحمد (نور الدِّين) ابن الصبَّاغ، فقيه مالكي، أصله من سفاقس، ووُلِدَ وتُوفِّي بمكَّة. مولده (٧٨٤هـ)، وفاته (٨٥٥هـ)، (١٣٨٣ - ١٤٥١م)).
↑صفحة ٢٥٦↑
من كبار علمائهم، حيث قالا بأنَّ هذا الاستبعاد غير معقول، أمَّا لماذا؟ فلأنَّه أمر ممكن، بل واقع(٣٢٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢٦) قال الإمام العلَّامة أبو سالم كمال الدِّين محمّد بن طلحة العدوي النصيبي الشافعي المتوفَّى سنة (٦٥٢هـ) في كتابه: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ص ٣١٩ و٣٢٠) ما ملخَّصه:
(وأمَّا عمره فإنَّه وُلِدَ في أيَّام المعتمد على الله، خاف فاختفى وإلى الآن... وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إلى حين فقده. مدَّ الله تعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه، ومن مطروديه وأعدائه.
فمن الأصفياء عيسى (صلوات الله عليه)، ومنهم الخضر (عليه السلام)، وخلق آخرون من الأنبياء (عليهم السلام) طالت أعمارهم حتَّى جاز كلُّ واحدٍ منهم ألف سنة أو قاربها، كنوح (عليه السلام)، وغيره.
وأمَّا من الأعداء المطرودين فإبليس، وكذلك الدجَّال، ومن غيرهم كعاد الأُولى كان فيهم من عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب لبد.
وكلُّ هذه لبيان اتِّساع القدرة الربَّانيَّة في تعمير بعض خلقه. فأيُّ مانع يمنع من امتداد عمر الخلف الصالح إلى أنْ يظهر فيعمل ما حكم الله تعالى له به؟) انتهى موضع الحاجة.
وقال الشيخ الإمام العلَّامة عليُّ بن محمّد بن أحمد المالكي المكِّي الشهير بابن الصَّباغ المتوفَّى سنة (٨٥٥هـ) في كتابه الفصول المهمَّة (ص ٢٩٩)، قال باختصار:
(من الدلالة على كون المهدي حيًّا باقياً منذ غيبته وإلى الآن أنَّه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى، وبقاء الأعور الدجَّال وإبليس اللعين من أعداء الله... أمَّا بقاء المهدي فقد جاء في الكتاب والسُّنَّة.
أمَّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣]، قال: هو المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام).
وقد قال مقاتل بن سليمان ومَنْ تابعه من المفسِّرين في تفسير قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٨٥]، قال: هو المهدي يكون في آخر الزمان...).
وقد كتب الإمام الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي المقتول سنة (٦٥٨هـ) في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان المطبوع ضمن كفاية الطالب (ص ٥٢١ - ٥٣٢) تحت عنوان: (في الدلالة على كون المهدي (عليه السلام) حيًّا باقياً مذ غيبته إلى الآن)، وخوفاً من الإطالة والإطناب أعرضنا عن نقله، ومن شاء الاستزادة فليراجعه، فإنَّه قد أتقن الدليل والبرهان عليه.
↑صفحة ٢٥٧↑
ونحن نكتفي في جوابهم في هذه الرسالة الوجيزة: أنَّهم قائلون ببقاء إدريس، وعيسى، والخضر، وإلياس (عليهم السلام) من الصالحين.
ويعترفون ببقاء الدجَّال، والشيطان من الطالحين.
فإذا كان الله تعالى قد أطال أعمارهم، فلماذا الاستبعاد في أنْ يُكرِم الله تعالى القائم (عليه السلام) بالعمر الطويل؟!
والسلام على من اتِّبع الهدى.
وما دمنا شارفنا في هذه الرسالة على النهاية، فلننقل حديثاً وارداً في أشراط الساعة إنْ شاء الله تعالى.
[علامات أشراط الساعة]:
قال الشيخ السعيد أبو محمّد ابن شاذان (رحمه الله): حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عاصم بن حميد، قال: حدَّثنا أبو حمزة الثمالي، عن سعيد ابن جبير، عن عبد الله بن عبَّاس، قال: حججنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجَّة الوداع، فأخذ بحلقة باب الكعبة وأقبل بوجهه علينا، فقال: «معاشر الناس، ألَا أُخبركم بأشراط الساعة؟».
قالوا: بلى، يا رسول الله.
قال: «مِنْ أشراط الساعة: إضاعة الصلوات، واتِّباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم المال، وبيع الدِّين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء ممَّا يرى من المنكر فلا يستطيع أنْ يُغيِّرَهُ، فعندها يليهم أُمراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وأُمناء خونة، فيكون عندهم المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ويُؤتَمن الخائن، ويُخوَّن الأمين في ذلك الزمان، ويُصدَّق الكاذب، ويُكذَّب الصادق، وتتأمَّر النساء، وتُشاوَر الإماء، ويعلو
↑صفحة ٢٥٨↑
الصبيان على المنابر، ويكون الكذب عندهم ظرافة وسبب الطرب، فلعنة الله على الكاذب وإنْ كان مازحاً.
وأداء الزكاة أشدُّ التعب عليهم وخسراناً ومغرماً عظيماً، ويُحقِّر الرجل والديه ويسبُّهما، ويبرُّ صديقه، ويجالس عدوَّه، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويُغار على الغلمان كما يُغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وتركب ذوات الفروج على السروج، وتزخرف المساجد كما تزخرف البِيَعُ والكنائس، وتُحلَّى المصاحف، وتُطوَّل المنارات، وتكثر الصفوف، ويقلُّ الإخلاص، ويكثر الرياء، ويؤمُّهم قوم يميلون إلى الدنيا، ويُحِبُّون الرئاسة الباطلة.
فعندها قلوب المأمومين متباغضة، وألسنتهم مختلفة، وتُحلَّى ذكور أُمَّتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج وجلود السمُور، ويتعاملون بالرشوة، والربا.
ويضعون الدِّين، ويرفعون الدنيا، ويكثر الطلاق، والفراق، والشكُّ، والنفاق، ولن يضرَّ الله شيئاً، وتكثر الكوبة، والقينات، والمعازف، والميل إلى أصحاب الطنابير والدفوف والمزامير وسائر آلات اللهو.
ألَا ومَنْ أعان أحداً منهم بشيء من الدنيار، والدرهم، والألبسة، والأطعمة، وغيرهما فكأنَّما زنى مع أُمِّه سبعين مرَّة في جوف الكعبة.
فعندها يليهم أشرار أُمَّتي، وتُنهتك المحارم، وتكتسب المآثم، وتُسلَّط الأشرار على الأخيار، ويتباهون في اللباس، ويستحسنون أصحاب الملاهي والزانيات، فيكون المطر غيضاً، وتغيظ الكرام غيظاً، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، وتفشى الفاقة.
فعندها يكون أقوام يتعلَّمون القرآن لغير الله، فيتَّخذونه مزامير، ويكون
↑صفحة ٢٥٩↑
أقوام يتفقَّهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، ويتغنَّون بالقرآن، فعليهم من أُمَّتي لعنة الله ، ويُنكِرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتَّى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلَّ من الأَمَة، ويُظهِر قُرَّاؤهم وأئمَّتهم فيما بينهم التلاوم والعداوة، فأُولئك يدعون في ملكوت السماوات: الأرجاس الأنجاس.
وعندها يخشى الغنيُّ من الفقير أنْ يسأله، ويسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئاً.
وعندها يتكلَّم من لم يكن متكلِّماً.
فعندها تُرفَع البركة، ويُمطَرون في غير أوان المطر، وإذا دخل الرجل السوق فلا يرى أهله إلَّا ذامًّا لربِّهم، هذا يقول: لم أبع شيئاً، وهذا يقول: لم أربح شيئاً.
فعندها يملكهم قوم إنْ تكلَّموا قتلوهم، وإنْ سكتوا استباحوهم، يسفكون دمائهم ويملأون قلوبهم رعباً، فلا يراهم أحد إلَّا خائفين مرعوبين.
فعندها يأتي قوم من المشرق، وقوم من المغرب، فالويل لضعفاء أُمَّتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، ولا يُوقِّرون كبيراً، ولا يتجافون عن شيءٍ، جثَّتهم جثَّة الآدميِّين، وقلوبهم قلوب الشياطين، فلم يلبثوا هناك إلَّا قليلاً حتَّى تخور الأرض خورة حتَّى يظنَّ كلُّ قوم أنَّها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء الله، ثمّ يمكثون في مكثهم فتُلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها».
قال: «ذهباً وفضَّةً»، ثمّ أومأ بيده إلى الأساطين، قال: «فمثل هذا، فيومئذٍ لا ينفع ذهبٌ ولا فضَّةٌ، ثمّ تطلع الشمس من مغربها.
معاشر الناس، إنِّي راحل عن قريب، ومنطلق إلى المغيب، فأُودِّعكم وأُوصيكم بوصيَّة فاحفظوها: إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا أبداً.
↑صفحة ٢٦٠↑
معاشر الناس، إنِّي منذر، وعليٌّ هاد، والعاقبة للمتَّقين، والحمد لله ربِّ العالمين».
تمّ هذا المختصر الموسوم (كفاية المهتدي في معرفة المهدي)، والحمد لله على إتمامه، وصلَّى الله على محمّد وآله، وسلَّم تسليماً كثيراً(٣٢٧).
والسلام على من اتَّبع الهدى.
* * *
أقول: وقد تمَّ اختصار وترجمة كتاب (كفاية المهتدي)، وسمَّيته (مختصر كفاية المهتدي)، وكان آخره في صبيحة يوم الاثنين العاشر من شهر رمضان المبارك سنة (١٤٢٢هـ)، جوار حرم السيِّدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) في قرية راوية دمشق الشام على يد الأحقر المحتاج ياسين الموسوي (عفى الله تعالى عنه) بمحمّد وآله الطاهرين (صلَّى الله عليهم أجمعين).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢٧) على يد أحقر العباد محمّد مؤمن ابن شيخ عبد الجواد يوم السابع [من] شهر ربيع الثاني من شهور سنة خمس وثمانين وألف من الهجرة النبويَّة. الحمد لله على إتمامه، وصلَّى الله على محمّد وآله أجمعين.
وقد كتب في آخر النسخة المخطوطة الأُخرى: (قد فرغ كتابته في يوم السبت من عشر الثالث، من شهر الحادي عشر في سنة الإحدى من عشر الثاني من مائة الثانية بعد الألف الأُولى من الهجرة النبويَّة المصطفويَّة (صلوات الله عليه وعلى آله)، مطابق أودى ئيل التركي، أرجو أنْ أكون شريكاً في ثواب قاريها وسامعها ومن اعتقد بها).
وأنت خبير بعجمة كاتبها، فتركنا ما كتب بلا تعليق.
↑صفحة ٢٦١↑
١ - القرآن الكريم.
٢ - إثبات الرجعة: الفضل بن شاذان/ مطبوع في مجلَّة تراثنا/ العدد ١٥/ نشر مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ ١٤٠٩هـ/ قم.
٣ - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: محمّد بن الحسن الحرُّ العاملي (قدّس سرّه)/ نشر مكتبة المحلَّاتي/ ١٤٢٥هـ/ قم.
٤ - إثبات الوصيَّة: المسعودي/ المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
٥ - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشِّي): الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة (قدّس سرّه)/ تحقيق: مهدي الرجائي/ نشر مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ ١٤٠٤هـ/ قم.
٦ - الأربعون: الشيخ البهائي/ مكتبة نويد إسلام/ ١٤١٦هـ.
٧ - الأربعين البلدانيَّة: الحافظ عبد القادر الرهاوي.
٨ - الأربعين: مخطوط/ مكتبة جامعة طهران/ رقم (٢١٣٠/٢١٧).
٩ - الإرشاد في معرفة حُجَج الله على العباد: أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (قدّس سرّه)/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ نشر دار المفيد.
١٠ - أسماء مصنِّفي الشيعة (رجال النجاشي): أبو العبَّاس أحمد بن عليٍّ النجاشي الأسدي الكوفي/ تحقيق: آية العظمى السيِّد موسى الشبيري الزنجاني/ ط ٥/ ١٤١٦هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
↑صفحة ٢٦٣↑
١١ - الاعتقادات: الشيخ الصدوق/ مطبوع بالحجر مع كتاب النافع يوم الحشر.
١٢ - إعلام الورى بأعلام الهدى: أبو الفضل عليُّ بن الحسين الطبرسي/ تحقيق ونشر: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ قم.
١٣ - الأمالي: أبو جعفر محمّد بن الحسن الشيخ الطوسي/ تحقيق: مؤسَّسة البعثة/ نشر دار الثقافة/ ط ١/ ١٤١٤هـ/ قم.
١٤ - الأمالي: أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمِّي المعروف بـ (الشيخ الصدوق)/ تحقيق ونشر: مؤسَّسة البعثة/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ قم.
١٥ - الإمامة والتبصرة: عليُّ بن الحسين بن بابويه القمِّي والد الشيخ الصدوق/ مؤسَّسة الإمام الهادي (عليه السلام).
١٦ - أمل الآمل: محمّد بن الحسن المعروف بـ (الحرِّ العاملي)/ تحقيق: السيِّد أحمد الحسيني/ نشر: مطبعة الآداب/ ١٤٠٤هـ/ النجف الأشرف.
١٧ - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: الشيخ محمّد باقر المجلسي/ مؤسَّسة الوفاء/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م/ بيروت.
١٨ - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: علاء الدِّين عليٌّ المتَّقي بن حسام الدِّين الهندي البرهان فوري.
١٩ - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن الصفَّار/ تقديم وتعليق: الحاجّ ميرزا محسن كوجه باغي/ نشر: مؤسَّسة الأعلمي/ ١٤٠٤هـ/ طهران.
٢٠ - البيان في أخبار صاحب الزمان: محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي/ ط مع كفاية الطالب/ تحقيق: محمّد هادي الأميني/ نشر: دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)/ ١٤٠٤هـ/ طهران.
↑صفحة ٢٦٤↑
٢١ - تُحَف العقول عن آل الرسول: الحسن بن عليِّ بن الحسين بن شعبة الحرَّاني/ تصحيح: عليّ أكبر الغفاري/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ ١٤٠٤هـ/ قم.
٢٢ - تفسير القمِّي: عليُّ بن إبراهيم القمِّي/ ط ١/ النجف الأشرف.
٢٣ - الثاقب في المناقب: عماد الدِّين أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الطوسي/ تحقيق: نبيل رضا عطوان/ مؤسَّسة أنصاريان/ ط ٢/ ١٤١٢هـ/ قم.
٢٤ - حلية الأبرار في أحوال محمّد وآله الأطهار: السيِّد هاشم البحراني/ تحقيق: الشيخ غلام رضا البحراني/ نشر: مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ ط ١/ ١٤١١هـ.
٢٥ - خاتمة المستدرك: الميرزا النوري الطبرسي/ الطبعة الحجريَّة.
٢٦ - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عليه السلام).
٢٧ - الخصال: أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمِّي المعروف بـ (الشيخ الصدوق)/ تصحيح: عليّ أكبر الغفاري/ نشر: جامعة المدرِّسين/ قم.
٢٨ - دعائم الإسلام: القاضي النعمان بن محمّد بن منصور المغربي/ تحقيق: آصف بن عليّ أصغر فيضي/ دار المعارف/ ١٣٨٣هـ - ١٩٦٣م.
٢٩ - دلائل الإمامة: أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري (الشيعي)/ ط ١/ النجف الأشرف.
٣٠ - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آغا بزرك الطهراني/ نشر: دار الأضواء/ ط ٣/ ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م/ بيروت.
٣١ - الروضة النضرة (طبقات أعلام الشيعة): ق ١١/ الشيخ آغا بزرك الطهراني.
↑صفحة ٢٦٥↑
٣٢ - روضة الواعظين: محمّد بن الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد مهدي الخرسان/ منشورات الرضي/ قم.
٣٣ - السلافة: السيِّد عليّ خان المدني.
٣٤ - شذرات الذهب: ابن العماد الحنبلي.
٣٥ - شرعة التسمية: المحقِّق الداماد/ ط ١/ ١٤٠٩هـ/ قم.
٣٦ - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري/ نشر: دار الفكر/ ١٤٠١هـ/ بيروت.
٣٧ - صحيح مسلم: مسلم بن الحجَّاج النيشابوري/ دار الفكر/ بيروت.
٣٨ - الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد/ نشر: دار صادر/ بيروت.
٣٩ - العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال الدِّين السيوطي.
٤٠ - عقد الدُّرَر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيى بن عبد العزيز السلمي الشافعي/ تحقيق: عبد الفتَّاح الحلو/ تعليق: عليّ نظري منفرد/ انتشارات نصايح/ ط ١/ ١٤١٦هـ.
٤١ - علل الشرائع: أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمِّي المعروف بـ (الشيخ الصدوق)/ منشورات المكتبة الحيدريَّة/ ١٣٨٦هـ - ١٩٦٦م/ النجف الأشرف.
٤٢ - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: يحيى بن الحسن الأسدي الحلِّي المعروف بـ (ابن البطريق)/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ ١٤٠٧هـ/ قم.
٤٣ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمِّي المعروف بـ (الشيخ الصدوق)/ تصحيح: حسين الأعلمي/ مؤسَّسة الأعلمي/ ط ١/ ١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م/ بيروت.
↑صفحة ٢٦٦↑
٤٤ - الغيبة: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة/ تحقيق: الشيخ عبد الله الطهراني والشيخ أحمد ناصح/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ الطبعة المحقَّقة الأُولى/ ١٤١١هـ.
٤٥ - الغيبة: أبو زينب محمّد بن إبراهيم النعماني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ مكتبة الصدوق/ طهران.
٤٦ - الفتاوى الحديثيَّة: ابن حجر العسقلاني.
٤٧ - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: السيِّد رضي الدِّين أبو القاسم عليُّ بن موسى بن جعفر ابن طاوس/ دار الذخائر/ ط ١.
٤٨ - فردوس الأخبار: ابن شيرويه الديلمي.
٤٩ - فضائل الصحابة: أحمد بن حنبل.
٥٠ - الفهرست: الرازي.
٥١ - الكافي: ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني/ تصحيح: عليّ أكبر الغفاري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ ط ٢/ ١٣٨٩هـ/ طهران.
٥٢ - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي/ تحقيق: سهيل زكار/ دار الفكر/ ط ٣/ ١٤٠٩هـ/ بيروت.
٥٣ - كتاب سُلَيم بن قيس: سُلَيم بن قيس/ تحقيق: الأنصاري/ ط ١/ نشر الهادي/ ١٤١٥هـ.
٥٤ - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي/ دار الأضواء/ ١٤٠٥هـ - ١٩٨٥م/ بيروت.
٥٥ - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: عليُّ بن محمّد بن عليٍّ الخزَّاز القمِّي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الكوه كمري/ انتشارات بيدار/ ١٤٠١هـ/ قم.
↑صفحة ٢٦٧↑
٥٦ - كمال الدِّين وتمام النعمة: أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمِّي المعروف بـ (الشيخ الصدوق)/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ ١٤٠٥هـ/ قم.
٥٧ - مائة منقبة عن مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمَّة من ولده (عليهم السلام) من طريق العامَّة: محمّد بن أحمد بن عليِّ بن الحسن القمِّي المعروف بـ (ابن شاذان)/ تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)/ ط ١/ ١٤٠٧هـ/ قم.
٥٨ - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق ونشر: السيِّد جلال الدِّين الحسيني/ ١٣٧٠هـ.
٥٩ - مرآة الجنان: عبد الله اليافعي.
٦٠ - المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): محمّد بن جرير الطبري (الشيعي)/ تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي/ مؤسَّسة الثقافة الإسلاميَّة/ ط ١/ قم.
٦١ - مسند أحمد: أحمد بن حنبل.
٦٢ - المصنَّف: محمّد بن إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة/ تعليق: سعيد فحَّام/ دار الفكر/ ط ١/ ١٤٠٩هـ - ١٩٨٩م/ بيروت.
٦٣ - مطالب السؤول: ابن طلحة الشافعي/ ط طهران.
٦٤ - المعجم الكبير: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني/ حمدي عبد المجيد السلفي/ مكتبة ابن تيميَّة/ ط ٢/ القاهرة.
٦٥ - معجم المؤلِّفين: عمر رضا كحالة/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
٦٦ - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: السيِّد أبو القاسم الخوئي/ ط ٥/ ١٤١٣هـ.
↑صفحة ٢٦٨↑
٦٧ - معرفة علوم الحديث: محمّد بن عبد الله المعروف بـ (الحاكم النيسابوري)/ تصحيح: معظم حسين/ دار الآفاق الجديدة/ ١٤٠٠هـ - ١٩٨٠م/ بيروت.
٦٨ - مقتضب الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أحمد بن عيَّاش الجوهري/ نشر مكتبة الطباطبائي/ قم.
٦٩ - مناقب آل أبي طالب: محمّد بن عليِّ بن شهرآشوب/ نشر المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
٧٠ - منتخب الأنوار المضيئة: بهاء الدِّين عليُّ بن عبد الكريم النيلي النجفي/ مؤسَّسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ ط ١/ ١٤٢٠هـ/ قم.
٧١ - النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب: ميرزا حسين النوري/ تحقيق: السيِّد ياسين الموسوي/ ط ١/ ١٤١٥هـ.
٧٢ - نهج البلاغة: مجموعة خُطَب وكُتُب أمير المؤمنين (عليه السلام)/ جمعها الشريف الرضي (قدّس سرّه)/ شرح: محمّد عبده/ نشر دار المعرفة/ بيروت.
٧٣ - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: محمّد بن الحسن الحرُّ العاملي/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ قم.
* * *
↑صفحة ٢٦٩↑